المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الأحد، 26 أبريل 2015

بريسكلا وأكيلا _ يوحنا ذهبي الفم

بريسكلا وأكيلا _ يوحنا ذهبي الفم


بريسكلا وأكيلا

القديس يوحنا ذهبي الفم


"وأوصي إليكم بأختنا فيبي التي هي خادمة للكنيسة التي في كنخريا كي تقبلوها في الرب كما يحق للقديسين لأنها صارت مساعدة لكثيرين ولي أنا أيضاً، سلموا على بريسكلا واكيلا العاملين معي في المسيح يسوع اللذين وضعا عنقيهعما من أجل حياتي، الذين لست أنا وحدي أشكرهما بل أيضاً جميع كنائس الأمم، وعلى الكنيسة التي في بيتهما" (رو 16).

بريسكلا وأكيلا يشهد لهم القديس لوقا بالفضيلة، أولاً حين يقول: "ولكونه من صناعتهما أقام (بولس) عندهما" (أع 18)، ثم بعد ذلك عندما يُبيّن أن المرأة أخذت أبولس بالقرب منها وشرحت له طريق الرب بأكثر تدقيق. ان ذلك يعتبر عملاً عظيماً، ولكن الأكثر عظمة يظهر في ما يقوله بولس، ماذا يذكر إذاً؟ أولاً يدعوهما عاملين معه، مُبرهنا أنهما شريكان في أتعابه التي لا توصف، وفي المخاطر التي تعرض لها.

ثم يقول: "اللذين وضعا عنقيهما من أجل حياتي"، أرأيت شهادة كاملة مثل هذه، إذ أنه من المرجح أنه كانت هناك أخطار لا حصر لها في عصر نيرون، وأنه كان قد أصدر أمراً في ذلك الوقت بأن يرحل جميع اليهود عن روما (أع 18).

"اللذين لست أنا وحدي أشكرهما بل أيضاً جميع كنائس الأمم"، هنا هو يمتدح ضيافتهما ودعمهما المالي، مُقدراً أياهما لأنهما سكبا دمهما، وقدما ثروتهما للجميع. هكذا نرى نساء (فيبي وبريسكلا) يتصفن بالنبل والشهامة، واللاتي لم يتخلفن أبداً عن السلوك في طريق الفضيلة بسبب طبيعتهن الضعيفة. هذا يمكن توقعه، لأنه "ليس ذكر وأنثى في المسيح يسوع (غل 3)، وما قاله عن فيبي قبلاً يقوله أيضاً عن بريسكلا، لأنه قال عن فيبي أنها "صارت مساعدة لكثيرين ولي أنا أيضاً" وعن بريسكلا قال: "لست أنا وحدي أشكرها بل أيضاً جميع كنائس الأمم".

"وعلى الكنيسة التي في بيتهما"، لقد كانت بريسكلا جديرة بالإحترام جداً حتى إنها جعلت بيتها كنيسة، بجعل كل من فيه مؤمنين، ومن خلال إستقبالها هي وزوجها لكل الغرباء. إذ أن بولس ليس من عادته أن يدعو أي بيت كنيسة، إلا حيثما تكون هناك تقوى شديدة، وحيثما تكون هناك جذور مخافة الله متأصلة. لذلك عندما كتب إلى أهل كورنثوس قال: "يُسلم عليكم في الرب كثيراً أكيلا وبريسكلا مع الكنيسة التي في بيتهما" (1 كو 16)، وعن أنسيمس كتب قائلاً: "بولس .. إلى فليمون المحبوب .. وإلى أبفية المحبوبة .. وإلى الكنيسة التي في بيتك" (فل 1:1).

لأنه من الممكن أن يصبح المرء سخياً ونبيلاً وإن تزوج بعد. بريسكلا وأكيلا كانا زوجين، وصارا مكرمين جداً، على الرغم من أن مهنتهما لم تكن ذات كرامة، إذ كانا صانعي خيام، إلا أن الفضيلة غطت على كل هذا، وجعلتهما أكثر إشراقاً من الشمس. ولم يمثل عملهما في الورشة أو إرتباطهما بالزواج أي عائق أمامهما. بل أظهرا للمسيح تلك المحبة التي طلبها، لأنه "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 15). هذه المحبة الذي تعد سمة يتميز بها تلميذ المسيح قد حققها بريسكلا وأكيلا، لأنهما حملا الصليب وتبعا المسيح، لأن هذان اللذان صنعا محبة من أجل بولس يظهرا بالأكثر جداً محبتهما الثابتة لأجل المسيح.

فليسمع الأغنياء والفقراء هذه الأمور، لأنه إن كان الذين عاشا على أعمال أيديهما، وكانا يُديران ورشة صغيرة لصنع الخيام، قد أظهرا كرماً إلى هذا الحد الكبير، حتى إنهما صارا نافعين لكنائس كثيرة، فأي عذراً يمكن أن يقدمه أولئك الذين على الرغم من أنهم أغنياء إلا أنهم يحتقرون الفقراء؟ بريسكلا وأكيلا لم يبخلا حتى بسفك دمهما من أجل تتميم إرادة الله، بينما أنت تبخل حتى بتقديم القليل من المال، ومرات كثيرة تبخل بنفسك في الخدمة.

هل كانا بريسكلا وأكيلا يظهرا مثل هذا السلوك تجاه المُعلم (بولس) فقط دون بقية تلاميذ الرب؟ بالطبع لا، لأن كنائس الأمم – كما يقول بولس – تشكرهما. وبرغم أنهما كانا من اليهود إلا أن قوة صدق إيمانهما دفعتهما لخدمة كنائس الأمم برغبة كاملة.

هكذا يجب أن تكون عليه النساء، لا بتزيين أنفسهن "بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن" (1 تي 2)، بل بالأعمال الصالحة التي لبريسكلا. لأنه أي ملكة صارت بارزة وأحتفل بها بهذا القدر مثل زوجة الخيّام هذه؟ بل وصارت موضع حديث الجميع ليس لعشرة سنوات أو عشرون سنة بل حتى مجيء المسيح الثاني، والجميع سوف ينادي بشهرتها لأجل ما صنعته، تلك الأعمال التي تُزينها أكثر من زينة التاج الملوكي.

هل هناك أعظم من أنها كانت مساعدة لبولس؟ وأنها أنقذت معلم المسكونة، مما عرض حياتها للأخطار؟ لقد كان هناك ملكات كثيرات ولم يذكرهن أحد قط، بينما زوجة الخيّام كانت في كل مكان تذكر مع صانع الخيام (بولس)، وبقدر ما ترى الأرض الشمس بقدر ما كان مجد بريسكلا يسطع في كل المسكونة. إن الفرس والسكيثيون وأهل ثراكي وجميع الساكنين في أقاصي الأرض يمتدحون ويغنون للروح المسيحية التي لهذه المرأة بريسكلا ويباركونها. ألا يجعلك هذا تلقي بعيداً عنك بفرح الثراء والتيجان والثياب الأرجوانية عند سماعك هذه الشهادة؟

وبالطبع لن يستطيع أحد أن يقول أنهما في الأخطار كانا شجعاناً، وفي الأموال كرماء، بينما أهملا البشارة، خاصة وأن الرسول بولس يدعوهما "عاملين معه"، ولا يستحي بولس "الأناء المختار" بأن يدعو إمرأة معاونة له بل يحسب ذلك شرفاً له، لأنه لا يلتفت إلى جنسها كإمرأة بل هو يُقدِّر رغبتها في الخدمة والكرازة. فما الذي يعادل هذه الجوهرة؟ أين الثراء الآن الذي يُنفق في كل موضع؟ أين هي زينة الوجه؟ أين هو المجد الباطل؟

تعلّم أن الزينة الحقيقية للمرأة ليست هي زينة الجسد، بل هي تلك التي تُزين النفس والتي لا تُفقد مطلقاً، ولا تُخزن في صندوق، بل تُحفظ في السموات. أنظر إلى تعبها لأجل الكرازة، إلى الإكليل في الشهادة، إلى السخاء في تقديم الأموال، إلى محبتها لبولس، وإلى إفتتانها بالمسيح. قارن هذه الأمور بحالتك أنت، قلقك بشأن المال، تنافسِك مع الساقطات في الملبس، مضاهاتك للعشب الزائل، وحينئذ سترى من هما بريسكلا وأكيلا ومن تكون أنت. أو بالأحرى لا تعقد مقارنة فقط، بل تنافس مع تلك المرأة بريسكلا، وبعد أن تنزع عنك هموم العشب - أي الثياب الثمينة - لتأخذ الثوب من السماء، ولتتعلم كيف صارت بريسكلا بهذه الصفات الحميدة.

كيف إذاً صارا بريسكلا وأكيلا بهذا الحال؟ لقد إستضافا بولس كضيف لمدة سنتين. تأمل ما هو تأثير إقامة بولس عندهما طوال هذه المدة. قد تقول لي، ماذا أفعل أنا أذاً فليس عندي بولس؟ إن كنت تريد فسيكون بولس عندك أنت أيضاً وبصورة أكثر وضوحاً من بريسكلا وأكيلا، لأنه حتى بالنسبة لهما رؤية بولس ليست هي التي جعلتهما بهذه الشخصية بل كلامه. فإن أردت فسيكون لديك بولس وبطرس ويوحنا وكل جوقة الأنبياء، مع الرسل، وسيتحدثون معك بصفة دائمة. لتأخذ كتب هؤلاء الطوباويين ولتقتني حديثاً متواصلاً مع كتاباتهم، وهكذا سوف يجعلونك مثل زوجة الخيام بريسكلا.

ولماذا أتكلم عن بولس؟ لأنه إن أردت فسيكون لديك رب بولس نفسه، لأنه سيتحدث معك من خلال لسان بولس. وبطريقة أخرى أيضاً يمكنك أن تستقبل الرب، عندما تستقبل القديسين وتخدم كل من يؤمن بالرب ... إذاً فلنتقبل القديسين لكي يُضيء المنزل ويتخلص من الأشواك، لكي تصير الغرفة ملاذاً، لنستقبلهم ولنغسل أرجلهم ... ولا تنظر بإزدراء إلى القديسين الذين ينزلون في بيتك لأنهم فقراء في مظهرهم الخارجي كالشحاتين، وكثيراً ما يرتدون ثياباً رثة، بل لنتذكر ذلك الصوت القائل: "بما أنكم لم تفعلوا بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي لم تفعلوا"، وأيضاً: "أنظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار لأني أقول لكم إن ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات" (مت 18) ..

هكذا بالتفكر في هذه الأمور، وتأمل نبل وشهامة النسوة القديسات، لتحتقر النساء الحماقة الحاضرة، زينة الملابس، المصوغات الذهبية الفخمة، وضع العطور. وبترك التصرفات الطائشة والخلاعة، والمشية المختالة، حولي كل هذه الإهتمامات إلى روحك، وأشعلي في ذهنك الرغبة في ملكوت السموات. لأنه إن تملكتك محبة الرب سوف تميزين الوحل والطين، وتسخرين من الأمور التي أنت معجبة بها جداً الآن. لأنه من غير الممكن للمرأة المُزينة بإمكانات روحية أن تطلب هذه الأمور السخيفة. وبعد أن تنزعي عنك كل هذه الأمور - التي يطمح ورائها الساقطات والممثلات والمغنيات بحماس شديد - ارتدي محبة الحكمة، وإستضافة الغرباء، ومساعدة القديسين، وتأنيب الضمير والصلوات الدائمة. هذه الأمور هي أفضل من الثياب المطرزة بالذهب، وأهم من الأحجار الكريمة والقلادات. هذه الأمور تجعل الناس يكرمونك، وتمنحك مكافأة عظيمة من الله. هذه الزينة هي زينة الكنيسة، أما الزينة الخارجية فهي زينة المسارح، الزينة الداخلية تؤهل لملكوت السموات، أما الأخرى فتخص الخيول والبغال، الزينة الخارجية توضع حتى للجثث الميتة أما الزينة الداخلية فتشرق داخل النفس الصالحة التي يسكن فيها المسيح.


Reference: NPNF Volume 11, John Chrysostom Commentary on Romans Epistle.

الترجمة العربية مأخوذة (بتصرف) من ترجمة د. سعيد حكيم يعقوب لتفسير رسالة رومية لذهبي الفم، إصدار مركز دراسات الآباء بالقاهرة.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;