8- أعطانا الرب مفهومًا جديدًا لمعنى القوة
أن العالم يفهم القوة بطريقة غير التي قدمها لنا السيد المسيح العالم يري القوة الخارجة. قوة العنف، قوة الإنسان الذي يستطيع أن يضرب، وأن يحمي نفسه من الضرب، قوة الإنسان الذي يستطيع أن يخضع غيره له.
أما السيد الرب، فأعطانا مثلًا للقوة التي تحب، وتستطيع أن تبذل، وتستطيع أن تحتمل، وأن تعطي ولو علي حساب ذاتها.
ونحن عندما نفكر في القوة، إنما نفكر فيها علي المستوي الروحي وليس علي المستوى الجسدي وبهذه النظرة ننظر علي المسيح في آلامه. أن العالم المادي المسكين يظن أن المسيح كان ضعيفًا عندما ضرب ولطم واستهزأوا به وعلقوه علي الصليب. وحقًا كان يمكن أن يقال ذلك، لو أن المسيح احتمل كل تلك الإهانات عن عجز.. ولكنه بالعكس من ذلك كان أقوي من ضاربيه ومهينيه وصلبيه.
كانت له القوة أن يبيدهم جميعًا، ولكنه لم يفعل لأنه كان يحبهم، ومحبته كانت أقوي من الموت.
كان يمكنه أن يميت كل هؤلاء، ولكنه لم يفعل. لأنه كان قد جاء ليخلصهم من الموت، ويعطيهم الحياة بموته. لذلك نحن نمجد المسيح في هذا الاحتمال، شاعرين أن الذي يحتمل هو الأقوى. وهكذا يقول الرسول "فيجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء ولا نرضي أنفسنا" (رو 15: 1). هناك أشخاص ضعفاء لا يستطيعون أن يحتملوا. أقل كلمه تهزهم، فينهارون بسرعة وينتقمون، وفي انتقامهم، أو ردهم للإهانة بمثلها، نشعر بضعفهم وعدم قدرتهم علي الاحتمال.
أما المسيح فكان قويًا في احتماله تدل علي قوه حبه. فالشخص الذي يحب هو الذي يقدر أن يحتمل.
وما عدم احتمالنا نحن، إلا دليل علي نقص محبتنا. ولقد جاء المسيح خصيصًا ليحمل خطايانا "كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلي طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنًا" (أش 53: 6). وحمل الرب كل هذه الخطايا عنا، ليدفع ثمنها بنفسه. من أجل كل فرد فينا، احتمل الرب الإهانات والتعيير والضرب واللطم والبصق، فرحًا في عمق محبته مغنيا في أذن كل واحد منا بقوله "من أجلك احتملت العار، غطي الخزي وجهي) (مز 69: 7). ونحن نسمع ذلك ونجيبه في انسحاق من أجلي احتملت ظلم الأشرار. بذلت ظهرك للسياط، وخديك للطم. لم ترد وجهك عن خزي البصاق..".
أن قوة المسيح في آلامه وصلبه تظهر في أنه كان يستطيع أن يبيد كل هؤلاء المعتدين ولكنه لم يفعل، من فرط حبه لنا.. هو أخذ عقوبتنا، وأعطانا سلامه. أخذ خزينا وأعطانا مجده.
ولكي نفهم قوة المسيح علي حقيقتها علينا أن نسأل. ماذا كان سيحدث لو أن المسيح رفض الإهانة والصلب؟! لو أنه أمر أن تنفتح الأرض وتبتلع كل هؤلاء القائمين، أو أن تنزل نار من السماء وتحرقهم (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)؟! كان يمكنه ذلك، ولكن يكون الثمن هو هلاكنا نحن لأن الفادي رفض أن يموت عنا. لذلك قال الرب: أموت أنا ولا تموتون. وأهان أنا، وتتمجدون أنتم. أنني أنما جئت في الجسد خصيصًا لأجلكم، لكي أبذل ذاتي عنكم واحتمل الإهانات عنكم، حب لكم وللمهينين. ولذلك فإنه لم يحتمل فقط ظلم الأشرار، وإنما أكثر من هذا أحبهم، وغفر لهم، وصلي من أجلهم مدافعًا عنهم ومتشفعًا فيهم بقوله "يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون".
هذه هي القوة الحقيقية، قوة القلب المملوء بالمحبة والذي يستطيع أن يحتمل المسيء ويحبه ويصلي من أجله، ويفديه بحياته.
من من الناس يستطيع هذا، مهما بلغ قوة في الجسد، أومن رفعة من المنصب أي مدير عمل يستطيع أن يحتمل لطمه من فراش، ويحبه ويغفر له، ويدافع عنه، ويرقيه.. والقياس مع الفارق بالنسبة إلي هذا الذي حدث بين خالق ومخلوق..
أن بطرس الرسول لم يفهم القوة بمعناها الروحي المسيحي، عندما استل سيفه دفاعًا عن معلمه وقت القبض عليه، وقطع آذن العبد.
لذلك أمره الرب أن يرد سيفه إلي غمده. حسن أن تكون لك غيرة مقدسة، ولكن العنف ليس هو طريقنا. فنحن لنا أسلوب آخر هو الحب. وهكذا لمس الرب أذن العبد فشفاها. وسلم نفسه للخطاة الذين جاء ليفديهم أيضًا.. كذلك أن يوحنا ويعقوب الرسولين لم يفهما معني القوة، عندما قالا له "أتشاء يا رب أن تنزل نار من السماء وتحرق هذه المدينة" دفاعًا عنه إذ رفضته تلك المدينة. ولكن الرب أجابهم لستما تعلمان من أي روح أنتما. فأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك العالم بل ليخلص العالم" (لو 9: 54-56). أن هذا ليس هو أسلوبي. لقد جئت لأخلص ما قد هلك. بنفس هذا الأسلوب تقدم الرب بإرادته نحو الصليب، ليبذل نفسه فدية عن كثيرين. لذلك نحن يا أخوتي عندما نقف إلي جوار الصليب، لا نقف لكي نبكي علي المسيح مثلما فعلت المجدلية ومثلما بكت. بنات أورشليم.. ولسنا نقف إلي جوار الصليب، لكي نرثي المسيح ونؤنبه، إنما نحن نقف إلي جوار الصليب، لكي نمجده ونمجد المصلوب عليه ولكي نقول له تلك العبارة الجميلة:
لك القوة.