المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الأحد، 26 أبريل 2015

لأجـــــل تكفـيــــني القديس يوحنا ذهبي الفم

لأجل تكفيني - يوحنا ذهبي الفم





لأجـــــل تكفـيــــني

القديس يوحنا ذهبي الفم


"قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات. فصنعوا له هناك عشاء. وكانت مرثا تخدم وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه فأخذت مريم مناً من طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها .." (يو 12). هذا هو برهان على حقيقة قيامة لعازر، إذ بعد أيام كثيرة كان مازال حي، وكان يتناول الغذاء. من هذه الفقرة واضح أيضاً أن العشاء حدث في بيت مرثا، وهم رحبوا بالسيد المسيح لأنهم كانوا أصدقائه وكانوا محبوبين بواسطته.

مريم لم تكن تخدم على المائدة، إذ أنها كانت تلميذته. في هذه الحادثة نرى مريم مرة أخرى في حالة روحية أكثر عمقاً من مرثا. إذ أنها لم تكن تقدم خدماتها كما لو أنها قد طلب منها أن تفعل ذلك، ولا كانت تخدم كل الضيوف بشكل عام، بل كانت تقدم الإكرام والتبجيل له وحده، وإقتربت منه لا كإنسان بل كإله. في الحقيقة، لهذا السبب سكبت مريم الطيب ومسحته وجففته بشعرها، لأن إعتقادها في السيد الرب كان مختلفاً عن أغلبية الناس.

إلا أن يهوذا أنتهرها متظاهراً بالتقوى فيما قاله. وماذا قال السيد المسيح؟ قال: " إنما فعلت هذا لأجل تكفيني" (مت 11:26، مر 14: 7). لكن لماذا لم يوبخ الرب التلميذ (يهوذا) إعتباراً للمرأة؟ أو لماذا لم يصرّح بما أكده يوحنا الإنجيلي، بأن يهوذا وجد الخطأ في ما فعلته المرأة لأنه كان لصاً؟

أراد السيد المسيح من خلال صبره وطول آناته بأن يجعل يهوذا يخزى من أفعاله. في الحقيقة، بكون الرب كان يعلم أن يهوذا شخصاً خائناً، سبق ووبخهه مرات كثيرة قبلاً، كالمرة التي قال فيها: "ولكن منكم قوم لا يؤمنون لأن يسوع من البدء علم .. من هو الذي يسلمه" ، وأيضاً: "أليس أني أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان" (يو 6: 64، 71). هذا يوضح أنه كان يعلم أنه خائناً، إلا أنه بالرغم من ذلك لم يتهمه بهذا بشكل صريح، لكنه أطال آناته عليه، راغباً في أن يربحه ويعيده.

كيف إذن قال الإنجيلي الآخر (متى) أن كل التلاميذ أظهروا إمتعاضاً تجاه التبذير(مت 26)؟ نعم كل التلاميذ فعلوا ذلك ويهوذا أيضاً، لكن بقية التلاميذ فعلوا ذلك بنية مختلفة.

قد يتسائل شخص متعجباً: "لماذا إئتمن الرب صندوق الفقراء لسارق؟ ولماذا أعطى مهمة التوزيع لشخص طماع في المال؟

للإجابة على هذا السؤال، أجيب كالتالي: "الله يعلم التفسير الذي يفوق الوصف، لكن إذا كان يجب أن نقول شيئاً من باب التخمين، نقول أنه فعل ذلك لكي يحرم يهوذا من أي عذر للخيانة. إذ أنه لا يستطيع أن يقول أنه فعل ذلك بسبب إحتياجه للمال، لأنه كان عنده بما فيه الكفاية في صندوق الفقراء ليرضي رغبته. على العكس، هو فعل ذلك في الحقيقة بسبب شره العظيم الذي أراد المسيح كبحه، ولذلك أظهر نحوه تنازلاً كبيراً. لذلك لم يتهمه بكونه سارقاً بالرغم من معرفته ذلك، لكي يضع أمامه عقبة في طريق غرضه الشرير وينزع كل عذر.

"أتركوها إنها ليوم تكفيني قد حفظته" (يو 12). مرة أخرى كان الرب يُحذّر الخائن بكلام عن دفنه. ومع ذلك، لم يجعله التحذير يتريث، ولا الكلام جعله يلين، بالرغم من أنه مؤثر بما فيه الكفاية ليدفعه للحزن والأسى. كما لو أن الرب قال: "أنا مزعج ومُتعب إليك، لكن أنتظر فترة قليلة وسوف أرحل". أقول هذا لأن الرب حمل هذه الفكرة عندما قال: "لأن الفقراء معكم في كل حين وأما أنا فلست معكم في كل حين" (يو 12).

على أية حال، لا شيء من هذا جعل الرجل الوحشي والمجنون يخضع، بالرغم من أن الرب قال وفعل أكثر كثيراً من هذا، إذ غسل قدمي يهوذا في ليلة الخيانة وتشارك معه في مائدته وضيافته. مثل هذا العمل الكريم عادة ما يكبح النفوس بل حتى يؤثر في اللصوص (بالإضافة للكلمات الأخرى أيضاً القادرة على تليين حتى الحجارة). علاوة على أن هذه الأحداث لم تحدث قبل ذلك بوقت طويل بل في اليوم ذاته، بحيث أنه لا يمكنه النسيان بمرور الوقت. إلا أنه تصلب في غرضه على الرغم من كل شيء.

إن الجشع رذيلة فظيعة جداً. إنه يُعطل عمل كلا العيون والآذان، ويجعل الإنسان أعنف من وحوش البرية، غير سامحاً له بمراعاة الضمير أو الصداقة أو الزمالة أو حتى خلاص نفسه. على العكس، الجشع كثيراً ما يُفطم الشخص بعيداً عن كل هذه الإعتبارات بشكل يتعذر تغييره، وكطاغية قاسي يجعل أسراه عبيداً. علاوة على ذلك، الخاصية الفظيعة التي لهذه العبودية المرّة أنها حتى تقنع الشخص بالشعور بالإمتنان له، وكلما صار الشخص مستعبداً للجشع بالأكثر كلما أزداد شعوره بالمتعة أكثر فأكثر. والنتيجة، يصبح المرض صعب معالجته جداً، ويصير الوحش من الصعب جداً ترويضه.


هذه الخطية جعلت جيحزي غلام إليشع أبرص بدلاً من أن يكون تلميذاً ونبياً (2 مل 5)، وحطمت حنانيا ومن معه (أع 5)، وجعلت يهوذا خائناً، وأفسدت حكام اليهود إذ قبلوا هدايا وأصبحوا شركاء اللصوص. الجشع أقام حروباً بلا عدد، وملأ الطرق بإراقة الدماء، والمدن بالبكاء والنواح. الجشع جعل المآدب غير نقية، والموائد ملعونة، وملأ الأطعمة بالحرام.




Reference: Fathers of the Church Series, Volume 41, John Chrysostom, Commentary on John Part 2, Catholic University of America

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;