قال السيد المسيح " مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك ، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم " ( يو 17 : 5 ) . و هنا يسأل الأريوسيون : هذا الذي يطلب من الآب أن يمجده ، هل من المعقول أن يكون مساوياً للآب الذي يمجده ؟
1-هذه العبارة ذاتها تثبت لاهوت المسيح .
فهو يقول " المجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم ". إذن فهو موجود قبل كون العالم ، و موجود في مجد . ذلك لأن العالم به كان ، بل كل شئ به كان ( يو 1 : 10 ، 3 ) . أما هذا المجد الذي كان له عند الآب ،فهو أنه " بهاء مجده ، و رسم جوهره " ( عب 1 : 3 ) . و لاشك أن هذا يعني المساواة ...
2- إن كان الآب يمجد الابن ، فالابن يمجد الآب أيضاً .
فهو قبل عبارة " مجدني " يقول " أنا مجدتك علي الأرض " ( يو 17 : 4 ) إذن هو تمجيد متبادل بين الآب و الابن . لذلك هو يقول في بدء هذه المناجاة " أيها الآب قد أتت الساعة . مجد ابنك ، ليمجدك ابنك أيضاً " ( يو 17 : 1 ) .
3- و هنا نسأل ما معني التمجيد ، إذا ذكر عن الآب أو عن الابن ؟!
بل ما معني أن البشر أنفسهم يمجدون الله ؟ كما يقول الرسول " مجدوا الله في أجسادكم و في أرواحكم التي هي لله " ( 1 كو 6 : 20 ) . أو كما يقول الرب في العظة علي الجبل " ليروا أعمالكم الحسنة ، و يمجدوا أباكم الذي في السموات " ( مت 5 : 16 ) .
4- تمجيد الله لا يعني اعطاءه مجداً ليس له !! حاشا . إنما معناه الاعتراف بمجده أو اظهار مجده .
فعبارة " أنا مجدتك علي الأرض " معناها : أظهرت مجدك ، أعلنته ، جعلتهم يعترفون بمجدك . عرفتهم اسمك . أعطيتهم كلامك " ( يو 17 ) .
تماماً مثل عبارة " باركوا الرب " أي اعترفوا ببركته ، أو اعلنوا بركته . و هكذا قول السيد المسيح " أيها الآب مجد اسمك " ( يو 12 : 28 ) ، أي أظهر مجده ، أعلنه ز و بنفس الوضع إجابة الآب " مجدت ، و أمجد أيضاً " ، أي أظهرت ذلك . كذلك عبارة " مجدني " لا تعطني مجداً جديداً ، فهو مجد كان لي عندك قبل كون العالم . فما معناها ؟
5- تعني إظهر هذا المجد الذي احتجب بإخلاء الذات ( في 2 : 7 ) .
حينما أخذت شكل العبد ، و صرت في الهيئة كإنسان " لا صورة له و لا جمال . محتقر و مخذول من الناس " ( أش 53 : 2 ، 3 ) . إذن يتمجد يعني يسترد المجد الذي أخلي ذاته منه ، الذي حجبه بتجسده . اسمح الآن – بعد الصليب ، وفي الصعود – أن فترة الإخلاء تنتهي لأن " العمل الذي أعطيني لأعمل قد أكملته " ( يو17 : 4 ) .
6- اسمح أن الناسوت يشترك مع اللاهوت في المجد .
و هكذا يشير الرسول إلي " جسده مجده " ( في 3 : 21 ) ... هذا الجسد الممجد الذي صعد به إلي السماء ليجلس عن يمين الآب .
7-مجده ، يشير أيضاً إلي صلبه .
الذي اتحد فيه مجد الحب الباذل ، ومجد العدل المتحد بالرحمة . مجده حينما ملك علي خشبة ( مز 95 ) ، و اشترانا بثمن . و هكذا نرتل له يوم الجمعة العظيمة قائلين " لك القوة و المجد .. عرشك يا الله إلي دهر الدهور " ( مز 45 : 6 ) ( عب1 : 8 ) . لهذا لما خرج يهوذا ليسلمه قال " الآن تمجد ابن الإنسان ، و تمجد الله فيه " ( يو 12 : 31 ) . أي بدأ مجده كمخلص و فاد و محب .. و قال بعدها " فإن كان الله قد تمجد فيه ، فإن الله سيمجده في ذاته ، و يمجده سريعاً " .
8- نلاحظ ذلك ايضاً في علاقة الابن بالروح القدس :
قال عن الروح القدس " ذاك يمجدني ، لأنه يأخذ مما لي و يخبركم " ( يو 16 :14 ). يمجدني هنا ، لا تعني أن الروح القدس أكبر من الابن فيعطيه مجداً ، لأن الابن يقول عنه " يأخذ مما لي " . و لا تعني أن الابن أعظم ، فهما أقنومان متساويان . إنما تعني يظهر مجده للناس .
9- وظهر ذلك أيضاً من جهة استجابة الآب للصلاة عن طريق الابن .
إذا قال الرب لتلاميذه " و مهما سألتم باسمي ، فذاك افعله . ليتمجد الآب بالابن " ( يو 14 : 13 ) . يتمجد الآب تعني يظهر مجده في استجابته ز و عبارة بالابن ، لأن الصلاة باسمه ، اي عن طريقه ...
10- إن الله لا يزيد و لا ينقص .
سواء من جهة المجد أو غيره . لا يزيد ، لأنه لا يوجد أزيد مما هو فيه . لا يأخذ مجداً أزيد ، لأن طبيعته لا حدود لها . و لا ينقص ، لأن هذا ضد كمال لاهوته ...
فعبارة مجدني لا تعني أعطني مجداً ليس لي ، إنما أظهر مجدي الأزلي و بالمثل عبارة " مجدتك " ، و كل تمجيد متبادل بين الأقانيم .