موقع شبهات واسئلة لاهوتية , الرد على الألحاد , الرد على الشبهات حول المسيحية ,دفاعيات , اللاهوت الدفاعى , مسابقات مسيحية , مكتبة الكتب المسيحية , اقوال اباء , دراسات فى الكتاب المقدس , موقع مسيحي
9- الفصل الخامس: الكوارث والحروب والعقاب الأبدي
س7: لو كان الله موجودًا وقادرًا وصالحًا، فلماذا يترك الإنسان يعاني من الكوارث والحروب والمرض والموت؟ هل لأنه غير صالح أم لأنه غير قادر؟ وكيف يرسل الإنسان إلى العذاب الأبدي؟
ج: إن الجهل الروحي بحكمة الله وصلاحه وقدرته وحسن تدبيره، يقود الإنسان إلى الهلاك، ولذلك قال الكتاب " قد هلك شعبي من عدم المعرفة" (هو 4: 6) فعدم المعرفة هي الجهل، ومن السهل أن ينزلق الإنسان الجاهل إلى هوة الإلحاد، ولاسيما عندما يتعرض لتجربة قاسية، إن لم يكن يقظًا، فمن السهل أن يفقد الثقة في العناية الإلهية، وعندما وقف " إيفانجلتا دي فتيورا " يُحاكم أمام محاكم التفتيش اعترف بأن انتشار مرض الطاعون الذي قضى على أمه وأخوته وأخواته جميعًا، وأضاع ممتلكاته، آل به إلى فقدان الثقة في عناية الله، فلو كان الله موجودًا فعلًا وكلي الصلاح فلماذا يترك الإنسان لكل هذه الكوارث؟! ونحن لا ننكر أنالإنسان قد يعاني من شر الكوارث والحروب والأمراض وهو برئ، وليس له يد في جلب هذه المعاناة، ولكن يجب أن يدرك أن الله موجود وهو ضابط كل شيء، ولا يسمح بألم قط لأولاده إلاَّ بحكمة إلهية، فقد تكون هذه المعاناة تأديب وتهذيب لهم، وبلا شك أن أعظم مدرسة هي مدرسة الألم والصليب.
ويقول "أوسكار وايلد " في كتابه " من الأعماق": "إن كان العالم قد تأسَّس على أساس المعاناة، فقد أسَّسته أيدي المحبة، لأنه لا سبيل آخر تصل به النفس إلى مستوى الكمال" (1).. لقد صار الألم في المسيحية هبة غالية لا يمنحها الله إلاَّ لمن يثق في محبته " لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح لا أن تُؤمنوا به فقط بل أيضًا أن تتألموا لأجله" (في 1: 29).
St-Takla.org Image: William Blake - Illustrations to the Book of Job, The Butts Set, object 11 (Butlin 550.11) "Job's Evil Dreams" - Job 7:13-14
صورة في موقع الأنبا تكلا: من الصور الإيضاحية لـ سفر أيوب - رسم الفنان وليم بليك - أحلام أيوب و الكوابيس التي يعاني منها - سفر أيوب 7: 13، 14
وقد تكون هذه المعاناة قد جاءت بحسد إبليس، وستظل قصة أيوبشاهدة على هذا، ونثق أن كل الأمور داخل دائرة الضبط الإلهي، وعندما رأى التلاميذ الأعمى منذ ولادته سألوا السيد المسيح " يا معلم من أخطأ هذا أم أبواه حتى وُلد أعمى. أجاب يسوع لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه" (يو 9: 2، 3) وكذلك الأطفال الذين يُولدون معوقين (ذوي الاحتياجات الخاصة) يعطون الفرصة للآخرين لإظهار المحبة تجاههم، ويكونون بركة لأسرهم، فالأسرة المسيحية تعتز بابنها المعوق أكثر من ابنها السليم.
والذين يتساءلون عن مدى قدرة الله ومدى صلاحه، كل هدفهم هو إلقاء اللوم كل اللوم على الله، وتبرئة ساحة الإنسان تمامًا، وكأن الإنسانجماد، أو كائن يفتقد حرية الاختيار، وكأن الإنسان لا يجب أن يتحمل مسئولية تصرفاته، والحقيقة غير ذلك، لأن الله جبل الإنسان على صورته ومثاله في الخلود والمعقولية والابتكار، ووهبه حرية الاختيار وحرية التعبير وحرية التصرف، وكثير من الشرور والكوارث سببهاالإنسان وليس الله الصالح، فلماذا يتمسك البعض بأن المسئول عن هذه الشرور هو الله وليس الإنسان صانع هذه الشرور؟! هل الله الذي يحذرنا من مغبة مخالفة وصاياه المقدَّسة يصبح مدانًا متى خالفالإنسان هذه الوصايا..؟! وهل الإنسان الذي يخالف الوصايا فيكره ويبغض ويغضب ويدخل في خصومات وحروب ويقتل، ويزني بالفكر أو بالفعل.. إلخ، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. يصبح هذا الإنسانبارًا..؟! ما هذه الموازين المقلوبة؟!! هل الله الذي حذر الإنسان منإبليس الذي يجول كأسد زائر يريد أن يبتلعه، متى سقط الإنسان في قبضته يصير الله مُدانًا..؟! وهل الإنسان الذي يتغافل التحذير الإلهي وينساق وراء إبليسويحسبه كصديقه الصدوق، ويشرب الإثم كالماء، مثل هذا الإنسان يحسب بارًا؟!!.. هل يُعقل هذا؟! وهل ارتكاب هذه الجريمة جاء بإرادة الله أم بسماح منه..؟! إرادة الله خيّرة دائمًا وأبدًا، ولكنه لا يمنع الشرير من ارتكاب الشر، بل يسمح له بهذا، لأنه سبق ووهبه حرية الاختيار.
حقًا أن الله كلي الصلاح وكلي القدرة، وقد حدَّد وقتًا للدينونة، فيه تُخمد الشرور إلى الأبد وتبدأ الحياة الملائكية السعيدة بلا حسد من إبليس ولا محاربات من العالم والجسد، أما الذين يطالبون الله أن يقضي على الشر الآن، فأنهم لا يدركون ماذا يقولون.. تصوَّر يا صديقي أن الله قرَّر في هذه اللحظة القضاء على الشر وعلى جميع الأشرار، تُرى من ينجو من هذه الدينونة..؟! إن الله يطيل أناته علينا، فلعل الذي يخطى الآن يتوب بعد الآن، ولعل شرير اليوم يمسى قديس الغد، فهذا ما يلتمسه الله منا " إني لا أسرُّ بموت الشرير، بل بأن يرجع عن طريقه ويحيا. أرجعوا أرجعوا عن طرقكم الرديئة فلماذا تموتون يابيت إسرائيل" (حز 33: 11).. وهو لا يشاء أن يهلك أُناس. بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. حقًا أن الإنسان الذي ينظر للأمور بمعرفة روحية يستريح، ومهما تزايدت الكوارث فإن هذا لا يمنع عنه الفرح بالرب، مثلما قال حبقوق النبي " فمع أنه لا يزهر التين ولا يكون حمل في الكروم يكذب عمل الزيتونة والحقول لا تصنع طعامًا ينقطع الغنم عن الحظيرة ولا بقر في المزود. فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي" (حب 3: 17، 18).
أما عن العذاب الأبدي فالله لم يعده قط للإنسان، إنما أعده للشيطان وكل جنوده " أذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته" (مت 25: 41) والذي تمسك بالشر فإن شره يقوده لهذا العذاب الأبدي، وما أجمل قول أحد الآباء: إن الله لن يدين الإنسان على خطيته، إنما سيدينه على عدم توبته، ويقول "بول ليتل": "عندما يسأل شخص: كيف يرسل الله الصالح الناس إلى الجحيم؟ هنا يجب أن نشير بأن الله لا يرسل أحدًا إلى الجحيم، نحن نُلقي بأنفسنا. الله صنع كل ما هو ضروري لنا لكي ننال الغفران والفداء والتبرير، ولكي نكون جاهزين للحياة معه في السماء. وكل ما تبقى هو فقط أن نستقبل هذه العطية. أما لو رفضنا نعمته فلن يكون لدى الله خيار آخر، إلاَّ أن يتمم اختيارنا، فبالنسبة للشخص الذي لا يريد أن يكون مع الله، فإن حتى السماء نفسها لن تكون سوى الجحيم بعينه"(2).
_____
الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
(1) ريتشارد وورمبراند - ترجمة د. عزت زكي - جواب المسيحية على الإلحاد الشيوعي ص 18
(2) ترجمة وجدي وهبه - لماذا أؤمن - إجابات منطقية عن الإيمان ص 170