المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الأحد، 26 أبريل 2015

سرقة المقدسات _ يوحنا ذهبي الفم

سرقة المقدسات _ يوحنا ذهبي الفم




سرقة المقدسات 

القديس يوحنا ذهبي الفم


"ورجل اسمه حنانيا وامرأته سفيرة باعا مُلكاً واختلس من الثمن وامرأته لها خبر ذلك وأتى بجزء ووضعه عند أرجل الرسل ... "

هذه القصة تمس الأساقفة أيضاً وبمنتهى القوة.

وزوجة حنانيا إذ كان لها علم بما جرى، استجوبها بطرس الرسول، لكن ربما من يقول أن بطرس تعامل معها بمنتهى الشدة. ماذا تعني يا من تقول هذا؟ أية شدة؟ إذا كان من أجل جمع عيدان حطب كان يتم رجم الشخص، فكم بالأولى يُعاقب من انتهك المقدسات ودنسها، لأن هذا المال صار مقدساً. لأن الذي اختار أن يبيع ممتلكاته ويوزع ثمنها ثم نكص وعده، يكون متهماً بجريمة انتهاك المقدسات. لكن إن كان أحد يسترجع شيئاً مما كان له يُعتبر منتهكاً للمقدسات، فكم بالأولى من يأخذ مما هو ليس له (هنا يقصد رجال الأكليروس). وليتك لا تظن أن جريمتك ستمر بدون عقاب ما دام لم يحدث معكما كما حدث لهما. 

هل تلاحظون أن هذه هي التهمة الموجهة ضد حنانيا وهي أنه بعد أن كرّس المال لله اخفاه وافرزه بعد ذلك؟

قال بطرس له: ألم يمكنك بعد أن بعت ملكك أن تستخدم ثمنه كملك لك؟ هل أمرك أحد بتقديمه؟ لماذا تصرفت هكذا بعد أن وعدتَ الله بتقديمه له؟

انظروا كيف من البداية ذاتها شنّ الشيطان هجومه، إذ في وسط مثل هذه الآيات والعجائب، هذا الإنسان تقسى قلبه. 

شيء من هذا القبيل حدث في زمن العهد القديم. طمع عخان بن كرمي في شيء مما حرمه الله (يش 7)، إذ لاحظوا هناك أيضاً الانتقام الذي ترتب على هذه الخطية. 

أيها الأحباء، إن تدنيس المقدسات هي أفظع خطية ومملوءة بالإهانة والازدراء لله. 

قال الرسول: نحن لم نجبرك على بيع ملكك، ولا أيضاً أجبرناك على أن تقدم ثمن ما بعته، بل أنت من تلقاء ذاتك فعلت هذا، فلماذا سرقت من المال المكرس لله؟

فقال بطرس: يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل".

حسناً، إن كان الشيطان قد فعل هذا الأمر، فلماذا أدين حنانيا؟ إنه دين لقبوله إيحاء الشيطان ولكونه تركه يملأ قلبه به. ربما تقول: كان ينبغي للرسل أن يقوّموه لا أن يدينوه. لكنه ما كان سيقبل تقويماً، لأن الذي رأي مثل هذه الأشياء التي رآها ولم ينصلح أبداً، بالتأكيد لن ينصلح حاله بأي شيء آخر يمكن أن يُعمل له. لم يكن الأمر بالحادثة التي يمكن تجاوزها، بل كمثل غرغرينة يلزم استئصالها وإلا فسوف تؤذي بقية الجسد. وبهذا فإن الإنسان نفسه انتفع لكونه لم يُترك ليتمادى أكثر في الشر، وكذلك الآخرون ينتفعون بأنهم يصيرون أكثر اجتهاداً، وإلا سيحدث عكس ذلك. 

بعد ذلك تم برهنة جرم حنانيا وتم إظهار أن الفعل لم يكن مخفياً عن بطرس وبعد ذلك نطق بحكمه عليه. "أليس وهو باقٍ كان يبقى لك. ولما بيع، ألم يكن في سلطانك؟" هل كان هناك إجبار وإلزام عليك؟ هل نحن اضطرناك رغماً عن إرادتك؟ "فما بالك وضعت في قلبك هذا الأمر". ولأجل أي غرض فعلت هذا؟ هل كنت تود الاحتفاظ بالثمن؟ كان ينبغي لك أن تحتفظ بكل الثمن ولا تقرّ أبداً أنك اعطيته كله. 

أن سرقة المقدسات هي خطية شنيعة أيها الأحباء. ربما يشتهي الإنسان ويطمع فيما هو ليس له، لكن كان يمكنك بمنتهى الحرية أن تحتفظ بما هو لك. فلماذا قدسته أولاً، وبعد ذلك أخذته خلسة؟ إنك فعلت ذلك بدافع من الازدراء المفرط لله ومقدساته. لم يكن الفعل ليقبل المغفرة وقد تجاوز مرحلة الدفاع عنه. 

لذلك ليتنا لا نكون حجر عثرة لأحد، ليته لا يوجد في الحاضر أيضاً أشخاص يستبيحون المقدسات. إن كان يوجد مثل هؤلاء الأشخاص آنذاك، فكم بالأولى الآن حيث الشرور كثيرة. لكن ليتنا "نوبخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف" (1 تي 5). كان يهوذا مستبيحاً للمقدسات لكنه لم يكن حجر عثرة للرسل. هل ترون كم الشرور التي تنتج من محبة المال؟

"أنت لم تكذب على الناس بل على الله، فلما سمع حنانيا هذا الكلام وقع ومات. وصار خوف عظيم على جميع الذين سمعوا بذلك"

عوقب ذلك الإنسان والآخرون انتفعوا من هذا الموقف. وكان هناك ما يبرر هذا الحكم. ومع أن آيات قد أجريت من قبل، لكن بالحقيقة لم يكن مثل هذا الخوف. صادق جداً هو ذلك القول: "يُعرف الرب بكونه صانع أحكام (مز 9: 16س)، ونفس الشيء حدث في حادثة تابوت العهد: عوقب عُزّة والخوف وقع على الآخرين (2 صم 6). لكن في ذلك الموقف تخلى داود الملك عن التابوت بدافع من الخوف، أما هنا فصار الرسل منتبهين باجتهاد أكثر. 

"فنهض الأحداث ولفوه وحملوه خارجاً ودفنوه. ثم حدث بعد مدة ثلاث ساعات أن أمراته دخلت وليس لها خبر ما جرى .."

كان بطرس يتوق أن يخلص المرأة لأن رجلها هو الذي دبّر للخطية، ولذلك أعطاها بطرس الوقت لتبرئ ساحتها وأعطاها فرصة للتوبة بقوله لها: "قولي لي أبهذا المقدار بعتما الحقل؟ فقالت نعم بهذا المقدار"

ولكن كان يمكنها أن تستشف حتى من هذا السؤال أن بطرس عرف السر، لأنه لماذا دوناُ عن كل من باعوا ممتلكاتهم يسألك أنتِ؟ ألم يكن واضحاً أنه سألك لأنه عرف السر؟ لكن قساوة قلبها كانت عظيمة، فلم تدعها تحاول أن تفلت من الجريمة، فأجابت بمنتهى الثقة لأنها ظنت أنها كانت تتحدث إلى إنسان وحسب. وشناعة الخطية كانت في أنهما اتفقا على اقترافها كما بنفس واحدة، كما لو أن اتفاقاً مقرراً أجري بينهما. 

"فقال لها بطرس ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب. هوذا أرجل الذين دفنوا زوجك على الباب وسيحملونك خارجاً ... فصار خوف عظيم على جميع الكنيسة وعلى جميع الذين سمعوا بذلك"

فمن بعد ذلك لا تصيبه الرهبة؟ من الذي لن يخاف من الرسول؟ من الذي لا يندهش؟ من الذي لا يرتعب؟ وبعد هذه الخوف الذي وقع عليهم، أجرى بطرس وبقية الرسل مزيداً من المعجزات ... 

إن كان حنانيا وسفيرة قد كابدا مثل هذه العقوبة لأجل الكذب، فما الذي لا يكابده من يحنثون في القسم؟ بسبب أن سفيرة أكدت ببساطة "نعم بهذا المقدار"، رأيتم ما كابدته، فتأملوا ما الذي يستحقه من عقاب الذين يحلفون يميناً كاذباً؟ بل إن ما تصادف قراءته اليوم من العهد القديم يُظهر لكم شناعة اليمين الكاذب. إذ يقول النص: "كان هناك منجل طائر عرضه عشرة أذرع" (زك 5). كون المنجل طائراً فهو يدل على المجئ السريع للنقمة التي تطارد الحالفين زوراً. وكون طوله عشرين ذراعاً وعرضه عشرة، فهذا يعني قوة الويلات وشدتها، وكونه يأتي من السماء طائراً، فهذا ليبيّن أن الانتقام يأتي من منبر الدينونة في السماء، وكونه في شبه منجل فهذا يشير إلى حتمية العقوبة، لأنه كما المنجل كذلك أيضاً النقمة التي تأتي على الحالفين صارمة ولن تكف حتى تتم عملها. لكن لو نحن حلفنا وأفلتنا من العقوبة، ليتنا لا نطمئن ولا نخدع أنفسنا بأننا سننجو من الويل المعدّ لنا. لأنه ماذا تظن؟ كم عدد الذين تجاسروا على عمل نفس الخطأ منذ حادثة حنانيا وسفيرة؟

وأنت ستقول: فكيف أنهم لم يلاقوا نفس المصير؟ ليس لأنه قد تم التجاوز عن العقوبة بالنسبة لهم، بل بسبب أنهم محفوظون لعقوبة أعظم. لأن الذين يخطئون كثيراً ولا يُعاقبون، عليهم بالأحرى أن يخافوا بالأكثر. لأن الانتقام يتزايد بالنسبة لهم، نظراً لإعفائهم الحالي من العقوبة وطول أناة الله. لذلك ليتنا لا ننظر إلى كوننا غير معاقبين الآن، بل لننظر إن كنا أخطأنا أم لا، وفي حالة لو نحن أخطأنا ولم نُعاقب، فلنا سبب أكثر لأن نرتعب ...

لأن العقوبة هنا وقتية، أما هناك فأبدية، فلو كان لواحد منا لا يشعر بضربة المنجل، فليته لا ينظر لهذا الأمر، بل بالأولى ليت كل واحد يتأمل إن كان قد اقترف مثل هذه الخطايا أم لا. 

إن خطايا أخرى كثيرة تُقترف الآن وتشبه تلك التي عُملت قبل الطوفان، ومع ذلك لم يرسل الله طوفاناً على العالم. خطايا كثيرة من التي فعلها أهل سدوم تُعمل الآن، ولكن لم تنزل نار من السماء، لأنه يوجد نهر من النار مُعدّ لمن يعمل هذه الخطايا. كثيرون ينهجون نهج فرعون، لكن لم يُصب أحد ما أصاب فرعون، ولم يغرقوا في البحر الأحمر، حيث البحر الذي ينتظرهم لا قرار له وحيث العذاب هناك لا ينتهي. كثيرون تذمروا مثل الإسرائيليين، لكن لم تلدغهم الحيّات، إذ ينتظرهم هناك الدود الذي لا يموت. كثيرون هم الذين مثل جيحزي، لكن لم يُصابوا بالبرص مثله، لأنه بدلاً من البرص هم باقون للهلاك وهم محسوبون في عداد المنافقين. كثيرون هم الذين يحلفون ويحنثون في اليمين، لكن لو هم أفلتوا من العقوبة الآن، فلن يفلتوا من صرير الأسنان الذي ينتظرهم، بل إنهم هنا سيكابدون ويلات شديدة، ولو أن هذا لن يتم في الحال، بل بعد تعديات أخرى إضافية لتصير النقمة أعظم.

لذلك عندما يحدث لك أي شيء (فيه ضرر) تذكر تلك الخطية المعينة التي تخصك، وإتخذ أبناء يعقوب مثالاً لك. تذكر إخوة يوسف كيف أنهم باعوا أخاهم، بل وحاولوا أن يقتلوه، بل إنهم قتلوا بقدر ما مضت إليه نيتهم لقتله، وتذكر أنهم خدعوا وأحزنوا والدهم الشيخ ولم يصيبهم شيء. ولكن بعد سنوات كثيرة تعرضوا لموقف خطير جداًن فذكرهم هذا الموقف بخطيتهم. واسمع ما قالوه لبعضهم البعض: "حقاً، إننا مذنبون إلى أخينا الذي رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع. لذلك جاءت علينا هذه الضيقة" (تك 42). كذلك بهذه الطريقة قولوا أنتم أيضاً عندما يحدث لكم أي شيء: نحن بالحق مذنبون، لأننا لم نطع المسيح، لأننا حلفنا، وحلفاننا الكثير والكاذب قد وقع على رأسنا. اعترفوا مثلما اعترفوا هم أيضاً فتخلصوا. 

لكن ما سبب عدم عقاب الله لنا في الحال؟ 

إنه يعطيك متسعاً من الوقت لتغتسل عن خطاياك، لكن لو ثابرت على عمل الخطية، فهو سيرسل في النهاية نقمته. انظروا ما هو مصير الحالفين زوراً، تأملوا هذا وكفّوا عن الاستمرار في هذه الخطية. إن حلفانا كاذباً واحداً يكفي لأن ينهي كل شيء ويسكب علينا المكيال الكامل للنقمة الإلهية. لذلك ليتنا ننتبه لأنفسنا لكيما نفلت من العقوبة المستوجبة لهذه الخطية ولكي نُعتبر جديرين برأفة الله، بنعمة ومراحم ابنه الوحيد الجنس الذي له مع الأب والروح القدس المجد والقوة والإكرام الآن وإلى دهر الدهور آمين. 




المرجع: شرح أعمال الرسل الجزء الأول ليوحنا ذهبي الفم، ترجمة الراهب القس أنجيلوس المقاري، إصدار مكتبة المحبة. 

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;