المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الأحد، 26 أبريل 2015

القدسات للقديسين _ يوحنا ذهبي الفم

القدسات للقديسين _ يوحنا ذهبي الفم







القدسات تعطى للقديسين

للقديس يوحنا ذهبي الفم

لماذا كانت الحاجة إلى ذبائح كثيرة، طالما أن ذبيحة واحدة كانت كافية؟ أنه يُظهر من خلال الذبائح الكثيرة وتقديمها المستمر أن هؤلاء لم يتطهروا أبداً. لأنه تماماً مثل الدواء عندما يكون قوياً وقادراً على إسترداد صحة المريض فإنه يستطيع أن يقضي على المرض كلية ويتمم الشفاء الكامل إذا أستخدم مرة واحدة، وبذلك يكون قد حقق النتيجة المرجوة وأظهر فاعليته، وبذلك لا يكون هناك حاجة لتناوله مرة أخرى. أما إذا اُستخدم بإستمرار، فإن هذا يُعد دليل على ضعفه في أن يمنح الشفاء، لأن سمة الدواء أن يُستخدم مرة واحدة وليس مرات عديدة، هكذا هنا أيضاً فيما يتعلق بالذبيحة.

لأنه إذا كانا قد تخلصوا بالفعل من كل الخطايا بالذبائح، ما كانوا يقدموها كل يوم. كذلك كان هناك بعض الذبائح التي كانت تُقدم كل يوم عن كل الشعب، في المساء، وفي الصباح، إذاً فما كان يحدث هو بمثابة إعتراف بوجود الخطايا وليس بمحوها، كان إعترافاً بالضعفن وليس دليل قوة. لأن الذبيحة الأولى لم يكن لها حقيقة أي قوة، ولهذا قُدمت الذبيحة الثانية (أي ذبيحة المسيح)، ولأن الذبيحة الأولى لم تنفع مطلقاً فقد تبعتها ذبيحة أخرى، إلا أن كثرة هذه الذبائح كان يُعد دليلاً على وجود الخطايا، بينما تقدمتها بشكل مستمر كان دليل ضعفها.

أما بالنسبة للمسيح فقد حدث العكس، فهو قد ذُبح مرة واحدة، وذبيحته ذات فاعلية دائمة إلى الأبد، وبالصواب قال إن تلك الذبائح ظلال. إذن الذي كان لديهم هو المثال فقط، وهذه الذبائح لم يكن لها قوة، تماماً كما هو الوضع بالنسبة للأيقونات، فإن الأيقونة تحمل المثال للإنسان، لكنها لا تحمل قوة الأصل. وهكذا فإن الحقيقة والمثال يجمع بينهما عناصر مشتركة، لأن المثال يشبه الحقيقي لكنه لا يحمل قوته.

ماذا يعني بقوله: أُظهر ليُبطل الخطية بذبيحة نفسه؟ ماذا تعني كلمة "يُبطل"؟ تعني إحتقاراً أو إزدراءاً، لأنه لم يعد للخطية بعد جرأة، لأنه تم إبطال تأثيرها، إذ عندما كان متوقعاً أن تقتضي بإنزال العقوبة لم تفعل ذلك بل أحتقرت، وعندما كان متوقعاً أن تحطم كل إنسان نجد أنها تحطمت. وهو قد أظهر بذبيحة نفسه أمام الله لأجلنا.

إذاً لا تعتقد أنه نظراً لأن الكاهن قديماً كان يقدم ذبيحة مرات كثيرة كل سنة، أن هذا كان يحدث هكذا عبثاً بلا جدوى، لأنه ما الحاجة إلى تناول الدواء ما دام لا يوجد جروح؟ لهذا يقول أن الله أوصى أن تُقدم هذه الذبائح بشكل مستمر بسبب ضعفهم، حتى يصير هناك تذكرة لخطاياهم.

ماذا إذاً؟ هل نحن لا نقدم ذبيحة كل يوم؟

بالتأكيد نُقدم، ولكن نحن نصنع هذا لكي نتذكر موت المسيح، وهذه التقدمة واحدة وليست كثيرة.

ولماذا هي واحدة وليست كثيرة؟

لأن المسيح قدم نفسه مرة واحدة، تماماً مثل تلك الذبيحة التي كانت تقدم في قدس الأقداس. هذا كان مثالاً لذبيحة المسيح، لأننا نقدم دائماً نفس الذبيحة، فلا نقدم اليوم خروفاً وغداً نقدم ذبيحة أخرى، بل نقدم دائماً الذبيحة نفسها، إذاً فالذبيحة هي واحدة.

إن تقديم الذبيحة في أماكن كثيرة، هل يعني ذلك أن هناك مسحاء كثيرون؟

بالطبع لا، بل المسيح واحد في كل مكان، فهو هنا بكامله، وهناك بكامله أيضاً، هو جسد واحد. إذاً بالرغم من أنه يُقدَّم في أماكن عديدة، إلا أنه جسد واحد وليس أجساداً كثيرة، وهو أيضاً ذبيحة واحدة. هو رئيس كهنتنا الذي قدَّم الذبيحة التي تُطهرنا من الخطايا. هذه الذبيحة التي نقدمها الآن هي التي قُدّمت آنذاك، فهي لا تسنفذ. وهذا يمثل تذكرة لما حدث حين قدم المسيح نفسه ذبيحة. لأنه قال: "أصنعوا هذا لذكري" (لو 22)، أنها ليست ذبيحة أخرى، كما كان يصنع رئيس الكهنة في العهد القديم بل إننا نقدم نفس الذبيحة، أو بالأحرى نقيم ذكرى الذبيحة.

لكن لأنني ذكرت هذه الذبيحة، أريد أن أتكلم معكم قليلاً، بالطبع هو كلام قليل من حيث الوقت لكنه كثير من حيث القوة والمنفعة، لأن الكلام الذي سيقال ليس هو كلامنا، بل هو كلام الروح القدس. إذا ما هو هذا الكلام؟

إن كثيرين يتناولون هذه الذبيحة (الأفخارستيا) مرة واحدة في العام، بينما آخرون مرتين، وآخرون مرات عديدة. هذا الكلام موجه لنا جميعاً وليس فقط للمجتمعين معنا الآن، بل ولأولئك الذين يعيشون في البرية، لأن هؤلاء يتناولون مرة في العام، ومرات كثيرة كل عامين.

ماذا إذا؟ أيهما نستحسن؟ أولئك الذين يتناولون مرة واحدة في العام أم أولئك الذين يتناولون مرات عديدة أم أولئك الذين يتناولون مرات قليلة؟ لا الذين يتناولون مرة واحدة، ولا مرات عديده، ولا مرات قليلة، بل نستحسن أولئك الذين يتناولون بضمير نقي، بقلب طاهر وحياة بلا لوم.

مَن يكونوا مثل هؤلاء فليقترب من التناول بشكل مستمر، ولكن الذين ليسوا هكذا، فينبغي ألا يتقدموا للتناول ولا حتى لمرة واحدة.

لماذا يا ترى؟ لأنهم يأخذون لأنفسهم دينونة، ولوماً، وجحيماً، وعقوبة.

ولا تتعجب. لأنه كما هو الحال بالنسبة للطعام، والذي من طبيعته التغدية، إذا تناوله أحد وهو فاقد للشهية، فإنه يدمر ويفسد كل نظام الجسد، ويصير سبباً للمرض، هكذا يحدث مع هذه الأسرار المخوفة.

أفأنت تشارك في المائدة الروحية، المائدة الملوكية، وتلوث فمك أيضاً بالقذارة؟!

هل تدهن ذاتك بالعطر الحلو ثم تملأه أيضاً بالعفونة؟!

أخبرني من فضلك ... عندما تتناول بعد سنة، هل تعتقد أن الأربعين يوماً (الصوم الكبير) تكفيك لتطهير خطايا سنة كاملة؟ ثم بعد أسبوع تعود مرة أخرى للأمور السابقة؟ أخبرني إذاً، بعدما إسترجعت عافيتك طوال الأربعين يوماً بعد مدة طويلة في المرض، هل تعود مرة أخرى إلى تلك الأطعمة التي سببت لك المرض، ألم تترك أيضاً الأعمال السابقة؟ لأنه إذا كانت الأمور الطبيعية تتغير فكم بالأكثر الأمور المعتمدة على الإختيار. على سبيل المثال، نحن بطبيعة تكويننا، لنا أعين سليمة نستطيع أن نرى بها الأشياء، ولكن كثيراً ما تصاب بمرض ما يتسبب في ضعف نظرنا. إذا كانت خلقتنا الطبيعية هكذا متغيرة، ألا تتغير بالأكثر تلك الأمور التي تعتمد على إختيارنا؟

أنت تخصص أربعين يوماً لصحة النفس – أو ربما أقل من ذلك – وتتوقع أن تستعطف الله؟
قل لي .. هل أنت تمزح؟
أقول هذا لا لكي أمنعكم من مجيئكم للتناول مرة واحدة في السنة، بل راغباً في أن تأتوا بإستمرار لتناول القدسات.
القدسات تعطى للقديسين. هذا ما ينادي به الكاهن ويدعو القديسين، وبهذه الصيحة أيضاً يُفتش عن أخطاء الجميع.

لأنه كما يحدث في قطيع الأغنام، عندما يكون هناك خراف كثيرة صحيحة، وخراف كثيرة مملوءة بالجرب فإنه ينبغي أن تُعزل المصابة بالمرض عن الخراف الصحيحة، هكذا أيضاً في الكنيسة، لأنه توجد خراف صحيحة، وخراف أخرى تعاني من مرض ما، وبهذا الصوت (القدسات للقديسين) يعزل هذه الخراف عن تلك، وهكذا يسترعي الكاهن الإنتباه، وتُسمع في كل مكان هذه الصرخة المخوفة، داعياً المؤمنين لتناول القدسات. لأنه من غير الممكن لأن يعرف أحد الأمور التي لقريبه، (لأنه يقول: "لأن مَن مِن الناس يعرف أمور الإنسان إلآ روح الإنسان الذي فيه" (1 كو 1)).

إنه يقول هذا الكلام بعد أن تكون الذبيحة مهيأة للتناول، حتى لا يأتي أحد إلى النبع الروحي هكذا بلا مبالاة وبدون إستعداد.

لأنه فيما يتعلق بالقطيع أيضاً، الخراف المريضة نحتجزها بالداخل، ونحفظها في مكان مُظلم، ونُعطيها طعاماً خاصاً، ولا نسمح لها أن تتمتع لا بهواء نقي ولا بخضرة بسيطة ولا بالينبوع الخارجي. في حالة الإفخارستيا، نجد أن هذا الصوت المدوي (القدسات للقديسين) يكون بدلاً من القيود التي يقيد بها الخراف المريضة.

لا يمكن أن تقول: "إنني لم أكن أعرف، وكنت أجهل أن التناول هكذا يُشكل أخطاراً معينة"، ألم يشهد الرسول بولس بهذا الكلام، لكنك ستقول لم أقرأه، هذا ليس مبرراً بل يستحق الإدانة، هل تأتي إلى الكنيسة كل يوم ولا زلت تجهل هذا الأمر؟

ولكي لا يكون لك ولا حتى هذا العذر، فإن الكاهن يقف رافعاً يده عالياً ليراه الجميع ويصرخ بصوت مدوياً (القدسات للقديسين) بعد الهدوء الشديد، ويدعو البعض ويمنع البعض الآخر، دون أن يصنع هذا بيده بل بلسانه، وبلسانه يحقق ذلك بشكل أفضل جداً من الأيدي. فذلك الصوت يسقط على أسماعنا مثل يد تستبعد البعض وتخرجهم إلى خارج، وتُدخل البعض الآخر وتقودهم إلى الشركة في الأسرار الإلهية.

ألا يقف الحكم في الألعاب الأولمبية وينادي بصوت عظيم وقوي، لربما يقع إتهام من أحد على أحد الرياضيين بأنه عبد أو سارق أو يتسم بصفة مشينة؟ بالرغم من أن تلك المسابقات لم تكن بالطبع مسابقات للنفس، ولا تحمل صفة الفضيلة، بل هي للقوة البدنية والجسد الطبيعي. فإذا كان التدريب الجسدي، يتطلب هذا القدر من الإختبار لشخصية المتسابق، فكم يكون الأمر هنا، حيث الجهاد روحي والمنافسات روحية؟

إن الحكم الخاص بنا، يقوم الآن دون أن يمسك كل واحد من رأسه ويقوده، بل يمسك الكل معاً من الرأس الداخلي، لا يعين لهم آخرين للإدانة بل هم أنفسهم يقومون بإدانة أنفسهم. لأن الكاهن لا يقل: "هل يدين أحد ذاك"، بل "هل يدين أحد نفسه". لأنه عندما يقول : "القدسات تعطى للقديسين"، فهذا ما يعنيه: "من هو ليس قديساً لا يقترب من التناول".

لا يقول "طاهر من الخطية" فحسب بل "قديس"، لأن القديس لا يصنعه مجرد التحرر من الخطايا، بل أيضاً حضور الروح القدس وغنى الأعمال الصالحة.

هكذا يقول: لا أريد أن تكونوا متحررين من الوحل فقط، بل عليكم أن تكونوا أنقياء وفي بهاء وجمال. فإن كان ملك بابل عندما أختار من بين الشباب الذين وقعوا في الأسر، فضّل المتميزين في الشكل، وذوي الجمال في المظهر، فبالأكثر جداً نحن الذين نقترب من المائدة الملوكية، يجب أن نكون أنقياء النفس، وأن تكون زينة النفس من ذهب، لُباسنا نقياً، أحذيتنا ملوكية، وأن يكون وجه أنفسنا جميلاً، أن تكون نفوسنا محاطة بالزينة الذهبية، ومتمنطقة بالحق.

مَن هو هكذا فليقترب، وليلمس الكؤوس الملوكية.

لكن إن أراد أحد، وهو مُرتدياً لملابس مهلهلة ومملوءة بالقذارة، أن يقترب بهذه الحالة إلى المائدة الملوكية، فكم سيعاني، حيث لن تكف الأربعين يوماً لإزالة الذنوب التي أُرتكبت خلال مدة السنة كلها ... لأننا لم نظهر توبة قوية بل ضعيفة.






Reference: NPNF Series, Volume 14, John Chrysostom on Hebrews


المرجع: منقول (بتصرف) من كتاب تفسير العبرانيين للقديس يوحنا ذهبي الفم، ترجمة د. سعيد حكيم يعقوب مكاريوس، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;