موقع شبهات واسئلة لاهوتية , الرد على الألحاد , الرد على الشبهات حول المسيحية ,دفاعيات , اللاهوت الدفاعى , مسابقات مسيحية , مكتبة الكتب المسيحية , اقوال اباء , دراسات فى الكتاب المقدس , موقع مسيحي
5- الفصل الأول: الصراع البروتستانتي الكاثوليكي
س2: كيف أفضى الصراع البروتستانتي الكاثوليكي، ولاسيما حرب الثلاثين عامًا، إلى كراهية الله؟
ج: دعنا يا صديقي نتطرق إلى الجذور، ونعرض باختصار شديد قصة الأب الأغسطينوس الأغسطيني الذي وُلِد بألمانيا في 10 نوفمبر 1483م، وعاش طفولة قاسية معذَّبة في أسرة فقيرة تضم الوالدين وسبعة أبناء، تعاني من قلة الدخل، وقد لاقى هذا الابن معاملة سيئة في البيت والمدرسة، فتارة ضربته أمه بالسوط حتى أنفجر الدم من جسده بسبب حبة جوز، وتارة ضربه والده ضربًا مُبرحًا، حتى أنه لم يأنس إليه إلاَّ بعد عدة أيام، وفي يوم واحد ضُرب في المدرسة خمسة عشرة مرة، وعندما شبَّ تعرض لعدة حوادث جعلته يقف مواجهة أمام الموت، فتعرَّض أحد أصدقائه للمرض والموت، وأُغتيل صديقه " ألكسيس " في ظروف غامضة، وفي سنة 1503م أثناء عودته من الجامعة سقط في حفرة وتعرَّض للنزيف الحاد، وفي 2 يوليو 1505م أثناء عبوره الغابة في ستوترنهايم، هبت عاصفة شديدة، صاحبتها البروق والرعود بصورة مرعبة، وسقطت بجواره صاعقة كادت تصعقه، واقتلعت العاصفة الهوجاء شجرة ضخمة وطرحتها أمامه، فسقط على الأرض فزعًا، وفي هذه اللحظة المأسوية نذر نفسه للرهبنة متشفعًا بالقديسة حنة أم العذراء مريم قائلًا " يا قديسة حنة.. إذا أنقذتيني سأكون راهبًا بقية حياتي " وفعلًا بعد أن أنهى دراسته، دخل إلى دير القديس أوغسطين تاركًا منصبه كأستاذ في الجامعة، ولكن هذا النذر كان قسرًا، وهو ما عبَّر عنه فيما بعد الأب أغسطينوس عندما كتب لوالده يقول "أتذكَّر.. أني قلت لك أن دعوة مخيفة من السماء قد وُجهت إليَّ، فلم أصر راهبًا رغبة مني أو مسرة في الرهبنة بل دُفعت بطريقة لا تُقاوم للنطق بهذا النذر" (1) فدعوة الرهبنة المُفرحة للقلب كانت بالنسبة لهذا الراهب دعوة مخيفة أنقضت عليه من السماء، ولهذا لم ينجح في حياة الرهبنة، فمعاملة والديه ومدرسيه القاسية طبعت صورة سيئة للغاية عن الله في ذهنه، فلم يرَ في الله الأب المُحب الباذل طويل الأناة، إنما رآه الإله القاسي المنتقم الجبار الذي يسر بهلاك الإنسان، وقد أعدَّ له النار الأبدية، فصار هذا الراهب مرتعبًا من العقاب الإلهي، فاقد الرجاء، ناقمًا على الله وثائرًا ضده، ولهذا عندما رآه مرشده الروحي "يوحنا ستوبيز" عابسًا خائفًا قال له: "ليس الله هو الغاضب عليك أو الثائر ضدك، بل أنت الغاضب والثائر ضد الله".. وهكذا كانت حياة الراهب أغسطينوس، فقال: "عندما قمت بخدمة أول قداس لي شعرت أني على حافة الموت " وكان يصف حالته بأنه يعيش مُحطَّم حزين، عندما يصلي تحيط به الشياطين، ولا يجرؤ على انتهارها، وانتهى به المطاف إلى كراهية الله، فقال: "لم أستطع أن أحب هذا البار بل كرهته".
St-Takla.org Image: Heretic Martin Luther, the leader of the Protestants
صورة في موقع الأنبا تكلا: مارتن لوثر المهرطق، مؤسس طائفة البروتستانت الإنجيليين
وترك الراهب أغسطينوس الأغسطيني ديره وعاد إلى حياته العلمانية، ولم يكن هذا الراهب سوى "مارتن لوثر" الذي يدعونه قائد الإصلاح، وهنا قد يتساءل أحد الأحباء البروتستانت: ما هذا التعصب الأرثوذكسي وما هذا الشطط؟ ما علاقة المُصلح بالإلحاد..؟! وهذا ما سنراه حالًا الآن.
ومن الجانب الآخر قد ساد الفساد في الوسط الكاثوليكي فتفشت الرشوةوالسيمونية وصكوك الغفران، وانتشر الانحلال الخُلقي حتى بين المستويات الدينية الكاثوليكية.. إلخ، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وكل هذا قد أثار لوثر،فعلَّق 95 احتجاجًا على باب كاتدرائية ويتمبرج في 31 أكتوبر 1517م، وقد أعتبر الأخوة البروتستانت هذا اليوم هو بداية تاريخ الإصلاح.
وفي 10 ديسمبر 1529م خرج لوثر على رأس حشد من الأصدقاء وأساتذة جامعة ويتمبرج، حيث أحرق كتب القانون الكنسي، ثم ذرى رمادها في مياه النهر، أمام حشود الشعب الألماني التي أخذت تهتف بأن " ألمانيا ليس ذيلًا للبابوية". وبهذا أشعل لوثر نيران الحقد في قلوب الشعب الألماني، ولاسيما الفلاحين والعمال الذين اشتعلوا غضبًا ضد الأكليروس والأمراء، وقد شجعهملوثر على هذا فكانت ثورة الفلاحين، وأصدر لوثر تحذيره للأمراء قائلًا أن غضب الفلاحين يعلن لكم غضب الله، فاندفع الفلاحين في ثورة رهيبة نحو قصور الأمراء يقتلون ويسلبون ويحرقون ويهدمون ويدمرون، وفي 26 أبريل 1524م أصدر لوثر بيانه للفلاحين " تقدموا.. تقدموا إلى الأمام.. ولتظل سيوفكم ساخنة بالدماء بدون شفقة " ولكن الأمور لم تسر حسب هوى الفلاحين، حيث أسرع الأمراء باستئجار بعض المحاربين الإيطاليين، وانقلبت الدفة على الفلاحين، والأمر المدهش أن مارتن لوثر غيَّر اتجاهه 180 درجة، إذ صرخ صرخته التي سجلها له التاريخ، قائلًا للأمراء والمحاربين " قاتلوا هؤلاء الفلاحين ككلاب مسعورة" (2) وكانت نتيجة الضحايا من الطرفين 100 ألف قتيل.
وفي سنة 1526م أحاط بأسوار روما عشرون ألف مقاتل ألماني وأسباني، وفتحوا ثغرة في السور، ويقف اللسان عاجزًا عن وصف ما فعله هؤلاء الجنود بالقصور التي سلبوها وقتلوا من فيها وأشعلوا النيران بها، والكنائس التي حوَّلوها إلى إسطبلات للخيول، وما تعرَّض له الأكليروس من عذابات رهيبة وقتل وتشريد، وما تعرَّضت له الراهبات اللاتي انتزعهنَّ الجنود من أحضان الأديرة، وأرغموهنَّ على الزواج، وظل الجنود يهتفون "لوثر بابا روما" ويقول "دكتور عزت زكي": "يقول مؤرخ معاصر (للأحداث) عن قصة شاهد عيان: وتدفق الألمان والأسبان ينهبون ويقتلون دون مراعاة لأي اعتبار، حتى الأطفال والنساء، ولم تشفع لهم استرحاماتهم ودموعهم وعبثًا حاول القواد إيقاف الجند -الثملين بخمرة النصر- والويل كل الويل لمن كان يقع في أيديهم من الكرادلة الذين لم ينجحوا في الهرب، فقد كان نصيبهم السحل في شوارع روما حتى الموت. وشُوهدت جماعة تمسك بأحد الأساقفة، كلَّلت رأسه بأغصان الشجر وعرضته في السوق للبيع كالسوائم، قبل الإجهاز عليه.
St-Takla.org Image: Adolf Hitler, Hermann Goering. (In Raiders of clothes with a knife) and Baldur von Schirach on the Obersalzberg 1936, from German Federal Archives
صورة في موقع الأنبا تكلا: أدولف هتلار مع هيرمان جويرينج (وهو يرتدي الملابس الرسمية والسكين)، مع بالدور فون شيراش في أوبرسالزبرج سنة 1936، من الأرشيف الفدرالي الألماني
أما الكنائس فقد تحوَّلت إلى إسطبلات للخيل، وتكدَّست الخيول داخل كنيسة القديس بطرس وخارجها، والويل للراهبات والعذارى، فلقد كان الجند ينتزعونهن انتزاعًا من الأديرة ومن أحضان أمهاتنا" (3) وكان نتيجة اقتحام روما قتل ثلاثة وخمسين ألف نفس وهكذا وُلدت البروتستانتية في حلبة الصراع مع الكنيسة الكاثوليكية (راجع كتابنا: يا إخوتنا البروتستانت.. هلموا نتحاور ج1 ص 8 - 52).
وبعد نحو قرن من الزمان من الصراع غرقت أوربا في صراع عنيف وحروب طاحنة عُرفتبحرب الثلاثين عامًا من 1618 - 1648م بين البروتستانت والكاثوليك، ونجم عنها خسائر بشرية فادحة، فمثلًا قُتل في أيرلندا نحو مائة ألف رجل، وقُتل ثلث رجال ألمانيا، وانتهت هذه الحروب بسلام " وستفاليا " Westphalia الذي أقرَّ الحرية الدينية للجميع، لكيما يعيش اللوثريون مع الكالفنيين مع الكاثوليك في سلام، ولكن من نتائج هذا الصراع البروتستانتي الكاثوليكي الطويل المرير القاسي أن كَرِه الناس الدين والعقيدة والكتاب المقدَّس، بل كرهوا الله ذاته.
ورأى البعض أن كراهية "مارتن لوثر" لليهود ربما قد انتقلت إلى "هتلر" ففعل بهم ما فعل من المحارق، مما كان له تأثيره في امتداد موجة الإلحاد، فيقول "ريتشارد دوكنز": "أن الكُره المسيحيلليهود ليس فقط تقليدًا كاثوليكيا، بل مارتن لوثر كان معاديًا للسامية (الشعب اليهودي)، وكتب يقول {يجب طرد جميع اليهود من ألمانيا} وكتب كتابًا كاملًا عن اليهود وأكاذيبهم، والذي ربما كان له تأثير على هتلر. لوثر وصف اليهود بـ"ذرية الأفاعي" ونفس العبارة استخدمت من قبل هتلر في خطابه المشهور عام 1922م الذي كرَّر فيه مرارًا بأن مسيحي:
شعوري كمسيحي يوجهني نحو إلهي ومخلصي كمحارب.. وبحب لا متناه كمسيحي وكرجل أقرأ من خلال العبارات التي تقول لنا كيف انتصب الإله في قدرته أخيرًا وأخذ السوط بيده لطرد ذرية الأفاعي من المعبد. كانت حربه مثالًا مثاليًا للعالم ضد السم اليهودي، واليوم بعد ألفي عام، وبأعمق العواطف، أعرف بثقة لم أعرفها قبلًا بأنه من أجل ذلك قد بذل دمائه على الصليب.." (4).
_____
الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
(1) القس حنا جرجس الخضري - مارتن لوثر ص 35
(2) القس حنا جرجس الخضري - مارتن لوثر ص 135
(3) تاريخ المسيحية - المسيحية في عصر الإصلاح ص 78، 79
(4) وهم الإله ص 127