كتاب رحلة إلى قلب الإلحاد، الجزء الأول: الإلحاد.. بذار ورجال - أ. حلمي القمص يعقوب
20- آدولف هتلر (1889-1945م.)
س33: كيف تأثر هتلر بمسقط رأسه، وبنظرية التطوُّر، وفكر نيتشه؟ ولماذا أحرق اليهود؟
ج: وُلِد " أدولف ألويس هتلر " في 20 أبريل سنة 1889 في بلدة " برادانو " أعلى النمسا وبالقرب من الحدود البافارية، وهذه البلدة تفصل سياسيًا بين شعبين من الألمان، ولذلك لمع في ذهنه أنه من الواجب عليه توحيد الشعوب الألمانية، وهذا ما سعى إليه في حياته. وُلِد هتلر من أبوين كاثوليكيّين، هما" "الويس هتلر" و"كلارا بولزل " اللذان أنجبا ستة أبناء، مات منهم أربعة وتبقى " أدولف "وأخته الصغرى " باولا"، ولذلك كانت أمه تحبه حبًا مفرطًا، وقد أمضى " هتلر " طفولة مضطربة، لأن أبيه كان عنيفًا في معاملته له ولأمه، حتى أن " هتلر " قال فيما بعد " عقدت -حينئذ- العزم على ألاَّ أبكي مرة أخرى عندما ينهال عليَّ والدي بالسوط. وبعد ذلك بأيام، سنحت لي الفرصة كي أضع إرادتي موضع الاختبار. أما والدتي، فقد وقفت في رعب تحتمي وراء الباب. أما أنا فأخذت أحصي في صمت عدد الضربات التي كانت تنهال على مؤخرتي".
St-Takla.org Image: Adolf Hitler as a baby (1889/1890 ca.), from German Federal Archives
صورة في موقع الأنبا تكلا: أدولف هيتلر وهو طفل صغير (1899-1890 تقريبًا)، من الأرشيف الفدرالي الألماني
ودرس " هتلر " في مدرسة كاثوليكية، وفي طفولته زار كنائس كاثوليكية، وكانت أمنية الأب الذي يعمل موظفًا بسيطًا في مصلحة الجمارك أن يرى ابنه موظفًا في الحكومة، ولكن ميول الابن كانت تتجه بقوة نحو الفن (الرسم)، وفي نحو الثالثة عشرة مات أبوه في يناير 1903م، وفي السادسة عشر ترك " هتلر " المدرسة الثانوية دون الحصول على شهادته. وفي نحو الثامنة عشر لحقته أمه التي أصيبت بالسرطان، وكانت قد أُجريت لها جراحة بإزالة أحد ثدييها، ولم تعد تتحمل صعود السلم فأجر لها ابنها أدولف الذي كان يحبها جدًا شقة بالطابق الأول، وكان الطبيب المعالج لها يهوديًا، وربط "جوشيم ريكر " في كتابه "التاسع من نوفمبر - كيف قادت الحرب العالمية الأولى إلى المحرقة" بين هذا الطبيب اليهودي "إدوارد بلوخ" الذي حقن أم هتلر بمادة "ابودوفورم" وهي مادة خطرة، وكانت تستعمل حينذاك لعلاج السرطان، مما أدى إلى تسممها وموتها سنة 1907م ولها من العمر 47 عامًا، وبين كراهية هتلر لليهود، فقال "هتلر" أن اليهود جميعهم مرضى، وعليه (على هتلر) أن يكون الطبيب المداوي.
وصار أدولف هتلر وحيدًا بعد موت والديه، ولم يكمل تعليمه الثانوي بعد، فنزل إلى ساحة العمل ليكسب قوته، وترك "برادناو" واتجه إلى "فيينا" حتى يمكنه أن يعمل ويدرس في آن واحد، فعكف على رسم المناظر الطبيعية والبيوت وبيعها إلى التجار والسائحين، كما كانت الحكومة تصرف له راتبًا ضئيلًا لأنه بلا عائل، وقد رُفد مرتين من مدرسة فيينا للفنون الجميلة، وتوقفت إعانته المالية من الحكومة، فنزل ليعمل كعامل في البناء، ومن ثمَّ عرف هتلر معنى الجوع والفقر والحرمان، وفي عام 1909م عاش " هتلر " في مأوى للمشردين، وفي سنة 1910م أستقر في منزل يسكن فيه فقراء العمال، والأوضاع المتردية للعمال جعلته يهتم بأخبار السياسة، وتأثر بشخصية "شنيرر" Schonerer صاحب فكرة الوحدة الجرمانية، وأيضًا شخصية "ليجر"Luger عمدة فيينا ومؤسس الحزب المسيحي الاشتراكي، وفي خلال عمله في أعمال البناء كان يدخل في مجادلات حول الماركسية، وقد أقتنع تمامًا أنها لا تُصلح الشعوب ولا تُسعِدها، مما حدا بزملائه الماركسيين في العمل إلى محاولة التخلص منه بقذفه من أعلى المباني التي ينشئونها، وفي عدة مرات أرغموه على ترك العمل، ومن كثرة مساجلاته مع العمال فهم طريقة تفكيرهم ونفسيتهم ومزاجهم، وتعلّم كيف يملك زمام الحديث معهم، وكيف يقنعهم بأفكاره، وأدرك أن العامل الألماني ليس منحط النفس، بخس المعدن، ماركسي النزعة، ولكنه وقع فريسة للدعاية للماركسية.
وفي أبريل 1914م ترك "آدولف هتلر" فيينا واتجه إلى ميونخ عاصمة بافاريا، ومركز الفنون، فذهب ليحقق رغبته في ممارسة الفن من جانب، ومن جانب آخر يتفادى التجنيد الإجباري، ومع هذا تم القبض عليه من قبل الجيش النمساوي، ولكنه أُعفي من الخدمة العسكرية لعدم لياقته الطبية، وفي أغسطس من نفس العام أُعلنت الحرب العالمية الأولى فتطوَّع في الفرقة السادسة عشرة بالجيش الألماني، وعمل كساعي بريد، وهو عمل غير مُحبَّب بسبب التعرض الكثير لنيران العدو، وفي أكتوبر سافر مع فرقته إلى ميدان القتال وهو يشعر أنه محظوظ أن يخدم في الجيش الألماني الذي يعتبر المثل الأعلى للوحدة الألمانية، وكتب في كتابه " كفاحي " يقول أنني عندما سمعتُ خبر إعلان الحرب العالمية الأولى " جثوت على ركبتي وشكرت السماء من كل قلبي، والتي جعلتني أعيش في الزمان الذي جعل فيه ما يحصل الآن" (1). صار هتلر جنديًا شجاعًا مُطيعًا، وحصل على وسام " الصليب الحديدي " من الدرجة الثانية سنة 1914م، ومن الدرجة الأولى سنة 1918م غير أنه لم يُرقىَ، لأنه أُجري له تحليلًا نفسيًّا فاتضح أنه مضطرب عقليًا وغير مؤهل لقيادة مجموعة من الجنود، ثم أُصيب بشظية قنبلة إصابة بالغة فلزم المستشفى عدة شهور، وبعد شفائه تطوَّع للخدمة العسكرية مرة ثانية وبقى فيها حتى سنة 1918م، ولكن أُصيب مرة ثانية بغاز الفوسجين، وكاد يفقد بصره فعاد إلى المستشفى، وفي 9 نوفمبر 1918م وقفت ألمانيا على " معاهدة فرساي " التي حملت ألمانيا مسئولية الحرب، وأرغمتها على دفع تعويضات للمتضررين، وأعادت بولندا للوجود، فكان هذا بمثابة هزيمة ساحقة للشعب الألماني زلزلت كيان آدولف هتلر الذي كان يعتقد أن الجيش الألماني لا يُهزم، فقد كان " هتلر " متحمسًا أشد الحماس للدفاع عن ألمانيا، بالرغم من أنه لم يصبح مواطنًا ألمانيًا حتى سنة 1932م وألقى باللوم على الساسة، ومن هذا اليوم عزم على النزول لميدان الكفاح السياسي.
St-Takla.org Image: Adolf Hitler in early 1920's (ca. 1920 - 1924)
صورة في موقع الأنبا تكلا: أدولف هتلر في أوائل العشرينات من القرن العشرين (حوالي 1920-1924)
كما تأثر " هتلر " بنظرية داروين، فشجع فكرة الصراع بين الأجناس مقتنعًا بأن البقاء للأصلح، حتى أنه طالب بإبادة الضعفاء حتى يكون المجتمع أصح وأفضل وأقوى مما هو عليه، وأيضًا طالب بإعدام السلالات الضعيفة من البشر واستيلاد سلالات قوية، ويقول المؤرخ " هيكمان " عن هتلر: "لقد كان مؤمنًا راسخًا بالتطوُّر ومبشرًا به، وأيًّا كانت عقده النفسية الأعمق والأغوص، فأنه من المؤكد أن (فكرة الصراع كانت مهمة بالنسبة له) لأن في كتاب " كفاحي " Mein Kampt بيَّن بوضوح عددًا من الأفكار التطوُّريَّة، وخاصة تلك التي تؤكد على الصراع، والبقاء للأصلح، وإبادة الضعفاء لإنتاج مجتمع أفضل" (2).
وقد تشبَّع "هتلر" بفكر "نيتشه" الذي ركز كل اهتمامه وكتاباته في مقولة " لقد مات الله " مع الإشادة بفكرة " الإنسان السوبرمان"، وأقتنع هتلر بالإنسان السوبرمان، فراح يشعل العالم كله من خلال الحرب العالمية الثانية، وهو غارق في أحلام العظمة والسوبرمان، وتأكد للجميع أن فلسفة نيتشه التي تدعو للقسوة والعنف هي وراء النازية.
وتأثر أيضًا " هتلر " بما كتبه "مارتن لوثر" من دراسة بعنوان "عن اليهود وأكاذيبهم" وكراهية لوثر لليهود، ووصفه إياهم بذرية الأفاعي، وكتب " فيلهلم روبك " عقب " الهولوكوست " يقول "مما لا شك فيه أن مذهب مارتن لوثر كان له تأثير على التاريخ السياسي والروحي والاجتماعي في ألمانيا"، وفي سنة 1923م قال " هتلر " في خطابه في ميونخ " أول ما يجب أن نفعله هو أن ننقذ ألمانيا من اليهود الذين يخربون بلادنا.. علينا أن نحمي بلادنا من المعاناة التي عاناها الذي مات على الصليب" (3) وكره "هتلر " اليهود، فعندما كان في فيينا كان هناك جالية كبيرة من اليهود، وأعتبرهم " هتلر" أنهم أعداء الجنس الآري، وألقى اللوم عليهم في هزيمة الجيش الألماني في الحرب العالمية الأولى، وأتهمهم بأنهم السبب في المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها ألمانيا، وأنهم حطموا آمال ألمانيا التوسعية، ولم يتورع عن حرق الملايين منهم، ولم يرحم حتى النساء والأطفال منهم.
ويقول "جون تولاند " في كتابه " آدولف هتلر: سيرة الحياة الأكيدة": "لازال (هتلر) عضوًا مميزًا في كنيسة الروم الكاثوليك، وعلى الرغم من كرهه للقائمين عليها، فأنه لا يزال يحمل تعاليمها عن أن اليهود هم قتلة الإله، ولذلك كان القضاء عليهم ممكنًا بدون أي تفكير ضميري، ومن مبدأ كونه اليد التي تنتقم لله، وبذلك يتم الموضوع كما لو أنه ليس شخصيًا وليس فيه أي ظلم" (4)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وهكذا تعفي النازية الإنسان من المسئولية الأخلاقية، وتجرده من الشعوب بالذنب. كما قيل عن " هتلر " أنه كان ضد المسيحية، ففي سنة 1941م سجل سكرتيره الخاص أن " هتلر " أوضح " أن الضربة الأقوى التي أصابت الإنسانية هي قيام المسيحية. المسيحية هي الطفل الغير الشرعي للبلشفية، وكلاهما من اختراع اليهود. إن الكذبة المدبَّرة فيما يختص بالدين هي ما قدمته المسيحية للعالم.. إن السبب الحقيقي في كون العالم القديم نقيًّا وصادقًا ومضيئًا هي أنهم لم يعرفوا السوطين الرئيسيين.. الطاعون والمسيحية" (5).
س34: كيف جر أدولف هتلر العالم كله إلى ويلات الحرب العالمية الثانية؟
St-Takla.org Image: Hitler as a soldier during the First World War (1914 - 1918), Hitler is sitting right, from German Federal Archives
صورة في موقع الأنبا تكلا: أدولف هتلر وهو جندى في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وهو جالس إلى اليمين، من الأرشيف الفدرالي الألماني
ج: بعد الهزيمة الساحقة للقوات الألمانية في الحرب العالمية الأولى، كان لابد للألمان من البحث عن كبش فداء، فكان كبش الفداء هم اليهود والشيوعيين والساسة، وصار " هتلر " يخطب في الجنود ويحرضهم على كراهية اليهود، وقد تدرب " هتلر " على فن الخطابة، حتى صار خطيبًا مفوَّهًا يأخذ بألباب ومشاعر سامعيه، وكان يضرب بيده على المنصة، وهو يحدث الناس بما يريدون أن يسمعوا منه مثل الخيانة التي أدت لاستسلام ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، والخطة اليهودية الماركسية لغزو العالم. وفي سنة 1919م ألتحق "هتلر " بحزب العمال الألمان الوطني، وفي مذكرة كتبها لرئيسه حينذاك قال فيها " يجب أن نقضي على الحقوق المتاحة لليهود بصورة قانونية مما سيؤدي إلى إزالتهم من حولنا بلا رجعة " وفي السنة التالية تم تسريح " هتلر " من الجيش وتفرغ للعمل في الحزب، وتدرج فيه، حتى صار رئيسًا له، وغير اسمه إلى " حزب العمال الألمان الاشتراكي الوطني " وتم اختصار الاسم في كلمة واحدة، وهي كلمة " نازي " وأتخذ الحزب الصليب المعكوف شعارًا له، وصارت التحية الرومانية بمد الذراع للأمام هي تحية رجال الحزب، وقامت الأجهزة الإعلانية بالحزب بالترويج لهتلر مبعوث العناية الإلهيَّة الذي سينقذ ألمانيا من الكساد الاقتصادي، ومن الحركات الشيوعية، ومن الخطر اليهودي، فاقتنع الألمان بهذا، ولا سميا أن البوليس السري " جيستابو " مع معسكرات التهجير والإبادة قد أشاعوا الرعب في قلوب الجميع، وسحر " هتلر " شعبه بفكرة الرسالة. وأذاب إرادة الفرد في إرادة الجماعة، وأذاب إرادة الجماعة في إرادة التاريخ، فأظهر لشعبه أنهم الضحية البريئة للدول الأخرى، ولأن " هتلر " كان من أسرة متواضعة كان يخفي نشأته وأصوله قائلًا لا أحد يعرف من أين جئتُ؟ ولكنني جئتُ لأنقذ الأمة الألمانية، وأجاد "هتلر " فمن الخطابة أمام الحشود الكبيرة، ففي فبراير سنة 1921م خطب في ميونخ أمام حشد يضم ستة آلاف فرد، وجاءت خُطبه دائمًا مناهضة للماركسيينولليهود. هذه الكراهية المتأصلة لليهود تطوَّرت فيما بعد سنة 1941م إلى عمليات إبادة جماعية عن طريق التسمم بالغاز، ثم حرق الجثث في معسكرات الاعتقال، حتى أباد " هتلر " ستة ملايين شخص يهودي.
وفي 2 أغسطس سنة 1934م مات " باول فون هيندنبرج " رئيس الدولة الألمانية، فخلَّفه " هتلر " بالإضافة إلى عمله الأساسي كمستشار لألمانيا، وفي السنة التالية مباشرة بدأ " هتلر " يتخذ الإجراءات التعسفية الشديدة مع اليهود، فحرمهم من حق المواطنة الألمانية، وفصلهم من الأعمال الحكومية، وأمر بتمييزهم بأن يضع كل واحد منهم نجمة صفراء على ملابسه، فأسرع بعض اليهود بمغادرة ألمانيا، فوصل عدد من غادروها 180 ألف يهودي ألماني. أما بقية اليهود فكم ندموا لأنهم لم يتركوا ألمانيا مع أخوتهم الذين تركوها.
واستطاع " هتلر " بحكمة النازي القوي أن يخطو خطوات واسعة تجاه الانتعاش الاقتصادي والنهضة بالصناعات الألمانية، حتى أنه لم يكن هناك مواطن ألماني بلا عمل، وجدَّد خطوط السكك الحديدية، وأهتم بالطرق السريعة التي تسير عليها المركبات، وأقام عشرات الجسور لسهولة الربط بين شبكة المواصلات، كما اهتمت حكومة " هتلر " بفن العمارة على نطاق واسع، وفي سنة 1936م قامت " برلين " باستضافة دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية التي أفتتحها " هتلر"، ووُضعت أناشيدها وألحانها التي تُظهر تفوق الجنس الآري على جميع الأجناس الأخرى، مما رفع من شعبية " هتلر " إلى عنان السماء.
St-Takla.org Image: Adolf Hitler, 20 April 1937, from German Federal Archives
صورة في موقع الأنبا تكلا: أدولف هتلر، 20 إبريل 1937، من الأرشيف الفدرالي الألماني
وفي أكتوبر سنة 1936م تحالف هتلر مع " بينيتو موسوليني " حاكم إيطاليا الفاشستي، ثم ضم معه اليابان، وهنغاريا، ورومانيا، وبلغاريا، وفي نوفمبر سنة 1937م عقد " هتلر" اجتماعا سريًّا مع مستشاريه، وأفصح لهم عن رغبته في توسيع رقعة ألمانيا الجغرافية، وطالب بوضع خطة سرية لهذا التوسع، لا يُعلن عنها، وضغط " هتلر " على النمسا لتتحد معه، ورغم أن بريطانيا بذلت مساعي جادة لإخماد شعلة الحرب التي يسعى إليها " هتلر" بكل قوته، فإن " هتلر " كان مصرًا على موقفه في تكوين إمبراطورية ألمانية تمثل القوة الأولى في العالم، ولهذا أعتبر بريطانيا العدو الأول له بدلًا من الإتحاد السوفيتي، ووضع خطة لتطوير القوات البحرية والجوية بخطوات واسعة بهدف سحق البحرية الملكية البريطانية، وإبادة المدن وسفن الشحن البريطانية، وأطلق " هتلر " حملة دعائية ضخمة ضد بريطانيا التي تقمع انتفاضة العرب في فلسطين، وسياستها في الهند متهمًا إياها بالنفاق، مقابل الحفاظ على إمبراطوريتها، وفي يناير سنة 1939م أصدر " هتلر " أوامره بقتل جميع الأطفال المعاقين الذين يولدون في ألمانيا تحت مُسمى " برنامج القتل الرحيم"، وفي نفس الشهر ألقى خطابه الشهير المعروف بخطاب النبؤة، والذي قال فيه بأنه في الماضي عندما تنبأ بأنه سيصل إلى السلطة " كان اليهود هم أول من قابل نبوءاتي بقدر من السخرية خاصة عندما صرحت بأنني سأتولى زعامة الدولة في يوم من الأيام، وزعامة الأمة بأسرها، وأنني سأتمكن حينها من تسوية مشكلة اليهود وأقوم بالكثير من الأمور الأخرى، وكانت ضحكاتهم صاخبة " ثم أطلق " هتلر" "نبؤة أخرى " مهددًااليهود بأنه لو نجحت القوى الألمانية اليهودية خارج أوربا لإقحام الأمم في حرب عالمية جديدة، فإن هذا سيكون بمثابة إهلاك العرق اليهودي في أوربا، فقد كان " هتلر " يبوح بآماله في القضاء على اليهود، وهذا ما سعى إليه وبدأ في تنفيذه سنة 1941م.
وكان " هتلر " قد أعدَّ جيشه، وبدأ في تنفيذ الخطة السرية بخطوات واسعة، ففي مارسسنة 1939م غزا تشيكوسلوفاكيا ووصل للعاصمة التشيكية " براغ"، وبعد نحو خمسة أشهر أراد أن يُحيّد الإتحاد السوفيتي ويُخرِجه من الساحة، فعقد مع " ستالين " معاهدة "عدم الاعتداء " في أغسطس 1939م، فلا يعتدي أحدهما على الآخر، وكان من البنود السرية لهذه المعاهدة الاتفاق على تقسيم بولندا بينهما، ومع بداية سبتمبر قام " هتلر " بغزو بولندا بدون حرب، لأنه عرف بالتجسس المكان البديل للحكومة والقيادات البولندية ساعة نشوب الحرب، فسيطر على هذا المكان، فسقطت بولندا في يده بدون حرب، فلم يجد الإنجليز والفرنسيين بدًا من إعلان الحرب على ألمانيا وتوسعاتها غير المشروعة، أما " هتلر " فلم يتوقف عند حد، ففي شهر أبريل سنة 1940م غزا كل من الدنمارك والنرويج، وفي شهر مايو هاجم هولندا وبلجيكا وحارب فرنسا، التي ما لبست أن انهارت أمام القوات الألمانية خلال ستة أسابيع فقط، وهاجمت القوات الألمانية الجوية القواعد الجوية ومحطات الرادار البريطانية، ولكنها فشلت في هزيمتها، فأخذت تقصف المدن البريطانية ليلًا. وفي أبريل سنة 1941م قام " هتلر " بغزو يوغوسلافيا واليونان، وفي ذات الوقت كانت القوات الألمانية في شمال أفريقيا بقيادة المارشال " أروين روميل " قد كبدت القوات البريطانية خسائر فادحة، حتى أنها أسرت منهم في طبرق ثمانية وعشرين ألف جندي، مما دعى القوات البريطانية لمواصلة انسحاباتها حتى إلى العلمين، وخندقت فيها، وبدأت الإمدادات الأمريكية تتدفق عليها من البحر، دبابات ومدافع وطائرات بلا حصر، بل وإمدادات بشرية أيضًا من فرنسا وأمريكا وروسيا واليونان ونيوزيلندا وأستراليا وتركيا والهند وجنوب أفريقيا، فكل هؤلاء يسعون إلى تفشيل خطة القوات الألمانية التي تسعى للوصول إلى قناة السويس والشرق الأوسط.
St-Takla.org Image: March past of the Nazi stormtroopers with faszistischem greeting before their leader Adolf Hitler (right standing in the picture in the car) on the square in Weimar, October 1930, photo: Georg Pahl, from German Federal Archives
صورة في موقع الأنبا تكلا: مسيرة أدولف هتلر أمام الجنود مع التحية الفاشية لهيتلر (وهو يقف في العربة)، في ميدان ويمار، أكتوبر 1930، تصوير جورج باهل، من الأرشيف الفدرالي الألماني
وفي غمرة هذه الانتصارات المذهلة التي حققتها ألمانيا، نقض " هتلر" معاهدة عدم الاعتداء " التي عقدها مع " ستالين"، ففي يونيو سنة 1941م قام ثلاثة ملايين جندي ألماني بمهاجمة الأراضي الروسية في أوروبا، تمهيدًا لخطة أوسع لإخضاع العالم للإمبراطورية الألمانية، ولم يُقابل الألمان مقاومة تذكر، لأن " ستالين " كان قد أعدم عدد ضخم جدًا من جنرالات الجيش، واستولت ألمانيا على دول البلطيق وروسيا البيضاء وأوكرانيا وخرجت المظاهرات في أنحاء روسيا تهتف للقوات الألمانية، وتنظر إليها على أنها المخلص الذي سينقذها من قبضة "ستالين " والشيوعية، أما القوات الألمانية التي لا ترحم فقد دخلت القرى الروسية وأحرقتها بكل ما فيها ومن فيها، حتى أن الإتحاد السوفيتي بلغت خسائره خلال الحرب العالمية الثانية من نحو 21 إلى 28 مليون شخص، وبينما كانت تمثل القوات الألمانية تهديدًا قويًا لموسكو حلَّ فصل الشتاء القاسي فتوقف القتال الألماني، على أمل استمرار الزحف إلى موسكو، وكان " هتلر " واثقًا من هذه الخطوة القادمة، حتى أنه عندما سأله " هيترش هيلمر": "ماذا سنفعل مع يهود روسيا؟ " أجابه " هتلر": "قم بإبادتهم على أنهم أعضاء القوات غير النظامية التي تزعج القوات الألمانية المحتلة بشن الغارات المتكرَّرة عليها " وتم تسجيل هذا في دفتر المقابلات.
ونجح " ستالين " في شحذ همم الجيش الروسي والشعب الروسي للدفاع عن وطنه، ومع بداية الصيف أشتعلت نيران الحرب الألمانية الروسية، وبعد ستة أيام من اقتراب القوات النازية من موسكو، ومرور أربعة أيام على ضرب القوات اليابانية للأسطول الأمريكي في ميناء " بيرل هاربور " في هاواي، أعلن " هتلر " الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية في 11 ديسمبر 1941م، ولكن نتائج معركة ستالينجراد حيث حطمت القوات الروسية الجيش السادس الألماني، قلب الموازين رأسًا على عقب.
لقد نجحت القوات الروسية في إلحاق الهزيمة الأولى للقوات الألمانية، ولم تكتفي القوات الروسية بتحرير أراضيها من الألمان، إنما زحفت تجاه الأراضي الألمانية.
وأيضًا ما حطم آمال " هتلر " هو نتائج معركة العلمين، فبعد أن كاد " روميل " يعبر إلى مصر عندما نجح في فتح ثغرة في قوات التحالف، وتسرَّع وأعلن انتصاره على الحلفاء وأن قواته في طريقها إلى وادي النيل، جاءت المعركة الفاصلة في 23 أكتوبر 1942م إذ أغارت ألف طائرة من طائرات الحلفاء على الطائرات الألمانية، ولم يكن هناك غير 550 طائرة ألمانية تحط في المطارات ومعظمها معطل ولا وقود لها، وفي 2 نوفمبر 1942م كانت معركة الدبابات الفاصلة أيضًا حيث تحطمت 260 دبابة ألمانية وإيطالية، ونجح " روميل " في الانسحاب المنظم مستخدمًا وسائل النقل المتاحة، بينما سقطت القوات الإيطالية في الأسر، وبهذا فشلت القوات الألمانية في الوصول إلى قناة السويس والشرق الأوسط.
St-Takla.org Image: The gesture of the right hand and a finger! Typical gestures speakers in which the movement of the right hand underlines the high point in the remarks of the speaker. The leader of the National Socialist Adolf Hitler in a typical Rednerpose. Photography prior to August, 1927. Photographer: Heinrich Hoffmann, from German Federal Archives
صورة في موقع الأنبا تكلا: حركة اليد اليُمنى و الإصبع! وفيها توضح اليد النقطة الكبرى في الحديث، وهو شكل معتاد لأدولف هتلر، تصوير هاينريش هوفمان قبل أغسطس 1927، من الأرشيف الفدرالي الألماني
وفي سنة 1943م تم الإطاحة بـ"موسوليني " حليف " هتلر"، وفي 6 يونيو1944م وصلت القوات البريطانية إلى الشواطئ الشمالية الفرنسية، وفي نفس اليوم تمت عملية إنزال جيوش الحلفاء الغربيون في شمال فرنسا، وكانت هذه العملية من أكبر العمليات البرمائية التي حدثت في تاريخ العسكرية، وشعر القادة الألمان أن الهزيمة على الأبواب، فقرروا الخلاص من " هتلر"، فقام " كلاوس فون " بزرع قنبلة في مركز قيادة " هتلر " والذي عُرف بوكر الذئب، ونجا " هتلر " من الموت بأعجوبة، وكان رد فعله شديدًا إذ أصدر حكم بإعدام أكثر من 4900 شخص، وذلك عن طريق التجويع في الحبس الانفرادي ثم الاختناق البطيء، فهذه هي ثمرةأفكار "نيتشه" الإلحادية، واستمر " هتلر " في عناده واستخفافه بالحقائق العسكرية، وظل مستمرًا في إحراق اليهود.
وفي ديسمبر 1944م تمكنت قوات الحلفاء من الوصول إلى نهر الراين، وفي أبريل1945م هاجمت القوات الروسية ضواحي برلين، وكان معاوني " هتلر " قد هربوا إلى بافاريا والنمسا، فأمر " هتلر " بتدمير كل شيء، المصانع الحربية، والمنشآت العسكرية، وخطوط المواصلات والاتصالات.. إلخ. وفي وصية عيَّن " هيتريك هيلمر " مستشارًا لألمانيا عوضًا عنه، وفي أبريل سنة 1945م كان " هتلر " في قبو من أقبية برلين فانتحر وانتحرت معه عشيقته " إيفا براون " التي تزوجها في اليوم السابق، وقام " أوتوجونش " وبعض الضباط المعاونين بسكب البنزين على الجثتين وإحراقهما.
وبسبب تجرأ اليابان على تحطيم الأسطول البحري الأمريكي تجرأت أمريكا واستخدمت لأول مرة السلاح النووي، فألقت بقنبلتين على اليابان، الأولى في 6 أغطس 1945م على هيروشيما، والثانية في 9 أغسطس من نفس العام على نجازاكي، وعندما انفجرت قنبلة هيروشيما على ارتفاع 600 متر من الأرض ظهر مكان الانفجار كرة نارية أخذت في الاتساع، ووصلت درجة حرارتها إلى ملايين الدرجات المئوية، وكأنها قطعة من الشمس سقطت على الأرض، وأحدث الانفجار موجة شديدة من الضغط الذي حطم مباني المدينة، فصارت المدينة خرابًا وضاعت معالمها في لحظات، ووصل عدد القتلى لعشرات الآلاف، فالطاقة التفجيرية للقنبلة الذرية تغطي مساحة تتراوح من 15 - 100 كم2 وفقًا لحجم القنبلة، وذلك خلال ثلاث دقائق، ووصل عدد القتلى في هيروشيما إلى 80 ألف والجرحى 100 ألف والمشردين 200 ألف، وفي نجازاكي بلغ عدد القتلى عشرة آلاف والجرحى 20 ألفًا والمشردين 90 ألفًا، بالإضافة إلى ما أحدثته القنبلتان من تأثير سيء على البيئة (راجع مجلة العلم عدد 277 - أكتوبر 1999 ص 32، 33) وانتهت الحرب العالمية الثانية التي تسبب فيها " هتلر " بفكره النازي، وبفضل ما تشبع به من أفكار "نيتشه"، وقد خلفت وراءها نحو 60 مليون قتيل.
_____
الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
(1) ريتشارد دوكنز - وهم الإله ص 127
(2) أورده هارون يحيى - خديعة التطوُّر ص 11
(3) ريتشارد دوكنز - وهم الإله ص 127
(4) ريتشارد دوكنز - وهم الإله ص 127
(5) ريتشارد دوكنز - وهم الإله ص 128