تابوت العهد الجديد _ كيرلس الإسكندري
تابوت العهد الجديد
بقلم القديس كيرلس الإسكندري
التابوت، يمكن أن يكون مثالاً وأيقونة للمسيح. لأنه في تفسيرنا لطريقة تأنس الوحيد الجنس روحياً، سوف نرى أن اللوغوس ساكن في هيكل العذراء، كما لو كان داخل التابوت. لأنه وفق الكتب المقدسة "فإنه يحل فيه كل ملء اللاهوت جسدياً" (كو 2). إذن اللوغوس هو ما يشير إليه لوحا الشهادة بالتابوت.
والخشب أيضاً كان من النوع الذي لا يصاب بالفساد، وكان مغطى بذهب نقي وخالص من الداخل والخارج، لأن جسد المسيح غير فاسد، محفوظ في عدم الفساد بقوة وبهاء اللوغوس، الذي يسكن داخله بطبيعته، والفعل المحيي للروح القدس. لأجل هذا يقال أن المسيح يُحيي. ولأن اللوغوس - كلمة الله الآب - حي بحسب طبيعته، فإنه بقوة الروح يُعيد إحياء هيكله، جاعلاً إياه أسمى من الفساد. لذا "جسده لم يرَ فساداً". إذن الذهب هو رمز للألوهية فائقة البهاء، التي اتحدت بالجسد المقدس، وانسكبت داخله بالمجد وعدم الفساد بطريقة فائقة، بقدر ما تعتبر معرفة الطبيعة اللإلهية في حد ذاتها أعلى من العقل. لأنه إذا كان الأبرار يضيئون كالشمس في ملكوت أبيهم (مت 13)، فماذا يكون إذاً مجد المسيح نفسه، وكيف لا تكون إشعاعاته أعلى من أي عقل أو منطق؟
أمَّا غطاء التابوت - بالمعنى الروحي - فنقول عنه أنه يشير إلى ذاك الذي صار إنساناً من أجلنا، "الذي قدمه الله كفارة (غطاء) بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله" (رو 3). وأيضاً يكتب لنا يوحنا التلميذ الحكيم في رسالته: "يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا. وإن أخطأ أحدُ فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار، وهو كفارة (غطاء) لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً" (1 يو 1).
حقاً بواسطة المسيح تتحقق كفارتنا ... هو الكفارة والغطاء بالنسبة لنا. لأن الآب صار لنا رحوماً بواسطته، فيه وجدنا غاية توسلاتنا، وبواسطته نستطيع أن نقترب إلى الله، وبخلاف ذلك لا نصير مقبولين. لذلك يقول "أنا هو الطريق"، "أنا هو الباب"، "ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي". ومع أنه صار مثلنا ونزل اللوغوس وحيد الجنس ذاته إلى مستوى الإنسان، في إخلائه، لكن علينا أن ندركه بالمجد اللائق بألوهيته وبسموه الذي يتجاوز الخليقة، كما قبل أن يأخذ جسداً. لذلك الكروبان يقفان فوق الغطاء، باسطين أجنحتهما مظللين الغطاء ماثلين أمامه كل واحد وجهه للآخر، ووضعهما على اليمين واليسار هو برهان الخضوع ...
إذن كفارتنا هو المسيح، الذي وهو في الجسد عندما ظهر لم يكن أبداً أقل من إله ورب من جهة الطبيعة، وحقاً كانت له القوات الفائقة حوله تخدمه. فقد قالت لنا الكلمة المقدسة (مت 4)، أنه بعد التجربة حين صام لأجلنا، ذهبت الملائكة لتخدمه ...
"فوق الغطاء سوف أظهر"، ويقول أيضاً: "وسوف أتحدث إليك". بهذا القول يعلن أمرين. فبالرغم من أن المسيح إنسان، إلا أنه سوف يعلن ما يفوق الطبيعة البشرية، ولن ينحصر فقط داخل مقاييس الإخلاء، وذلك بسبب أنه الله ومولود من الله بالطبيعة .. وسوف يعلن ذلك بشكل يفوق مجد الغطاء، ويفوق مجد الكاروبين، أي بعظمة ومجد، بل وأسمى من الكائنات المخلوقة .....
.. ومكتوب في سفر العدد: "فلما دخل موسى إلى خيمة الاجتماع ليتكلم معه، كان يسمع الصوت يكلمه من على الغطاء الذي على تابوت الشهادة من بين الكاروبيم، فكلمه" (عدد 7). عندما انتهت الخيمة المقدسة، وظهرت الخيمة الحقيقية المقدسة أي الكنيسة بزينات مختلفة، عندئذ تحدَّث لنا الله الآب، لأنه يقول "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه" (عب 1)، والذي نقول عنه أنه كفارة (غطاء) لأجل خطايانا". والصوت أتى من فوق الكاروبيم، لأن الله عالياً جداً أسمى من كل الخليقة، إذ أنه أعظم بحسب جوهره من أي خليقة. والابن - الكفارة الحقيقية - حين أخبرنا بكلام الله، قال: "تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني" (يو7)
إذن كفارتنا هو المسيح، الذي وهو في الجسد عندما ظهر لم يكن أبداً أقل من إله ورب من جهة الطبيعة، وحقاً كانت له القوات الفائقة حوله تخدمه. فقد قالت لنا الكلمة المقدسة (مت 4)، أنه بعد التجربة حين صام لأجلنا، ذهبت الملائكة لتخدمه ...
"فوق الغطاء سوف أظهر"، ويقول أيضاً: "وسوف أتحدث إليك". بهذا القول يعلن أمرين. فبالرغم من أن المسيح إنسان، إلا أنه سوف يعلن ما يفوق الطبيعة البشرية، ولن ينحصر فقط داخل مقاييس الإخلاء، وذلك بسبب أنه الله ومولود من الله بالطبيعة .. وسوف يعلن ذلك بشكل يفوق مجد الغطاء، ويفوق مجد الكاروبين، أي بعظمة ومجد، بل وأسمى من الكائنات المخلوقة .....
.. ومكتوب في سفر العدد: "فلما دخل موسى إلى خيمة الاجتماع ليتكلم معه، كان يسمع الصوت يكلمه من على الغطاء الذي على تابوت الشهادة من بين الكاروبيم، فكلمه" (عدد 7). عندما انتهت الخيمة المقدسة، وظهرت الخيمة الحقيقية المقدسة أي الكنيسة بزينات مختلفة، عندئذ تحدَّث لنا الله الآب، لأنه يقول "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه" (عب 1)، والذي نقول عنه أنه كفارة (غطاء) لأجل خطايانا". والصوت أتى من فوق الكاروبيم، لأن الله عالياً جداً أسمى من كل الخليقة، إذ أنه أعظم بحسب جوهره من أي خليقة. والابن - الكفارة الحقيقية - حين أخبرنا بكلام الله، قال: "تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني" (يو7)
سوف أبدأ حديثي عن قسط المَن، وحقيقة الأمر هي كالآتي: لقد أعطى الله المَن - مثل المطر - للإسرائيليين في الصحراء. لذا كان المَن بالنسبة لهم طعاماً وخبزاً من فوق، أي من السماء. لكن هذا الأمر لا يتوقف عند الرؤية المادية المحسوسة، بل يقودنا - من خلال المثال والظل - إلى الإشارة "للكلمة" الآتي من فوق، من الآب أي الخبز الذي من السماء. وكانت هذه هي الرؤية التي قصدها داود العظيم قائلاً: "أكل الإنسان خُبز الملائكة. أرسل عليهم زاداً للشبع" (مز 78).
وطبعاً نحن لا نقول أن المَن المادي هو خبز من السماء، أو هو خبز الملائكة، لأن الروح تغتذي على طعام روحي، كما يتغذى الجسد بطبيعته بالطعام المادي. لكن طعام الملائكة والخبز الذي يتناسب مع السماوات والأرواح السماوية هو كلمة الله الآب. إذن فالمن يشير إلى المسيح. وإن لم تصر هذه الحقيقة مقبولة فالظل لا يعلن شيئاً مفيداً، إذ أن الظل لم يصر ظلاً لعلة في ذاته، بل لكي يرمز إلى أمر من الأمور الحسنة.
لذلك وبَّح المسيح جمع اليهود توبيخاً واضحاً لأنهم لم يكرموه، بالرغم من أنه كان هو الحق، بينما كان موسى خادماً للظلال. لذلك قال لهم المسيح: "الحق الحق أقول لكم: ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء، بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء، لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم. فقالوا له يا سيد أعطنا في كل حين هذا الخبز. فقال لهم يسوع: أنا هو خبز الحياة، من يقبل إليَّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً" (يو 6)
هكذا تنبأ الله بواسطة موسى عن قسط المن، موضحاً إن المن هو صورة ترمز إلى الكلمة الذي نزل من فوق، من السماء، فقد كتب الآتي: "وقال موسى: هذا هو الشيء الذي أمر به الرب. ملء العُمر منه يكون للحفظ في أجيالكم، لكي يروا الخبز الذي أطعمتكم في البرية حين أخرجتكم من أرض مصر. وقال موسى لهارون: "خُذ قسطاً واحداً واجعل فيه ملء العمر مَنا، وضعه أمام الرب للحفظ في أجيالكم. كما أمر الرب موسى، وضعه هارون أمام الشهادة للحفظ" (خر 16)
وكما قلنا إن التابوت الإلهي الذي يحتوي على الكلمة الإلهية يُعلن عن عمانوئيل، لأن كلمة الله أتى إلى داخل الخيكل المقدس، أي الهيكل الذي قدمته العذراء. إذن بنفس الطريقة، القسط الذهبي الذي يحتوي في باطنه المَن المادي يرمز للكلمة السماوي والحي، الذي أتى من الآب متحداً بجسد مقدس طاهر.
إذن، كان قسط المَن هناك لكي يُحفظ لأجيال بني إسرائيل، لأن المسيح غير فاسد، بل هو باق إلى الأبد، وهو حاضر في كل وقت، وفي كل زمان ماثل أمام الرب، أي أمام أعين الآب. لأن وحيد الجنس عندما صار إنساناً دخل بعد ذلك إلى قُدس الأقداس في الخيمة الأعظم والأكمل، أي في السماء، لكي يظهر الآن أمام الله لأجلنا، كما هو مكتوب (عب 9). لأنه لا يقدِّم ذاته أمام الآب لأجل نفسه، بل يقدمنا في ذاته إلى الآب، بالرغم من أننا ضللنا من أمام وجه الآب بسبب مخالفة آدم، وبسبب الخطية التي مَلَكت وسادت على الكل. إذنن فقد اقتادنا المسيح، وبواسطته تمكنَّا من الحضور إلى مدخل الأقداس كما قال بولس الرسول (أف 18:3). لأنه مثلما قُمنا مع المسيح وجلسنا معه في السماويات، هكذا أيضاً نُوجد معه أمام الآب.
المرجع: السجود والعبادة بالروح والحق، للقديس كيرلس الإسكندري، المقالة التاسعة والعاشرة، ترجمة د. جورج عوض إبراهيم، مركز دراسات الأباء بالقاهرة.