المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الاثنين، 27 أبريل 2015

الشجاعة الرجولية _ كيرلس الإسكندري

الشجاعة الرجولية _ كيرلس الإسكندري





عملية الشفاء من الخوف والإنزعاج

للقديس كيرلس السكندري





"من يُحب نفسه يهلكها، ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة الأبدية" (يو 12)

"لا ينبغي أن تعثر من كوني سأتألم، ولا ينبغي أن تشك في الكلمات التي تكلمت بها، بل بالحري يجب أن تتهيأ مقدماً لهذه الآلام، لأن من يظن أنه من المناسب أن يحرص على حياته هنا، ولا يريد أن يعرضها للأخطار من أجلي، فهو سيضيعها في الزمان الآتي. أما من يعرض حياته للأخطار في هذا العالم الحاضر فهو يزخر لها مكافآت عظيمة، ومن يحتقر حياته في هذا العالم فإنه سيحصل على الحياة التي لا تفنى في الدهر الآتي". فالرب يعني بمحبة النفس التشبث بها بقوة، كما يتضح في حالة أولئك الذين لا يعرّضون جسدهم للأخطار.


"إن كان أحد يخدمني فليتبعني"

ما يقوله الرب هو شيء من هذا القبيل: "إن كنت أنا من أجل منفعتكم أعرّض نفسي للموت، ألا يكون من الجبن من جهتكم أن تنفروا من إحتقار حياتكم المؤقتة لأجل التمتع بالفوائد الخاصة بكم، وأن تنفروا من الحصول على الحياة التي لا تفنى عن طريق موت الجسد؟ أن الذين يبغضون حياتهم الخاصة بإحتمال الألم والذين يعرضونها للموت، إنما هم يحفظونها للبركات الأبدية. وأيضاً، الذين يحيون في النسك يبغضون حياتهم الخاصة، ولا يخضعون للملذات الخاصة بمحبة الجسد. لذلك فما صنعه المسيح بتألمه من أجل كل الناس، إنما فعله لكي يكون مثالاً للشجاعة الرجولية، معلما الذين يرغبون في البركات المرجوة، أن يكونوا غيورين في ممارسة هذه الفضيلة. فهو يقول، إنه يلزم لأولئك الذين يريدون أن يتبعوني، أن يظهروا شجاعة رجولية، ويظهروا إحتمالاً مثلي، لأنهم بهذا فقط سينالون إكليل النصرة.


"وحيث أكون أنا هناك أيضاً يكون خادمي"

وحيث أن رئيس خلاصنا سار ليس في طريق المجد والتنعم، بل في طريق المهانة والضيقات، هكذا ينبغي أن نفعل نحن أيضاً، ولا نشكو، وذلك لكي نصل إلى نفس المكان ونشترك في المجد الإلهي.


وهل سنكون جديرين بأي كرامة، إذا رفضنا أن نحتمل الآلام مثلما إحتمل سيدنا؟!


لكن ربما بقوله "حيث أكون انا هناك أيضاً يكون خادمي"، يتكلم ليس عن مكان بل عن التقدم في الفضيلة، لأن نفس الخصائص التي ظهر المسيح متميزاً بها يجب على الذين يتبعونه أن يتميزوا بها أيضاً - هذا طبعاً لا يتضمن الإمتيازات الإلهية الفائقة على الطبيعة البشرية، لأنه من المستحيل على أي إنسان أن يكون مثل من هو الإله الحقيقي ومن هو بطبيعته اللهن بل أن يتمثل بالخصائص التي يمكن لطبيعة الإنسان ان تتصف بها، ليس إسكات البحر وأعمال من هذا القبيل، بل أن يكون متواضعاً ووديعاً ويحتمل الإهانات.


"وإن كان أحد يخدمني يكرمه الآب"

هنا بالتأكيد توجد مكافأتهم، بأن يكرمهم الآب، لأن تلاميذ المسيح هم شركاء لملكوت المسيح ومجده. ويقول إن الكرامات تعطى من الآب، رغم أنه هو نفسه معطي البركات، فهو يقول إن الطبيعة الإلهية هي التي تعطي كل إنسان حسب عمله، ويرينا أن الآب يريد أن نطيع أوامر الابن، لأن الابن لا يشرّع أي وصية مضادة لوصية الآب. لذلك يجب أن نلاحظ أن من يعمل الأعمال المرضية لله فهو يخدم المسيح، اما من يتبع رغباته الخاصة فهو تابع لنفسه وليس تابعاً لله.


"الآن نفسي قد اضطربت، وماذا أقول؟ أيها الأب نجني من هذه الساعة. ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة. أيها الآب مجد اسمك"


أرجوكم أن تلاحظوا في هذه الكلمات مرة أخرى، كيف أن الطبيعة البشرية تتأثر بسهولة بالأمور المزعجة، ويدخل إليها الخوف، بينما من الناحية الأخرى فإن القوة الإلهية غير المدركة، هي من جميع الوجوه لا تنثني ولا تخاف، وهي ثابتة في الشجاعة التي تليق بها وحدها. فإن ذكر الموت الذي ورد أثناء الحديث بدأ يزعج يسوع، ولكن قوة الألوهة في الحال أخضعت المعاناة التي أثارها ذكر الموت، وفي لحظة حولت الخوف إلى جرأة لا تقارن.


لأننا يمكن أن نفترض أنه حتى بالنسبة لمخلصنا يسوع المسيح نفسه، ما يخص الطبيعة الإنسانية من مشاعر كانت تتحرك في إتجاهين بالضرورة، فبتأثير هذه المشاعر أظهر نفسه بشكل أكيد أنه إنسان مولود من امرأة - ليس في مظهر خادع او مجرد خيال بل بالحري بالطبيعة وبالحق، لأن له كل الخصائص الإنسانية فيما عدا الخطيئة وحدها. والخوف والإنزعاج، رغم أنهما من المشاعر الطبيعية بالنسبة لنا، إلا أنهما لا يحسبان ضمن الخطايا. وإضافة إلى ذلك، كانت الخواص البشرية فعالة في المسيح بشكل مربح ومفيد، ليس أنها في حركتها قد سيطرت وإمتدت إلى مدى أبعد، كما يحدث معنا، لكنها بعد حركتها فإنها تُختصر وتتوقف بواسطة قوة "الكلمة"، وهكذا فإن الطبيعة الإنسانية قد تحولت في المسيح أولاً إلى حالة أفضل وأكثر إقتراباً من الطبيعة الإلهية. وبهذه الطريقة - وليس بغيرها - إجتازت عملية الشفاء من المسيح إلينا نحن أبضاً.


لأن طبيعة الإنسان أعيدت إلى جدة الحياة في المسيح نفسه أولاً كباكورة، وفيه أيضاً قد حصلنا على الأمور التي تفوق الطبيعة، ولهذا السبب فهو يدعى في الكتب المقدسة "آدم الثاني". وكما شعر بالجوع والتعب كإنسان، هكذا أيضاً بنفس الكيفية يشعر بالإضطراب الناتج من العواطف والألم، لأن هذا الشعور هو خاصية إنسانية. ومع ذلك فهو لا يستثار مثلنا، ولكن فقط بقدر ما يبدأ الإحساس بهذا الاختبار، ثم يعود في الحال مرة أخرى إلى الشجاعة اللائقة بذاته.


لأنه كما أن حالة الشعور بالجوع أو اختبار أي شعور آخر مثل هذا، هو ألم خاص بالجسد، هكذا أيضاً فإن الإضطراب من تصور الأمور المرعبة هو بالضرورة ألم خاص بالنفس العاقلة، التي بواسطتها هي وحدها يمكن حقاً أن يدخل أي فكر إلى داخلنا من خلال عمليات العقل. لأن المسيح، قبل أن يكون بالفعل مصلوباً على الصليب، فإنه يعاني ضيقة الآلام قبل حدوثها، إذ كان يرى بوضوح مسبقاً ما كان سيحدث، وكان يتصور بفكره الأحداث المقبلة. لأننا لا يمكن أن ننسب ألم الرعب للاهوت غير القابل للتألم، كما أنه ليس خاصاً بالجسم، لأنه إنفعال خاص بالنفس وليس بالجسم.


ومع ذلك، فإنه بعد أن تحدث عن كونه "إضطرب"، فهو لا ينسحب إلى الصمت بل يحول الألم الذي أحسّ به إلى شجاعة بلا أي خوف، وكأنه يقول: "الموت في ذاته هو لا شيء، ولكني سمحت لجسدي أن يشعر بالخوف والرعب، لكي أدخل فيه عنصراً جديداً من الشجاعة والقوة. لقد جئت لأعيد الحياة للذين على الأرض، والتي فيها أيضاً أتهيأ للآلام".


وبعد ذلك يقدم طلبه إلى الآب، ويظهر الشكل الخارجي للصلاة، ليس كأنه ضعيف من جهة الطبيعة الضابطة للكل، بل يصلي من جهة إنسانيته، ناسباً للطبيعة الإلهية تلك الخصائص التي تفوق البشر، وهو لا يعني بهذا أن الطبيعة الإلهية هي غريبة عن ذاته، فهو يدعو الله أباه الذاتي، بل ويعرف تماماً أن القوة الكاملة الجامعة والمجد الفائق هما يخصان الآب والابن معاً. وسواء كان نص الصلاة "مجد ابنك" أو "مجد إسمك"، فلا يوجد اختلاف في المعنى. فالمسيح إنما يحتقر الموت وعار الآلام، ويتطلع فقط إلى الأمور التي سيحققها بواسطة آلامه. وهو يرى موت كل البشر وهو يتلاشى نتيجة لموت جسده، عارفاً أن قوة الفساد هي على وشك أن تُباد إلى الأبد، وأن طبيعة الإنسان حينئذ ستتحول إلى جدة الحياة. وكأنه يقول شيئاً من هذا القبيل لله الآب:


"أيها الآب، إن الجسد ينفر من ملاقاة الموت، ويرتعب من ذلك الموت الذي هو ضد الطبيعة بالنسبة له. بل ويبدو أنه أمر لا ينبغي أن يحتمل، أن الذي هو جالس معك في العرش، ويملك القوة الضابطة للكل، يثور اليهود عليه بشدة إهانتهم الشنيعة، ولكن بما أن هذا هو السبب الذي جئت لأجله، "مجد ابنك"، أي لا تمنعني من ملاقاة الموت، بل أمنح ابنك هذا الطلب لأجل خلاص البشر".


ويمكنك أن تعرف أن الإنجيلي في بعض مواضع أخرى أيضاً يتحدث عن الصليب تحت اسم "مجد"، من قوله: "لأن الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجد بعد" (يو 7). فالإنجيلي يتحدث بحكمه عن كونه "صُلب" بقوله "مُجِدَ"، أي أن الصليب هو مجده. ففي وقت آلامه احتمل المسيح راضياً وصابراً صعوبات كثيرة، وأيضاً إجتاز آلاماً كثيرة بإرادته من أجلنا كان يمكنه لو أراد أن يرفض التألم بها، فإحتماله كل هذه الآلام من أجل منفعة الاخرين هو دليل على حنانه الفائق وعلى مجده الفائق جداً.

والابن صار ممجداً أيضاً بطريقة أخرى، فبواسطة انتصاره على الموت ندرك أنه هو الحياة وابن الإله الحي. والآب يتمجد عندما يظهر أن له مثل هذا الابن مولوداً منه، وبنفس الصفات التي له، فهو الصلاح والنور والحياة والغالب الأقوى من الموت، وهو الذي يفعل أي شيء يريده.


وعندما يقول: "مجد ابنك"، فهو يعني هذا: "أعطِ موافقتك لي أن أتألم بحسب رغبتي". فالآب بذل ابنه للموت، ليس بدون تشاور معه، بل بالرضا والقبول لأجل حياة العالم. لذلك فإن موافقة الآب يشار إليها على انها سكب للبركات علينا نحن، فبدلاً من ذكر "الألم" تكلم عن "المجد".


وهذا يقوله مثالاً لنا، إذ ينبغي أن نصلي أن لا ندخل في تجربة، ولكن إن حدث ودخلنا في تجربة، فينبغي أن نحتمل التجربة بنبل وشجاعة، ولا نهرب منها بل نصلي لكي نخلص. "مجّد اسمك"، لأنه إذا كان الله يتمجد من خلال الأخطار التي تقابلنا، إذا فلنحسب كل الأمور الأخرى في مرتبة ثانية بعد هذه الغاية (تمجيد الله).


إضافة إلى ذلك، كما أن إبادة الموت لم تتم بطريقة أخرى غير موت المخلص، هكذا أيضاً الوضع بالنسبة لكل ألم من ألام الجسد. فلو لم يشعر المسيح بالخوف لما أمكن للطبيعة البشرية أن تتحرر من الخوف، ولو لم يكن قد اختبر الحزنن لما كان هناك تتحرر من الحزن على الإطلاق، ولو لم يكن قد اضطرب وإنزعج لما وُجِد أي مهرب من هذه المشاعر. ومن جهة كل إنفعال من الإنفعالات التي تتعرض لها الطبيعة البشرية، فإنك ستجد المقابل لها بالضبط في المسيح. فإنفعالات الجسد كانت تتحرك، لا لكي تكون لها السيطرة، كما يحدث في حالتنا نحن، بل لكي حينما تتحرك فإنها يتم إخضاعها كلية بقوة الكلمة الساكن في الجسد، وهكذا تجتاز طبيعة الإنسان تحولاً وتغييراً نحو الأفضل.


المرجع: شرح إنجيل يوحنا الجزء السابع، للقديس كيرلس السكندري، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة.


Reference: Early Church Fathers, Cyril of Alexandria, by Norman Russel, University of Durham

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;