المسيحي البارد _ يوحنا ذهبي الفم
المسيحي البارد
القديس يوحنا ذهبي الفم
لا يوجد ما هو بارد أكثر من المسيحي الذي لا يهتم بخلاص الآخرين.
لا يمكنك أن تتعلل هنا بالفقر، لأن التي ألقت فلسين في الخزانة ستلومك وتشتكي ضدك (لو 21)، وبطرس قال "ليس لي ذهب ولا فضة" (أع 3)، وبولس كان فقيراً حتى أنه كان يجوع كثيراً ويفتقر إلى الطعام الضروري.
ولا يمكنك أن تتعلل بوضاعة أصلك، لأنهم هم (الرسل) أيضاً كانوا رجال حقيري المولد.
ولا يمكنك أن تتذرع بافتقارك إلى قسط من التعليم، لأنهم هم أيضاً كانوا عديمي العلم (أع 4: 13).
وحتى لو كنت عبداً بل وعبداً هارباً فيمكنك أن تؤدي دورك، فهكذا كان أنسيموس، لكن أنظر إلى ما دعاه إليه بولس وإلى أي كرامة أعظم رفعه إليها، إذ يقول عنه لفيليمون: "لكي يخدمني عوضاً عنك في قيود الإنجيل" (فل 13).
ولا يمكنك ان تتعلل بالمرض، لأنه هكذا كان تيموثاوس صاحب أوجاع كثيرة وينصحه بولس الرسول قائلاً: "لا تكن في ما بعد شرّاب ماء بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (1 تي 5).
كل واحد يمكنه أن يفيد قريبه وينفعه، لو هو أدّى الدور الذي عليه.
ألا تنظرون الشجر غير المثمر، كم هو قوي وجميل، وأيضاً كبير واملس وله ارتفاع عظيم؟ لكن لو كان لنا بستان، فنجن نُفضّل بالأولى أن يكون لنا أشجار رمان أو زيتون مثمرة، لأن الأشجار غير المثمرة بهجة للعين ومنفعتها ضئيلة. هكذا أيضاً هم اولئك الذين يهتمون فقط بمصالحهم الشخصية - لا بل مثل هؤلاء يصلحون فقط للهلاك، بينما تلك الأشجار مفيدة لبناء المنازل وإعطاء الأمان للذين بداخلها.
هكذا كانت أيضاً أولئك العذارى، عفيفات بالفعل، ومحتشمات، ومهذبات، لكنهن لم يفدن أحداً (مت 25)، لذلك تم هلاكهن.
هكذا أيضاً أولئك الذين لم ينعشوا المسيح (في شخص الفقير والغريب والمريض والمسجون). إذ لاحظ أنهم لم يكونوا محمّلين بخطايا خاصة بهم، مثل الزنا او الحنث بالقسم، بأية خطية أخرى سوى أنهم لم يكونوا مفيدين للآخرين.
هكذا كان الذي دفن وزنته، إذ انه في الواقع أظهر حياة لا لوم فيها، لكنه لم يكن مفيداً لغيره (مت 25).
كيف يمكن لمثل هذا الإنسان أن يكون مسيحياً؟
قولوا لي لو أن الخميرة لدى خلطها مع الدقيق لم تغير العجين كله إلى طبيعتها. فهل مثل هذا الشيء يمكن أن يكون خميرة؟
كذلك، العطر لو لم ينشر رائحته الحلوة على أولئك الذين يقتربون منه، هل يمكن أن ندعوه عطراً؟
لا تقل لي: "يستحيل عليّ أن أستحث الآخرين لكي يصيروا مسيحيين"، لأنه لو كنت مسيحياً بالحق، فإنه من المستحيل عليك أن لا تفعل ذلك. لأنه كما أن الخصائص الطبيعية للأشياء لا يمكن حجبها، هكذا أيضاً فيما يخص مسيحيتك. لأن هذا الدور هو من الخصائص الطبيعية للشخص المسيحي.
لا تهين الله! إن القول بأن الشمس لا يمكنها أن تضيء، سيكون إهانة له. والقول بأن المسيحي لا يمكنه أن يعمل خيراً معناه أننا نهين الله وندعوه كاذباً. لأنه من الأسهل على الشمس أن لا تعطي حرارة ولا أن تضيء، عن أن لا يرسل المسيحي أشعة نوره.
لا تقل لي إن هذا مستحيل، بل العكس هو المستحيل. لا تهين الله.
إذا رتبنا شئوننا الخاصة (الروحية) على نحو صحيح، سوف تتبع الأمور الأخرى بالتأكيد كنتائج طبيعية وضرورية.
يستحيل إخفاء نور الشخص المسيحي، مثلما هو مستحيل أن نواري نور مصباح مضيء.
لذلك، ليتنا لا نتكاسل ونهمل.
وكما ان المنفعة من الفضيلة تعود علينا، وللذين ينتفعون بها في احتكاكهم بنا، كذلك في الرذيلة توجد خسارة مضاعفة تعود علينا ولمن يتأذون منها. ليكن هناك إنسان عادي عاني إساءات لا حصر لها من شخص آخر، ولكن هو مع ذلك يرد الإساءات بأعمال صالحة، فأي تعليم يمكن أن يكون أكثر قوة من ذلك؟ أية كلمات أو أي وعظ يمكن أن يعادله؟ أي سخط وغضب لا يمكن أن يطفئه هذا السلوك؟
لنتمسك إذاً بالفضيلة، كمن هم عارفون أن لا خلاص إلا بأن نجتاز هذه الحياة الحاضرة في عمل الأعمال الصالحة، لكيما نحصل أيضاً على الخيرات الآتية، بنعمة ورحمة ربنا يسوع المسيح الذي له مع الآب والروح القدس المجد والإكرام والسلطان الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
المرجع: شرح أعمال الرسل ليوحنا ذهبي الفم، الجزء الأول، ترجمة الأب أنجيلوس المقاري (منقول بتصرف)
Reference: NPNF, Homily 20 on Acts, John Chrysostom