المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الأحد، 20 مارس 2016

المعمودية علي إسم الثالوث القدوس قبل مجمع نيقية


المعمودية علي إسم الثالوث القدوس قبل مجمع نيقية

المعمودية علي إسم الثالوث القدوس قبل مجمع نيقية

في رسالته إلي كنيسة كورنثوس يذكر بولس الرسول إن المعموديه تتم بإسم وعمل وشركة الثالوث فيقول: أم لستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله: لا تضلوا، لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور ولا سارقون ولا طمَّاعون ولا سكِّيرون ولا شتَّامون ولا خطَّافون يرثون ملكوت الله. وهكذا كان أُناس منكم؛ لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا.

ق. بولس يقدِّم اعترافاً للمعمودية باسم الثالوث مبكِّراً جداً:

“اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا“(1كو 11:6).

هنا ثلاثة مفاعيل:

اغتسل، تقدَّس، تبرَّر

لثلاثة أسماء:

باسم الرب يسوع، وروح، إلهنا.

الاغتسال بالإيمان باسم الرب يسوع.

التقديس في الروح القدس.

التبرير أمام الله الآب.

وقد علَّق عليها العلامة ثيؤدوريت بقوله([2]): [لأنه باستدعاء الثالوث الأقدس، تتقدَّس طبيعة المياه، وتُمنح مغفرة الخطايا].

والديداخي (التي تعود إلي عام 100- 150م) تصف ممارسة المعمودية هكذا:

[بعدما تتلون كل محفوظات الطقس (أي طريق الحياة والموت): عمِّد باسم الآب والابن والروح القدس في مياه جارية (مياه حيَّة)، فإذا لم تكن هناك مياه جارية ففي مياه أخرى. وإذا لم يكن بمياه باردة فبمياه دافئة. فإذا لم يكن هذا ولا ذاك، فاسكب المياه ثلاثاً على رأس المعمَّد باسم الآب والابن والروح القدس، وقبل المعمودية ليت المعمَّد والمعمِّد يصومان أولاً، والمعمَّد عليه أن يصوم يوماً أو اثنين قبل العماد.]([3]). وفي موضع آخر توصي الديداخي في أن يتم العماد “باسم الرب” (5:9) (أي باسم المسيح) ومن هذا يظهر أن الصيغتين (أي باسم الثالوث أو باسم الرب يسوع) كانتا مستعملتين وكان لهما مغزى واحد ومفعول واحد.

ربما لخص القديس أغناطيوس الأنطاكي (98- 117م) الاعتراف بالإيمان بقوله: [اثبتوا إذن على تعليم الرب والرسل، لكي تنجحوا فيما تعملون بالجسد والروح في الإيمان والمحبة في الابن والآب والروح القدس[4].]

وجاء في رسائل القديس كبريانوس (القرن الثاني):[أتؤمن بالله الآب والابن المسيح والروح القدس؟ أتؤمن بالحياة الأبدية وغفران الخطايا خلال الكنيسة المقدسة؟ أؤمن[5].]

و يقول القديس يوستينوس (160م) : [ونحن أيضاً نصلِّي ونصوم معهم. ثمَّ نقودهم إلى موضع به ماء وهناك يولدون من جديد بحسب الطريقة عينها التي وُلدنا نحن أيضاً بها ميلاداً جديداً، وذلك بأن ينالوا غسل الماء باسم الله الآب الضابط الكل ومخلِّصنا يسوع المسيح والروح القدس … ، الذي يكون قد تاب عن خطاياه، باسم الله الآب الضابط الكل. فالذي يقود المعمَّد إلى جرن المعمودية ينادى عليه بهذا الاسم … وهذا الاغتسال يُدعى استنارة لأن الذين يتعلَّمون هذه الأمور يستنيرون في معرفتهم. وبعد ذلك فالذي استنار يُعمَّد أيضاً باسم يسوع المسيح الذي صُلب على عهد بيلاطس البنطي، وباسم الروح القدس الناطق في الأنبياء بكل ما يختص بيسوع.]([6])

و يقول هيبوليتس الروماني (بدايات القرن الثالث) : ويجيب (طالب العماد) على أسئلة الإيمان قبل تغطيسه في الماء ثلاث مرَّات. وبعده يُعطى مسحة زيت البهجة أو الشكر بواسطة الكاهن، ويلتحق بالجماعة حيث يضع الأسقف عليه يده بصلاة ويدهنه بالزيت المقدَّس باسم الله الآب القادر على كل شيء والمسيح يسوع والروح القدس[7]، وأخيراً يختمه على جبهته ويعطيه قبلة السلام[8].

و يقول في قوانينه[9] :

وقبل أن ينزل الماء بوجهه الملتفت نحو الشرق يقف بجوار الماء ويقول، بعد أن يكون قد مُسح بزيت إخراج الأرواح الشريرة: أومن وأنحني لك ولكل قواتك أيها الآب والابن والروح القدس. 123 – ثمَّ ينزل بعد ذلك إلى الماء ويضع الكاهن يده فوق رأسه ويسأله.124 – هل تؤمن بالله الآب القادر على كل شيء؟125 – يجيب الطالب المرشَّح نعم أومن، وبعدها يغطِّسه في الماء. ثمَّ يسحب الكاهن يده من على رأسه ويسأله مرَّة أخرى:126 -هل تؤمن بيسوع المسيح ابن الله الذي ولدته مريم العذراء وحملت به بالروح القدس،127 – الذي جاء ليخلِّص البشرية،128 – الذي صُلب من أجلنا في عهد بيلاطس البنطي، الذي مات وقام من بين الأموات في اليوم الثالث وصعد إلى السموات وجلس عن يمين الله الآب، والذي سيأتي ليدين الأحياء والأموات؟129 – يجيب أومن، فيغطس ثانياً في الماء، ثمَّ يسأله الكاهن مرَّة ثالثة:130 – هل تؤمن بالروح القدس،131 – المعزِّي المنسكب علينا من عند الآب والابن؟132 – يجيب: أومن. ثمَّ يُغطَّس في الماء للمرَّة الثالثة.133 – وكل مرَّة يقول المعمِّد: أعمِّدك باسم الآب والابن والروح القدس (المساوي).

و يقول العلامه ترتليان (القرن الثالث):

[ونحن تحت الماء نتطهَّر بحضور الملاك وهكذا نتهيَّأ للروح القدس. هذا أيضاً له مثال سابق، فيوحنا المعمدان كان هو الملاك السابق للرب يعد له الطريق، هكذا أيضاً الملاك الشاهد للمعمودية يجعل الطريق مستقيماً أمام الروح القدس المزمع أن يحل علينا عند تطهير خطايانا ويختمنا بالإيمان باسم الآب والابن والروح القدس. لأن من فم ثلاثة شهود تقوم كل كلمة (مت 16:18). حيث في بركة سر المعمودية يكون هؤلاء الثلاثة شهوداً لإيماننا ويكونون مثل موثّقين لخلاصنا. وهذا كاف جداً لرجائنا وبالأكثر بعد ضمان إثبات إيماننا وإعطاء وعد خلاصنا أمام هؤلاء الشهود الثلاثة: الآب والابن والروح القدس. ويلزم أيضاً ذكر الكنيسة لأنه حيث يكون هؤلاء الثلاثة تكون الكنيسة.]([10])


[وبعد أن نصعد من جرن المعمودية ندهن دهناً كاملاً بالمسحة المقدَّسة، وهذا الترتيب الطقسي قديم حينما كان يُمسح طالب الكهنوت بدهن القرن كما مُسح هارون أيضاً بواسطة موسى. ولذلك دُعي يسوع مسيح الرب لأنه مُسح بالروح بواسطة الله الآب، كما كُتب في سفر الأعمال: «لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي مسحته» (أع 27:4).هكذا أيضاً في ما يختص بنا، فإن المسحة تتم جسدياً ولكنها تثمر روحياً كالمعمودية نفسها، لأنها تُجرى جسدياً عندما نُغطَّى في الماء بالجسد ولكن ثمرها روحي إذ نخلص من خطايانا.]([11])

[وبعد المسحة توضع اليد على المعمَّد بصلاة ودعاء الروح القدس … لأنه ليس عسيراً على الله أن يستخدم يد الإنسان وهو أصلاً صنعة يديه …

لأنه فوق أجسادنا التي اغتسلت من الخطية وتقدَّست يُرسل الأب روحه القدوس … وقد نزل على الرب يسوع بشبه حمامة. وكذلك في الفلك … وهكذا على أجسادنا حينما نخرج من جرن المعمودية بعد ترك خطايانا القديمة تنحدر حمامة الروح القدس.]([12])

و جاء في كتاب الدسقوليه : [ولأجل المعمودية أيها الأسقف أو القسيس فقد أمرناكم من البدء ونقول لكم أيضاً هكذا تُعمِّد مثل وصية الرب لكم أن «اذهبوا وعلِّموا جميع الأُمم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلِّموهم حفظ كل شيء أوصيتكم به» – أعني الآب الذي أرسل المسيح الذي جاء والبارقليط الذي شهد[13].]

و يؤكّد ايريناوس أنّ معرفة الله لدى المسيحيين تبدأ بالمعمودية التي ينالونها على اسم الآب والابن والروح القدس. يقول في ” الكرازة الرسولية”:إليكم ما يؤكده لنا الإيمان، كما سلّمنا إياه الكهنة، تلاميذ الرسل. انه يذكّرنا أوّلاً أننا نلنا المعمودية لمغفرة الخطايا باسم الله الآب، وباسم يسوع المسيح ابن الله الذي تجسّد ومات وقام، وفي روح الله القدوس… عندما نولد من جديد بالمعمودية التي تُعطى لنا باسم هذه الاقانيم الثلاثة، نغتني في هذه الولادة الجديدة من الخيرات التي في الله الآب بواسطة ابنه، مع الروح القدس. فالذين يعتمدون ينالون روح الله، الذي يعطيهم للكلمة، أي للابن، والابن يأخذهم ويقدّمهم للآب، والآب يمنحهم عدم الفساد. وهكذا بدون الروح، علينا رؤية كلمة الله، وبدون الابن لا يستطيع أحد الوصول إلى الآب. فان معرفة الآب هي الابن، ومعرفة ابن الله نحصل عليها بواسطة الروح القدس. ولكن الابن هو الذكي من شأنه توزيع الروح، حسب مسرّة الآب، على الذين يريدهم الآب، وعلى النحو الذي يريد[14]”

وفي ميلانو أيضًا كان الاعتراف بالإيمان يتم هكذا، إذ يقول القديس أمبروسيوس: [عند ذلك تُسأل: أتؤمن بالله الآب ضابط الكل؟ تقول “أومن”، عندئذ تغطس أي تدفن.

ومرة ثانية تُسأل: “أتؤمن بربنا يسوع المسيح وبصليبه؟” تقول: “أومن”، وعندئذ تغطس وهكذا تُدفن مع المسيح، لأن كل من يُدفن مع المسيح يقوم من الموت معه.

وفي المرة الثالثة تُسأل: “أتؤمن بالروح القدس؟” تقول: “أومن”، ومرة ثالثة تغطس.

وهكذا تغطس ثلاث مرات ويمحو اعترافك المثلث كل خطاياك السابقة[15].]



[1] هذا الموضوع مأخوذ بتصرف و إضافات عن كتاب المعموديه الإصول الأولي للمسيحيه، للاب متي المسكين.



([2]) Theodoret, PG. 86, 268, cited by Joseph H. Crehan, SJ, Early Christion Baptism and Creed. p. 15
[3]) Didache, 7
[4]Epis. ad Mag. 6.
[5] Epist. 69:7.
([6])Apol., I, 61.

[7]هذا هو ترتيب المعمودية بحسب كتاب هيبوليتس الأصلي المدعو “التقليد الرسولي”، وقد نشره وحقَّقه العالِم جريجوري دكس(Gregory Dix, The Treatise on the Apostolic Tradition of st. Hippolytus of Rome, 1968.). وفي عصر لاحق صيغت محتويات هذا الكتاب صياغة جديدة عُرفت باسم “قوانين هيبوليتس”.

[8] Ibid., 22, 1,2.

[9]Achelis, Die Canones Hippolyti, Leipzig, 1891, cited by Whitaker, op. cit., pp. 78-81
R.-G. Coquin, Les Canons d’Hippolyte, PO31,2 (1966), pp. 340-427
([10]) De Baptismo., C. 6.
([11]) Ibid., C. 7.
([12]) Ibid., C. 8.

(13) الدسقوليه تعليم الرسل ، د/ وليم سليمان قلاده، فصل 36 : 10

[14] الكرازة الرسولية، فقرات 3 و 4

[15] PL 16:423.

عن الثالوث القدوس .. شرح ابائي مُختصر

عن الثالوث القدوس .. شرح ابائي مُختصر

trinity عن الثالوث القدوس .. شرح ابائي مُختصر
عن الثالوث القدوس .. شرح ابائي مُختصر
 
طبيعة الله أنه روح بسيط، بسيط بمعني أنهُ ليسَ مُركباً أو مكوناً من اجزاء لأن الله مُنذ الازل وهو ثالوث لم يتغير ولم يتحول من مفرد الي جمع، وهو من الأصل ليس جمع بالمفهوم البشري لإن الله لا ينطبق عليه المعلومات والمفاهيم البشرية للأشياء، “بمعني اني مينفعش اجمع الله او أقول انه واحد بالعدد [واحد] في الوقت اللي هو فيه كائن في الكل و بيحتوي الكل” .. . بيقول القديس يوحنا الدمشقي : [و نقول ان لكل من الثلاثة اقنومه الكامل , لئلا نوهم بانهم طبيعة واحدة كاملة مركبة من ثلاثة غير كامل , و نقول ايضا ان في الاقانيم الثلاثة الكاملين جوهرا بسيطا واحدا فائق الكمال و قبل الكمال . لان كل مجموعة من غير كاملين تكون حتما مركبة , و لا يمكن ايجاد مركب من ثلاثة اقانيم . لذلك فنحن لا نتكلم عن نوعهم انه من اقانيم بل انه في ثلاثة اقانيم . و قد سميناها ناقصة تلك الاشياء التي لا تحتفظ بنوع الصنع المصنوع منها . فالحجر و الخشب و الحديد كل منها كامل بذاته في طبيعته الخاصة . اما بالنظر الي البيت المصنوع منها فكل منها ناقص . لان كل منها ليس في ذاته بيتا
و عليه اننا نقول بان الاقانيم كاملون لئلا نفكر بتركيب في الطبيعة الالهية . فالتركيب بدء التقسيم . و نقول ايضا ان كلا من الاقانيم الثلاثة هو في الاخر , لئلا نصير الي كثرة و جمهرة من الالهة . لذلك نقر بعدم تركيب الاقانيم الثلاثة و بعدم اختلاطهم , و لذلك ايضا نعترف بتساوي الاقانيم في الجوهر و بأن كل واحد منهم هو في الاخر و بأنها هي هي مشيئتهم و فعلهم و قوتهم و سلطتهم و حركتهم – اذا صح التعبير , و بأنهم اله واحد غير منقسم . فأن الله واحد حقا و هو الله و كلمته و روحه
 …](1)
ويستخدم الاباء تعبير الاحتواء المتبادل للتعبير عن العلاقات الداخلية في طبيعة الله الثالوثية، و يعني ان الاقانيم الالهية هي في احتواء دائم متبادل فيما بينها او بمعني اخر كل اقنوم هو بكامله وكماله ساكن في الإقنوم الآخر ولذلك نري كل اقنوم فيه كل الله وليس جزء من الله وهذا ما قصده المسيح من قوله انا في الآبو الآب فيَّ .. يقول القديس كيرلس السكندري : [فالطبيعة الإلهية هي طبيعة بسيطة غير مركبة , ولا مثيل لها , تتسع لخصائص الأقانيم و تمايز الأشخاص و الأسماء , و تُعرف في ثالوث متحد إتحاداً طبيعياً و في تطابق لا يتغير من كل جهة فيها , تجعل الله واحد و هو بالأسم و الفعل هكذا , حتى أنه يكون لكل أقنوم من الأقانيم الثلاثة كمال الطبيعة , مع ما لكل منهم من خصائص , أي لكل منهم أقنومه الخاص . لأن كل أقنوم يظل على ما هو عليه , لكن بوحدته حسب الطبيعة – مع الأقنومين الآخرين يكون له الطبيعة ذاتها . لأن الآب يوجد في الإبن و الإبن في الروح القدس, و بالمثل الإبن و الروح يوجدان في الآب , الواحد في الآخر ….](2) ، و يقول ايضاً  القديس يوحنا الدمشقي : [ ان اللاهوت لا يمكن ان ينقسم الي اقسام , و هو علي نحو ما يصير في ثلاثة شموس متواجدة بعضها في بعض و هي لا تنفصل , فيكون مزيج النور واحد و الاضائة واحدة . اذا عندما ننظر الي اللاهوت , علي انه العلة الاولي , و الرئاسة الواحدة , و الواحد , و حركة اللاهوت و مشيئته الواحدة – اذا صح القول – , و قوة الجوهر و فعل سيادته ذاتها , فالذي يتصور في ذهننا هو الواحد . ] (3) .
و ايضاً نؤمن بإن كل عمل يصدر عن احد الاقانيم كتخصيص هو صادر من الله بكامله و كماله، فيقول القديس العلامه ديديموس الضرير : [ كل من يتصل بالروح القدس، ففي نفس اللحظة هو يتقابل مع الآب والابن. وكل من يشترك في مجد الآب، فأن هذا المجد في الواقع هو ممنوح له من الابن بالروح القدس . ](4) . و يقول ايضاً القديس اثناسيوس الرسولي : [الثالوث المبارك لا يتجزأ ، وهو واحد في ذاته، لأنه حينما ذ ُكر الآب ذُكر الإبن الكلمة والروح القدس الذي في الإبن ، وإذا ذُكر الإبن فان الآب في الإبن ، والروح القدس ليس خارج الكلمة لأن الآب نعمة واحدة تتم بالإبن في الروح القدس ، وهناك طبيعة إلهية واحدة ](5)
و عن الاسماء التي تطلق علي الاقانيم الآب والإبن فليس المقصود بها التعبير عن ما هو الله في ذاته لان الله لا يمكن ان يصفهُ أي إسم، لكن المقصود هو التعبير عن ما هو الله من نحونا نحن بمعني ما هو الله بحسب التدبير (التدبير هو مشيئة الله وعمله تجاه البشر)، ولنعرف ان الإبن هو من نفس جوهر الآب لان كل مولود ابن هو من جوهر الذي ولده، ولنعرف أيضاً أنهُ بسببب الإبن سنعطي البنوه لله لانه تجسد وأخذ ما لنا ليعطينا ما له، و ايضاً لنعرف انهم واحد لان كلمة الابن مرتبطةٌ دائماً بكلمة الآب مثلما ترتبط كلمة المخلوق بالخالق .. يقول القديس كيرلس الكبير : [فحينما نتكلم عن الآب ، فإننا نثير في أذهان السامعين فكرة الإبن ، أي مجرد فكرة وجود كائن مولود ، والعكس صحيح ، فحينما نذكر الكائن المولود فإننا نجلب إلى الأذهان ذاك الذي يلد ، نفس الشئ ينطبق على الإتجاهات ، فحينما نتكلم عن إتجاه ما ، نتذكر الإتجاه الآخر ، أي حينما نقول اليمين يذهب فكرنا إلى وجود يسار …] .(6) ، و يقول القديس امبرسيوس : [ من يذكر اسم واحد من الاقانيم فقد ذكر الثالوث , فإذا ذكرت اسم المسيح فأنت ضمناً تشير الي الله الآب الذي به الإبن قد مُسحَ , و الإبن نفسه الذي مُسحَ , و الروح القدس الذي تمت به المسحه … و إذا تكلمت عن الروح فأنت تذكر الله الآب الذي منه ينبثق الروح , و تذكر ايضاً اإبن لانه روح الإبن ](7) ، و يقول القديس اثناسيوس : [ الابن هو الله بكامله و كماله ] .. و يكمل قائلاً : [فالآب و الابن و الروح القدس هم واحد بلا انقسام و هم ازلياً في تواجد ( احتواء ) متبادل كل منهم في الآخر بكونهم الثالوث القدوس المبارك و لكنهم لاهوت واحد و رئاسه واحده ] .. ويقول ايضاً : [فكل اقنوم هو الله بأكمله , و كل اقنوم هو كل ما هو الله منذ الازل ] (8)
فإننا عندما نعبر عن اقانيم اللاهوت بالثالوث هذا لا يعني العدد ثلاثة ولا الحد بالرقم ثلاثة ولكن يعني التمايز بين الاقانيم وإنهم ليسوا إقنوماً واحداً بل ثلاثة اقانيم قائمين منذ الازل في وحدة الالوهية. 
و يقول القديس غريغوريوس النيزنزي : [ ولكن الحكم الواحد الناتج من تساوي الطبيعة وتناسق الإرادة ووحدة العمل والتقارب للالتقاء عند المصدر نتيجة للوحدة، وكل هذا غير ممكن في حالة الطبيعة المخلوقة. والنتيجة أنه رغم وجود تمايز عددي فليس هناك انقسام في الجوهر. ] (9) ، و يقول القديس باسيليوس الكبير : [ أما أولئك الذين يجلبون الدمار على أنفسهم، فيريدون استخدام طريقة العدّ ضد الإيمان. ومع أن الأشياء لا تتغير إذا حسبت عدديًا كلا بعد الآخر في تسلسل عددي لكن يا سادتي الحكماء إن الذي هو فوق الادراك هو فوق الحساب والاعداد أيضًا. وقدر العبرانيون هذا وبحكمة ووقار كتبوا اسم الله الذي لا ينطق بطريقة خاصة وهكذا عملوا على الاعلان عن مجده الفائق فوق كل الكائنات. 
إذا شئت أن تستخدم الاعداد فأنت حر، ولكن لا تشوه الإيمان بل احترمه ما هو فوق بالصمت، أو أن شئت أن تقول عددًا صحيحًا فالله واحد هو الآب الواحد والابن الواحد والروح القدس الواحد.
ونحن نعلن عن كل أقنوم على حدة وإن كان يجب علينا استخدام الاعداد فاننا لا نسمح لانفسنا بأن تحملنا قواعد الحساب إلى تعدد الالهة في الوثنية.] (10)
 [ لذلك نحن نقول إنه يوجد إله واحد وليس إلهان أو ثلاثة. لأنه من الخطأ القول بوجود ثلاثة آلهة لأن هذا ما وقعت فيه هرطقة الآريوسيين الكفرة، عديمة التقوى، بما فيها من تجاديف، وبهذا فإنها تقسّم ألوهية الثالوث، بينما فى قول الرب: ” اذهبوا عمّدوا جميع الأمم باسم الآب والابن والروح القدس” يُوضِّح أن الثالوث هو قوة واحدة. نحن نعترف بالآب والابن والروح، وبذلك نفهم كمال ملء الألوهية وكمال وحدة القوة، فى ثالوث كامل. ] القديس امبرسيوس (11)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – .المائة مقالة في الايمان الارثوذكسي . ص 70 
2 – حوار حول الثالوث , الجزء السادس ( الحوار السابع ), مؤسسة القديس أنطونيوس المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية , نصوص آبائية – 169 – , صفحة 28
3 – يوحنا الدمشقي . احد اباء القرن الثامن. المائة مقالة في الايمان الارثوذكسي . ص 72 – 73
4 – القديس ديديموس الضرير . احد اباء القرن الثالث . كتابه عن الروح القدس فقره 17
5 – القديس اثناسيوس الرسولي . احد اباء القرن الثالث . الرسائل إلى سرابيون 1 : 14
6 – حوار حول الثالوث ج1 – المركز الأرثوذكسي للدراسات الأبائية ص 71 ، 72
7 – – الروح القدس – للقديس امبرسيوس اسقف ميلان . 1 : 12 : 14 .. npnf , second series , vol . x . p 99 .. الروح القدس كتابياً و ابائياً للراهب هرمينا البراموسي . ص 28
8 – الايمان بالثالوث الفكر الاهوتي الكتابي للكنيسه الجامعه في القرون الاولي . توماس . ف . تورانس .. ص 114 , 115
9 – العظات اللاهوتيه . العظة 29 الفقرة 2
10 – الروح القدس . ترجمة د / جورج حبيب باباوي . مراجعة و تقديم نيافة الانبا يؤانس اسقف الغربيه المتنيح . اصدار مطرانية الغربيه . الفصل الثامن عشر . ص 135
11 – شرح الايمان المسيحي . ترجمة د / نصحي عبد الشهيد . إصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه  . الكتاب الاول . فقرة 10

الأبيونيون، من هم وما هي هرطقتاهم؟

الأبيونيون، من هم وما هي هرطقتاهم؟


تعتبر الأبيونية من أقدم الهرطقات المسيحية وقد ظهرت في القرن الثاني الميلادي، أو الأول بحسب بعض الدارسين، وقد آمنوا بالمسيح كنبي مولود من أب وام بشريين وأبقوا على الطقوس اليهودية رغم إيمانهم بالمسيح مثل الختان وراحة يوم السبت واول من ذكرهم بهذا الاسم كان القديس إريناوس اسقف ليون في كتابة ضد الهرطقات في نهاية القرن الثاني، ذكرهم ايضا الأسقف هيبوليتوس والعلامة أوريجانوس ويوسابيوس القيصري لاحقاً مستخدمين مصطلح القديس إريناوسالأبيونيين، يعتقد البعض ان سبب تسميتهم بهذا الاسم هو بسبب ان مؤسس الهرطقة اسمه “ابيون” و اول من قال بهذا كان العلامة ترتليان حين قال ان ابيون هو معلم احد الهراطقة الذي كان اسمة كرينثوس وهو الذي آمن أن الكون صنعته الملائكة والذي انكر ميلاد المسيح العذراوي وقال أن مريم تزوجت من يوسف وانجبوا المسيح وأن المسيح هو مجرد إنسان، وقال ايضا ان الرب ملاك وأن الشريعة أُعطت بواسطة ملاك ممثلا عن الله.


After him brake out the heretic Cerinthus, teaching similarly. For he, too, says that the world11 was originated by those angels;12 and sets forth Christ as born of the seed of Joseph, contending that He was merely human, without divinity; affirming also that the Law was given by angels;13 representing the God of the Jews as not the Lord, but an angel.[1]


ومن ثم أبيفانيوس وروفينوس، ويعتقد الأغلبية ان الاسم مشتق من الكلمة العبرية (אֶבְווֹן) ابيون والتي تعني الفقير وسموا بالابيونيين نظرا لفقر تعاليمهم ويرى البعض الاخر انهم سموا أنفسهم بهذا الاسم لينطبق قول المسيح عليهم في إنجيل متى 5: 3 [طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ]، وقد إستخدموا إنجيل متى بعد حذف ما لا يناسب افكارهم وأسموه إنجيل العبرانيين، وقال عنهم القديس إريناوس: ان الابيونيين يؤمنون ان الكون خلقة الرب ولكن رأيهم في المسيح لا يختلف عن راي سائر الهراطقة وهم يستخدمون انجيل متى ويكرهون القديس بولس لأنه جاحد بالناموس وكانوا يفسرون كتب الانبياء بما يناسب افكارهم وكان اسلوب حياتهم عبارة عن اسلوب حياة يهودي.


Those who are called Ebionites agree that the world was made by God; but their opinions with respect to the Lord are similar to those of Cerinthus and Carpocrates. They use the Gospel according to Matthew only, and repudiate the Apostle Paul, maintaining that he was an apostate from the law. As to the prophetical writings, they endeavour to expound them in a somewhat singular manner: they practise circumcision, persevere in the observance of those customs which are enjoined by the law, and are so Judaic in their style of life, that they even adore Jerusalem as if it were the house of God.[2]




قال العلامة أوريجانوس[3] في رده على كلسوس انهم قالوا ان المسيح ولد كسائر الناس وأنكروا ولادة المسيح من ام عذراء ويقول يوسابيوس القيصري[4] في كتابة تاريخ الكنيسة: انهم كانوا يحفظون السبت رغم احتفالهم بالأعياد المسيحية كعيد القيامة، وقال ايضاً[5] ان الآباء سموهم بالابيونيين لفقر تعاليمهم، ويذكر ايضاً[6] ان فرقة منهم لم تنكر ميلاد المسيح من العذراء بواسطة الروح القدس الا انهم أنكروا وجوده قبل ميلاده، وقد قام سيماخوس الأبيوني بترجمة اسفار العهد القديم إلى اليونانية وكتابة تفاسيرها التي كانت تهاجم الانجيل بحسب متى.[7]

ويرى ادولف هارناك صاحب السلسة المشهورة تاريخ العقيدة ان الأبيونية لم تكن منتشرة في الغرب بكثرة كما كانت في الشرق، وأنه كان هناك فرقة مسيحية متهودة تحمل افكارها الخاصة وكانت تسمى في البداية الناصريين وايضاً الابيونيين،ويقول ان القديس جيروم سماهم ذات مرة بالناصريين وهذا ما يثبت ان هذا الاسم كان مرادف لاسمهم[8].

وكان بعضهم متأثرين بالفكر الغنوصي وسموا بالاسينيين اي القوة المخفية وكانوا يختلفون عن الابيونيين الاخرين الذين سماهم العلماء بالفريسيين وقد ذكرهم أبيفانيوس أسقف مدينة سيلاميس في قبرص[9].
خلاصة هرطقتاهم: انكارهم لاهوت المسيح، كرههم الشديد للقديس بولس، اتباع الفرائض اليهودية الحرفية، تقديسهم للسبت، بعضهم امن بولادة المسيح من العذراء وبعضهم لم يؤمن، كانوا يسمون بالناصريين، استخدموا الانجيل بحسب متى بعد حذف ما يخالف عقائدهم.


11 Mundum.
12 “Ab illis” is perhaps an error for “ab angelis,” by absorption of the first syllable. So Routh has conjectured before me.
13 “Ab angelis:” an erroneous notion, which professed probably to derive support from John 1:17, Acts 7:53, Gal. 3:19, where, however, the Greek prepositions should be carefully noted, and ought in no case to be rendered by “ab.”
[1]Pseudo-Tertullian, “Against All Heresies”, trans. S. Thelwell In , in The Ante-Nicene Fathers Vol. III : Translations of the Writings of the Fathers Down to A.D. 325 (Oak Harbor: Logos Research Systems, 1997), 651.
[2]Irenaeus of Lyons, “Irenæus Against Heresies”, The Apostolic Fathers With Justin Martyr and Irenaeus. In , in The Ante-Nicene Fathers Vol.I : Translations of the Writings of the Fathers Down to A.D. 325, The Apostolic Fathers With Justin Martyr and Irenaeus. (Oak Harbor: Logos Research Systems, 1997), 352.
[3]Eusebius of Caesaria, “The Church History of Eusebius”, trans. Arthur Cushman McGiffert In , in The Nicene and Post-Nicene Fathers Second Series, Vol. I (Oak Harbor: Logos Research Systems, 1997), 159.
[4]Philip Schaff, The Post-Nicene Fathers, electronic ed., electronic ed. (Garland, TX: Galaxie Software, 2000), 1.

[5]Eusebius of Caesaria, “The Church History of Eusebius”, trans. Arthur Cushman McGiffert In , in The Nicene and Post-Nicene Fathers Second Series, Vol. I (Oak Harbor: Logos Research Systems, 1997), 160.

[6]Eusebius of Caesaria, “The Church History of Eusebius”, trans. Arthur Cushman McGiffert In , in The Nicene and Post-Nicene Fathers Second Series, Vol. I (Oak Harbor: Logos Research Systems, 1997), 159.
[7]Eusebius of Caesaria, “The Church History of Eusebius”, trans. Arthur Cushman McGiffert In , in The Nicene and Post-Nicene Fathers Second Series, Vol. I (Oak Harbor: Logos Research Systems, 1997), 264.
[8] History of Dogma – Volume I CHAPTER VI
[9] Dictionary of Christian Biography and Literature to the End of the Sixth Century A.D., with an Account of the Principal Sects and Heresies p286

اللاهوت فى فكر البابا اثناسيوس الرسولى



اللاهوت فى فكر البابا اثناسيوس الرسولى



يُعتبر البابا أثناسيوس الرَّسولي المركز الذي كانت تدور حوله الكنيسة واللاهوت في العصر النيقاوي ، لذلك لُقِب بأبو الأرثوذُكسية ، ودُعِيَ بالمِنبر الأعظم وحجر الزاوية في الكنيسة المُقدسة ، وأسقف الأساقِفة رأس العالم رأس كنيسة الأسكندرية .
فهو الذي جعل للتعليم اللاهوتي الأرثوذُكسي قانون مُتكامِل ، جاهد واضطُهِد ونُفِيَ لكي يُرسيه ، وكان اللاهوت يتدفق من قلب أثناسيوس فجاء قوياً أمام الفلسفات والأفكار الذاتية ، ولا يندرِج المنهج اللاهوتي عنده تحت مفهوم المعارِف والعلوم والثقافات ، بعد أن أصبح الكتاب المُقدس عنده خبرة حيَّة مُعاصِرة للكنيسة في زمانه ، لذا تغيَّر مفهوم الخلاص في تقليد الأسكندرية ذاتها ، بعد أن شابته المعرِفة والثقافة اليونانية على يد إكليمنضُس وأوريجانوس السكندريين .
تميَّز اُسلُوب أثناسيوس الرَّسولي بكونهِ تعليمياً أكثر منه جَدَلِياً هجومياً ، لأنه راعِ يعلم رعيته ، وإن كان من البيِّن أنَّ البابا أثناسيوس كان يستخدِم الاُسلُوب الهجومي الجَدَلي ضد الأريوسيين بهدف تعليم الشعب ، لذلك نقرأ كِتابات لاهوتي عظيم يتكلَّم بأبسط اُسلُوب يتناسب مع شعبه .
اعتقد أنَّ الأسفار المُقدسة كفيلة بحد ذاتها أن تُعلِن الحق (1) ، وأنها كافية جداً لنا ، وحوَّل كل فِكْر وثقافة لخدمِة أبحاثه اللاهوتية ، بعد أن تسلَّم حياة وتراث الآباء والعُلماء السابقين له ورأى استشهاد البابا بطرُس خاتِم الشُّهداء ، فأي تعليم لاهوتي هذا الذي تسلَّمه لينمو في وُجدانه الروحي والإيماني واللاهوتي ، على مستوى العِشرة بالخبر والإيمان والعيان والتلمذة والحق والاعتراف وشهادِة الدم .
وكما ارتبطت الكلِمة ( كيريجما ) باللاهوت الأثناسياني ، كذلك ارتبطت الشهادة ( مارتيريا ) أيضاً به ، لكي يشهد ويُدافِع أثناسيوس عن ما رأى وما سمع ، وارتبطت الثيولوچيا عنده بالتلمذة بعد أن تتلمذ للبابا ألكسندروس وعاين اعتراف وشهادِة البابا بطرس خاتِم الشُّهداء ، ليشهد بضمير صالِح مُتوهِج ويعترِف في نيقية ضد الأرواح المُضِلَّة والهرطقة الآريوسية .
تشكَّل لاهوت أثناسيوس الرَّسولي على أساس التلمذة النُّسكية على يدي العظيم الأنبا أنطونيوس أبو الرهبان في العالم كله فكان لاهوت أثناسيوس مبنياً على الإنجيل والآباء والنُسك وشهادِة الدم والتلمذة ، إنها رسالِة حب لا رسالِة تعليم ، وهكذا كان تأثير الرهبنة والنُّسك على شخصيِة البابا أثناسيوس تأثيراً عميقاً ، فاتسمت حياته بالفضيلة والجهاد ، وارتبط اللاهوت عنده بالذُّكصولوجيا أي التَّسبيح ، حتى صار الاتجاه النُّسكي البتولي وحياة التَّسبيح والعِفة خطاً رئيسياً في كِتاباته ، لا كلاهوتي يشرح عقيدة بل كمؤمِن يشهد لِمُخلِصه ، ومن أشهر كِتاباته اللاهوتية ” ضد الوثنيين “ و” تجسُّد الكلِمة “ .
كان أثناسيوس في نيقية ( 325م ) أعظم المُرافقين للأساقِفة ، وهو الذي انتصر بصورة أساسية في ثِقته بالمسيح الذي كان يُدافِع عنه ، فكان يملُك الحقيقة لا في عقله ولا في لِسانه فحسب بل في قلبه ، في شخص يسوع المسيح الذي كان يتكلَّم فيه بروحه القدوس عند افتتاح فمه .
وضع مُصطلحات لاهوتية لقطع خط الرجعة على الهراطِقة ، وهو صاحِب اصطلاح Homoousion ( أي واحِد مع الآب في الجوهر ) ، فنادى به على مستوى الإيمان والأمانة ولا يمكن أن نفصِل اسم أثناسيوس الخالِد أبداً عن عقيدِة الثَّالوث ( التريادولوچا ) التي كرَّس حياته لأجلها .
إنَّ أخر مفهوم أوريجاني في الثيولوچيا كان التريادولوچا ( الثَّالوث ) ، وبالنسبة للقديس أثناسيوس كانت التريادولوچا هي الكلِمة الأولى ، إذ كان تعليم الثَّالوث هو أساس وركيزة اللاهوت الذي دافع عنه البابا أثناسيوس وعمَّقه ، انطلاقاً من مقولته الشهيرة :

الله نفسه قد دخل بشريتنا

وهذه الركيزة اللاهوتية جاءت نتيجة الظروف التاريخية لقيام الجدل اللاهوتي الذي أثاره الأريوسيون وأصحاب بِدعِة ” مقاومة الروح القدس “ أبوليناريوس ومقدونيوس .
وكانت المقولة الحاسِمة في تعليم القديس أثناسيوس اللاهوتي ، والتي صارت من أقواله المأثورة في العقيدة المسيحية على مر الدُّهور ، هي تلك التي وردت في مبحثه الأوَّل ضد الأريوسيين حيث أعلن قائِلاً :
” يكمُل اللاهوت في الثَّالوث “
وهذه هي فقط ” التقوى الحقيقية “ بلهذا هو ” الصَّلاح والحق “ (2) .
وكان يُعرِّف التقوى من خلال موقِف اليهودية العبرانية ، أمَّا اشارته إلى الصَّلاح والحق فتتضمن موقِف الفلسفة الهيلِّينية أو اللاهوت الفلسفي Philosophical Theology .
اعتبر القديس أثناسيوس أنَّ الثيولوچيا التريادولوچية هي نقطة البدء ، لذلك رأى أنها ” قاعدة وأساس إيمان الكنيسة “ (3) .
إنه ” الإيمان الذي أعطاه الرب نفسه والذي كرز به الرُّسُل لذلك حفظهُ الآباء الإيمان الذي عليه قد بُنِيَت الكنيسة “ .

وفي رسالته إلى الأسقف سِرابيون يُعلِن :
” الرب يسوع المسيح نفسه علَّم تلاميذه كمال الثَّالوث القدوس ، القائِم بلا انقسام في اللاهوت الواحِد “ (4) .
وفي لاهوته الثَّالوثي يُؤكِد على وِحدانيِة الثَّالوث ( ثالوث في واحِد وواحِد في ثالوث ) .
ويُؤكِد على ثالوث أقانيم الآب والابن والروح القدس ووحدِة الكيان والعمل ( أنرچيا )
للأقانيم الثَّلاثة ، وكانت انطلاقته الأولى في استعلان الثَّالوث في الإيكونوميا الخلاصية ، والتي تعني مفهوم لاهوت التدبير الخلاصي الذي أتمُّه الثَّالوث القدوس وأيضاً تُشير إلى استعلان الله في المسيح .
وفي الإيكونوميا يشترِك الثَّالوث في تناغُم وانسجام ووحدة Unison :

فالآب يُخلِّص
والابن يُخلِّص
والروح القدس يُخلِّص
بمعنى أنَّ الثَّالوث القدوس قد استُعلِن في عملٍ واحِد ، ووحدِة العمل هذه تُشير إلى وحدِة كيان الله .
فالله لا تحِدُّه مفاهيم ولا تحصُره ادراكات العقول البشرية ، لكنه يُعرف بأعماله واعلانه ، فنحن نعرِف أنَّ الله كائِن لأننا نعرِف أنَّ الله يعمل ، أباً وابناً وروح قدس ، لكننا نعرِف أيضاً أنَّ الآب والابن والروح القدس ليسوا ثلاثة آلهة بل إله واحِد ، لأنَّ عمل الآب لا يختلِف عن عمل الابن ولا عن عمل الروح القدس ، أخيراً لا الآب ولا الابن ولا الروح القدس يختلِفون في الكيان أو الجوهر ، فليس الآب أعظم من الابن أو الروح القدس ، ولا الابن أدنى من الآب ( فليس كل اُقنوم أدنى من الآخر أو أنَّ الأقانيم هي مجرد حالات أو ظواهِر مختلِفة ) ( حسب قول المُبتدِع سابيليوس ) .
قاوم البابا أثناسيوس الأفلاطونية بنظريتها في الثَّالوث المُتدرِج ( غير المُتساوي ) (5)، فكل من يفصِل الابن عن الآب ، أو من يُدنِّي الروح القدس لا يكون له الآب ولا الابن ، وهو بلا إله ، ويكون أشر من غير المُؤمِن ، ولا يُحسب أنه مسيحي ، لأنَّ الإيمان بالثَّالوث المُسلَّم إلينا يُوحِّدنا بالله (6) .
ومن ثمَّ فلتأكيد وحدِة الأقانيم الثَّلاثة ولتأكيد ثالوثيِة الجوهر الواحِد لا يليق أن يُعرف أو يُحدَّد اُقنوم باُقنوم آخر ، لكن الإنسان قد يتساءل حينما يقرأ مقولِة القديس أثناسيوس والتي قد يُفهم منها أنَّ الابن أدنى من الآب كقوله ” الآب هو الأصل أو المبدأ الأوَّل للابن بينما
الآب لا مبدأ له “ أو حينما يقول ” الروح القدس ينبثِق من الآب ويستقِر في الابن أو أنه روح الابن أو أرسله الابن “ .
ويُؤكِد البابا أثناسيوس أنَّ هذه المقولات غير انعكاسية أي لا يمكن الرجوع فيها ، لأنَّ الاجابة على زعم البعض بأنَّ أقوال القديس تتضمن ولو شُبهِة التدني أو التدرُّج أو المرؤوسيةSubordinationism، هي بالقطع النفي التام للأسباب التالية :
الآب هو مبدأ الابن ( Ẩρχή ) بسبب الاستعلان ، لأنَّ الآب لا بِداية له ، فهو بحسب تعبير القديس أثناسيوس ” آنارخوس آرخي “ (Ẩναρχοσάρχή ) ” أي البدء الذي لا بدء له “ .
الابن غير مخلوق أي ” أجنيتوجنيس “ ( Ẩγενητογενήσ ) وهي صِفة يعود استخدامها إلى البابا ألكسندر بطريرك الأسكندرية ألـ 19 ، الذي خَلَفَهُ البابا أثناسيوس الرَّسولي على الكرسي المرقُسي الأسكندري .
ونرى نفس الفِكر مُتعمِقاً في الإبنڤماتولوچيا ( لاهوت الروح القدس ) ، فالروح القدس ليس أقل Inferiorمن الابن لأنه مُرسل من الابن ، أيضاً ليس الابن أقل من الآب لأنه أرسله وفي الحقيقة الروح القدس يُعطى للابن من الآب ، وهو ينبثِق من الآب ليستقر في الابن ، ولكنه ليس أقل من الآب أو الابن ، لأنه يُعلِن الابن ويُعلِن الآب حقاً ، فالروح القدس يُكمِل لاهوت الثَّالوث He Completes the Theology of the Trinity .
وفي رسالِة القديس الأولى إلى سِرابيون الأسقف يقول :
” إذاً يوجد ثالوث قدوس وكامِل ، نعترِف بأنه الله الذي هو الآب والابن والروح القدس ، لا شئ فيه غريب أو خارِج عن طبيعته ، لا يتألَّف من واحِد يخلِق وواحِد مخلوق بل كله خالِق ، جوهره بسيط وغير مُنقسِم وعمله واحِد “ ( Consistent and in nature indivisible and its activity is ONE ) .
فالآب يصنع كل شئ بالابن اللوغوس في الروح القدس ، هكذا تظِل وحدِة الثَّالوث القدوس محفوظة ، والكنيسة تكرِز بإله واحِد : الذي هو فوق الجميع وبالجميع وفي الجميع : هو فوق الجميع أباً فهو البداية وهو الأصل ، وبالجميع باللوغوس الكلِمة ، وفي الجميع في
الآب لا مبدأ له “ أو حينما يقول ” الروح القدس ينبثِق من الآب ويستقِر في الابن أو أنه روح الابن أو أرسله الابن “ .
ويُؤكِد البابا أثناسيوس أنَّ هذه المقولات غير انعكاسية أي لا يمكن الرجوع فيها ، لأنَّ الاجابة على زعم البعض بأنَّ أقوال القديس تتضمن ولو شُبهِة التدني أو التدرُّج أو المرؤوسيةSubordinationism، هي بالقطع النفي التام للأسباب التالية :
الآب هو مبدأ الابن ( Ẩρχή ) بسبب الاستعلان ، لأنَّ الآب لا بِداية له ، فهو بحسب تعبير القديس أثناسيوس ” آنارخوس آرخي “ (Ẩναρχοσάρχή ) ” أي البدء الذي لا بدء له “ .
الابن غير مخلوق أي ” أجنيتوجنيس “ ( Ẩγενητογενήσ ) وهي صِفة يعود استخدامها إلى البابا ألكسندر بطريرك الأسكندرية ألـ 19 ، الذي خَلَفَهُ البابا أثناسيوس الرَّسولي على الكرسي المرقُسي الأسكندري .
ونرى نفس الفِكر مُتعمِقاً في الإبنڤماتولوچيا ( لاهوت الروح القدس ) ، فالروح القدس ليس أقل Inferiorمن الابن لأنه مُرسل من الابن ، أيضاً ليس الابن أقل من الآب لأنه أرسله وفي الحقيقة الروح القدس يُعطى للابن من الآب ، وهو ينبثِق من الآب ليستقر في الابن ، ولكنه ليس أقل من الآب أو الابن ، لأنه يُعلِن الابن ويُعلِن الآب حقاً ، فالروح القدس يُكمِل لاهوت الثَّالوث He Completes the Theology of the Trinity .
وفي رسالِة القديس الأولى إلى سِرابيون الأسقف يقول :
” إذاً يوجد ثالوث قدوس وكامِل ، نعترِف بأنه الله الذي هو الآب والابن والروح القدس ، لا شئ فيه غريب أو خارِج عن طبيعته ، لا يتألَّف من واحِد يخلِق وواحِد مخلوق بل كله خالِق ، جوهره بسيط وغير مُنقسِم وعمله واحِد “ ( Consistent and in nature indivisible and its activity is ONE ) .
فالآب يصنع كل شئ بالابن اللوغوس في الروح القدس ، هكذا تظِل وحدِة الثَّالوث القدوس محفوظة ، والكنيسة تكرِز بإله واحِد : الذي هو فوق الجميع وبالجميع وفي الجميع : هو فوق الجميع أباً فهو البداية وهو الأصل ، وبالجميع باللوغوس الكلِمة ، وفي الجميع في
بين سِر اللاهوت Theology والتدبير Economy ، فالله كائِن بذاته موجود وغير مُتغيِر وغير خاضِع للزمن وغير قابِل للموت أو الفساد ، أمَّا العالم فمخلوق مُستمَدْ من إرادِة الله مُتغيِر ومُعرَّض للفساد ، وكلِمة الله هي عِلِّة الخلق ، وهناك صِفات ذاتية كيانية في الله وهي الصِفات الجوهرية : الآب والابن والروح القدس ، إنه سِر العِبادة الأعظم ( ثلاثة في واحِد ) وهنا يُؤكِد البابا أثناسيوس على علاقِة الثيولوچيا بالتريادولوچيا .
ولاهوت الابن هو لاهوت الآب ، لذلك فهو غير مُنقسِم ، لأنه يوجد إله واحِد ، والأُبوة والبُّنوة في الله ليست مُرتبطة بالمادة ولا بالتصورات الزمنية ولكنها حقيقة دينامية إينارچية ، لها قُدرة وتواجُد معاً ، الابن غير مُفترِق عن الآب ، ولم يكن زمان قط كان فيه الابن غير موجود ، ولكنه دائِماً أبداً صورِة الآب وشُعاعه وله أزليِة الآب .
ويرى البابا أثناسيوس أنَّ من يُؤمِن بالآب يعرِف الابن في الآب ، وهو لا يعرِف الروح القدس بدون الابن ، وذلك يُؤمِن أيضاً بالابن والروح القدس لأنَّ لاهوت الثَّالوث واحِد وقد اُعلِنَ من واحِد ، أي من الآب …. فالإيمان بالثَّالوث يُوحدنا بالله ، لأنَّ المعمودية تتم باسم الثَّالوث ، ويوجد إيمان واحِد في الثَّالوث ، هكذا أيضاً الثَّالوث القدوس مُتساوي مع ذاته ، ومُتحِد بنفسه في وِحدة غير مُتجزِئة ، والإيمان به إيمان واحِد .
وهذه الأقوال الدقيقة الشارِحة للاَّهوت الثَّالوثي تتكرر بمضمونها وإن لم يكن حرفياً في كل أقوال الآباء الذينَ أقامهم الله آباء ورُعاة ومُعلِّمين في الكنيسة المُقدسة بعد نياحِة القديس العظيم الأنبا أثناسيوس الرَّسولي حامي الإيمان .
واللاهوت الثَّالوثي يختلِف تماماً بل ويُضاد ذلك الفِكر اللاهوتي الوحداني الصِرف Monistic Theology ( الفِكْر الأُحادي ) ، مثل بِدعِة السبليانية التي تعتبِر الآب والابن والروح القدس ثلاثة مظاهِر أو أشكال لإله واحِد Modelism أو مِثْل ما يُسمَّى باللاهوت التَّعدُدي الجموعي Pluralistic Theology مثل الفلسفة الهيلينية التي تخلِط بين الله وعناصِر العالم ، فينشأ عن هذا الخلط ” تأليه الكون “ ، وهو مذهب وحدِة الوجود ( أي أنَّ الله والطبيعة شئ واحِد ) .
لكن لاهوتنا الثَّالوثي الذي نُؤمِن به يُقرِّر أنَّ كل اُقنوم من أقانيم الثَّالوث إله كامِل ، والأقانيم الثَّلاثة إله واحِد وليسوا ثلاثة آلِهة ( بل لاهوت واحِد أزلي في الثَّالوث ومجد واحِد للثَّالوث ) (11) .
والأقانيم الثَّلاثة مُتميِزة Distinct ومع هذا فإنَّ تمايُزها ليس عائِقاً لوحدانيِة جوهرها .
ويليق بنا أن نعرِض هنا النص التالي بغرض توضيح مفهوم تمايُز الأقانيم الثَّلاثة في الثَّالوث القدوس ، في منظور القديس أثناسيوس اللاهوتي ، وهو نص وَرَدْ في ردُّه الأوَّل على الأريوسيين ، يدحض التثليث الأريوسي المرفوض الذي قام على اعتبارات عقلانية وقياسات منطِقية ( Syllogisms ) :
” إن قُلنا أنَّ اللوغوس كان منذ الأزل مع الآب ، لكنه ليس ابنه ، فإنَّ شُكوك الأريوسيين المزعومة قد تبدو مقبولة بحسب ظاهِرها ، لكن بينما نحن نقول أنه أزلي ، نعترِف أيضاً إنه ابن من الآب فكيف يكون المولود أخاً لمن ولده ؟ ..
ما هذا إلاَّ زعم يهودي المنشأ … لأنَّ الآب والابن لم يُولدا من أصل سابِق الوجود حتى نعتبرهُما أخين ، لكن الآب وَلَدَ الابن ، والآب هو الآب ، والابن هو الابن ليس أخاً بل دُعِيَ ابن الآب الأزلي ، وحقاً قد دُعِيَ كذلك لأنَّ جوهر الآب لم يكن أبداً ناقِصاً ، ليس كما في حالِة ميلاد إنسان من إنسان قد وُلِدَ الابن الوحيد من الآب ، حتى يبدو لاحقاً للآب في الوجود بل هو مولود الآب بالطبيعة منذ الأزل “ (12) .
وهكذا أكَّد القديس أثناسيوس على الثَّالوث الأزلي ( Eternal Trinity ) في مواجهة ذلك الفِكْر الأريوسي الذي يخضع لمقاييس وأبعاد الزمن ، فيصير لاهوتاً ناقِصاً تحكمه معايير التدني والتَّبعية والمرؤوسية (Subordinationist ) (13) .
فأريوس يُعلِّم ويزعُم أنَّ الله في البدء كان واحِداً وحيداً ( موناد Monad ) ، لكنه فيما بعد خلق الابن !! وفيما بعد أيضاً أوجد الروح القدس !! وهكذا تحدَّدت معالِم فِكْر أريوس الهرطوقي والمُبتدِع عن تلك الوحدانية الأنطولوچية الإغريقية .
لكن الله هو الواحِد الغير مخلوق البِدء الأزلي وأصل كل الأشياء الذي لا يتغيَّر ، الأبدي ، ولا صيرورة فيهBecoming .
يزعم أريوس أنه : حينما نقول أنَّ الابن مولود والروح القدس مُنبثِق ، فكإننا نقول أنَّ كيان الله ” يصيرBecomes “ ، والصيرورة دائِماً ما تكون في الزمان وتقبل التغيير ، وعلى هذه المُقدمات المنطِقية العقلانية رفض الأريوسيون تعليم الكنيسة المُستقيم عن الابن الأزلي ، وعن انبثاق الروح القدس الأزلي ، وقد أعاقهم مفهومهم الأفلاطوني الجامِد ( الإستاتيكي ) عن الكيان الإلهي عن رؤيِة أيَّة ” حركِة حياة “ داخل الله ، بمعنى أي سِر شخصس ( Personal mystery ) .
وقد اعتاد القديس أثناسيوس أن يُشكِّل إيمان الكنيسة افتراضاته الفلسفية ويصيغ تعليمه ، فدحض هرطقِة المُبتدِع أريوس ، والتي تتعلَّق بأزليِة الابن ، والتي حصرها أريوس الهرطوقي في بُنوة لها معنى الصيرورة والمخلوقية (14) .
ويُحاجج القديس أثناسيوس ليُميِز بين :

الميلاد
Generation
والخلق
Creation

مُستنِداً إلى التعليم الإنجيلي للكتاب المُقدس ، فحال كون الابن مولوداً لا تُساوي على الاطلاق كونهِ مخلوقاً ، فالمولود ميلاداً إلهياً مولود بالطبيعة ، بينما المخلوق خُلِق من عدم ، وميلاد الابن يخُص الطبيعة الإلهية ، ولهذا يختلِف عن أي ميلاد بشري ، فالطبيعة الإلهية أزلية ومن ثمَّ وَجَبْ أن يكون الميلاد الإلهي أزلياً ، أمَّا الميلاد البشري فلا يمكن أن يحدُث إلاَّ في الزمن ، لأنَّ الطبيعة البشرية قد خُلِقت وتوجد في الزمن ، أيضاً الطبيعة البشرية يحكُمها المكان لأنها توجد في المكان ولها مظهر جِسداني محدود ، لكن الكيان الإلهي غير جسداني وبسيط لا يحِدُّه زمان ولا مكان ، وهو غير مُدرك ومن ثمَّ فكيفية الميلاد الأزلي غير مُدركة ، وِدفاع الكنيسة عن الميلاد الأزلي للابن ليس دِفاعاً مبنياً على أُسُس عقلانية كما لو كانت الكنيسة تقدِر أن تُدرِك كيفية هذا الميلاد الإلهي أو تُثبِته ، لكنه دِفاع قد قام في الكنيسة لأنها قد تسلمته من الرب نفسه من خلال رُسُله القديسين ، وقد استُعلِن في الاختبار التاريخي لاستيعاب الكنيسة لحق الاستعلان الإلهي (15) .
وفي ( ضد الريوسيين 2 : 58 ) ، يقول القديس أثناسيوس :
” يُحدِّد الكتاب المُقدس الفارِق بين ميلاد الابن وخلقِة الأشياء ويكشِف أنَّ وحيد ” الآب ” هو ابن لم يبدأ من أي بِدء لكنه أزلي ، لكن الشئ المخلوق ، إذ هو عمل خارجي من أعمال الخارِج ، يبدأ في أن يكون له وجود من لا وجود ، ولهذا فإنَّ القديس يوحنا حينما سلَّمنا التعليم الإلهي اللاهوتي عن الابن – وهو مُدرِك للفارِق في العبارات والمُسميات – لم يقُل ” في البدء صار ” أو ” خلق ” ، لكنه قال ” في البدء كان اللوغوس “، حتى نفهم ” الميلاد ” بواسطة لفظِة ” كان ” لا بمفهوم وجود مسافة زمنية تفصِل الابن عن الآب لكن حتى نُؤمِن أنَّ الابن كائِن أزلياً وعلى الدوام “ .
وفي ( ضد الأريوسية 2 : 57 ) ، يتحدَّث القديس بطريقة مُماثِلة :
” للأعمال بِداية عند خلقها أو عملها ، وبِدايتها تسبِق صيرورتها ، لكن اللوغوس ليس من الأشياء التي خُلِقت أو صارت بل هو ذاته خالِق كل الأشياء التي لها بِداية ، أيضاً تُقاس كينونِة المخلوقات بمعيار صيرورتها ، لأنَّ الله قد بدأ في خلقها باللوغوس من بدايِة ما حتى نعرِف أنها لم تكن موجودة قبل خلقِها ، لكن اللوغوس لا يستمِد كيانه من بِدء آخر غير الآب ، الذي هو بلا بِداية ومن ثمَّ كينونِة الابن بلا بِداية في الآب ، لأنه وحيده وليس مخلوقه “ .
وبالنسبة للبابا أثناسيوس كان نُكران أريوس الهرطوقي للاهوت الابن يتضمن أيضاً بالتبعية نُكران لاهوت الثَّالوث ، الذي لا يقِل أبداً عن الالحاد ونُكران الله !! لأنَّ لاهوت الثَّالوث هو الحق (16) The Theology of the Trinity is the truth .
وفي رِسالته الأولى إلى سِرابيون الأسقف يقول : ” أنَّ الأريوسيين بنُكرانهم للابن يُنكِرون يُنكِرون الآب وأيضاً هؤلاء المُبتدِعون مُقاوِمو الروح القدس بحديثهم الشِّرِّير عن الروح القدس يتحدَّثون بالشَّر عن الابن ، وقد وزَّع الفريقان فيما بينهما الضَّلالة ضد الحق ، ففريق منهم يُقاوِم الابن والآخر يُقاوِم الروح القدس وصار كلاهما يُجدِّف نفس التجديف ضد الثَّالوث “ .
ثم يستخدِم القديس أثناسيوس لغة قوية فيما بعد : ” ظهر الثَّالوث كامِل وغير منظور ، القدوس الأزلي الواحِد ذو الطبيعة التي لا تتغيَّر ، والإيمان بالثَّالوث الذي سُلِّمَ إلينا يُشرِكنا بالله ، وذاك الذي ينفصِل عن الثَّالوث مُعتمِداً باسم الآب والابن دون الروح القدس لا ينال شيئاً ، بل يبقى كما هو خامِلاً بلا مفاعيل هو والذي يُحاكيه ، ومن يفصِل الابن عن الآب أو الذي ينزِل بمستوى الروح القدس إلى الخليقة ، ليس له الابن ولا الآب بل هو مُلحِداً وأسوأ من غير المُؤمِن بل هو شئ آخر غير صِفة ” مسيحي ” ، هو بالحق كذلك لأنه كما أنَّ المعمودية المُعطاه في الآب والابن والروح القدس هي معمودية واحِدة ، وكما أنَّ الإيمان في الثَّالوث كما قال بولس الرسول هو إيمان واحِد ، هكذا أيضاً الثَّالوث القدوس حال كونه مُماثِلاً لذاته مُتحِداً بذاته ليس فيه شئ من الذي يخُص المخلوقات ، وهذه هي وحدِة الثَّالوث التي لا تنفصِم ، وهذا هو الإيمان الواحِد “ (17) .
ومن أساسيات تعليم القديس أثناسيوس عن الثَّالوث القدوس ، هو الاعتراف النيقاوي بوحدانِيِة الجوهرỎμοουσιοστώConsubstantiality ، والتي تأكدت أوَّلاً من جهة الابن مع الآب ( خاصة في ضد الأريوسية وكتاب المجامِع De Synodis وكتاب الإيمان (( العقيدة )) De Decretis والأعمال الأخرى ضد الأريوسيين ) ثم من جهة الروح القدس مع الابن ومن ثمَّ مع الآب .
وكان جهاد القديس أثناسيوس الأساسي ضد الأريوسيين ومُقاوِمي الروح القدس Pnevmatomachiansفي دِفاعه عن وحدانِيِة الجوهر homoousion . فاللاهوت الذي يخلِط غير المخلوق بالمخلوق ليس لاهوتاً .. لذلك يرتكِز الدِفاع عن وحدانِيِة الجوهر ( هوموآوسيون ) على الاستعلان الكِتابي ، وخصوصاً على إيكونوميِة المسيح ( تدبيره الخلاصي ) . والمبدأ الذي يحكم استعلان الله في العهد القديم والتدبير المسيحي هو الفِعْل الثُّلاثي الغير مُنقَسِم للثَّالوث القدوس ، ويستعلن التدبير ( الإيكونوميا ) عمل الله الذي بدأ بالآب وتأسَّس بالابن وكَمُل في الروح القدس ، وهذا العمل الواحِد يتطلب ” الجوهر الواحِد “ Ousia ( اُوسيا ) ووحدانِيِة الجوهر .
والتأكيد على وحدِة العمل والجوهر هو تأكيد في غايِة الأهمية إذ يكشِف عن أنَّ اللاهوت لا ينفصِل عن الإيكونوميا ( التدبير الخلاصي ) ، وليس لاهوت الثَّالوث مُطلقاً جامِداً بلا دِيناميكية ، لكنه لاهوت اختباري في عمل الثَّالوث الخلاصي التدبيري نحونا ، وتدبير تجسُّد الله اللوغوس هو الركيزة الحقيقية لهذا اللاهوت التريادولوچي ( الثَّالوثي ) ، ومن خلال اتحادنا وشَرِكتنا مع المسيح ، نختبِر الثَّالوث ونعرِفه ، لذلك يُؤكِد القديس أثناسيوس على أنَّ الكنيسة هي المجال الذي فيه يُختبر لاهوت الثَّالوث ويُعرف ، فالكريستولوچيا ( طبيعِة المسيح ) والسوتيريولوچيا ( لاهوت الخلاص ) والتريادولوچيا ( لاهوت الثَّالوث ) لا تُفهم فهماً صحيحاً إلاَّ من خلال الإكلسيولوچيا ( حياة الكنيسة ) .
لذلك نرى القديس أثناسيوس وقد رضع اللاهوت وأحس بكيان الله الواحِد من خلال العِبادة الليتورچية ، وأيضاً من خلال التلمذة Discipline للبابا ألكسندروس وللبابا بطرس خاتِم الشُّهداء الذي اعترف بأنَّ الذي بطبيعته إله صار بطبيعة البشر ، والسيف مُسلطاً على رقبته .
لم يرَ البابا أثناسيوس أنَّ اللاهوت فلسفة عقلانية ومنطِق يخضع للنِقاش والجِدال والتحليل ، لكنه رأى أنَّ اللاهوت تقوى وعِشق الثَّالوث ، لذلك جاهد ضد الأريوسية مُجاهدة النور مع الظُلمة والحياة مع الموت ، حتى سقطت الأريوسية بلاهوتها العقلاني المُلفق ومنهجها الفلسفي ، بعد أن عاش أثناسيوس حياة استشهاد مُتواصِل ، عاش في الحق الذي لا يموت ظلَّ يزرع أشجاراً طوال حياته حتى تستطيع الأجيال القادِمة أن تستظِل تحتها (18) .
اقتنى أثناسيوس حياة الفضيلة ، لأنه كان يربُط بين معرِفة الله ” الثيولوچيا “ وبين الفضيلة ، لذلك قيل أنَّ من يمدح أثناسيوس يمدح الفضيلة ، إنه ذلك الرجل الإلهي الذي عَشَق الإلهيات وعاشها وكلَّمنا ودافع عنها ، مُعتبِراً أنَّ الإلهيات بعيدة عن الأشرار ، لذلك صار هو بحق معيار الأرثوذُكسية الحي ، الذي وجد فيه الروح القدس من سيتنفس لحسابه !! (19) .
إنَّ المنهج اللاهوتي للبابا أثناسيوس الرَّسولي يرتكِز على علاقته الشخصية بالمسيح ، لذلك لُقِب ” فيلوخريستو “ ، فلا يستطيع أن يتكلَّم عن الثيولوچيا إلاَّ من أحب المسيح واشتعل بنار العِشق الإلهي ، وفي ربط لاهوتي حياتي يربُط البابا أثناسيوس بين الثيولوچيا والكريستولوچيا ، مُثبِّتاً نظره على المسيح المُخلِّص الذي لم يُعلِّم الفضيلة فقط بل مارسها كمِثال حي وعملي ..
تعلَّق البابا أثناسيوس بوسائِط النِعمة (20) التي شكِّلِت فكره اللاهوتي ، فاعتبر الإفخارستيا مأكل فائِق سمائي وطعام روحاني به نتحِد بالإلهيات ، ونتناول من جسد الكلِمة نفسه فيكون لنا في أنفسنا الرب الواحِد ، وهنا نلمس رَبْط القديس أثناسيوس بينالثيولوچيا والإكلسيولوچي ، فنحن نتذوق ونعرِف اللاهوت ونتلامس معه في الكنيسة مُستودع النِعمة ، لذلك أخذ القديس على عاتِقه أن لا يُقدِّم المسيح إلاَّ مُتحِداً بكنيسته من الداخِل ، وفي كلمة واحدة كان المسيح هو نفسه الكنيسة .
كان الإنجيل والتأمُّل في كلِمة الله من أهم الأساسات التي تأسَّس عليها لاهوت القديس أثناسيوس ، فكان الإنجيل شهوِته المُفضلة ، مُعتبِراً أنَّ الكُتُب المُقدسة كافية للثيولوچيا والإعلان الإلهي ، وبذلك أمكنه أن يُنقِذ التعليم اللاهوتي من الانحراف وراء الهرطقات أو النظريات الفلسفية واليونانية ، فصارت الأرثوذُكسية الجامِعة مُتجسِدة في شخصه (21) .
رَبَطْ القديس بين الثيولوچيا والذُّكصولوجيا ، لأنَّ النَّفْس التي لها فِكْر المسيح تتوافق مع هذا الفِكْر كتوافُق القِيثارة مع من يُحرِّك أوتارها ، وهكذا النَّفْس حينما لا تصنع الباطِل تُدعى بحق قِيثارة روحية ، التي ينبغي أن تتمثَّل بالسيرافيم والشاروبيم ولا تكُف عن التَّسبيح المُتواصِل ، لأنَّ كل معرِفة ثيولوچية حقة تمتزِج بالتَّسبيح والتَّمجيد .
تمسَّك البابا أثناسيوس في منهجه اللاهوتي بالتقليد الكنسي ، ففهم اللاهوت فهماً كنسياً بعيداً عن التلوث الفلسفي اليوناني الذي أسقط أريوس الهرطوقي وأتباعه .. ، وربط القديس بين الثيولوچيا والباترولوچيامُعتبِراً أنَّ شَطَطْ الهراطِقة كان في عدم حِفظِهِم للمسيحية التقليدية ، أمَّا إيماننا نحن فمستقيم ونابِع من تعليم الإنجيل وكرازِة الرُّسُل وتقليد الآباء ومشهود له من العهدين القديم والجديد .
رَبَطْ القديس دائِماً بين الثيولوچيا والتقوى أي بين المعرِفة اللاهوتية والحياة العملية ، مُعتبِراً أنَّ العقيدة والتقوى أُختان ، فعاش ناسِكاً تقياً ، بعد أن رأى أنَّ من يريد أن يُدرِك فِكْر الناطقين بالإلهيات (Θεολόγων ) يجِب عليه أن يُقدِّم حياته ويُعاشِر القديسين (22).
ومن بين الركائِز الأثناسيانية كانت الاهتمامات المُركزة على التريادولوچيا ( الثَّالوث ) والتي أسماها القديس” اللاهوت الكامِلPerfect Theology “ ، وأيضاً أسماها ” التقوى الوحيدة “ (23) .
والنُّصرة في حرب الإيمان ودحض الهرطقات ليست نِزاع ومنطِق كلام بل إيمان وإنجيل وتقليد وتقوى والتزام عملي وسلوكي ، لذلك اعتبر القديس أنَّ الثَّالوث هو اللاهوت الكامِل وأنه التقوى الوحيدة ، بالتأمُّل في الثيولوچيا لا كدِراسة فِكرية نظرية وبُرهانات ، ولكنكممارسة عملية تقوية للفضيلة ولِشَرِكَة الثَّالوث القدوس .
وعِلْم اللاهوت Θεολογία عند البابا أثناسيوس مُرتبِط بحياة القداسة فهو يقوم على قداسِة السيرة مع الالهام والاعلان من الله ، ونقاوِة النَّفْس تُؤهِلها لتتأمَّل في الإلهيات لأنَّ أنقياء القلب يُعاينونه ..
وأثناسيوس قَبَلْ أن يكون اللاهوتي البارِع بطل مجمع نيقية وبطريرك الأسكندرية ، هو إنسان يحيا ” الثيولوچيا “ الحياة الإلهية ، هذه هي شهوِته الأولى فربط بين الأسقيطولوچيا والثيولوچيا ، أي النُّسك باللاهوت (24) .
أكَّد القديس على أولويِة الإيمان على العقل ، فتسليم المعرِفةالثيولوچية لا يمكن أن يكون بالبراهين الكلامية بل بالإيمان وأفكار التقوى والوقار ، لذلك لم يترك لنا مُؤلِفات ذات طابِع بُنائي أو تثقيفي لأنَّ حياته كلها كانت جهاد ودِفاع ، وبالرغم من خِصبه الفكري وكثافته اللاهوتية ، إلاَّ أنَّ اُسلُوبه سهل واقعي تلقائي بسيط ، يشرح الحق فقط مُكرراً ممُؤكِداً ، ويُصحِّح أفكار السابقين له ، فكان لاهوته ثابِت الأصول والاتجاه من البِداية إلى النهاية (25) .
ولم يكن لاهوت الثَّالوث الكامِل عنده نتيجة نظرة عقلانية من جانِب الإنسان بل هو عطية الله ، ونِعمة من الله ، فمعرفِة الثَّالوث قائِمة على نِعمِة الثَّالوث ، وكثيراً ما يتحدَّث البابا أثناسيوس عن اللاهوتيين بأنهم ” اللاهوتيون القديسون “ الذينَ علَّمهم الله نفسه اللاهوت الكامِل ، وسجَّله بأقلامهم في الكِتاب المُقدس ، ويتحدَّث أيضاً عن المُعلِّمين المُلهمين من الله ، ويرى أنَّ الذينَ يقرأون الإنجيل قراءة صحيحة تعبُدية يفهمونه فهماً صادِقاً ويشهدون بلاهوت المسيح .
وعلى يد اللاهوتيين الذينَ علَّمهم الله ، وعلى يدي الآباء المُعلِّمين والمُفسرين الذينَ ألهمهم الله تعلَّمنا نحن اللاهوت ، هكذا يرى القديس أثناسيوس الرَّسولي .
ففي كِتابه ” ضد الأُمم “ (26) يذكُر القديس بولس الرَّسول كواحِد من هؤلاء اللاهوتيين مُشيراً إلى مقولته الرَّسولية في ( رو 1 : 2 ) أنَّ أمور الله الغير منظورة تُرى بالمخلوقات من خلال تأمُّل العقل منذ تأسيس العالم ، وهذا يُوضِح أنَّ البابا أثناسيوس يقبل مفهوم ”لاهوت الطبيعة Theology of Nature“ .
ويقول أنَّ الحقيقة الأولى التي يُعلِّمها هؤلاء اللاهوتيون هي أنَّ الله هو الخالِق وحافِظ كل الأشياء (27) ، ويتأكد هذا التعليم في مقدمة إنجيل القديس يوحنا اللاهوتي ” كل شيء به كان وبغيرهِ لم يكن شيء مِمَّا كان “ (28) .
فهؤلاء اللاهوتيون يُعلِّموننا إذن أنَّ لوغُوس الله الذي خلق كل الأشياء هو في نفس الوقت حافِظها … وتعليم التدبير والعِناية أو نِعمة العِناية الإلهية هو تعليم مُتلازِم تماماً مع نِعمة الخلق الأولى .
ثم – أنَّ اللاهوتيين يتحدَّثون عن ظهور الله الكلِمة اللوغُوس مُتجسِداً الذي أباد الموت والفساد ، لذلك صار اللاهوتيون هم لاهوتيو المُخلِّص ، الله اللوغُوس الذي يُؤكِد لاهوته وناسوته ، ومن ثمَّ فإنَّ وحدِة أو اتحاد الله بالإنسان تتحقق وتُكتمل فيه إلى الأبد ، ومن الواضِح أنَّ اللاهوتي في رأي البابا أثناسيوس هو الذي يُعلِن ( يكشِف عن ) لوغُوس الله ، لأنَّ هذا اللوغُوس قد استُعلِن أولاً له ، واستعلان اللوغُوس هو نِعمة من اللوغُوس .
وللقديس أثناسيوس الرَّسولي مفهومه ذو الثَّلاثة أبعاد ، فهو يختص :0
بالخلقCreation
والتدبيرProvidence
والخلق الجديدRenew creation
وبمعنى آخر ، يستوعِب تاريخ الخلاص كله منذ بِداياته عند تأسيس العالم وحتى نهايته في قيامِة المسيح وإبادِة الموت والفساد ، أي تأليه الطبيعة ، وهنا مكمن مجد وفخر اللاهوت .
واللاهوتي الحقيقي هو الذي يتيقن ويُستعلن في وجوده تلك الأسرار العظيمة الثَّلاثة لعمل الله والاستعلان في آنٍ واحِد ، أعني :

الخلق ، وتدبير الخلق ، وتجديد الخلق أي الكمال

وليس الكِتاب المُقدس غاية لاهوتية !! بل هو فقط وسيلة ، أمَّا الغاية فهي الإنسان ، الشخص Person ، الذي فيه تمَّم الله كل مقاصِده جاعِلاً إياه اللاهوتي في الأيقونة والشَبَه بحسب الله ذاته .
والقديس أثناسيوس يجِد الأيقونة في الأنبياء والرُّسُل والقديسين في الكِتاب المُقدس .
أخيراً – يُؤكِد القديس على الطهارة Purity كسابِقة وضرورة للاَّهوت ، ففي كتاب ” تجسُّد الكلِمة “ يقول : ” من أجل تفتيش الكِتاب المُقدس والمعرِفة الحقيقية له نحتاج إلى حياة مُكرَّسة ونفس طاهِرة لأنه بدون فِكْر نقي طاهِر ، وبدون حياة نمتثِل فيها بالقديسين لا يستطيع الإنسان أن يُدرِك ويستوعِب كلام اللاهوتيين ، لأنه إن أراد الإنسان أن يرى نور الشمس ، يمسح عينيهِ ويُنقيهِما مًطهِّراًَ نفسه ، حتى تقدِر العين المُبصِرة أن ترى نور الشمس ، أو كما لو كان الإنسان يريد أن يرى مدينة أو بلدة يأتي بنفسه إليها ليراها ، هكذا أيضاً الذي يشتاق أن يُدرِك فِكْر اللاهوتيين عليه أن يبدأ يغسِل ويُطهِّر نفسه بسلوكه في حياته ، وأن يقترِب من القديسين أنفسهم بالامتثال بأعمالِهِم ، والاشتراك في سيرِة حياتِهِم ليفهم ما استُعلِن لهم من الله ، وإذ يرتبِط ارتباطاً صميمياً بهم ينجو من هلاك الخُطاة ونارهم في يوم الدينونة “ .
وجاءت هذه المقولة في أُولى أعمال البابا أثناسيوس لتكشِف عن سِر حياته وعَظَمَته ، وإذا أردنا الايجاز فإنَّ القديس يقول إن الإنسان بحاجة إلى تطهير نفسه في حياته ليكون مُستحِقاً للاَّهوت .
وإذا نظرنا إلى الأمر من جهة الله ، فاللاهوت نِعمة الثَّالوث ، ومن جهة الإنسان ، فاللاهوت تلمذة غالية ونفيسة .
واللاهوت لن يُعلن لنا بإيضاحات كلامية بل بالإيمان ، ولن يُعلن لنا بالعقل إنما بروح التقوى وحاسة الوقار …
فالإيمان بالله يسبِق المسير نحو الثيولوچيا ، لأننا في البِداية نُؤمِن وبعد ذلك نعرِف وأخيراً نتكلَّم ونشهد …

إنَّ اللاهوت لا يقوم على فهم شخصي

ولا على مشيئة شخصية

بل هو تعليم إنجيلي وإعلان كِتابي

بحسب الله ذاته .
والقديس أثناسيوس يجِد الأيقونة في الأنبياء والرُّسُل والقديسين في الكِتاب المُقدس .
أخيراً – يُؤكِد القديس على الطهارة Purity كسابِقة وضرورة للاَّهوت ، ففي كتاب ” تجسُّد الكلِمة “ يقول : ” من أجل تفتيش الكِتاب المُقدس والمعرِفة الحقيقية له نحتاج إلى حياة مُكرَّسة ونفس طاهِرة لأنه بدون فِكْر نقي طاهِر ، وبدون حياة نمتثِل فيها بالقديسين لا يستطيع الإنسان أن يُدرِك ويستوعِب كلام اللاهوتيين ، لأنه إن أراد الإنسان أن يرى نور الشمس ، يمسح عينيهِ ويُنقيهِما مًطهِّراًَ نفسه ، حتى تقدِر العين المُبصِرة أن ترى نور الشمس ، أو كما لو كان الإنسان يريد أن يرى مدينة أو بلدة يأتي بنفسه إليها ليراها ، هكذا أيضاً الذي يشتاق أن يُدرِك فِكْر اللاهوتيين عليه أن يبدأ يغسِل ويُطهِّر نفسه بسلوكه في حياته ، وأن يقترِب من القديسين أنفسهم بالامتثال بأعمالِهِم ، والاشتراك في سيرِة حياتِهِم ليفهم ما استُعلِن لهم من الله ، وإذ يرتبِط ارتباطاً صميمياً بهم ينجو من هلاك الخُطاة ونارهم في يوم الدينونة “ .
وجاءت هذه المقولة في أُولى أعمال البابا أثناسيوس لتكشِف عن سِر حياته وعَظَمَته ، وإذا أردنا الايجاز فإنَّ القديس يقول إن الإنسان بحاجة إلى تطهير نفسه في حياته ليكون مُستحِقاً للاَّهوت .
وإذا نظرنا إلى الأمر من جهة الله ، فاللاهوت نِعمة الثَّالوث ، ومن جهة الإنسان ، فاللاهوت تلمذة غالية ونفيسة .
واللاهوت لن يُعلن لنا بإيضاحات كلامية بل بالإيمان ، ولن يُعلن لنا بالعقل إنما بروح التقوى وحاسة الوقار …
فالإيمان بالله يسبِق المسير نحو الثيولوچيا ، لأننا في البِداية نُؤمِن وبعد ذلك نعرِف وأخيراً نتكلَّم ونشهد …

إنَّ اللاهوت لا يقوم على فهم شخصي


ولا على مشيئة شخصية

بل هو تعليم إنجيلي وإعلان كِتابي

وتسليم رسولي وتقليد كنسي

يوصَّلنا إلى معرِفة لاهوتية صحيحة

هي الأمانة والوديعة

هي قانون الإيمان النيقاوي

ولنُصلِّي جميعاً

بالحقيقة نُؤمِن بإله واحِد ……

+++

مراجِع الفصل

1) Cont., Gen., 1.
2) CAR 1, P.G. 26, 49 A.
3) SER 1, P.G. 26, 596 C.
4) Ibid. 605 (CD).
5) Harnak, History of Dogma of The Spirit & of Trinity. P, 199.
6) Athanas, ad, Serap, 1, 30.
7) Ch. 28.
8) Harnack, Op, Cit, p. 284.
9) Ibid. P. 250.
10) Athanas, Incar, 19.
11) CAR 1, 18.
12) CAR 1, 14.
13) Athanas., C, Ar, IV, 29.
14) F. A. Staudenmeier, cited by Florovsky, Op, Cit, P. 60.
15) Athanas. Contra Arian., 1: 9.
16) Athanas. To Serapion, 11. 5.
17) Ser 1, 30.
18) P.G. 26, 577.
19) Bouyer, L’incarnation et l´Eglise – Corps du Christ dans la Theologie de St. Ath., 1943, P. 22.
20) Quasten, Patrology, vol. III, P. 66.
21) N.P.N.F. 172 & 224.
22) P.G. 26, 656.
23) SER 1, 29.

1) N.P.N.F. 103.
2) P.G. 26, 577 & Quasten, Op. Cit. P. 66.
3) Contra Gen., P.G. 26, 698 C..
4) Ibid. 84 AB.
5) Ibid. 84 CD.

ليس الانسان مسيراً بدوافعه الخارجية للعلامة أوريجانوس

ليس الانسان مسيراً بدوافعه الخارجية للعلامة أوريجانوس
FREEDOM ليس الانسان مسيراً بدوافعه الخارجية للعلامة أوريجانوس
إن زعم أحد ان ما يباغتنا من خارج فيستثير حركاتنا هو علي نحو كذا، حتي انه يستحيل علينا ان نتصدى لما يحثنا علي الخير او الشر، فليُعر مثل هذا انتباهه بعض الشيء الي نفسه، ولينظر باهتمام الي حركاته الخاصة عندما يأخذ سحر رغبةٍ ما بمجامع قلبه، لكي يري هل هو غير واحدِ انه ما من امر يحدث قبل ان يمده الإدراك برضاه، وقبل ان تواطئ إرادته الإيحاء الفاسد(١٨)، حتي ان الشكوى تبدو وقد تقدم بها هذا او ذاك من الفريقين، مشفوعة بذرائع ممكنة القبول، كأنما قاضٍ يتربع في محكمة قلبنا، لكي يؤتي بالحكم بعد بسط الاسباب في امر الواجب فعله انطلاقاً من حكم العقل (١٩). فمن حزم أمره، على سبيل المثال، في ان يعيش في الإمساك والعفة، وان يمتنع عن اي اقتران بامرأة إذا ما امتثلت أمامه امرأة تستهويه وتدفعه الي فعل يناقض قصده، ليست هذه المرأة سبب عثرته، ولا هي تجره رغم أنفه، مادام في استطاعته (٢٠) ان يكبح دوافع اللذة، إذ يتذكر قراره، ويقهر المتعة التي تسببها له المفاتن التي تستثيره، من خلال استكانته للتوبيخات القاسية التي تنهال بها الفضيلة عليه، وان يثابر بحزم وثبات في مقصده بعد ان يكون قد هزم احاسيس الشبق كلها. ومن ثم، إذا برز مثل هذه الاثارات لدي أناس نالوا قسطاً أوفر من العلم، وتقووا في العلوم الالهية (٢١)، فان هم فطنوا لحال أنفسهم، واستذكروا جميع ما تأملوا فيه وتعلموه من ذي قبل، واتخذوا لهم سنداً في العقائد القدسية، يأنفوا عن هذه الإغراءات جميعاً ويستكرهوا اسمها، لأنها تستحثهم، ويحسبوا المشتهيات المعادية متصدين لها بالعقل فيهم.
 ولما كانت الدلائل الطبيعية تقيم البرهان، على نحو ما، حقيقة هذا كله، أليس نافلاً أن نلقي تبعة أفعالنا على الاحداث الخارجية، وان نقصي الخطأ عن كاهلنا فيما نحن السبب في ذلك ؟! إننا نزعم حينئذٍ أننا نشبه الخشب والحجارة، التي لا تمتلك حركتها في ذاتها، بل نتلقي بواعثها من الخارج (٢٢). وليس كلامنا، وقتئذٍ، بكلام حق ولا هو بكلام لائق؛ إنما هذا الجواب استنباط ليس إلا، يفيد نفي حرية عن الإرادة، إلا ان نعتقد بأن هذه الأخيرة لا توجد حقاً إلا إذا انتفي كل شيء يأتي من الخارج ليدفع بنا نحو الخير أو الشر. وإن جُعلت أسباب الخطايا في شبق الجسد الطبيعي ناقض هذا، بالطبع، ما تبديه لنا انواع التربية كلها. فكما نشاهد كثيرين ممن عاشوا قديماً في الخلاعة والشبق سجناء قصوفهم وملذاتهم، يبدون قدراً من التحول، عندما يُدعَون الي التعالي عبر التعليم والتهذيب، حتى انهم يصبحون وهم شبقون مفسدون مقسطين عفيفين، ويمسون وهم متوحشون قساة لطيفي الجانب مسالمين (٢٣)، كذلك نري أيضاً آخرين ودعاء ومستقيمي القلوب قد شاهدوا مزاياهم تتعفر بهذه المعاشرة السيئة (٢٤)، لأنهم ربما انسوا الي أناس مقلقين خداعين، فيمسون مشابهين لأولئك الذين لا تنقص عنهم اي دناءة. هذا ما يحدث في بعض الاحيان لأناس في مقتبل العمر، عاشوا سحابة صباهم في الإمساك أكثر منهم عند تقدمهم في السن، عندما أتيحت لهم حياة أشد تحرراً. إن منطق العقل يدلنا، إذاً، على أن ما يأتينا من الخارج ليس لنا حول عليه، وإنما استخدامه استخداماً حسناً او سيئاً يتعلق بنا، مادام العقل الذي في داخلنا يميز كيف يجب استخدامه، ويحكم فيه.
 نصوص كتابية تشهد على حرية الاختيار  
لكي يوطد ميخا النبي بسلطان الكتاب ما يظهره منطق العقل، ألا وهو ان العيش عيشة حسنة او عيشة سيئة إنما هو عملنا(٢٥)، دون ان ترغمنا الاحداث الخارجية عليه، او المصائر التي تضيق علينا كما يعتقد البعض، يشهد بهذه الكلمات: «قد بين لك، أيها الانسان، ما هو صالح وما يطلب منك الرب. إنما هو أن تجري الحكم، وتحب الرحمة، وتسير بتواضع مع إلهك» (ميخا 8:6)، كذلك موسي: «جعلت أمامك طريق الحياة وطريق الموت، فاختر الخير وسر في دربه» (تثنية 19:30)، أو اشعياء ايضاً: «إن شئتم واستمعتم اليَ فإنكم تأكلون من طيبات الارض. وإن ابيتم وتمردتم فالسيف يأكلكم، لان فم الرب قد تكلم» (اشعياء 19:1)، وقد كتب في سفر المزامير: «لو سمع لي شعبي، وسلك اسرائيل في طرقي لأذللت اعداءهم بقليل(٢٩)». ان هذا يدل على ان الاستماع والسير في طرق الله كانا في مقدور الشعب. والمخلص إذ قال: «اما انا فأقول لكم: لا تقاوموا الشرير» (متي 39:5)، وايضاً: «من سخط على اخيه يناله عقاب يوم الدينونة» (متي 22:5)، وايضاً: «من نظر الي امرأة ليشتهيها، فقد زني بها في قلبه(٣٢)»
 (متي 28:5)، ماذا تراه يقول عبر هذه الوصايا كلها، واخري غيرها، سوي إنه في مقدورنا مراعاة ما أمر به، وأننا بصوابٍ نخضع للدينونة نتيجة لهذا، إذا ما اخلنا بما نستطيع مراعاة حق الاستطاعة؟ لذلك يقول: «من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها يشبه انساناً حكيماً بني بيته على الصخر إلخ. ومن يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يشبه إنساناً أحمق بني بيته على الرمل إلخ» (متي 24:7)، وعندما يقول للذين عن يمينه: «تعالوا اليَ يا مباركي ابي، الخ. لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني» (متي 34:25)، يقيم الدليل جلياً على أنهم كان في مقدورهم ان يستحقوا هذه الإطراءات، عاملين بالأوامر وحاصلين على المواعيد، فيما وُجد الذين كانوا اهلاً لسماع عكس هذا وإدراكه مذنبين، الذين قيل لهم: «اذهبوا عني، يا ملاعين، الي النار الأبدية» (متي 41:25).
لنر أيضاً بأي كلام يخاطبنا بولس الرسول، نحن الذين نحوز علي سلطان حرية الاختيار، ونمتلك فينا أسباب خلاصنا وهلاكنا، إذ يقول: «أتحتقر غني لطفه وصبره وطول اناته، غير عالم ان لطف الله يدعوك الي التوبة؟ بيد أنك بتصلبك وقساوة قلبك الغير التائب، تدخر لنفسك غضباً ليوم الغضب واعتلان دينونة الله العادلة، الذي سيجازي كل واحد بحسب اعماله: بالحياة الابدية للذين بالصبر على العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة والخلود؛ وبالغضب والسخط على الذين هم من اهل المخاصمة، الذين لا ينقادون للحق بل ينقادون للشر. الشدة والضيق على كل نفس انسان يفعل السوء، اليهودي اولاً ثم اليوناني» (رومية 4:2). أنك ستجد في الأسفار المقدسة تأكيدات كثيرة لا عد لها، تثبت أجلي إثبات حيازتنا الطاقة على حرية الاختيار. اما سوي ذلك فضرب من الخيال ان نُعطي اوامر لنخلص بعملنا بها، او لنهلك بميلنا عنها، إذا لم تكن لدينا القدرة، في ذواتنا، على مراعاتها(٣٧)؟
___________________________________
 (١٥) الجملة «لكن هذا لا يتأتى … في اقل تقدير» اضافة عمد إليها روفينس استزادة في الإيضاح. ولكنها إضافة أمينة الي فكر أوريجانس، على حد ما يمكن القارئ أن يتثبت منه لدي مطالعته حوار أوريجانوس مع سلسيوس في شأن الاختلاف بين الانسان والحيوان: فإن هذا الاخير خالٍ من طاقة العقل التي ازدان بها الانسان لما خلقه الله على صورته تعالي. كذلك، فإن الجملة التالية «ولكن، اذ هكذا حال الحيوان … وتستحثنا عليها» توسع في مقولة أوريجانوس الذي يوجز القول في الموضوع عينه.
(١٦) لدي أوريجانوس عبارتان لا يكف عن استخدامها كلما أراد التعبير عن فكرة الحرية: الاولي το εφʼ ημιν مأخوذة عن الواقية، وتشير الي ما هو راسخ في الذات ونابض باحث علي الأفعال؛ والثانية Το αυτεξουσιον تدل علي الطاقة الذاتية علي العمل بدون مؤثر ضاغط.
(١٧) القيا بما يرضي العقل عنه ركن رئيس في الصرح الادبي الذي تنادي الرواقية به.
(١٨) يري أوريجانوس عثرة الانسان قائمة علي أساس من التواطؤ بين الإرادة وقد كبت تحت إيحاء العقل والعقل وقد ضل عن قويم السبيل. فالعقل يشتمل، بالتالي، على نوع تحبيذ يؤثر به كذا وكذا، او على شبه نفور ينصرف به عن كيت وكيت. كذلك، فله “رضاه”، وله “استحسانه”، وله ايضاً “ميله”؛ وهذه كلها مترادفات.
اللفظ الثاني مأثور عند الرواقيين، الذين يرمون به الي شيء من الوفاق بين العقل وموضوع ما يمتثل له.
(١٩) أضاف روفينس الجملة الاتية «… حتى ان المرافعة تبدو … حكم العقل»، تحت تأثير ما سبقها فيما يختص بهيمنة العقل علي تحركات المرء وسطوته عليها.
(٢٠) يميل روفينس الي الاسهاب عموماً؛ لا هذا فقط، بل الي الافصاح عن الفكرة عينها بقول خلافها، كما الحال هنا. فإن أوريجانس يتناول مثل الانسان الذي يكبو عن ضعف امام غواية المرأة؛ اما روفينس فيرسم حالة المرء الذي يتشدد إباء وأنفه.
(٢٢) انظر ٣-١ فان نزع حرية الاختيار من الانسان يلوي به الي ان يمسي شيئاً له نسمة حياة، ولكنه اعزل النفس.
(٢٣) يبدو روفينس فيما تقدم انه يوجز، على غير عادته. فهو يدع جانباً فكرة المهتدين الذين يظهرون غير المهتدين باهتدائهم انهم مفرطون وغير قانتين.
(٢٤) هذا استذكار للآية 1 كو 33:15، في نص روفينس، لا في نص أوريجانوس.
(٢٥) ثمة تعديل أجراه روفينس في نص ترجمته إزاء نص أوريجانوس، الذي يورد تأكيده كالآتي: ” إن العيش عيشة حسنة شأن عملنا، يطلبه الله منا، لا شأن عمله تعالي، ولا عمل أي انسان آخر، او عمل القدر كما يعتقد البعض …” . وقد اجراه روفينس بسبب بدعة بلاجيوس الظاهرة في تعابير أوريجانوس، مع كونها انتشرت متأخرة عن الزمن الذي وضع فيه كتاب المبادئ. لذلك، أقحم روفينس على النص فكرة العيش عيشة سيئة ايضاً، الي جانب العيشة الحسنة، وجعل كلا المسلكين مرتبطين بعمل الانسان. اما أوريجانوس فلا شأن له بادعاءات بيلاجيوس، اذ يؤكد في ٣-١-١٩ على ضرورة النعمة لكي يصيب الانسان خلاصاً.
(٢٩) ” ورددت يدي على مضايقيهم “: تتمة
(مزمور 14:80-15) هذه لم ترد   
 في ترجمة روفينس . فهي اما اضيفت لاحقاً على نصوص مجموعة الأحاديث المدونة باليونانية، واما أهمل روفينس سهواً ترجمتها من نص أوريجانوس.
(٣٢) متي 28:5. لا يبدو العقاب الذي يتهدد الخطاة على وفاق مع بر الله الا حينما يحمل الانسان وزره. لذلك، فان حرية الاختيار امر ترسيه الاخلاق، وتدعو اليه المجازاة في نهاية الزمان.
(٣٧) ” اما سوي ذلك … على مراعاتها ” اضافة في نص روفينس، لا فائدة ترجي منها.

تعليم القديس إغريغوريوس النزينزي عن الثالوث الأقدس[1] – الأنبا بيشوي

تعليم القديس إغريغوريوس النزينزي عن الثالوث الأقدس[1] – الأنبا بيشوي

-إريغوريوس-النزينزي تعليم القديس إغريغوريوس النزينزي عن الثالوث الأقدس - الأنبا بيشوي
القديس إريغوريوس النزينزي

يُلقَّب القديس إغريغوريوس النزينزي دوماً فى كنيستنا القبطية بلقب “الناطق بالإلهيات”. وتتمتع الليتورجية التى كتبها بشعبية كبيرة ويُصلّى بها فى أيام الأعياد الكبيرة وكثير من المناسبات. ويُتقبّل تعليمه اللاهوتى عن الثالوث فى حياة كنيستنا باحترام كبير من خلال ليتورجيته وتعاليمه الأخرى. وقد برزت ليتورجيته فى حياة كنيستنا القبطية الأرثوذكسية كمصدر لا يضارع للتأمل والفرح الروحى فى العبادة. إن تعليمه عن الثالوث الأقدس هو أساساً نفس تعليم القديس أثناسيوس السكندرى. 

وفيما يلى بعض عناصر تعليمه عن الثالوث الأقدس :

(1) إن الله غير مُدرَك بعقولنا البشرية:

كان القديس إغريغوريوس لاهوتيا متضعاً. وقد أقر بأنه {لا يوجد الإنسان الذي اكتشف أو يستطيع أن يكتشف من هو الله فى الطبيعة أو الكنه}.
[no man ever yet has discovered or can discover what God is in nature and in essence.][2]
  وأيضاً:
[God would be altogether circumscript, if He were even comprehensible in thought : for comprehension is one form of circumscription.][3]
{كان يمكن أن يحاط الله بالكلية لو كان فى الإمكان حتى أن يدرك بالفكر لأن الإدراك هو صورة من صور الإحاطة}.
وشرح قائلاً إن معرفتنا لله هى فيض قليل فقال :
[All that comes to us is but a little effluence, and as it were a small efflugence from a great Light. So that if anyone has known God, or had the testimony of scripture to his knowledge of God, we are to understand such as one to have possessed a degree of knowledge which gave him the appearance of being more fully enlightened than another who did not enjoy the same degree of illumination.][4]
{كل ما يصل إلينا ما هو إلا فيض ضئيل من نور عظيم. حتى إن كان أحدٌ قد عرف الله أو نال شهادة الكتاب المقدس عن معرفته لله، فلنفهم : إن مثل هذا الشخص قد نال درجة من المعرفة تجعله يبدو أكثر استنارة عن الآخر الذي لم يحظَ بنفس القدر من التنوير}.
ولكن القديس إغريغوريوس كان يتحدث عن معرفة أكثر وضوحاً عن الله فى الحياة الأخرى.

(2) الصفات الأقنومية للأقانيم الثلاثة المتمايزة للثالوث الأقدس :

حدد القديس إغريغوريوس فى تعليمه الصفات المتمايزة للأشخاص الثلاثة فى الثالوث الأقدس. وعلَّم قائلاً :
[Let us confirm ourselves within our limits, and speak of The Unbegotten and The Begotten and That which Proceeds from the Father, as somewhere God the Word Himself saith.][5]
{دعنا نلتزم بحدودنا ونتكلم عن “غير المولود” و”المولود” و”ذاك الذي ينبثق من الآب” كما قال الله الكلمة نفسه فى أحد المواضع}.
وعلَّم أيضاً :
[This is what we meant by Father and Son and Holy Ghost. The Father is The Begetter and The Emitter; without passion, of course, and without reference to time, and not in a corporeal manner. The Son is The Begotten, and the Holy Spirit is The Emission.][6]
{هذا هو ما نقصده من “الآب” و”الابن” و”الروح القدس”. الآب هو الوالد والباثق، بلا ألم طبعاً وبلا إشارة للزمن، وليس بطريقة حِسّية. والابن هو المولود، والروح القدس هو المنبثق}.
ولم يتكلم القديس إغريغوريوس عن أى خاصية متمايزة أخرى.

(3) أزلية الابن والروح القدس :

واستطرد القديس إغريغوريوس محاجاً فى نفس العظة (الثالثة) :
[When did these come into being? They are above all “when”. But, if I am to speak with something more of boldness,—when the Father did. And when did the Father come into being. There never was a time when he was not. And the same thing is true of the Son and the Holy Ghost. Ask me again, and again I will answer you, when was the Son begotten? When the Father was not begotten. And when did the Holy Ghost proceed? When the Son was, not proceeding but, begotten—beyond the sphere of time, and above the grasp of reason; although we cannot set forth that which is above time, if we avoid as we desire any expression as which conveys the idea of time. For such expression as “when” and “before” and “after” and “from the beginning” are not timeless, however much we may force them ; unless indeed we were to take the Aeon, that interval which is coexistive with the eternal things, and is not divided or measured by any motion, or by the revolution of the sun, as time is measured. How are They not alike unoriginate, if They are coeternal? Because They are from Him, though not after Him. For that which is originate is eternal, but that which is eternal is not necessarily unoriginate, so long as it may be referred to the Father as its origin. Therefore in respect of Cause they are not unoriginate; but it is evident that the Cause is not necessarily prior to its effects, for the sun is not prior to its light. And yet They are in some sense unoriginate, in respect of time, even though you would scare simple minds with your quibbles, for the Sources of Time are not subject to time.][7]
{“متى جاء هذان إلى الوجود؟” “إنهما فوق كل “متى” بل إذا تكلمت بأكثر اجتراء لأقول ومتى نجد الآب. متى جاء الآب إلى الوجود؟ لم يكن أبداً وقت لم يكن فيه الآب. ونفس الشئ صحيح بالنسبة للابن وللروح القدس. ولتسألنى مرة تلو المرة، أجيبك. متى ولد الابن؟ حينما لم يولد الآب، متى انبثق الروح القدس؟ حينما لم ينبثق الابن بل ولد -خارج دائرة الزمن وفوق قبضة (استيعاب) المنطق. هذا وبالرغم من أننا لا نستطيع أن نقدم ما هو الذي فوق الزمن إذا كنا نود أن نتحاشى التعبيرات التى تتضمن فكرة الزمن. لأن تعبيرات مثل “متى” و”قبل” و”بعد” و”من البدء” ليست خالية من معنى الزمن مهما على أى حال طوعناها إلا طبعاً إذا اعتبرنا الدهر أنه تلك الفترة التى تتزامن مع الأشياء الأزلية ولا تُقَسَّم أو تقاس بأى حركة ولا بدوران الشمس كما يقاس الزمن. لماذا إذاً ليسا بالمثل غير منبوعين ماداما أيضاً أزليين؟ لأنهما منه وإن كانا ليسا لاحقين له. لأن غير المنبوع أزلى ولكن الأزلى ليس بالضرورة غير منبوع مادام يُنسب إلى الآب كأصل له. لذلك فبالنسبة للسبب هما ليسا غير منبوعين مادمنا ننسب إلى الآب أنه مصدرهما. ومن الواضح أن السبب ليس بالضرورة سابق لآثاره فالشمس ليست سابقة لضوئها. إلا أنهما بمعنى ما بلا مبتدأ من ناحية الزمن (أى لا بداية زمنية لوجودهما)، حتى وإن كنت تُرعِبْ بسطاء العقول بمراوغاتك لأن مصادر الزمن لا يمكن أن تكون موضوعاً للزمن}.
وإلى جانب استعماله مثال الشمس والنور استعمل أيضاً مثال العقل والكلمة لشرح العلاقة بين الآب والابن:
 [He is called the Word, because He is related to the Father as the Word to Mind][8]
{لقد دُعى “الكلمة” لأنه يُنسَب إلى الآب كما تنسب الكلمة إلى العقل}.
ومن البَيِّن فى هذا المثال أيضاً أن العقل ليس سابقاً للكلمة كما أن الشمس ليست سابقة للنور.

 (4) استعمال النماذج والأمثلة لشرح الثالوث الأقدس :

على الرغم من استعماله مثال الشمس والضوء والعقل والكلمة فى شرح العلاقة بين الآب والابن إلا أنه حذّر من أن هذه النماذج ليست متطابقة مع الحق كله الذي لله المثلث :
[ I have very carefully considered this matter in my own mind, and have looked at it in every point of view, in order to find some illustration of this most important subject, but I have been unable to discover anything on earth with which to compare the nature of the Godhead. For even if I did happen upon some tiny likeness it escaped me for the most part, and left me down below with my example. I picture to myself an eye, a fountain, a river, as others have done before, to see if they first might be analogous to the Father, the second to the Son, and the third to the Holy Ghost. For in these there is no distinction in time, nor are they torn away from their connexion with each other, though they seem to be parted by three personalities. But I was afraid in the first place that I should present a flow in the Godhead, incapable of standing still; and secondly that by this figure a numerical unity would be introduced. For the eye and the spring and the river are numerically one, though in different forms.
            Again I thought of the sun and a ray and light. But here again there was a fear lest people should get an idea of composition in the uncompounded Nature, such as there is in the sun and the things that are in the sun. And the second place lest we should give Essence to the Father but deny Personality to the others, and make Them only Powers of God, existing in Him and not Personal. For neither the ray nor the light is a sun, but they are only effulgences from the sun, and qualities of its essence. And lest we should thus, as far as the illustration goes, attribute both Being and Not-being to God, which is even more monstrous.][9]
 {لقد تدارست هذا الأمر فى عقلى الخاص بتدقيق وقلبت الأمر من كل الجهات ومن جميع وجهات النظر لأجد بعض النماذح الموضِّحة لهذا الأمر الهام. ولكننى لم أجد شيئاً على هذه الأرض يصلح للمقارنة بطبيعة اللاهوت. لأنه حتى إن وجدت بعض التشابه الطفيف فإن الأكثر يهرب منى ويتركنى فى الأسافل مع نموذجى.
لقد تصورت عيناً، وينبوعاً، ونهراً، وهكذا فعل غيرى من قبل، لأرى هل يتماثل الأول مع الآب والثانى مع الابن والثالث مع الروح القدس لأن فى هذه لا فرق هناك زمنياً ولا ينفصلون عن بعضهم البعض وإن كانوا يتمايزون فى ثلاثة شخوص. ولكنى خفت أولاً أن أجعل فى اللاهوت سرياناً لا يمكن أن يتوقف. وفى المقام الثانى فإن بهذا النموذج نُدخِل وحدة رقمية لأن كلاً من العين والنبع والنهر هم عددياً واحد وإن اختلفت الأشكال.
وفكرت ثانياً فى الشمس والشعاع والضوء ولكن هنا أيضاً خفت أن يدخل فى روع الناس فكرة التركيب وينسبوها إلى الغير مُركَّب. ومن ناحية أخرى لئلا ننسب الجوهر للآب وننكره على الشخصين الآخرين ونجعلهما مجرد قوتين إلهيين وليسا شخصين. لأنه ليس الشعاع ولا الضوء شمساً ولكنهما مجرد فيضاً من الشمس وصفات لجوهرها.
وأخيراً وحسب هذا النموذج ننسب لله الوجود وعدم الوجود فى آن واحد وهذا أكثر رعباً}.

(5) الأقانيم الثلاثة لهم ذات الجوهر الواحد :

 تكلم القديس إغريغوريوس مراراً كثيرة عن أن الأقانيم الثلاثة لهم ذات الجوهر الواحد. وفى حديثه عن الله المثلث كسيد واحد لخليقته كان يقول :
[ But Monarchy is that which we hold in honour. It is however, a Monarchy that is not limited to one Person, but one which is made of an equality of Nature and a union of mind, and an identity of motion, and a convergence of its elements to unity—a thing which is impossible to the created nature—so that though numerically distinct there is no severance of Essence.][10]
 { إن أحادية الأصل هى ما نحفظه بتكريم. إنها مع ذلك أحادية الأصل (من جهة الثالوث بالنسبة للخليقة) غير المقصورة على أقنوم واحد بعينه. بل إنها ناشئة من تساوى الطبائع ووحدة الفكر وتطابق المشيئة والتئام المكونات نحو الوحدة -وهى ما تعجز الطبائع المخلوقة أن تصله. حتى أنه رغم التعددية فليس هناك أبداً انقسام فى الجوهر}.
وفى تعليمه عن الابن قال :
[ In my opinion He is called Son because He is identical with the Father in Essence, and not only for this reason, but also because He is of Him. And He is called Only-Begotten, not because He is the only Son and of the Father alone, and only a Son; but also because the manner of His Sonship is peculiar to Himself and not shared by bodies. And He is called the Word, because He is related to the Father as word is related to mind ; not only on account of His passionless Generation, but also because of the Union, and of His declaratory function.][11]
 { فى رأيى إنه يدعى “ابن” لأنه يطابق الآب فى الجوهر وليس لهذا السبب فحسب بل وأيضاً  لأنه منه وكان يسمى الابن الوحيد ليس لأنه كان الابن الوحيد للآب. بل لأن بنوته كانت خاصة بشخصه ولا يقاسمه فيها أى جسد. وكان يسمى الكلمة لأنه يُنسَب إلى الآب كما تنسب الكلمة إلى العقل ليس فقط للإخبار عن ولادته التى بغير ألم بل أيضاً من أجل الوحدة ومن أجل وظيفته الإخبارية (الإعلانية)}.
واستمر القديس إغريغوريوس فى نفس العظة يقول :
  {والصورة هى من نفس جوهره}.  
[And the Image as of one Substance with Him.][12]   

 (6) المساواة بين الأقانيم الثلاثة :

يقول القديس إغريغوريوس فى عظته اللاهوتية عن الروح القدس ضد الأريوسيين والأنوميين:
[What then, say they, is there lacking to the Spirit which prevents His being a Son, for if there were not something lacking He would be a Son? We assert that there is nothing lacking for God has no deficiency. But the difference of manifestation, if I may so express myself, or rather Their mutual relations one to Another, has caused the difference of Their Names. For indeed it is not some deficiency in the Son which prevents His being Father (for Sonship is not a deficiency), and yet He is not Father. According to this line of argument there must be deficiency in the Father, in respect of His not being Son. For the Father is not Son, and yet this is not due to either deficiency or subjection of Essence; but the very fact of being Unbegottenor Begotten, or Proceeding has given the name Father to the First, of the Son to the Second, and of the Third, Him Whom we are speaking, of the Holy Ghost that the distinction of the Three Persons may be preserved in the one nature and dignity of the Godhead. For neither is the Son the Father, for the Father is One, but He is what the Father is; nor is the Spirit Son because He is of God, for the Only-begotten is One, but He is what the Son is. The Three are One in Godhead, and One Three in properties*; so that neither is the Unity of Sabellian one, nor does the Trinity countenance the present evil distinction.][13]
{ماذا يقولون إذن؟ هل يوجد نقص ما فى الروح يمنعه أن يكون ابناً؟ لأنه إن لم يكن هناك نقص ما لكان ابناً؟ نحن نؤكد أن ليس ثمة نقص لأن فى الله لا يوجد أى نقص. ولكن اختلاف التعبير، إذا استطعت أن أعبر عن نفسى هكذا، أو بالأحرى تبادل العلاقات بينهم أدى إلى اختلاف أسمائهم. وبالتأكيد ليس نقص ما هو ما يمنع الابن أن يكون الآب (لأن البنوة  ليست نقصاً) ومع ذلك ليس هو الآب. وحسب هذا الخط من الجدال فلابد أن يكون هناك نقص ما فى الآب لأنه ليس الابن لأن الآب ليس الابن، ومع هذا فليس ذلك لأجل نقص ما أو خضوع فى الكينونة، بل لأجل هذه الحقيقة بعينها عن كونه: غير مولود أو مولود أو منبثق هو الذي أعطى الاسم الآب للأول والابن للثانى والروح القدس للثالث الذي نحن نتكلم بصدده فالتمايز بين الثلاثة شخوص محفوظ فى الطبيعة الواحدة ومجد اللاهوت. ليس الابن “الآب” لأن الآب واحد مع أن له ما للآب، وليس الروح القدس ابناً لأن الابن واحد مع أن الروح من الله؛ وله ما للابن. الثلاثة فى الله الواحد والله الواحد ثلاثة فى الخصائص (*). حتى لا تكون الوحدة سابيلية ولا التثليث له الوجه القبيح (الذي للأريوسيين والأنوميين).

(7) الاشتراك فى نفس الصفات التى للجوهر :

كان القديس إغريغوريوس واضحاً جداً تماماً كما كان القديس أثناسيوس فى تعليمه أن الأقانيم الثلاثة لا يختلفون فيما بينهم إلا فى الصفات الأقنومية. إن الآب هو الأصل والابن مولود والروح القدس منبثق من الآب. (ولكنهم) يشتركون معاً فى جميع الصفات الأخرى للجوهر الإلهى. قال :
[ For we have learnt to believe in and to teach the Deity of the Son from their (verses from the bible) great and lofty utterances. And what utterances are these? These: God—the Word—He That Was In The Beginning and With The Beginning, and The Beginning. “In the Beginning was the Word, and the Word was with God,” (John 1.:1)  and “With Thee in the Beginning’ and “He who calleth her the Beginning from generations” (Isa. 41:4). Then the Son is Only-Begotten : The only “Begotten Son which is in the bosom of the Father, it says, “He that declared Him” (John 1:18), The Way, the Truth, the Life, the Light. “I am the Way, the Truth, and the Life;” (John 14:6) and “I am the Light of the World” (John 7:12, 9:5, 14:6). Wisdom and Power, “Christ, the Wisdom of God, and the Power of God.”(1 Cor. 1:24)  The Effulgence, the Impress, the Image, the Seal; “Who being the Effulgence of His glory and the Impress of His Essence,”(Heb 1:3) and “the Image of His Goodness,”(Wisd. 7:26) and “Him Hath God the Father sealed”(John 6:27).  Lord, King, He That is, The Almighty. “The Lord rained down fire from the Lord;”(Gen 19:24) and “A Scepter of righteousness is the scepter of The Kingdom;”(Ps. 45:6) and “Which is and was and is to come, the Almighty”(Rev. 1:8), all which are clearly spoken of the Son, with all other passages of the same force, none of which is an after thought, or added later to the Son or the Spirit, any more than to the Father Himself. For Their Perfection is not affected by additions. There never was a time when He was without the Word, or when He was not the Father, or when He was not true, or not wise, or not powerful, or devoid of life, or of splendor, or of goodness.][14]
{ فإننا تعلمنا أن نؤمن ونُعلِّم عن ألوهية الابن من الكلمات السابقة العظيمة التى نطقوا بها وأى كلمات هذه؟ إن الله الكلمة كان فى البدء ومع البدء وكان هو البدء “فى البدء كان الكلمة، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة الله” (يو1:1) و”معك كان البدء” “وهو الذي دعاها البداءة من أجيال” (أش41: 4). لهذا فإن الابن هو الابن الوحيد “الابن الوحيد الكائن فى حضن الآب هو خبَّر” (يو1: 18). الطريق والحق والحياة والنور “أنا هو الطريق والحق والحياة” “أنا هو نور العالم” الحكمة والقوة “المسيح حكمة الله وقوة الله” الفيض والرسم والختم “الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره” * و”صورة صلاحه” و”الذي ختمه الله الآب”. الرب والملك والقادر على كل شئ “أنزل الرب ناراً من السماء” و”صولجان حقه هو صولجان ملكه” و”الكائن الذي كان والآتى أيضاً والقادر على كل شئ”. كلها قد قيلت بوضوح عن الابن مع كل القطع الأخرى التى بنفس القوة قيلت. لم يُضَفْ أى منها فيما بعد إلى الابن أو الروح القدس ولا كان أى منها فكراً لاحقاً ولا عن الآب نفسه. لأن كمالهم لم يتأثر بالإضافات. لم يوجد وقت أبداً لم يكن فيه بدون الكلمة أو متى لم يكن الآب أو متى لم يكن الحق أو غير حكيم أو غير قوى أو خالٍ من الحياة أو السؤدد أو الصلاح}.
فى هذه العظة اللاهوتية الثالثة شرح القديس إغريغوريوس وحدة الجوهر بين الابن والآب وخَلُص إلى قوله :
[ The Son is a concise demonstration and easy setting forth of the Father’s Nature. For everything that is begotten is a silent word of him that begot it”… “He is … called… the Image as of one substance with Him, and because He is of the Father, and not the Father of Him. For this is of the Nature of an Image, to be the reproduction of its Archetype, and that whose name it bears; only that there is more here. For in ordinary language an image is a motionless representation of that which has motion; but in this case it is the living reproduction of the Living One, and is more exactly like than was Seth to Adam, or any son to his father. For such is the nature of simple Existences, that it is not correct to say of them that they are Like in one particular and Unlike in another; but they are a complete resemblance, and should rather be called Identical than Like. Moreover he is called Light as being the Brightness of souls cleansed by word and life. For if ignorance and sin be darkness, knowledge and a godly life will be Light… And He is called Life, because He is Light, and is the constituting and creating Power of every reasonable soul. For in Him we live and move and have our being, according to the double power of that Breathing into us; for we were all inspired by Him with breath, and as many of us were capable of it, and in so far as we open the mouth of our mind, with God the Holy Ghost.][15]
{إن الابن هو نموذح توضيحى مُركّز وتقديمه مُيَسّر لطبيعة الآب. لأن كل ما هو مولود هو كلمة صامتة لذلك الذي ولده.. “هو.. يدعى.. صورته لأنه من نفس جوهره ولأن الابن هو من الآب وليس الآب من الابن. لأن هذه هى طبيعة الصورة أن تكون نسخة من الأصل الذي تحمل اسمه وفى حالتنا هذه ما هو أكثر. لأن كل صورة هى إيماءة أقل تمثيلاً من التى أومئت بها ولكن فى حالتنا هذه هى نسخة حيَّة من (كائن) حى بل وأكثر شبهاً من شيث إلى آدم أو أى ابن إلى أبيه، لأن هكذا هى طبيعة الوجود لأنه ليس من الصواب أن نقول أنه يتشابه فى جزئية ولا يتشابه فى جزئية أخرى، ولكن هنا التماثل كامل ويجدر أن يقال عنه أنه تطابق بدلاً من تشابه.
وبالأكثر من ذلك فهو يُدعَى النور حيث ينير النفوس ويطهرها بالكلمة والحياة لأنه إذا كان الجهل والخطية هى الظلام، والمعرفة والحياة حسب الله هو النور.
ويسمى الحياة لأنه هو النور وهو المنشئ والقوة الخالقة لكل نفس عاقلة. لأن فيه نوجد ونحيا ونتحرك، حسب القوة المزدوجة التى للنسمة التى نُفِخَت فينا. لأننا جميعاً قد ألهمنا بالنفخة وكثير منا كانوا قادرين على ذلك وللآب نفتح أفواه عقولنا مع الله الروح القدس}.

(8) الروح القدس ينبثق من الآب وحده :

ميَّز القديس إغريغوريوس تميزاً واضحاً بين ولادة الابن وانبثاق الروح القدس. وفى تعليمه لا يوجد خلط بين الصفات المميزة للأقانيم فى الثالوث الأقدس.
وبعد أن تكلم عن الاسم الخاص بالجوهر الإلهى “أهيه الذي أهيه” وبعد ذِكْر الأسماء الأخرى للاهوت مثل “الكلى القدرة” “ملك المجد” “ملك الدهور” “ملك القوات” “ملك الملوك” قرر أن:
[ Now these are names common to the Godhead, but the proper Name of the Unoriginate is Father, and that of the Begotten without beginning is Son, and that of the un-begottenly Proceeding or going forth is The Holy Ghost.][16]
{هذه هى الأسماء العامة للاهوت ولكن الاسم المناسب لغير المنبوع هو الآب وللمولود بلا بداية هو الابن وللمنبثق غير المولود الروح القدس}.
من الواضح أن الروح القدس منبثق دون ولادة ولا علاقة له بالابن فى انبثاقه من الآب.

(9) أحادية الأصل الأبوى فى الثالوث الأقدس :

أكّد القديس إغريغوريوس مراراً كثيرة على أحادية الأصل الأبوى كالأصل الوحيد للثالوث الأقدس patriki-archy  patrikhv-aJrchv   الآب هو الوحيد غير المنبوع (unoriginated).
[How then are They not alike unoriginate, if They are coeternal? Because They are from Him, though not after Him. For that which is unoriginate is eternal, but that which is eternal is not necessarily unoriginate, so long as it may be referred to the Father as its origin. Therefore, in respect of Cause They are notunoriginate, but it is evident that the Cause is not necessarily prior to its effects, for the sun is not prior to its light.][17]
 {لماذا إذاً ليسا بالمثل غير منبوعين ماداما أيضاً أزليين؟ لأنهما منه وإن كانا ليسا لاحقين له. لأن غير المنبوع أزلى ولكن الأزلى ليس بالضرورة غير منبوع مادمنا نشير إلى الآب كأصل لهما.
لذلك فبالنسبة للسبب هما ليسا غير منبوعين. ولكن من البيِّن أن السبب ليس بالضرورة سابق لنتيجته كالشمس مثلاً ليست سابقة لنورها}.
 وقد علَّم القديس إغريغوريوس أيضاً بوضوح أن :
  {الآب هو الوالد والباثق}.  [ The Father is the Begetter and the Emitter.][18]   

(10) العطايا الإلهية هى من الآب من خلال الابن فى الروح القدس :

فى عظته عن عطايا الله بالروح القدس يقول القديس إغريغوريوس :
[That He is the Gift, the Bounty, the Inspiration, the Promise, the Intercession for us, and, not to go into any further detail, any other expressions of the sort, is to be referred to the First Cause, that it may be shown from whom He is, and that men may not in heathen fashion admit Three Principles. For it is equally impious to confuse the Persons with the Sabellians, or to divide the Natures with the Arians.][19]
“إنه هو (الروح القدس) العطية، والهبة، والإلهام، والوعد، والشفيع لنا، وبدون الدخول فى تفاصيل أكثر، فإن أى عبارات أخرى من هذا النوع، تُنسَب إلى السبب الأول (يقصد الآب) حتى يظهر (يتضح) ممن هو (الروح القدس)، وحتى لا يعترف الناس بثلاثة مصادر (يقصد ثلاث آلهة مستقلة) على الطريقة الوثنية. لأن الخلط بين الأقانيم (الأشخاص) مع السابيليين (أتباع سابيليوس) يتساوى فى عدم التقوى مع تقسيم الطبائع مع الأريوسيين.”
التعبير “السبب الأول” الذي ذكره القديس إغريغوريوس فى هذا القطعة  يشير إلى أن عطايا الله  تنبع من الآب وتعطى بالابن فى الروح. وفى عظته اللاهوتية عن الابن تكلم القديس إغريغوريوس عن القوة المزدوجة للنفخة فى الابن. وهو يقصد بالقوة المزدوجة للنفخ أن العطايا الآتية إلينا من الآب وتعطى لنا بالروح من خلال الابن.
[ For in Him we live and move and have our being, according to the double power of that Breathing into us; for we are all capable of it, and in so far as we open the mouth of our mind, with God the Holy Ghost.][20]
{“لأن فيه نحيا ونتحرك ونوجد” حسب القوة المزدوجة فى النفخة فينا، لأننا جميعاً نُلهَم بالنفخة، وكثيرون منا قادرون على ذلك وإلى الآن نفتح أفواه عقولنا لله والروح القدس}.
[1] ترجمة عربية لمحاضرة نيافة الحبر الجليل نيافة الأنبا بيشوى التى ألقيت في المؤتمر الثاني للدراسات الآبائية بالاشتراك مع جامعات أثينا وتسالونيكى المنعقد تحت رعاية البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث فى دير القديس الأنبا بيشوى بوادي النطرون في الفترة من 26/12/1996 إلى 29/12/1996م
[2]  Phillip Schaff & Henry Wace, Nicene & Post Nicene Fathers, Vol.VII, Second Series. Hendrickson Publishers June 1995, Article XVII Second Theological Oration. P.294
[3]  Ibid, 2nd Theological Oration, Article X, p.292.
[4]  Ibid, 2nd Theological Oration, Article XVII, p.294.
[5] Ibid, 3rd Theological Oration, Article II P.301
[6] Ibid, 3rd Theological Oration (on the Son), Article II, p.301
[7]  Ibid, 3rd Theological Oration, Article III, pp.301,302
[8]  Ibid, Forth Theological Oration, Article XX, p. 316
[9]  Ibid, 5th Theological Oration (on the Holy Spirit), Articles XXXI and XXXII, p.328.
[10] Ibid, 3rd Theological Oration (on the Son), Article II, p.301.
[11] Ibid, 4th Theological Oration , Article XX, p.316.
[12] Ibid p.317
[13] Ibid, 5th Theological Oration (on the Holy Spirit), Article IX, p.320.
* لقد حذر القديس إغريغوريوس كما ذكرت فى النقطة الرابعة لئلا نخص الآب وحده بالجوهر ونعتبر الابن والروح القدس مجرد صفات للجوهر وليست أقانيم حقيقية وعلى ذلك فلكل أقنوم صفته الأقنومية الخاصة ولكنه ليس مجرد صفة للجوهر.
52 Ibid, 3rd Theological Oration, Article XVII, p. 307
* التعبير فى الرسالة إلى العبرانيين (عب1: 3) باللغة اليونانية uJpostavsewV (هيبوستاسيوس) وهذه يمكن ترجمتها “أقنوم” بدلاً من “جوهر”. فتصير “رسم أقنومه”.
[15]  Ibid, 4th Theological Oration (2nd on the Son), Article XX, pp.316,317.
[16]  Ibid, 4th Theological Oration (2nd on the Son), Articles XIX, p.316.
[17]  Ibid, 3rd Theological Oration (on the Son), Article III, p.302.
[18]  Ibid, 3rd Theological Oration (on the Son), Article II, p.301.
[19]  Ibid, 5th Theological Oration (on the Holy Spirit), Article XXX, p.328.
[20]  Ibid, 4th Theological Oration (2nd on the Son), Article XX, p.317.

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;