المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الأحد، 26 أبريل 2015

دعوة داود بقيثارته _ يوحنا ذهبي الفم

دعوة داود بقيثارته _ يوحنا ذهبي الفم








دعوة داود بقيثارته


يوحنا ذهبي الفم


أولاً من الضروري أن نوضح لماذا تم إدخال المزمور إلى حياتنا، ولماذا هذه القطع بالذات من التأليف الموحى به تتلى مع الموسيقى. لمعرفة سبب لماذا ترتل المزامير مع موسيقى، إنتبه: الله بإدراكه أن العديد من الناس عندهم لا مبالاة وغير ميّالين لمعرفة الأمور الروحية، وليس عندهم قابلية على تحمل الجهد اللازم لذلك، أراد أن يجعل الجهد أكثر جاذبية وأن يقلل من مقدار الإحساس بالجهد، لذلك أدمج التأليف الموحى به بالموسيقى حتى يتشجع كل إنسان من خلال إيقاع النغم، ويقدم التراتيل المقدسة له بحماس عظيم. في الحقيقة، لا شيء يرفع الروح هكذا ويعطيها أجنحة ويحررها من الأرض، ويطلق قيود الجسم، ويرقي فضائلها وإزدرائها بكل شيء في هذا العالم مثل الموسيقى المنسجمة والأغنية الإلهية المؤلفة بشكل إيقاعي. إن طبيعتنا تشعر برضى ومسرة وإرتياح شديد بالأغاني والألحان، بل حتى الأطفال الرضع الذين يبكون عند الثدي يخضعوا للنوم بهذه الطريقة.

وبما أن أرواحنا تميل بشكل طبيعي لهذا الشكل من المتعة، زودنا الله بالمزامير لكي يمنع الشياطين من تقديم الأغاني الفاسقة وكل شيء مزعج، فتكون النتيجة فيها منفعة لنا وأيضاً متعة. من خلال الأغاني الدنيوية، يتم إدخال أذى وضرر وعواقب مريعة كثيرة، إذ أن أكثر الأغاني تطرفاً وجموحاً للأهواء تسكن وتعشش في أجزاء الروح، وتجعلها أضعف ومتقاعسة أكثر. خلافاً لذلك، نجد المزامير بكونها روحية نحصل منها على منفعة عظيمة وفائدة كبيرة وتقديس كثير، ونؤسس قواعد لكل فضيلة، إذ أن الكلمات تنقي النفس، والروح القدس يهبط على النفس التي تغني مثل هذه الكلمات.

في الحقيقة، للبرهان على أن الذين يغنون بفهم يستحضرون نعمة الروح، لنسمع ما يقوله بولس: "لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح" (أف 5)، ثم إستمر بعد ذلك ليذكر أيضاً طريقة هذا الإمتلاء: "بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب". ماذا يعني بقوله: "في قلوبكم"؟ يعني الترتيل بفهم، خشية أنه بينما يلفظ الفم الكلمات يتجول العقل بعيداً في كل الإتجاهات، فيجب أن تستمع النفس إلى اللسان.

تماماً كما أن الخنزير يتجه نحو المكان الذي فيه الطين، وكما أن النحل يقيم في الأماكن التي فيها الروائح والعطور، هكذا أيضاً حيثما تكون هناك أغاني فاسقة تتجمع الشياطين، لكن حيثما يكون هناك أنغام روحية تحضر نعمة الروح القدس وتقدس الفم والنفس. أقول لكم هذا ليس فقط لكي تغنوا بالتمجيد، بل أيضاً لكي تعلموا اولادكم وزوجاتكم أن يغنوا مثل هذه الأغاني، ليس فقط أثناء نسجهم على النول، بل أيضاً أثناء مشغولياتهم الأخرى، وخصوصاً على المائدة. بما أن الشيطان بشكل عام يكمن في الحفلات التي فيها السكر والشراهة والضحك البذيء، والنفوس غير المنضبطة كحلفائه، يجب على المسيحي خاصة في هذا الوقت - قبل الطعام وأثنائه - أن يصون أمنه بالمزامير، وينهض من المائدة مع زوجته وأولاده لكي يغنوا التراتيل المقدسة لله.

إذا كان بولس تحت تهديد الجلد الذي لا يطاق، وهو مربوط ومحجوز في السجن، إستمر في الغناء بالتراتيل لله مع سيلا في منتصف الليل - وقتما يأتي النوم في حلاوته لكل شخص - ولم يستسلم لضغوط المكان أو الوقت، ولم يخضع للقلق أو لإستبداد النوم، أو للمعاناة من كل هذه المشقات، أو أي شيء آخر للكف عن الغناء، فكم بالأكثر يجب علينا نحن الذين ننعم بمعنويات عالية ونتمتع بخيرات الله أن نقدم له تراتيل الشكر والحمد، حتى إذا ما حدث شيء غير متوقع لنفوسنا من الشرب والشراهة، عندما نبدأ في الغناء بالتراتيل تبتعد عنا كل الأفكار غير اللائقة والشريرة ... "لأنك فرحتني يارب بصنائعك. بأعمال يديك أبتهج" (مز 92).

ولتجعل الصلاة ترافق التراتيل حتى ما تقدس البيت أيضاً مع النفوس. وكما أن أولئك الذين يدعون الممثلين والراقصات والخليعات إلى حفلاتهم، يدعون الشياطين أيضاً ويملئون بيوتهم الخاصة بأعداء كثيرة - فهم مصدر للغيرة والزنا ولإنتهاكات أخرى كثيرة، هكذا أيضاً أولئك الذين يدعون داود بقيثارته يدعون المسيح أيضاً ليدخل معه. وحيثما يكون المسيح لا يتجاسر شيطان على الدخول – بل ولا حتى على النظر. بل سيدخل بالأحرى السلام والمحبة وكل شيء حسن، كما ولو من ينبوع مُتدفِّق. أولئك الناس يُحوّلون بيوتهم إلى مسرح أما أنت فحول بيتك إلى كنيسة، حيثما تكون التسابيح والصلوات وجوقة المؤلفين المُلهَمين، والسلوك التقي للمغنيين، حقاً لا يخطئ الشخص بدعوة مثل هذا التجمع كنيسة.

بل حتى وإن لم تدرك قوة الكلمات، في الوقت الحاضر علّم فمك أن يقول الكلمات، إذ أن اللسان يتقدس حتى من خلال الكلمات عندما تقال بحماس. إذا حفرنا في أنفسنا هذه العادة لن نتجاوز - سواء بالإرادة الحرة أو من خلال اللامبالاة - مثل هذه الليتورجية اللطيفة، فتلزمنا العادة حتى ونحن غير راغبين على تقديم هذه العبادة الرفيعة كل يوم.

بالنسبة للموسيقى، حتى وإن كنت شخص مسن، حتى وإن كنت صغير في السن، حتى وإن كنت أصّم للنغم، حتى وإن كان ينقصك كل الإيقاعات، ليست هناك أي ملامة، المطلوب هنا هو روح يقظة، وعقل متأهب، وقلب منسحق، وتفكير متين، وضمير نقي. إذا دخلت إلى جوقة الله المقدسة بهذه الصفات سوف تكون قادراً على الوقوف بجانب داود نفسه. لا حاجة لقيثارة هنا، ولا للأوتار المشدودة، ولا لريشة العازف، ولا للمهارة، ولا لأي نوع من الآلات.

بدلاً من ذلك، إن أردت، أجعل من نفسك قيثارة بإماتة الأعضاء الجسدية، وبتحقيق إنسجاماً عظيماً بين الجسد والروح، وذلك عندما لا يكون للجسد إشتياقات معارضة للروح، بل يخضع لأوامره وينقاد في طريق ثابت ورائع، وهكذا تنتج نغماً روحياً.

ليست هناك حاجة هنا إلى مهارة إتقنت في زمن طويل، بل هناك حاجة فقط إلى غرض نبيل، وبلمح البصر نحصل على الخبرة، لا حاجة لمكان معيَّن ولا لوقت محدد، بل في كل مكان وفي كل وقت يمكن للشخص أن يغني في ذهنه. أعني، حتى وإن ذهبت إلى السوق، حتى وإن كنت مسافراً، حتى وإن كنت في صحبة أصدقائك، يمكنك أن توقظ روحك وتصرخ بشكل صامت. هكذا صرخ موسى وسمعه الله (خر 15:14)، حتى وإن كنت عاملاً تجلس في الورشة وتعمل بكد، يمكنك الغناء للرب. حتى وإن كنت جندياً حاضراً في المحكمة يمكنك فعل نفس الشيء. يمكنك حتى الغناء بدون صوت، إذ يدوي العقل بالداخل. نحن لا نغني للناس بل لله الذي يستطيع أن يسمع همسات القلب ويخترق أفكار العقل الخفية. 







Reference: St. John Chrysostom, Old Testament Homilies Volume 3, Translated by Robert Charles Hill, Holy Cross Orthodox Press.


ترجمة المدونة الآبائية 

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;