في فصل من الإنجيل في عيد القيامة ( يو 20 ) سمعنا قول السيد المسيح له المجد لمريم المجدلية : " لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلي أبي . و لكن اذهبي إلي أخوتي و قولي لهم إني أصعد إلي أبي و أبيكم ، و إلهي و إلهكم " . فما تفسير ذلك ؟
في تفسير القديس أوغسطينوس لهذا الفصل ، قال في شرح " لا تلمسني ، لأني لم أصعد بعد إلي أبي " أي لا تقتربي إلي بهذا الفكر ، الذي تقولين فيه " أخذوا سيدي ،و لست أعلم أين وضعوه " ( يو 20 : 2 ، 13 ، 15 ) ، كأنني لم أقم ،و قد سرقوا جسدي حسب إشاعات اليهود الكاذبة .
لأني لم اصعد بعد إلي ( مستوي ) أبي في فكرك .
و معروف أنها قد لمسته ، حينما أمسكت بقدميه وسجدت له ، في زيارتها السابقة للقبر مع مريم الأخرى ( مت 28 : 1 ، 9 ) .
v v v
و الملاحظة الأخرى التي أوردها القديس أوغسطينوس هي :
قال : إلي أبى و أبيكم ، ولم يقل إلي أبينا . و قال : إلي إلهي و إلهكم ، و لم يقل إلهنا مفرقاً بين علاقته بالآب ، و علاقتهم به .
فهو أبي من جهة الجوهر والطبيعة و اللاهوت ، حسبما قلت من قبل " أنا و الآب واحد ط ( يو 10 :30 ) . واحد في اللاهوت و الطبيعة و الجوهر . لذلك دعيت في الإنجيل بالابن الوحيد ( يو 3 : 16 ، 18) ( 1 يو 4 : 9 ) . أما أنتم قد دعيتم ابناء من جهة الإيمان " و أما كل الذين قبلوه ، فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه " (يو 1 : 12 ) . و كذلك أبناء من جهة المحبة كما قال يوحنا الرسول " انظروا أية محبة أعطانا الآب ، حتى ندعي أولاد الله " ( 1 يو 3 : 1 ) . و باختصار هي بنوة من نوع التبني ، كما قال بولس الرسول "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف ، بل أخذتم روح التبني ، الذي به نصرخ يا أبانا ، الآب " ( رو 8 : 15 ) . و قيل " ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني " ( غل 4 : 5 ) [ أنظر أيضاً ( رو 9 :5 ) ، (أف 1 : 5 ) ] .
إذن هو أبي بمعني ، و أبوكم بمعني آخر .
و كذلك من جهة اللاهوت .
هو إلهكم من حيث هو خالقكم من العدم .
و من جهتي من حيث الطبيعة البشرية ، إذ أخذت صورة العبد في شبه الناس ن و صرت في الهيئة كإنسان ( في 2 : 7 ، 8 ) .
هنا المسيح يتحدث ممثلاً للبشرية ، بصفته ابن الإنسان .
يبدو أن حماس الكل للاهوت المسيح ، يجعلهم أحياناً ينسون ناسوته . فهو قد اتحد بطبيعة بشرية كاملة ، حتي يقوم بعمل الفداء . و شابه ( أخوته ) في كل شئ ، حتي يكفر عن خطايا الشعب ( عب 2 : 17 ) . قال القديس بولس لتلميذه تيموثاوس " يوجد إله واحد و وسيط واحد بين الله و الناس ، الإنسان يسوع " ( 1 تي 2 : 5 ) . هنا يقوم بعمل الوساطة كإنسان ،لأنه لا بد أن يموت الإنسان . و نفس التعبير يقوله أيضاً في الرسالة إلي كورنثوس في المقارنة بين اَدم و المسيح " الإنسان الأول من الأرض ترابي ، و الإنسان الثاني الرب من السماء " ( 1كو 15 : 47 ) . فهنا يتكلم عنه كإنسان ، و رب . اتحد فيه الناسوت مع اللاهوت في طبيعة واحدة هي طبيعة الكلمة المتجسد .
من حيث الطبيعة البشرية ، قال : إلهي و إلهكم ، مميزات العلاقتين .
و الدليل علي أنه كان يتكلم من الناحية البشرية إنه قال للمجدلية " اذهبي إلي أخوتي " فهم أخوة له من جهة الناسوت ، و ليس من جهة اللاهوت . و كذلك قوله " اصعد إلي أبي و أبيكم " ، فالصعود لا يخص اللاهوت إطلاقاً ، لأن الله لا يصعد و لا ينزل ، لأنه مالئ الكل ، موجود في كل مكان . لا يخلو منه مكان فوق ن بحيث يصعد إليه . فهو يصعد جسدياً . كما نقول له في القداس الغريغوري " و عند صعودك إلي السماء جسدياً .." .
كذلك هو يكلم أناساً لم ينموا في الإيمان بعد .
يكلم امرأة تريد أن تلمسه جسدياً ، لتتحقق من قيامته و تنال بركة و يتكلم عن تلاميذ لم يؤمنوا بقيامته بعد ( مر 16 : 9 – 13 ) ... فهل من المعقول أن يحدثهم حينئذ عن لاهوته ؟!