تعليم القديس إغريغوريوس النزينزي عن الثالوث الأقدس[1] – الأنبا بيشوي
يُلقَّب القديس إغريغوريوس النزينزي دوماً فى كنيستنا القبطية بلقب “الناطق بالإلهيات”. وتتمتع الليتورجية التى كتبها بشعبية كبيرة ويُصلّى بها فى أيام الأعياد الكبيرة وكثير من المناسبات. ويُتقبّل تعليمه اللاهوتى عن الثالوث فى حياة كنيستنا باحترام كبير من خلال ليتورجيته وتعاليمه الأخرى. وقد برزت ليتورجيته فى حياة كنيستنا القبطية الأرثوذكسية كمصدر لا يضارع للتأمل والفرح الروحى فى العبادة. إن تعليمه عن الثالوث الأقدس هو أساساً نفس تعليم القديس أثناسيوس السكندرى.
وفيما يلى بعض عناصر تعليمه عن الثالوث الأقدس :
(1) إن الله غير مُدرَك بعقولنا البشرية:
كان القديس إغريغوريوس لاهوتيا متضعاً. وقد أقر بأنه {لا يوجد الإنسان الذي اكتشف أو يستطيع أن يكتشف من هو الله فى الطبيعة أو الكنه}.
[no man ever yet has discovered or can discover what God is in nature and in essence.][2]
وأيضاً:
[God would be altogether circumscript, if He were even comprehensible in thought : for comprehension is one form of circumscription.][3]
{كان يمكن أن يحاط الله بالكلية لو كان فى الإمكان حتى أن يدرك بالفكر لأن الإدراك هو صورة من صور الإحاطة}.
وشرح قائلاً إن معرفتنا لله هى فيض قليل فقال :
[All that comes to us is but a little effluence, and as it were a small efflugence from a great Light. So that if anyone has known God, or had the testimony of scripture to his knowledge of God, we are to understand such as one to have possessed a degree of knowledge which gave him the appearance of being more fully enlightened than another who did not enjoy the same degree of illumination.][4]
{كل ما يصل إلينا ما هو إلا فيض ضئيل من نور عظيم. حتى إن كان أحدٌ قد عرف الله أو نال شهادة الكتاب المقدس عن معرفته لله، فلنفهم : إن مثل هذا الشخص قد نال درجة من المعرفة تجعله يبدو أكثر استنارة عن الآخر الذي لم يحظَ بنفس القدر من التنوير}.
ولكن القديس إغريغوريوس كان يتحدث عن معرفة أكثر وضوحاً عن الله فى الحياة الأخرى.
(2) الصفات الأقنومية للأقانيم الثلاثة المتمايزة للثالوث الأقدس :
حدد القديس إغريغوريوس فى تعليمه الصفات المتمايزة للأشخاص الثلاثة فى الثالوث الأقدس. وعلَّم قائلاً :
[Let us confirm ourselves within our limits, and speak of The Unbegotten and The Begotten and That which Proceeds from the Father, as somewhere God the Word Himself saith.][5]
{دعنا نلتزم بحدودنا ونتكلم عن “غير المولود” و”المولود” و”ذاك الذي ينبثق من الآب” كما قال الله الكلمة نفسه فى أحد المواضع}.
وعلَّم أيضاً :
[This is what we meant by Father and Son and Holy Ghost. The Father is The Begetter and The Emitter; without passion, of course, and without reference to time, and not in a corporeal manner. The Son is The Begotten, and the Holy Spirit is The Emission.][6]
{هذا هو ما نقصده من “الآب” و”الابن” و”الروح القدس”. الآب هو الوالد والباثق، بلا ألم طبعاً وبلا إشارة للزمن، وليس بطريقة حِسّية. والابن هو المولود، والروح القدس هو المنبثق}.
ولم يتكلم القديس إغريغوريوس عن أى خاصية متمايزة أخرى.
(3) أزلية الابن والروح القدس :
واستطرد القديس إغريغوريوس محاجاً فى نفس العظة (الثالثة) :
[When did these come into being? They are above all “when”. But, if I am to speak with something more of boldness,—when the Father did. And when did the Father come into being. There never was a time when he was not. And the same thing is true of the Son and the Holy Ghost. Ask me again, and again I will answer you, when was the Son begotten? When the Father was not begotten. And when did the Holy Ghost proceed? When the Son was, not proceeding but, begotten—beyond the sphere of time, and above the grasp of reason; although we cannot set forth that which is above time, if we avoid as we desire any expression as which conveys the idea of time. For such expression as “when” and “before” and “after” and “from the beginning” are not timeless, however much we may force them ; unless indeed we were to take the Aeon, that interval which is coexistive with the eternal things, and is not divided or measured by any motion, or by the revolution of the sun, as time is measured. How are They not alike unoriginate, if They are coeternal? Because They are from Him, though not after Him. For that which is originate is eternal, but that which is eternal is not necessarily unoriginate, so long as it may be referred to the Father as its origin. Therefore in respect of Cause they are not unoriginate; but it is evident that the Cause is not necessarily prior to its effects, for the sun is not prior to its light. And yet They are in some sense unoriginate, in respect of time, even though you would scare simple minds with your quibbles, for the Sources of Time are not subject to time.][7]
{“متى جاء هذان إلى الوجود؟” “إنهما فوق كل “متى” بل إذا تكلمت بأكثر اجتراء لأقول ومتى نجد الآب. متى جاء الآب إلى الوجود؟ لم يكن أبداً وقت لم يكن فيه الآب. ونفس الشئ صحيح بالنسبة للابن وللروح القدس. ولتسألنى مرة تلو المرة، أجيبك. متى ولد الابن؟ حينما لم يولد الآب، متى انبثق الروح القدس؟ حينما لم ينبثق الابن بل ولد -خارج دائرة الزمن وفوق قبضة (استيعاب) المنطق. هذا وبالرغم من أننا لا نستطيع أن نقدم ما هو الذي فوق الزمن إذا كنا نود أن نتحاشى التعبيرات التى تتضمن فكرة الزمن. لأن تعبيرات مثل “متى” و”قبل” و”بعد” و”من البدء” ليست خالية من معنى الزمن مهما على أى حال طوعناها إلا طبعاً إذا اعتبرنا الدهر أنه تلك الفترة التى تتزامن مع الأشياء الأزلية ولا تُقَسَّم أو تقاس بأى حركة ولا بدوران الشمس كما يقاس الزمن. لماذا إذاً ليسا بالمثل غير منبوعين ماداما أيضاً أزليين؟ لأنهما منه وإن كانا ليسا لاحقين له. لأن غير المنبوع أزلى ولكن الأزلى ليس بالضرورة غير منبوع مادام يُنسب إلى الآب كأصل له. لذلك فبالنسبة للسبب هما ليسا غير منبوعين مادمنا ننسب إلى الآب أنه مصدرهما. ومن الواضح أن السبب ليس بالضرورة سابق لآثاره فالشمس ليست سابقة لضوئها. إلا أنهما بمعنى ما بلا مبتدأ من ناحية الزمن (أى لا بداية زمنية لوجودهما)، حتى وإن كنت تُرعِبْ بسطاء العقول بمراوغاتك لأن مصادر الزمن لا يمكن أن تكون موضوعاً للزمن}.
وإلى جانب استعماله مثال الشمس والنور استعمل أيضاً مثال العقل والكلمة لشرح العلاقة بين الآب والابن:
[He is called the Word, because He is related to the Father as the Word to Mind][8]
{لقد دُعى “الكلمة” لأنه يُنسَب إلى الآب كما تنسب الكلمة إلى العقل}.
ومن البَيِّن فى هذا المثال أيضاً أن العقل ليس سابقاً للكلمة كما أن الشمس ليست سابقة للنور.
(4) استعمال النماذج والأمثلة لشرح الثالوث الأقدس :
على الرغم من استعماله مثال الشمس والضوء والعقل والكلمة فى شرح العلاقة بين الآب والابن إلا أنه حذّر من أن هذه النماذج ليست متطابقة مع الحق كله الذي لله المثلث :
[ I have very carefully considered this matter in my own mind, and have looked at it in every point of view, in order to find some illustration of this most important subject, but I have been unable to discover anything on earth with which to compare the nature of the Godhead. For even if I did happen upon some tiny likeness it escaped me for the most part, and left me down below with my example. I picture to myself an eye, a fountain, a river, as others have done before, to see if they first might be analogous to the Father, the second to the Son, and the third to the Holy Ghost. For in these there is no distinction in time, nor are they torn away from their connexion with each other, though they seem to be parted by three personalities. But I was afraid in the first place that I should present a flow in the Godhead, incapable of standing still; and secondly that by this figure a numerical unity would be introduced. For the eye and the spring and the river are numerically one, though in different forms.
Again I thought of the sun and a ray and light. But here again there was a fear lest people should get an idea of composition in the uncompounded Nature, such as there is in the sun and the things that are in the sun. And the second place lest we should give Essence to the Father but deny Personality to the others, and make Them only Powers of God, existing in Him and not Personal. For neither the ray nor the light is a sun, but they are only effulgences from the sun, and qualities of its essence. And lest we should thus, as far as the illustration goes, attribute both Being and Not-being to God, which is even more monstrous.][9]
{لقد تدارست هذا الأمر فى عقلى الخاص بتدقيق وقلبت الأمر من كل الجهات ومن جميع وجهات النظر لأجد بعض النماذح الموضِّحة لهذا الأمر الهام. ولكننى لم أجد شيئاً على هذه الأرض يصلح للمقارنة بطبيعة اللاهوت. لأنه حتى إن وجدت بعض التشابه الطفيف فإن الأكثر يهرب منى ويتركنى فى الأسافل مع نموذجى.
لقد تصورت عيناً، وينبوعاً، ونهراً، وهكذا فعل غيرى من قبل، لأرى هل يتماثل الأول مع الآب والثانى مع الابن والثالث مع الروح القدس لأن فى هذه لا فرق هناك زمنياً ولا ينفصلون عن بعضهم البعض وإن كانوا يتمايزون فى ثلاثة شخوص. ولكنى خفت أولاً أن أجعل فى اللاهوت سرياناً لا يمكن أن يتوقف. وفى المقام الثانى فإن بهذا النموذج نُدخِل وحدة رقمية لأن كلاً من العين والنبع والنهر هم عددياً واحد وإن اختلفت الأشكال.
وفكرت ثانياً فى الشمس والشعاع والضوء ولكن هنا أيضاً خفت أن يدخل فى روع الناس فكرة التركيب وينسبوها إلى الغير مُركَّب. ومن ناحية أخرى لئلا ننسب الجوهر للآب وننكره على الشخصين الآخرين ونجعلهما مجرد قوتين إلهيين وليسا شخصين. لأنه ليس الشعاع ولا الضوء شمساً ولكنهما مجرد فيضاً من الشمس وصفات لجوهرها.
وأخيراً وحسب هذا النموذج ننسب لله الوجود وعدم الوجود فى آن واحد وهذا أكثر رعباً}.
(5) الأقانيم الثلاثة لهم ذات الجوهر الواحد :
تكلم القديس إغريغوريوس مراراً كثيرة عن أن الأقانيم الثلاثة لهم ذات الجوهر الواحد. وفى حديثه عن الله المثلث كسيد واحد لخليقته كان يقول :
[ But Monarchy is that which we hold in honour. It is however, a Monarchy that is not limited to one Person, but one which is made of an equality of Nature and a union of mind, and an identity of motion, and a convergence of its elements to unity—a thing which is impossible to the created nature—so that though numerically distinct there is no severance of Essence.][10]
{ إن أحادية الأصل هى ما نحفظه بتكريم. إنها مع ذلك أحادية الأصل (من جهة الثالوث بالنسبة للخليقة) غير المقصورة على أقنوم واحد بعينه. بل إنها ناشئة من تساوى الطبائع ووحدة الفكر وتطابق المشيئة والتئام المكونات نحو الوحدة -وهى ما تعجز الطبائع المخلوقة أن تصله. حتى أنه رغم التعددية فليس هناك أبداً انقسام فى الجوهر}.
وفى تعليمه عن الابن قال :
[ In my opinion He is called Son because He is identical with the Father in Essence, and not only for this reason, but also because He is of Him. And He is called Only-Begotten, not because He is the only Son and of the Father alone, and only a Son; but also because the manner of His Sonship is peculiar to Himself and not shared by bodies. And He is called the Word, because He is related to the Father as word is related to mind ; not only on account of His passionless Generation, but also because of the Union, and of His declaratory function.][11]
{ فى رأيى إنه يدعى “ابن” لأنه يطابق الآب فى الجوهر وليس لهذا السبب فحسب بل وأيضاً لأنه منه وكان يسمى الابن الوحيد ليس لأنه كان الابن الوحيد للآب. بل لأن بنوته كانت خاصة بشخصه ولا يقاسمه فيها أى جسد. وكان يسمى الكلمة لأنه يُنسَب إلى الآب كما تنسب الكلمة إلى العقل ليس فقط للإخبار عن ولادته التى بغير ألم بل أيضاً من أجل الوحدة ومن أجل وظيفته الإخبارية (الإعلانية)}.
واستمر القديس إغريغوريوس فى نفس العظة يقول :
{والصورة هى من نفس جوهره}.
[And the Image as of one Substance with Him.][12]
(6) المساواة بين الأقانيم الثلاثة :
يقول القديس إغريغوريوس فى عظته اللاهوتية عن الروح القدس ضد الأريوسيين والأنوميين:
[What then, say they, is there lacking to the Spirit which prevents His being a Son, for if there were not something lacking He would be a Son? We assert that there is nothing lacking for God has no deficiency. But the difference of manifestation, if I may so express myself, or rather Their mutual relations one to Another, has caused the difference of Their Names. For indeed it is not some deficiency in the Son which prevents His being Father (for Sonship is not a deficiency), and yet He is not Father. According to this line of argument there must be deficiency in the Father, in respect of His not being Son. For the Father is not Son, and yet this is not due to either deficiency or subjection of Essence; but the very fact of being Unbegottenor Begotten, or Proceeding has given the name Father to the First, of the Son to the Second, and of the Third, Him Whom we are speaking, of the Holy Ghost that the distinction of the Three Persons may be preserved in the one nature and dignity of the Godhead. For neither is the Son the Father, for the Father is One, but He is what the Father is; nor is the Spirit Son because He is of God, for the Only-begotten is One, but He is what the Son is. The Three are One in Godhead, and One Three in properties*; so that neither is the Unity of Sabellian one, nor does the Trinity countenance the present evil distinction.][13]
{ماذا يقولون إذن؟ هل يوجد نقص ما فى الروح يمنعه أن يكون ابناً؟ لأنه إن لم يكن هناك نقص ما لكان ابناً؟ نحن نؤكد أن ليس ثمة نقص لأن فى الله لا يوجد أى نقص. ولكن اختلاف التعبير، إذا استطعت أن أعبر عن نفسى هكذا، أو بالأحرى تبادل العلاقات بينهم أدى إلى اختلاف أسمائهم. وبالتأكيد ليس نقص ما هو ما يمنع الابن أن يكون الآب (لأن البنوة ليست نقصاً) ومع ذلك ليس هو الآب. وحسب هذا الخط من الجدال فلابد أن يكون هناك نقص ما فى الآب لأنه ليس الابن لأن الآب ليس الابن، ومع هذا فليس ذلك لأجل نقص ما أو خضوع فى الكينونة، بل لأجل هذه الحقيقة بعينها عن كونه: غير مولود أو مولود أو منبثق هو الذي أعطى الاسم الآب للأول والابن للثانى والروح القدس للثالث الذي نحن نتكلم بصدده فالتمايز بين الثلاثة شخوص محفوظ فى الطبيعة الواحدة ومجد اللاهوت. ليس الابن “الآب” لأن الآب واحد مع أن له ما للآب، وليس الروح القدس ابناً لأن الابن واحد مع أن الروح من الله؛ وله ما للابن. الثلاثة فى الله الواحد والله الواحد ثلاثة فى الخصائص (*). حتى لا تكون الوحدة سابيلية ولا التثليث له الوجه القبيح (الذي للأريوسيين والأنوميين).
(7) الاشتراك فى نفس الصفات التى للجوهر :
كان القديس إغريغوريوس واضحاً جداً تماماً كما كان القديس أثناسيوس فى تعليمه أن الأقانيم الثلاثة لا يختلفون فيما بينهم إلا فى الصفات الأقنومية. إن الآب هو الأصل والابن مولود والروح القدس منبثق من الآب. (ولكنهم) يشتركون معاً فى جميع الصفات الأخرى للجوهر الإلهى. قال :
[ For we have learnt to believe in and to teach the Deity of the Son from their (verses from the bible) great and lofty utterances. And what utterances are these? These: God—the Word—He That Was In The Beginning and With The Beginning, and The Beginning. “In the Beginning was the Word, and the Word was with God,” (John 1.:1) and “With Thee in the Beginning’ and “He who calleth her the Beginning from generations” (Isa. 41:4). Then the Son is Only-Begotten : The only “Begotten Son which is in the bosom of the Father, it says, “He that declared Him” (John 1:18), The Way, the Truth, the Life, the Light. “I am the Way, the Truth, and the Life;” (John 14:6) and “I am the Light of the World” (John 7:12, 9:5, 14:6). Wisdom and Power, “Christ, the Wisdom of God, and the Power of God.”(1 Cor. 1:24) The Effulgence, the Impress, the Image, the Seal; “Who being the Effulgence of His glory and the Impress of His Essence,”(Heb 1:3) and “the Image of His Goodness,”(Wisd. 7:26) and “Him Hath God the Father sealed”(John 6:27). Lord, King, He That is, The Almighty. “The Lord rained down fire from the Lord;”(Gen 19:24) and “A Scepter of righteousness is the scepter of The Kingdom;”(Ps. 45:6) and “Which is and was and is to come, the Almighty”(Rev. 1:8), all which are clearly spoken of the Son, with all other passages of the same force, none of which is an after thought, or added later to the Son or the Spirit, any more than to the Father Himself. For Their Perfection is not affected by additions. There never was a time when He was without the Word, or when He was not the Father, or when He was not true, or not wise, or not powerful, or devoid of life, or of splendor, or of goodness.][14]
{ فإننا تعلمنا أن نؤمن ونُعلِّم عن ألوهية الابن من الكلمات السابقة العظيمة التى نطقوا بها وأى كلمات هذه؟ إن الله الكلمة كان فى البدء ومع البدء وكان هو البدء “فى البدء كان الكلمة، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة الله” (يو1:1) و”معك كان البدء” “وهو الذي دعاها البداءة من أجيال” (أش41: 4). لهذا فإن الابن هو الابن الوحيد “الابن الوحيد الكائن فى حضن الآب هو خبَّر” (يو1: 18). الطريق والحق والحياة والنور “أنا هو الطريق والحق والحياة” “أنا هو نور العالم” الحكمة والقوة “المسيح حكمة الله وقوة الله” الفيض والرسم والختم “الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره” * و”صورة صلاحه” و”الذي ختمه الله الآب”. الرب والملك والقادر على كل شئ “أنزل الرب ناراً من السماء” و”صولجان حقه هو صولجان ملكه” و”الكائن الذي كان والآتى أيضاً والقادر على كل شئ”. كلها قد قيلت بوضوح عن الابن مع كل القطع الأخرى التى بنفس القوة قيلت. لم يُضَفْ أى منها فيما بعد إلى الابن أو الروح القدس ولا كان أى منها فكراً لاحقاً ولا عن الآب نفسه. لأن كمالهم لم يتأثر بالإضافات. لم يوجد وقت أبداً لم يكن فيه بدون الكلمة أو متى لم يكن الآب أو متى لم يكن الحق أو غير حكيم أو غير قوى أو خالٍ من الحياة أو السؤدد أو الصلاح}.
فى هذه العظة اللاهوتية الثالثة شرح القديس إغريغوريوس وحدة الجوهر بين الابن والآب وخَلُص إلى قوله :
[ The Son is a concise demonstration and easy setting forth of the Father’s Nature. For everything that is begotten is a silent word of him that begot it”… “He is … called… the Image as of one substance with Him, and because He is of the Father, and not the Father of Him. For this is of the Nature of an Image, to be the reproduction of its Archetype, and that whose name it bears; only that there is more here. For in ordinary language an image is a motionless representation of that which has motion; but in this case it is the living reproduction of the Living One, and is more exactly like than was Seth to Adam, or any son to his father. For such is the nature of simple Existences, that it is not correct to say of them that they are Like in one particular and Unlike in another; but they are a complete resemblance, and should rather be called Identical than Like. Moreover he is called Light as being the Brightness of souls cleansed by word and life. For if ignorance and sin be darkness, knowledge and a godly life will be Light… And He is called Life, because He is Light, and is the constituting and creating Power of every reasonable soul. For in Him we live and move and have our being, according to the double power of that Breathing into us; for we were all inspired by Him with breath, and as many of us were capable of it, and in so far as we open the mouth of our mind, with God the Holy Ghost.][15]
{إن الابن هو نموذح توضيحى مُركّز وتقديمه مُيَسّر لطبيعة الآب. لأن كل ما هو مولود هو كلمة صامتة لذلك الذي ولده.. “هو.. يدعى.. صورته لأنه من نفس جوهره ولأن الابن هو من الآب وليس الآب من الابن. لأن هذه هى طبيعة الصورة أن تكون نسخة من الأصل الذي تحمل اسمه وفى حالتنا هذه ما هو أكثر. لأن كل صورة هى إيماءة أقل تمثيلاً من التى أومئت بها ولكن فى حالتنا هذه هى نسخة حيَّة من (كائن) حى بل وأكثر شبهاً من شيث إلى آدم أو أى ابن إلى أبيه، لأن هكذا هى طبيعة الوجود لأنه ليس من الصواب أن نقول أنه يتشابه فى جزئية ولا يتشابه فى جزئية أخرى، ولكن هنا التماثل كامل ويجدر أن يقال عنه أنه تطابق بدلاً من تشابه.
وبالأكثر من ذلك فهو يُدعَى النور حيث ينير النفوس ويطهرها بالكلمة والحياة لأنه إذا كان الجهل والخطية هى الظلام، والمعرفة والحياة حسب الله هو النور.
ويسمى الحياة لأنه هو النور وهو المنشئ والقوة الخالقة لكل نفس عاقلة. لأن فيه نوجد ونحيا ونتحرك، حسب القوة المزدوجة التى للنسمة التى نُفِخَت فينا. لأننا جميعاً قد ألهمنا بالنفخة وكثير منا كانوا قادرين على ذلك وللآب نفتح أفواه عقولنا مع الله الروح القدس}.
(8) الروح القدس ينبثق من الآب وحده :
ميَّز القديس إغريغوريوس تميزاً واضحاً بين ولادة الابن وانبثاق الروح القدس. وفى تعليمه لا يوجد خلط بين الصفات المميزة للأقانيم فى الثالوث الأقدس.
وبعد أن تكلم عن الاسم الخاص بالجوهر الإلهى “أهيه الذي أهيه” وبعد ذِكْر الأسماء الأخرى للاهوت مثل “الكلى القدرة” “ملك المجد” “ملك الدهور” “ملك القوات” “ملك الملوك” قرر أن:
[ Now these are names common to the Godhead, but the proper Name of the Unoriginate is Father, and that of the Begotten without beginning is Son, and that of the un-begottenly Proceeding or going forth is The Holy Ghost.][16]
{هذه هى الأسماء العامة للاهوت ولكن الاسم المناسب لغير المنبوع هو الآب وللمولود بلا بداية هو الابن وللمنبثق غير المولود الروح القدس}.
من الواضح أن الروح القدس منبثق دون ولادة ولا علاقة له بالابن فى انبثاقه من الآب.
(9) أحادية الأصل الأبوى فى الثالوث الأقدس :
أكّد القديس إغريغوريوس مراراً كثيرة على أحادية الأصل الأبوى كالأصل الوحيد للثالوث الأقدس patriki-archy patrikhv-aJrchv الآب هو الوحيد غير المنبوع (unoriginated).
[How then are They not alike unoriginate, if They are coeternal? Because They are from Him, though not after Him. For that which is unoriginate is eternal, but that which is eternal is not necessarily unoriginate, so long as it may be referred to the Father as its origin. Therefore, in respect of Cause They are notunoriginate, but it is evident that the Cause is not necessarily prior to its effects, for the sun is not prior to its light.][17]
{لماذا إذاً ليسا بالمثل غير منبوعين ماداما أيضاً أزليين؟ لأنهما منه وإن كانا ليسا لاحقين له. لأن غير المنبوع أزلى ولكن الأزلى ليس بالضرورة غير منبوع مادمنا نشير إلى الآب كأصل لهما.
لذلك فبالنسبة للسبب هما ليسا غير منبوعين. ولكن من البيِّن أن السبب ليس بالضرورة سابق لنتيجته كالشمس مثلاً ليست سابقة لنورها}.
وقد علَّم القديس إغريغوريوس أيضاً بوضوح أن :
{الآب هو الوالد والباثق}. [ The Father is the Begetter and the Emitter.][18]
(10) العطايا الإلهية هى من الآب من خلال الابن فى الروح القدس :
فى عظته عن عطايا الله بالروح القدس يقول القديس إغريغوريوس :
[That He is the Gift, the Bounty, the Inspiration, the Promise, the Intercession for us, and, not to go into any further detail, any other expressions of the sort, is to be referred to the First Cause, that it may be shown from whom He is, and that men may not in heathen fashion admit Three Principles. For it is equally impious to confuse the Persons with the Sabellians, or to divide the Natures with the Arians.][19]
“إنه هو (الروح القدس) العطية، والهبة، والإلهام، والوعد، والشفيع لنا، وبدون الدخول فى تفاصيل أكثر، فإن أى عبارات أخرى من هذا النوع، تُنسَب إلى السبب الأول (يقصد الآب) حتى يظهر (يتضح) ممن هو (الروح القدس)، وحتى لا يعترف الناس بثلاثة مصادر (يقصد ثلاث آلهة مستقلة) على الطريقة الوثنية. لأن الخلط بين الأقانيم (الأشخاص) مع السابيليين (أتباع سابيليوس) يتساوى فى عدم التقوى مع تقسيم الطبائع مع الأريوسيين.”
التعبير “السبب الأول” الذي ذكره القديس إغريغوريوس فى هذا القطعة يشير إلى أن عطايا الله تنبع من الآب وتعطى بالابن فى الروح. وفى عظته اللاهوتية عن الابن تكلم القديس إغريغوريوس عن القوة المزدوجة للنفخة فى الابن. وهو يقصد بالقوة المزدوجة للنفخ أن العطايا الآتية إلينا من الآب وتعطى لنا بالروح من خلال الابن.
[ For in Him we live and move and have our being, according to the double power of that Breathing into us; for we are all capable of it, and in so far as we open the mouth of our mind, with God the Holy Ghost.][20]
{“لأن فيه نحيا ونتحرك ونوجد” حسب القوة المزدوجة فى النفخة فينا، لأننا جميعاً نُلهَم بالنفخة، وكثيرون منا قادرون على ذلك وإلى الآن نفتح أفواه عقولنا لله والروح القدس}.
[1] ترجمة عربية لمحاضرة نيافة الحبر الجليل نيافة الأنبا بيشوى التى ألقيت في المؤتمر الثاني للدراسات الآبائية بالاشتراك مع جامعات أثينا وتسالونيكى المنعقد تحت رعاية البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث فى دير القديس الأنبا بيشوى بوادي النطرون في الفترة من 26/12/1996 إلى 29/12/1996م
[2] Phillip Schaff & Henry Wace, Nicene & Post Nicene Fathers, Vol.VII, Second Series. Hendrickson Publishers June 1995, Article XVII Second Theological Oration. P.294
[3] Ibid, 2nd Theological Oration, Article X, p.292.
[4] Ibid, 2nd Theological Oration, Article XVII, p.294.
[5] Ibid, 3rd Theological Oration, Article II P.301
[6] Ibid, 3rd Theological Oration (on the Son), Article II, p.301
[7] Ibid, 3rd Theological Oration, Article III, pp.301,302
[8] Ibid, Forth Theological Oration, Article XX, p. 316
[9] Ibid, 5th Theological Oration (on the Holy Spirit), Articles XXXI and XXXII, p.328.
[10] Ibid, 3rd Theological Oration (on the Son), Article II, p.301.
[11] Ibid, 4th Theological Oration , Article XX, p.316.
[12] Ibid p.317
[13] Ibid, 5th Theological Oration (on the Holy Spirit), Article IX, p.320.
* لقد حذر القديس إغريغوريوس كما ذكرت فى النقطة الرابعة لئلا نخص الآب وحده بالجوهر ونعتبر الابن والروح القدس مجرد صفات للجوهر وليست أقانيم حقيقية وعلى ذلك فلكل أقنوم صفته الأقنومية الخاصة ولكنه ليس مجرد صفة للجوهر.
52 Ibid, 3rd Theological Oration, Article XVII, p. 307
* التعبير فى الرسالة إلى العبرانيين (عب1: 3) باللغة اليونانية uJpostavsewV (هيبوستاسيوس) وهذه يمكن ترجمتها “أقنوم” بدلاً من “جوهر”. فتصير “رسم أقنومه”.
[15] Ibid, 4th Theological Oration (2nd on the Son), Article XX, pp.316,317.
[16] Ibid, 4th Theological Oration (2nd on the Son), Articles XIX, p.316.
[17] Ibid, 3rd Theological Oration (on the Son), Article III, p.302.
[18] Ibid, 3rd Theological Oration (on the Son), Article II, p.301.
[19] Ibid, 5th Theological Oration (on the Holy Spirit), Article XXX, p.328.
[20] Ibid, 4th Theological Oration (2nd on the Son), Article XX, p.317.