دفاع مختصر عن العلامه اوريجينوس
وُلد أوريجينوس بالأسكندرية سنة 185م وصار عميدًا لمدرسة الأسكندرية من سنة 203 حتى سنة 231. ثم ذهب إلى قيصرية فلسطين وأسس مدرستها اللاهوتية وعلّم بها حتى سنة 249 وناله عذابات كثيرة في اضطهاد داكيوس وتنيح سنة 253.
وقد كتب بروفيسور كواستن أستاذ علم الباترولوجي الشهير في بداية دراسته عن أوريجينوس ما يلي: [ بلغت مدرسة الأسكندرية (اللاهوتية) إلى أهميتها العظمى بقيادة أوريجينوس، المعلم والعالم البارز للكنيسة الأولى، إنسان بلا لوم في أخلاقه، وذو معرفة موسوعية، وأحد أكثر مفكري العالم أصالة في العصور كلها ] (1)
.
ويقول عنه كواستن في نفس الوقت [ رغم أن أوريجينوس أعطى اهتمامًا عظيمًا بدراسة الكتاب المقدس، واعتبر الفلسفة مجرد خادمة للمسيحية ويؤكد على أهمية الكتاب المقدس أكثر من معلّمه كليمندس الأسكندري، إلاّ أنه أخطأ بأن سمح لفلسفة أفلاطون أن تؤثر على فكره اللاهوتي أكثر مما ظن في نفسه. وهذا أدى إلى أخطاء خطيرة، خاصةً تعليمه عن خلق النفس البشرية قبل خلق الجسد ]. (2)
ويذكر كواستن أن أوريجينوس بالغ في استعمال الطريقة الرمزية في تفسير الكتاب المقدس مما نتج عنه بعض الأخطاء. ولهذا السبب حدث خلاف في الرأي بين الآباء منذ القرن الرابع حول ما ورد في كتابات أوريجينوس من بعض الأفكار إلى أن انتهى الأمر في القرن السادس بإدانة الأفكار الخاطئة الشائعة عنه في مجمع عقده الإمبراطور جوستنيانوس الأول بالقسطنطينية سنة 543، وهو المجمع المسكوني الخامس عند الروم، والذي لم تشترك فيه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية طبعًا لأنه بعد انشقاق مجمع خلقيدونية تاريخيًا.
ويضيف كواستن [ كان مصير أوريجينوس أن يكون علامة اختلاف وتعارض أثناء حياته كما بعد وفاته أيضًا. ويندر أن نجد شخصًا مثله له أصدقاء كثيرون جدًا أو أعداء كثيرون جدًا. صحيح أنه ارتكب بعض الأخطاء، ولكن لا يمكن أن يشك أحد أنه كان تواقًا وراغبًا بشدة أن يكون ـ على الدوام مسيحيًا عميقًا مستقيم الإيمان في إيمانه وثقته بالله. فهو (أى أوريجينوس) يسجل في بداية كتابه اللاهوتي الرئيسي " إن ما يجب أن يكون مقبولاً على أنه هو وحده الحقيقة والحق ـ هو ما لا يختلف من أى جهة من الجهات مع التقليد الكنسي والرسولي " (3). ولقد جاهد أوريجينوس بكل قواه لكي يتبع هذه القاعدة وختم جهاده هذا بدمه في نهاية حياته ].
ونذكر هنا حقيقة هامة فيما يخص عقيدة أوريجينوس في ألوهية المسيح.
لقد حارب أوريجينوس بدعة سابيليوس التي كانت تعلم بأن الله هو أقنوم واحد له ثلاثة وظائف متتالية تاريخيًا، أولاً الآب، ثم هو نفسه صار الابن، وبعد ذلك هو نفسه جاء كالروح القدس. ودافع أوريجينوس بقوة عن وجود الأقانيم الثلاثة التي لها نفس الجوهر .. ورغم أن البعض ـ جيروم بالتحديد ـ اتهمه بأنه يعلّم بأن الابن أقل من الآب إلاّ أن القديس غريغوريوس العجائبي والقديس أثناسيوس الرسولي يبرءانه من هذا التشكك في تعليمه عن ألوهية المسيح ومساواته للآب. والعلماء المحدثين مثل Regnon ، Prat يبرءانه أيضًا من هذه التهمة (4)
القديس أثناسيوس يشهد لتعليم أوريجينوس عن ألوهية المسيح:
كتب القديس أثناسيوس الرسولي كتابًا للدفاع عن صيغة إيمان مجمع نيقية المسكوني الأول المنعقد سنة 325 ( De Decretis )
وفي الفصل 6 من هذا الدفاع يستشهد القديس أثناسيوس بأربعة آباء ومعلّمين استلم منهم آباء مجمع نيقية الإيمان المستقيم بأن ابن الله من نفس جوهر الآب وأوريجينوس هو أحد هؤلاء الآباء الذين استشهد بهم.
وننقل هنا ما كتبه القديس أثناسيوس عن إيمان أوريجينوس. يقول القديس أثناسيوس: [ وفيما يخص الوجود الأزلي للكلمة مع الآب، وأن الكلمة ليس من جوهر آخر بل هو من الآب ذاته، كما قال الأساقفة في المجمع،يمكنكم أن تسمعوا أيضًا من أوريجينوس؛ محب الأتعاب (5) ، لأن ما كتبه من باب البحث والتدريب، لا ينبغي لأى أحد أن يعتبره مجرد مشاعره الشخصية ـ بل هى أفكار الفرق المتصارعة في البحث، أما ما يعلنه بصورة مؤكدة ومحددة فهذا هو فكر هذا الإنسان المحب للأتعاب، ... فهو يقدم اعتقاده الشخصي هكذا: [ صورة الإله غير المنظور هى صورة غير منظورة، بل أتجاسر وأقول بما أنه صورة الآب فهو كان موجودًا دائمًا. لأنه متى كان الله ـ الذي بحسب يوحنا يدعى النور (لأن "الله نور") متى كان بدون بهاء لمجده الذاتي، حتى يتجرأ أى إنسان أن يؤكد أن أصل وجود الابن كأنه لم يكن موجودًا قبلاً؟ ولكن متى كان صورة الآب التي لا يعبر عنها ، والجوهر الذي لا يسمى ولا ينطق به، ذلك التعبير والكلمة، والذي يعرف الآب، متى كان غير موجود. بل دع ذلك الذي يتجاسر أن يقول " كان الابن غير موجود في وقت ما "، دعه يفهم جيدًا أنه بهذا هو يقول إن الحكمة لم تكن موجودة في وقت ما، والكلمة لم يكن موجودًا، والحياة لم تكن موجودة ".
وفي موضع آخر يقول أوريجينوس: [ ولكنه ليس أمرًا بريئًا أو هو أمر بلا مخاطرة، إن كنا بسبب ضعف فهمنا، نجرد الله ـ في ذهنننا، من الكلمة الوحيد الجنس الكائن أزليًا مع الله؛ وهو الحكمة التي فرح بها؛ ففي هذه الحالة ينبغي أن يُدرك على أنه ليس عنده فرج على الدوام ] (6)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - JOHANNES QUASTEN PATROLOGY Vol.11, p.37. 4th printing 1975, spectrum publishers, UTRECUT-ANTWERP, U.S.A.
2 - Quasten, Patrology vol.11. p.42.
3 - حول المبادئ، Deprinc. Praef. 2
4 - انظر Patrology by Quasten Vol.11. p. 77
5 - φιλοπόνου = Labour – Loving .. أورد القديس أثناسيوس هذا الوصف بمدح أوريجينوس مرة أخرى في الرسالة الرابعة إلى الأسقف سرابيون عن الروح القدس (انظر الرسائل عن الروح القدس إلى سرابيون 9:4) الترجمة العربية
6 - Nicene and post Nicene Fathers 2nd series Vol.4 De Decretes p. 168.
مأخوذ عن كتاب : شرح سفر العدد ، للعلامه اوريجينوس ج 2 . ترجمة القس برسوم عوض و القس شنوده امين و الانسه مارسيل عوض الله . مراجعة د / نصحي عبد الشهيد . إصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه . ص 6 : 9
وقد كتب بروفيسور كواستن أستاذ علم الباترولوجي الشهير في بداية دراسته عن أوريجينوس ما يلي: [ بلغت مدرسة الأسكندرية (اللاهوتية) إلى أهميتها العظمى بقيادة أوريجينوس، المعلم والعالم البارز للكنيسة الأولى، إنسان بلا لوم في أخلاقه، وذو معرفة موسوعية، وأحد أكثر مفكري العالم أصالة في العصور كلها ] (1)
.
ويقول عنه كواستن في نفس الوقت [ رغم أن أوريجينوس أعطى اهتمامًا عظيمًا بدراسة الكتاب المقدس، واعتبر الفلسفة مجرد خادمة للمسيحية ويؤكد على أهمية الكتاب المقدس أكثر من معلّمه كليمندس الأسكندري، إلاّ أنه أخطأ بأن سمح لفلسفة أفلاطون أن تؤثر على فكره اللاهوتي أكثر مما ظن في نفسه. وهذا أدى إلى أخطاء خطيرة، خاصةً تعليمه عن خلق النفس البشرية قبل خلق الجسد ]. (2)
ويذكر كواستن أن أوريجينوس بالغ في استعمال الطريقة الرمزية في تفسير الكتاب المقدس مما نتج عنه بعض الأخطاء. ولهذا السبب حدث خلاف في الرأي بين الآباء منذ القرن الرابع حول ما ورد في كتابات أوريجينوس من بعض الأفكار إلى أن انتهى الأمر في القرن السادس بإدانة الأفكار الخاطئة الشائعة عنه في مجمع عقده الإمبراطور جوستنيانوس الأول بالقسطنطينية سنة 543، وهو المجمع المسكوني الخامس عند الروم، والذي لم تشترك فيه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية طبعًا لأنه بعد انشقاق مجمع خلقيدونية تاريخيًا.
ويضيف كواستن [ كان مصير أوريجينوس أن يكون علامة اختلاف وتعارض أثناء حياته كما بعد وفاته أيضًا. ويندر أن نجد شخصًا مثله له أصدقاء كثيرون جدًا أو أعداء كثيرون جدًا. صحيح أنه ارتكب بعض الأخطاء، ولكن لا يمكن أن يشك أحد أنه كان تواقًا وراغبًا بشدة أن يكون ـ على الدوام مسيحيًا عميقًا مستقيم الإيمان في إيمانه وثقته بالله. فهو (أى أوريجينوس) يسجل في بداية كتابه اللاهوتي الرئيسي " إن ما يجب أن يكون مقبولاً على أنه هو وحده الحقيقة والحق ـ هو ما لا يختلف من أى جهة من الجهات مع التقليد الكنسي والرسولي " (3). ولقد جاهد أوريجينوس بكل قواه لكي يتبع هذه القاعدة وختم جهاده هذا بدمه في نهاية حياته ].
ونذكر هنا حقيقة هامة فيما يخص عقيدة أوريجينوس في ألوهية المسيح.
لقد حارب أوريجينوس بدعة سابيليوس التي كانت تعلم بأن الله هو أقنوم واحد له ثلاثة وظائف متتالية تاريخيًا، أولاً الآب، ثم هو نفسه صار الابن، وبعد ذلك هو نفسه جاء كالروح القدس. ودافع أوريجينوس بقوة عن وجود الأقانيم الثلاثة التي لها نفس الجوهر .. ورغم أن البعض ـ جيروم بالتحديد ـ اتهمه بأنه يعلّم بأن الابن أقل من الآب إلاّ أن القديس غريغوريوس العجائبي والقديس أثناسيوس الرسولي يبرءانه من هذا التشكك في تعليمه عن ألوهية المسيح ومساواته للآب. والعلماء المحدثين مثل Regnon ، Prat يبرءانه أيضًا من هذه التهمة (4)
القديس أثناسيوس يشهد لتعليم أوريجينوس عن ألوهية المسيح:
كتب القديس أثناسيوس الرسولي كتابًا للدفاع عن صيغة إيمان مجمع نيقية المسكوني الأول المنعقد سنة 325 ( De Decretis )
وفي الفصل 6 من هذا الدفاع يستشهد القديس أثناسيوس بأربعة آباء ومعلّمين استلم منهم آباء مجمع نيقية الإيمان المستقيم بأن ابن الله من نفس جوهر الآب وأوريجينوس هو أحد هؤلاء الآباء الذين استشهد بهم.
وننقل هنا ما كتبه القديس أثناسيوس عن إيمان أوريجينوس. يقول القديس أثناسيوس: [ وفيما يخص الوجود الأزلي للكلمة مع الآب، وأن الكلمة ليس من جوهر آخر بل هو من الآب ذاته، كما قال الأساقفة في المجمع،يمكنكم أن تسمعوا أيضًا من أوريجينوس؛ محب الأتعاب (5) ، لأن ما كتبه من باب البحث والتدريب، لا ينبغي لأى أحد أن يعتبره مجرد مشاعره الشخصية ـ بل هى أفكار الفرق المتصارعة في البحث، أما ما يعلنه بصورة مؤكدة ومحددة فهذا هو فكر هذا الإنسان المحب للأتعاب، ... فهو يقدم اعتقاده الشخصي هكذا: [ صورة الإله غير المنظور هى صورة غير منظورة، بل أتجاسر وأقول بما أنه صورة الآب فهو كان موجودًا دائمًا. لأنه متى كان الله ـ الذي بحسب يوحنا يدعى النور (لأن "الله نور") متى كان بدون بهاء لمجده الذاتي، حتى يتجرأ أى إنسان أن يؤكد أن أصل وجود الابن كأنه لم يكن موجودًا قبلاً؟ ولكن متى كان صورة الآب التي لا يعبر عنها ، والجوهر الذي لا يسمى ولا ينطق به، ذلك التعبير والكلمة، والذي يعرف الآب، متى كان غير موجود. بل دع ذلك الذي يتجاسر أن يقول " كان الابن غير موجود في وقت ما "، دعه يفهم جيدًا أنه بهذا هو يقول إن الحكمة لم تكن موجودة في وقت ما، والكلمة لم يكن موجودًا، والحياة لم تكن موجودة ".
وفي موضع آخر يقول أوريجينوس: [ ولكنه ليس أمرًا بريئًا أو هو أمر بلا مخاطرة، إن كنا بسبب ضعف فهمنا، نجرد الله ـ في ذهنننا، من الكلمة الوحيد الجنس الكائن أزليًا مع الله؛ وهو الحكمة التي فرح بها؛ ففي هذه الحالة ينبغي أن يُدرك على أنه ليس عنده فرج على الدوام ] (6)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - JOHANNES QUASTEN PATROLOGY Vol.11, p.37. 4th printing 1975, spectrum publishers, UTRECUT-ANTWERP, U.S.A.
2 - Quasten, Patrology vol.11. p.42.
3 - حول المبادئ، Deprinc. Praef. 2
4 - انظر Patrology by Quasten Vol.11. p. 77
5 - φιλοπόνου = Labour – Loving .. أورد القديس أثناسيوس هذا الوصف بمدح أوريجينوس مرة أخرى في الرسالة الرابعة إلى الأسقف سرابيون عن الروح القدس (انظر الرسائل عن الروح القدس إلى سرابيون 9:4) الترجمة العربية
6 - Nicene and post Nicene Fathers 2nd series Vol.4 De Decretes p. 168.
مأخوذ عن كتاب : شرح سفر العدد ، للعلامه اوريجينوس ج 2 . ترجمة القس برسوم عوض و القس شنوده امين و الانسه مارسيل عوض الله . مراجعة د / نصحي عبد الشهيد . إصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه . ص 6 : 9