طبيعة الله أنه روح بسيط، بسيط بمعني أنهُ ليسَ مُركباً أو مكوناً من اجزاء لأن الله مُنذ الازل وهو ثالوث لم يتغير ولم يتحول من مفرد الي جمع، وهو من الأصل ليس جمع بالمفهوم البشري لإن الله لا ينطبق عليه المعلومات والمفاهيم البشرية للأشياء، “بمعني اني مينفعش اجمع الله او أقول انه واحد بالعدد [واحد] في الوقت اللي هو فيه كائن في الكل و بيحتوي الكل” .. . بيقول القديس يوحنا الدمشقي : [و نقول ان لكل من الثلاثة اقنومه الكامل , لئلا نوهم بانهم طبيعة واحدة كاملة مركبة من ثلاثة غير كامل , و نقول ايضا ان في الاقانيم الثلاثة الكاملين جوهرا بسيطا واحدا فائق الكمال و قبل الكمال . لان كل مجموعة من غير كاملين تكون حتما مركبة , و لا يمكن ايجاد مركب من ثلاثة اقانيم . لذلك فنحن لا نتكلم عن نوعهم انه من اقانيم بل انه في ثلاثة اقانيم . و قد سميناها ناقصة تلك الاشياء التي لا تحتفظ بنوع الصنع المصنوع منها . فالحجر و الخشب و الحديد كل منها كامل بذاته في طبيعته الخاصة . اما بالنظر الي البيت المصنوع منها فكل منها ناقص . لان كل منها ليس في ذاته بيتا
و عليه اننا نقول بان الاقانيم كاملون لئلا نفكر بتركيب في الطبيعة الالهية . فالتركيب بدء التقسيم . و نقول ايضا ان كلا من الاقانيم الثلاثة هو في الاخر , لئلا نصير الي كثرة و جمهرة من الالهة . لذلك نقر بعدم تركيب الاقانيم الثلاثة و بعدم اختلاطهم , و لذلك ايضا نعترف بتساوي الاقانيم في الجوهر و بأن كل واحد منهم هو في الاخر و بأنها هي هي مشيئتهم و فعلهم و قوتهم و سلطتهم و حركتهم – اذا صح التعبير , و بأنهم اله واحد غير منقسم . فأن الله واحد حقا و هو الله و كلمته و روحه …](1)
ويستخدم الاباء تعبير الاحتواء المتبادل للتعبير عن العلاقات الداخلية في طبيعة الله الثالوثية، و يعني ان الاقانيم الالهية هي في احتواء دائم متبادل فيما بينها او بمعني اخر كل اقنوم هو بكامله وكماله ساكن في الإقنوم الآخر ولذلك نري كل اقنوم فيه كل الله وليس جزء من الله وهذا ما قصده المسيح من قوله انا في الآبو الآب فيَّ .. يقول القديس كيرلس السكندري : [فالطبيعة الإلهية هي طبيعة بسيطة غير مركبة , ولا مثيل لها , تتسع لخصائص الأقانيم و تمايز الأشخاص و الأسماء , و تُعرف في ثالوث متحد إتحاداً طبيعياً و في تطابق لا يتغير من كل جهة فيها , تجعل الله واحد و هو بالأسم و الفعل هكذا , حتى أنه يكون لكل أقنوم من الأقانيم الثلاثة كمال الطبيعة , مع ما لكل منهم من خصائص , أي لكل منهم أقنومه الخاص . لأن كل أقنوم يظل على ما هو عليه , لكن بوحدته حسب الطبيعة – مع الأقنومين الآخرين يكون له الطبيعة ذاتها . لأن الآب يوجد في الإبن و الإبن في الروح القدس, و بالمثل الإبن و الروح يوجدان في الآب , الواحد في الآخر ….](2) ، و يقول ايضاً القديس يوحنا الدمشقي : [ ان اللاهوت لا يمكن ان ينقسم الي اقسام , و هو علي نحو ما يصير في ثلاثة شموس متواجدة بعضها في بعض و هي لا تنفصل , فيكون مزيج النور واحد و الاضائة واحدة . اذا عندما ننظر الي اللاهوت , علي انه العلة الاولي , و الرئاسة الواحدة , و الواحد , و حركة اللاهوت و مشيئته الواحدة – اذا صح القول – , و قوة الجوهر و فعل سيادته ذاتها , فالذي يتصور في ذهننا هو الواحد . ] (3) .
و ايضاً نؤمن بإن كل عمل يصدر عن احد الاقانيم كتخصيص هو صادر من الله بكامله و كماله، فيقول القديس العلامه ديديموس الضرير : [ كل من يتصل بالروح القدس، ففي نفس اللحظة هو يتقابل مع الآب والابن. وكل من يشترك في مجد الآب، فأن هذا المجد في الواقع هو ممنوح له من الابن بالروح القدس . ](4) . و يقول ايضاً القديس اثناسيوس الرسولي : [الثالوث المبارك لا يتجزأ ، وهو واحد في ذاته، لأنه حينما ذ ُكر الآب ذُكر الإبن الكلمة والروح القدس الذي في الإبن ، وإذا ذُكر الإبن فان الآب في الإبن ، والروح القدس ليس خارج الكلمة لأن الآب نعمة واحدة تتم بالإبن في الروح القدس ، وهناك طبيعة إلهية واحدة ](5)
و عن الاسماء التي تطلق علي الاقانيم الآب والإبن فليس المقصود بها التعبير عن ما هو الله في ذاته لان الله لا يمكن ان يصفهُ أي إسم، لكن المقصود هو التعبير عن ما هو الله من نحونا نحن بمعني ما هو الله بحسب التدبير (التدبير هو مشيئة الله وعمله تجاه البشر)، ولنعرف ان الإبن هو من نفس جوهر الآب لان كل مولود ابن هو من جوهر الذي ولده، ولنعرف أيضاً أنهُ بسببب الإبن سنعطي البنوه لله لانه تجسد وأخذ ما لنا ليعطينا ما له، و ايضاً لنعرف انهم واحد لان كلمة الابن مرتبطةٌ دائماً بكلمة الآب مثلما ترتبط كلمة المخلوق بالخالق .. يقول القديس كيرلس الكبير : [فحينما نتكلم عن الآب ، فإننا نثير في أذهان السامعين فكرة الإبن ، أي مجرد فكرة وجود كائن مولود ، والعكس صحيح ، فحينما نذكر الكائن المولود فإننا نجلب إلى الأذهان ذاك الذي يلد ، نفس الشئ ينطبق على الإتجاهات ، فحينما نتكلم عن إتجاه ما ، نتذكر الإتجاه الآخر ، أي حينما نقول اليمين يذهب فكرنا إلى وجود يسار …] .(6) ، و يقول القديس امبرسيوس : [ من يذكر اسم واحد من الاقانيم فقد ذكر الثالوث , فإذا ذكرت اسم المسيح فأنت ضمناً تشير الي الله الآب الذي به الإبن قد مُسحَ , و الإبن نفسه الذي مُسحَ , و الروح القدس الذي تمت به المسحه … و إذا تكلمت عن الروح فأنت تذكر الله الآب الذي منه ينبثق الروح , و تذكر ايضاً اإبن لانه روح الإبن ](7) ، و يقول القديس اثناسيوس : [ الابن هو الله بكامله و كماله ] .. و يكمل قائلاً : [فالآب و الابن و الروح القدس هم واحد بلا انقسام و هم ازلياً في تواجد ( احتواء ) متبادل كل منهم في الآخر بكونهم الثالوث القدوس المبارك و لكنهم لاهوت واحد و رئاسه واحده ] .. ويقول ايضاً : [فكل اقنوم هو الله بأكمله , و كل اقنوم هو كل ما هو الله منذ الازل ] (8)
فإننا عندما نعبر عن اقانيم اللاهوت بالثالوث هذا لا يعني العدد ثلاثة ولا الحد بالرقم ثلاثة ولكن يعني التمايز بين الاقانيم وإنهم ليسوا إقنوماً واحداً بل ثلاثة اقانيم قائمين منذ الازل في وحدة الالوهية.
و يقول القديس غريغوريوس النيزنزي : [ ولكن الحكم الواحد الناتج من تساوي الطبيعة وتناسق الإرادة ووحدة العمل والتقارب للالتقاء عند المصدر نتيجة للوحدة، وكل هذا غير ممكن في حالة الطبيعة المخلوقة. والنتيجة أنه رغم وجود تمايز عددي فليس هناك انقسام في الجوهر. ] (9) ، و يقول القديس باسيليوس الكبير : [ أما أولئك الذين يجلبون الدمار على أنفسهم، فيريدون استخدام طريقة العدّ ضد الإيمان. ومع أن الأشياء لا تتغير إذا حسبت عدديًا كلا بعد الآخر في تسلسل عددي لكن يا سادتي الحكماء إن الذي هو فوق الادراك هو فوق الحساب والاعداد أيضًا. وقدر العبرانيون هذا وبحكمة ووقار كتبوا اسم الله الذي لا ينطق بطريقة خاصة وهكذا عملوا على الاعلان عن مجده الفائق فوق كل الكائنات.
إذا شئت أن تستخدم الاعداد فأنت حر، ولكن لا تشوه الإيمان بل احترمه ما هو فوق بالصمت، أو أن شئت أن تقول عددًا صحيحًا فالله واحد هو الآب الواحد والابن الواحد والروح القدس الواحد.
ونحن نعلن عن كل أقنوم على حدة وإن كان يجب علينا استخدام الاعداد فاننا لا نسمح لانفسنا بأن تحملنا قواعد الحساب إلى تعدد الالهة في الوثنية.] (10)
[ لذلك نحن نقول إنه يوجد إله واحد وليس إلهان أو ثلاثة. لأنه من الخطأ القول بوجود ثلاثة آلهة لأن هذا ما وقعت فيه هرطقة الآريوسيين الكفرة، عديمة التقوى، بما فيها من تجاديف، وبهذا فإنها تقسّم ألوهية الثالوث، بينما فى قول الرب: ” اذهبوا عمّدوا جميع الأمم باسم الآب والابن والروح القدس” يُوضِّح أن الثالوث هو قوة واحدة. نحن نعترف بالآب والابن والروح، وبذلك نفهم كمال ملء الألوهية وكمال وحدة القوة، فى ثالوث كامل. ] القديس امبرسيوس (11)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – .المائة مقالة في الايمان الارثوذكسي . ص 70
2 – حوار حول الثالوث , الجزء السادس ( الحوار السابع ), مؤسسة القديس أنطونيوس المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية , نصوص آبائية – 169 – , صفحة 28
3 – يوحنا الدمشقي . احد اباء القرن الثامن. المائة مقالة في الايمان الارثوذكسي . ص 72 – 73
4 – القديس ديديموس الضرير . احد اباء القرن الثالث . كتابه عن الروح القدس فقره 17
5 – القديس اثناسيوس الرسولي . احد اباء القرن الثالث . الرسائل إلى سرابيون 1 : 14
6 – حوار حول الثالوث ج1 – المركز الأرثوذكسي للدراسات الأبائية ص 71 ، 72
7 – – الروح القدس – للقديس امبرسيوس اسقف ميلان . 1 : 12 : 14 .. npnf , second series , vol . x . p 99 .. الروح القدس كتابياً و ابائياً للراهب هرمينا البراموسي . ص 28
8 – الايمان بالثالوث الفكر الاهوتي الكتابي للكنيسه الجامعه في القرون الاولي . توماس . ف . تورانس .. ص 114 , 115
9 – العظات اللاهوتيه . العظة 29 الفقرة 2
10 – الروح القدس . ترجمة د / جورج حبيب باباوي . مراجعة و تقديم نيافة الانبا يؤانس اسقف الغربيه المتنيح . اصدار مطرانية الغربيه . الفصل الثامن عشر . ص 135
11 – شرح الايمان المسيحي . ترجمة د / نصحي عبد الشهيد . إصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه . الكتاب الاول . فقرة 10