المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الاثنين، 6 أبريل 2015

الصليب في حياتنا

كتاب رؤية كنسيّة آبائية: الصليب في المسيحية - الأنبا ياكوبوس


24- الصليب في حياتنا


"فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصَّين فهي قوة الله" (1كو1: 18).
الصليب هو أقوى حدث في حياة المسيح بالرغم من أنه أضعف موقف من مواقف الرب على الأرض - فهو الذي يقول عنه الرسول بولس "لأنه وإن كان قد صلب من ضعف لكنه حيَّ بقوة الله. فنحن أيضًا ضعفاء فيه لكننا سنحيا معه بقوة الله من جهتكم" (2كو13: 4).
تلك هي لحظة الإخلاء العظمى التي بلغ فيها المسيح أقصى حدود الهوان عندما عُلق على خشبة الصليب. لأنه معروف أن كل من يُعلق على خشبة هو ملعون بحسب الناموس القديم: "لأن المعَلّق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا" (تث21: 23). لذلك فالقديس بولس الرسوليقول:
St-Takla.org Image: Holy Cross صورة في موقع الأنبا تكلا: الصليب المقدس
St-Takla.org Image: Holy Cross
صورة في موقع الأنبا تكلا: الصليب المقدس
"المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة" (غل3: 13).
وإذا تأملنا الصليب، فنحن نتأمله كقوة فاعلة، حولت الموت إلى حياة "بالموت داس الموت". حولت اللعنة الزمانية إلى بركة أبدية، حولت الخطية إلى بر، حولت العداوة إلى محبة، والظلام إلى نور أشرق في قلوب الجالسين في الظلمة وظلال الموت إشراقًا لا ينطفئ!
فكل نور يُرى بالعين يمكن أن ينطفئ، أما نور الله إذا أشرق في القلوب فلا توجد قوة في العالم يمكن أن تطفئه.
"الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوعالمسيح" (2كو4: 6).
نرى بوضوح إذن أن الصليب قوة جديدة دخلت العالم وأقوى من كل ما في العالم. حَّولت السلبيات التي كان يرزح تحتها الإنسان إلى ايجابيات ينعم بها.
فإن كان الصليب من الخارج هوانًا ولعنة، فهو في الداخل مجد وكرامة. وهذا في الواقع يعبر عن مضمون حياتنا التي نحياها في المسيح والتي يطالبنا بها الإنجيل كل يوم: "من لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا" (لو 14: 27).
الصليب هنا -بالمفهوم الإنجيلي- المطلوب منا أن نحمله كل يوم على أكتافنا كنير ثقيل، هو في حقيقته قوة حاملة للإنسان وليس ثقلًا عليه، يحول الموت الذي تملَّك الجسد بسبب الخطية إلى قيامة وحياة أبدية بسبب دم الغفران المنسكب عليه.
الصليب نواجه به ظلمة هذا العالم التي تسيطر على قلوبنا بسبب الخطيئة التي تقتحم حياتنا كل ساعة، لأنه معروف أن بقوة الصليب تموت النفس عن شهواتها، فيتحول الحزن والكآبة والندم إلى بر وابتهاج مع فرح أبدى.
وبقدر ما يكون الصليب محنة حقيقية للنفس تجوز فيها غصة الموت، بقدر ما يتجلى الصليب عن سلام يفوق العقل.
نحن ننظر إلى الصليب كممارسة وحياة، وأن كل من لم يعش صليب ربنا يسوع المسيح، فهو لم ينتقل أو يتحرك داخليًا ليذوق معنى العبور من حياة حسب الجسد لحياة حسب الروح، الصليب آلة الفصح والقوة الخفية التي تحمل الإنسان من الموت إلى الحياة.
الصليب حركة داخلية وقوة محولة، والذي لم يدخل اختبار الصليب لا يمكن أن يفهم قول القديس بطرس الرسول: "وأما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي أمة مقدسة شعب اقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب" (1بط2: 9).
وأيضًا لا يعرف كيف يحول عداوة الناس المقدمة له مجانًا إلى محبة، والحزن الذي يضغط به العالم على قلبه إلى فرح. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). أما من ارتضى أن يدخل في اختبار صليب المسيح، كنير يعيشه كل يوم بكل خسائره عن مسرة، هذا يعرف كيف تتحول الظلمة إلى نور، والحزن إلى فرح، والعداوة إلى حب، والضيق إلى مسرة وسلام.
لا يوجد في العالم كله ما يعادل فرح الصليب!!
"ودعوا الرسل وجلدوهم وأوصوهم أن لا يتكلموا باسم يسوع ثم أطلقوهم. وأما هم فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" (أع5: 40،41).
إن الفرح المتولد من عبور الألم الذي يكون على مستوى الصليب فهو يكون فرحًا متحركًا يغير ويجدد القلب والفكر والنفس إذ حينما تنقشع المحنة بكل خسائرها يلتفت الإنسان فإذا به قد عبر مرحلة ما قبل الصليب ليدخل مرحلة ما بعد الصليب، والفارق بينهما كالفارق بين الموت والقيامة: ينسلخ الإنسان من الأشياء المحسوسة لتتجلى أمامه وفى أعماقه الأشياء غير المحسوسة، وينتقل وهو في ملء الوعي لينفك من أمور الدهر الفاني.
هذا هو عجب الصليب، فالصليب هو معجزة الإنسان المسيحي التي يحياها كل يوم، هو سر المسيح. وكل من لم يدخل بعد في خبرة الصليب فهو لم يذُق بعد حلاوة المسيح ولا استمتع بعمق المسيحية.
وإذا انتبهنا نجد أن الصليب هو القالب الذي ينصب فيه الإنجيل كله. فحينما يقول المسيح "أحبوا أعدائكم" (مت5: 44)، يقولها على أساس أنك تحمل صليبه وتتقبل في نفسك موت الصليب بالإرادة، فإمكانية أن تنفتح يديك للصالبين ليطعنوا كرامتك، ويهينوا اسمك، ويسلبوا كل إمكانياتك، وقدراتك، وكل مالك، هي كلها وصايا يسوع القائمة على أساس حمل الصليب بمهارة كل يوم للمسير وراء المسيح.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;