المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الأحد، 26 أبريل 2015

مطلوب بطريركاً _ يوحنا ذهبي الفم

مطلوب بطريركاً _ يوحنا ذهبي الفم

 

مطلوب بطريركاً

القديس يوحنا ذهبي الفم


"فأقاموا اثنين يوسف الذي يُدعى برسابا الملقب يوستُس، ومتياس. وصلوا قائلين "أيها الرب العارف قُلوب الجميع. عيِّن أنتَ من هذين الأثنين أيَّا اخترته، ليأخذ قُرعة هذه الخدمة والرسالة ... ثم ألقوا قُرعتهم فوقعت القرعة على متياس، فحُسب مع الأحد عشر رسولاً" (أع 1)

أقاموا اثنين .. لماذا لم يقيموا عدداً كبيراً؟ لكيما لا يمتد الشعور بالإحباط ويصل إلى كثيرين. وأيضاً ليس إعتباطاً أنه وضع متياس في الآخر، إذ أنه كثيراً ما يحدث أن يكون المكرم بين الناس هو أدنى أمام الله. 

وصلوا قائلين: أيها الرب العارف قلوب الجميع عيِّن أنت  .. وليس نحن  .. ومن المناسب جداً أنهم استخدموا عبارة "العارف قلوب الناس"، لأن من له هذه الصفة هو الذي بواسطته يتم الاختيار. كان الرسل واثقين جداً أن واحداً منهما يلزم أن يتعيَّن. 

وهم لم يقولوا "اختر"، بل قالوا "أظهر أيَّا منهما اخترته"، عالمين أن كل الأمور قد سبق الله فرتبها وعينها. 

"عيِّن أنتَ من هذين الأثنين أيَّا اخترته ليأخذ قُرعة هذه الخدمة والرسالة" .. إذ أنه كانت توجد أيضاً خدمات أخرى (الدياكونية)

ثم ألقوا قرعتهم .. إنهم تصرفوا هكذا لأنهم لم يعتبروا أنفسهم بعد أهلاً لأن يتم إخبارهم بواسطة علامة ما.

بالإضافة إلى هذا، إن كان إلقاء القرعة قد أفلح، في حالة أولئك الذين لم يقيموا صلاة ولم يكونوا أشخاص جديرين بالاحترام - وذلك لكونها عُملت بغرض مستقيم - أقصد حالة يونان، فكم بالأولى تفلح هنا. 

وهكذا بإلقاء القرعة تحدَّد الشخص الذي انضم لجماعة الاثني عشر، أما المرشح الآخر فلم يغتظ، لأن الرسل الذين كتبوا لنا العهد الجديد ما كانوا سيخفون مثل هذا الإخفاق عن أنفسهم - إذ أنهم قد اخبرونا عن اخفاق رئيس الرسل ذاته (بطرس)، وذكروا أنهم في مواقف أخرى اغتاظوا (مت 20، 26)، وذلك ليس مرة واحدة فقط بل مرة تلو الأخرى. 

ليتنا نحن أيضاً نقتني بهم. وأنا لا أوجه كلامي الآن للكل، بل لكل من يحبون الترقي (في المناصب الكهنوتية).

لو أنت تؤمن بأن الاختيار هو من الله، إذاً فلا يكن عندك إستياء. لأن إستياءك هو إستياء من الله (وليس من بشر). واغتياظك هو اغتياظ من الله، لأن الذي اختار هو الله. ما تفعله هو نفس الشيء الذي فعله قايين، لأنه عندما رأى أن ذبيحة أخيه تم تفضيلها على تقدمته، اغتاظ بينما كان ينبغي عليه أن يشعر بالانسحاق. 


لكن ليس هذا هو ما أقصده هنا، بل أقصد أن الله يعرف كيف يُدبِّر الأمور للأفضل. في حالات كثيرة، تكون أنت في وضع أكثر تقديراً من الشخص الآخر لكن ليس بالشخص المناسب. ومن الناحية الأخرى، قد تكون حياتك لا غبار عليها، وعاداتك تختص بشخص حسن  التنشئة، لكن في الكنيسة ليس هذا هو كل ما هو مطلوب.


علاوة على ذلك، قد يكون شخص مهيأ لأمر ما، وشخص آخر لأمر آخر. ألا تلاحظ كم الأحاديث التي أوردها الكتاب المقدس عن هذا الموضوع؟

لكن اسمحوا لي أن أقول لماذا صار هذا الأمر هدفاً للمنافسة:

هذا لأننا نأتي للأسقفية ليس كمن يتعهد الأخوة  بالتدبير والإشراف، بل كمن يتولى منصباً للكرامة والراحة.

ألا تعرفوا أنه لا بدَّ للأسقف أن يهتم بكل الرعية وبأن يحمل أثقال الكل. 


إذا غضب الآخرون فقد يُلتمس لهم الأعذار، أما الأسقف فلا عذر له. 


لو أخطأ الآخرون، فقد يُلتمس لهم الأعذار، أما هو فلا عذر له. 


لو تعرف هذا لن تتلهف على هذه الكرامة أو تجري وراءها.

كذلك الأسقف مُعرَّض لتهكم ألسنة الكل، وانتقاد الجميع له، سواء إن كانوا حكماء أو حمقى. وهو يُرهق بالهموم والاهتمامات الكثيرة كل يوم، بل وكل ليلة. وله كثيرون ممن يبغضونه وكثيرون من الحساد له. لا تكلمني عن أولئك الذين يتملقون الكل، ولا عن الذين يرغبون في النوم والاستكانة، الذين يتقدمون إلى هذا المنصب طلباً للراحة. ليس لنا شأن بهؤلاء، بل نحن نتكلم عن أولئك الذين يسهرون على نفوسكم، الذين يعتبرون أن سلامة رعيتهم وخيرها أكثر أهمية من سلامهم وخيرهم الشخصي. 

أخبروني من فضلكم، لنفترض أن إنساناً له عشرة أولاد يعيشون دائماً معه، وهم دائماً تحت اشرافه، مع ذلك يكون قلقاً ومضطرب البال من جهتهم، فماذا يكون أمر الأسقف الذي له مثل هذه الأعداد الغفيرة، ولا يعيشون معه تحت نفس السقف، لكن يدينون له بولا ء الطاعة - فماذا يجب عليه أن يكون! 

قد تقولون: لكنه مكرم من قِبلهم. 

حقاً، يا له من إكرام!! لماذا إذن يسيئون معاملته المعدمون والمتسولون علانية في السوق. ولماذا لا يوقف ألسنتهم آنذاك؟ نعم هذا هو عمل الأسقف أليس كذلك؟

وأيضاً، إذا لم يُعطِ للجميع، للعاطل والكادح على حد سواء، تجد ألوفاً يشتكونه من كل جانب. ولا يخشى أحد من أن يلومه ويتكلم عليه بالشر. بالنسبة للحكام المدنيين، يوجد الخوف (كرادع) أما في حالة الأساقفة لا يوجد شيء مثل هذا. أما الخوف من الله فلا يؤثر في الناس (للأسف) ولو بدرجة ضئيلة. 

ولماذا الحديث عن القلق المرتبط بالكلمة والعقيدة (وسلامتها)؟ وهو مُلقى عليه العمل الشاق المختص بالرسامات الكهنوتية. إذ ربما أنا شخص فقير وبائس وغير كفء،  أو الحال كما أقول. إن نفس الأسقف كمثل سفينة في عاصفة، يُلطم من كل جانب، إذ يلطمه الأصدقاء والأعداء، شعبه والغرباء عنه.

ألا يحكم الإمبراطور العالم كله بينما الأسقف يسوس مدينة واحدة؟ مع ذلك، فإن هموم الأسقف أكثر جداً من هموم الامبراطور ... لأنه بالنسبة للإمبراطور يوجد كثيرون يقدمون له العون، لأن كل شيء يسير بالقانون والسلطان، لكن لا شيء من هذا القبيل بالنسبة للأسقف، وليس له أيضاً سلطان يأمر به وينهي، بل هو إذا انفعل جداً يكون في عيون الناس إنساناً فظاً، وعلى العكس إذا لم ينفعل، فإنه يكون إنساناً بارد المشاعر! ويلزم لهذه المتضادات أن تجتمع فيه، لكيما لا يكون مُزدرى به، ولا مكروهاً من أحد. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن متطلبات عمله تشغله، وكم من مرة يكون فيها مضطراً للغضب - سواء فعل ذلك أو لم يفعل. كم من مرة وهو يُعنّف ويلام!

إنني لا أتكلم إلا من واقع خبرتي الشخصية. 


أنا لا أعتقد أن هناك الكثير من بين الأساقفة سيخلصون، بل إن كثيرين جداً منهم سيهلكون، والسبب هو أنها (الأسقفية) مسألة تتطلب عقلاً كبيراً. 


كثيرة هي الضرورات التي تطرح الإنسان خارج مزاجه الطبيعي، وهو يحتاج لأن يكون له ألف عين من كل الجوانب. 


ألا ترون عدد المؤهلات التي يجب توافرها في الأسقف؟ يلزمه أن يكون صالحاً للتعليم، وصبوراً وملازماً للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم الصحيح.

كم يتطلب تحقيق هذه الشروط تعباً وكداً. وأيضاً، آخرون يخطئون وهو الذي يتحمل كل اللوم. وإن تجاوزنا عن كل شيء آخر، فماذا لو رحلت نفس بغير معمودية، ألا يقلب هذا الأمر كيانه ويقوِّض إمكانية خلاصه؟ إن هلاك نفس واحدة يجلب معه عقوبة لا تستطيع لغة أن تصفها. لأنه إن كان خلاص هذه النفس لها مثل هذه القيمة: إن ابن الله صار إنساناً وتألم كثيراً جداً، فكم يكون العقاب الذي يجلبه خسارتها شديداً! وإن كان في هذه الحياة الحاضرة من يتسبب في موت شخص يستحق الموت، فكم يكون الأمر بالأكثر فيما يتعلق بالعالم الآتي. لا تخبرني عن خطأ كاهن أو شماس، فخطأ كل هؤلاء يأتي على رأس من قام بسيامتهم. 

وقد يرث الأسقف عن سلفه مجموعة من الأشخاص غير مبالين. ما هي الإجراءات المناسب إتخاذها بالنسبة للتجاوزات الماضية؟ (فهنا مطبان) بحيث لا نجعل المذنب يفلت من العقاب، ولا نتسبب في عثرة للباقين. هل يجب قطعه (من رتبته) كأول خطوة؟ ليس هناك سبب فعلي لذلك في الوقت الحاضر. لكن هل يصح تركه هكذا؟ تقول: نعم، لأن الخطأ يقع على عاتق الأسقف الذي رسمه. وماذا بعد؟ هل يجب للمرء أن يرفض رسامته مرة أخرى، وأن يرفعه لدرجة أعلى في خدمته؟ هذا الفعل ينشر الأمر لكل الناس، أن هذا الشخص ذو طابع غير مبال، فنتسبب أيضاً في العثرة ولو بطريقة مختلفة. لكن هل المرء يرقيه لدرجة أعلى؟ هذا يجعل الأمر أكثر سوءاً. 

لو كان الناس يجرون فقط وراء مسئولية المنصب في حد ذاتها، لما كان أحد يقبلها بسهولة. لكن نحن نجري وراءها كما نجري وراء كرامات هذا العالم. وحينما نجري وراء تمجيد الناس لنا نخسر أنفسنا مع الله. أي شيء تستفيده من تمجيد الناس؟ من البديهي بطلانها وفراغها. عندما تشتهي رتبة الأسقفية، ضع في الكفة الآخرى الحساب الذي عليك تؤديه عنها بعد هذه الحياة. ووازن مقابلها سعادة الحياة الخالية من الكد والمشقة، وضع في الاعتبار المكيال المختلف للعقوبة. أقصد أنه حتى ولو أخطأت وأنت مجرد شخص عادي، فلن تكون لك نفس العقوبة لو أخطأت تلك الخطية عينها وأنت أسقف. 


تذكر كم تحمل موسى، والحكمة التي أظهرها، والأعمال التي قام بها، لكن لاقترافه غلطة واحدة فقط، عوقب عقاباً شديداً، ليس لكون الخطية التي أخطأها كنت علانية، بل لكونها خطية قائد روحي. لأننا في الحقيقة، لا نُجازى بنفس العقوبة للخطايا العلنية والخفية. قد تكون الخطية هي نفس الخطية، لكن ضررها ليس واحداً. لكن الأسقف لا يمكن أن يخطئ بدون أن يلاحظه أحد. إن كان هو لا يفلت من الملامة دون أن يخطئ، فكم بالأولى لا يمكنه الافلات لو أخطأ. 

دعه يغضب، دعه يضحك، بل دعه يحلم حتى بلحظة هدنة أو راحة، ستجد كثيرين يزدرون به ويتهكمون عليه، كثيرون يحكمون عليه، كثيرون يمتدحون الأساقفة السابقين له ويسيئون إلى الأسقف الحالي، ليس لأنهم يرغبون في تمجيد أولئك، بل نكاية في الأسقف الحالي ومن باب التشهير به. وعلى رأي المثل: "الحرب حلوة للذين لم يختبروها". فإن الأسقفية جميلة في عيون من لم يجربونها. والناس عموماً لا يرونها كذلك بل يروننا كالرعاة الذين ذكرهم حزقيال، نأكل الشحم ونلبس الصوف ونذبح السمين (حز 34). من منا (نحن الأساقفة) لديه القوة ليبيِّن أنه اعتنى بقطيع المسيح مثلما اعتنى يعقوب بقطيع لابان؟ من منا يستطيع أن يخبر عن صقيع الليل؟ لا تحدثني عن السهرات وكل هذا الموكب. من الواضح أن العكس هو الصحيح.

الحكام ورؤساء المقاطعات لا يتمتعون بمثل الإكرام الذي يتمتع به من يسوس الكنيسة.  فإذا دخل الأسقف أحد القصور مع غيره فهو يدخل الأول. وإذا دخل بيوت الأشراف، فمن يكون غيره موضع الاكرام والأفضلية؟ كل هذه الأمور المحيطة بالأسقف تتسم بالخراب والفساد. لست أتكلم هكذا كمن يريد أن يضع الأساقفة في خزي، بل لكي أنجح في كبح تلهفكم على هذا المنصب. 

لأنك لو أفلحت في سعيك لنوال الأسقفية سواء بطرقك الشخصية أو بمساعدة شخص آخر، فحينئذ بأي ضمير وبأي عين ستتطلع في وجه من ساعدك للوصول إلى هذه الغاية؟ ما الذي ستتذرع به لتلتمس لنفسك العذر؟ لأن من رُفع لهذه الرتبة مكرهاً بالإجبار وليس بمواقفته الخاصة، ربما يكون لديه ما يدافع به عن نفسه.

تذكر ما حدث لسيمون الساحر. وماذا يعني أنك لم تقدم مالاً، لو أنت بدلاً من تقديم المال، توددت للأشخاص، ووضعت خططاً كثيرة للوصول إلى مأربك؟

"لتكن فضتك معك للهلاك" (أع 8). هكذا قيل له، وهكذا أيضاً سوف يقال لمثل هذا الشخص: لتهلك معك حملتك لطلب أصوات المؤيدين، لأنك ظننت أن تقتني موهبة الله بالدسائس البشرية !!!!!!!!!!!!!!




المرجع: شرح أعمال الرسل ليوحنا ذهبي الفم، ترجمة القس أنجيلوس المقاري، إصدار مكتبة المحبة (منقول بتصرف وإعادة ترجمة)

Reference: NPNF, First Series, Volume 11

مدونة ابائية 

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;