لا ينبغي أن نحزن بمرارة على المنتقلين
وداعا قداسة البابا شنودة الثالث - أذكرنا امام عرش النعمة
عظة عن الصبر
و أنه لا ينبغي أن نحزن بمرارة على المنتقلين
القديس يوحنا ذهبي الفم - ترجمة د.جورج عوض
انتقال وليس فقدان
قد نتساءل: أين، وكيف، وفي أي مكان وبأية حال يكون هؤلاء الذين هبط عليهم الموت...
لا أحد على الإطلاق يستطيع أن يقول شيئا غير الذي نعرفه. إنهم ذهبوا إلى هناك.. حيث الله الوحيد الأزلي الوحيد الذي لا يموت.. هناك حيث الوحيد الصالح.. الوحيد محب البشر خالق النفوس والأجساد.
إننا نتحدث اليوم في موضوع أهم بكثير من موضوعات الأيام السابقة، فكثيرا ما ينجح الكلام في تعزية الإنسان المتألم، والتعليم المناسب يستطيع أن يزيل الحزن. حقيقة أن كثيرين كانوا بالأمس معنا والآن لا نراهم معنا. يحدث ذلك إما لأن الرب قد دعاهم بالقرب منه أو لأنهم يرقدون على فراش المرض متوقعين الموت. ولذلك أراكم تحزنون وهذا ما يسبب اضطرابًا عظيمًا في الكنيسة. أرى دموع الحزانى تنساب بلا انقطاع وأراهم يعبرون عن أنفسهم بكلمات لا يقبلها العقل كما أنهم يتخذون موقفًا غير متعقل. لقد حزنت إذ كان ينبغي أن يحتمل الإنسان انتقال الأبناء والأهل بالصبر والشكر ولا يحسب أنه فقد هؤلاء الذين انتقلوا إلى الله.
انتقال أحبائنا يقودنا للتوبة
ليتنا لا نضطرب بسبب الذين رحلوا بل علينا بالأولى أن نحزن على ذواتنا لأننا نعيش في الخطية. فإن لم نرجع إلى نفوسنا اليوم فمتى سنتوب إذن؟ وإن كان موت أخيك لا يعقلك فما الذي يجعلك ترجع إلى الله؟ وإن لم تصحح مسار حياتك وأنت تشاهد أمامك إنسانًا مائتًا فمتى إذن ستتوسل إلى الله وتسترحمه؟
عندما يأتي السيد المسيح فجأة ويظهر على عرشه السامي، وفي لمحة خاطفة تنطوي السماء كغلاف الكتاب، وسوف تتشتت النجوم وتسرع القوات الملائكية قدامه وتفتح القبور فتقام الأجساد وتفيض الينابيع وتتحرك مياه البحر وترتج الأرض كلها، ترى لأي فريق من الناس ستنتمي. لابد لنا في تلك الساعة أن نعطي جوابًا عن أعمالنا وأفكارنا وكلامنا وعن كل ما فعلناه في الليل أو النهار عن كل ما فعلناه بإرادتنا أو بغير إرادتنا. علينا أن نهتم بذلك وننشغل به ليلاً ونهارًا ونضعه نصب أعيننا.
الموت جسر الحياة الأبدية
واحد هو الطريق المؤدي إلى الموت، طريق الموت هو الكأس المشترك الذي يعطى للجميع. إن ساعة الموت فريدة، وهي شريرة. إن الموت هو الجسر الوحيد المؤدي إلى الحياة الأخرى ولا يوجد طريق سواه يوصل الإنسان إلى هناك.
الموت هو البداية الفريدة للحياة الأخرى
الموت هو البداية الفريدة للحياة الأخرى ونهاية لكل الحياة الحاضرة. الموت لا يخاف الملك ولا يرحم الوجوه الجميلة، لا يحزن على الشباب ولا يرحم الابن الوحيد، ولا تثنيه الدموع، ولا يخاف الطغاة ولا يستثني أحد.
هل نعتبر الرحيل من العالم شرًا؟
لا يمكن أن يعتبر الموت شرًا يا اخوتي ولكنه خيرًا. ولست أقول هذا من ذاتي بل أيوب الصديق يعلنه حين قال: " الموت راحة للإنسان" (أي 5:3). وبولس الرسول يعلن: " الذي مات قد تبرأ من الخطية" (رو7:6). الموت يعد تحرر من الهموم ومعونة للمعذبين. الموت يوقفنا عن فعل الخطية.
أرأيت محبة السيد الرب للبشر.. لقد جعل العقاب الذي نتج عن خطايانا ـ أي الموت ـ خلاصًا. لأنه إن لم يوجد الموت، لما كان لنا أن نتوقف عن فعل الشر، وإن كنا لا ننتظر الديان الآتي، ابتعدنا عن الفساد الذي لحق بطبيعتنا نتيجة الخطية،وإن كنا لا ننتظر الدينونة، لما أصبح لنا رجاء.
وهكذا فإن كان الذي انتقل إلى الله بارًا فعليك أن تفرح لأنه يسير بجرأة وراحة إلى السيد المسيح. وإن كان خاطئا فعليك ألاّ تحزن لأنه قد كسب لنفسه أن يبطل شرورًا كان ينوي فعلها.
كيف نواجه تجربة انتقال أحبائنا؟؟
لا يجب علينا نحن الذين نؤمن بقيامة الأموات أن نحزن كالباقين الذين لا رجاء لهم (1تس13:4). ربما يحق لمن لا يترجى القيامة أن يعتبر المنتقلين مفقودين، و لكن عيك أن تترك هذه الأمور التي يفعلها الذين يعبدون الأصنام والسامريون. أما نحن فإننا نسمع و نؤمن بالمسيح الذي يقول: " لأنه تأتى ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون" (يو25:5)
إذن فمادام الموتى سيقومون بكل تأكيد فإني أرجوكم ألا نفعل شيئًا من الأمور السيئة التي تحدث عند انتقال أحبائنا. ليتنا لا نتمادى ولا نتطرف في إظهار حزننا حتى لا نحرك غضب الله ولا نخجل المسيح الذي هو رأسنا. ليتنا لا ننتحب أياما كثيرة حتى لا نفقد إيماننا بقيامة الأموات. ليتنا لا ننطق بلساننا بأي تجديف حتى لا نلحق ضررًا بالمنتقل ولا بأنفسنا.
ولازال السؤال يطرح نفسه: كيف نواجه تجربة انتقال أحبائنا؟
1ـ اشكر لأنك قدمت تقدمة نقية
فإذا سلمت للمسيح ابنك بواسطة الموت، اسجد واشكر وسبح المسيح لأنه استرد الولد الذي أعطاه لك.. مَجِد المسيح الذي اختار الولد الذي خلقه وقَبِل إليه ثمرة بطنك قبل أن يخطئ. مَجِد المسيح الذي خلص الآتي من رحمك. اسجد كما فعل أيوب العظيم حينما سجد لله قائلا: " الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركًا" (أي1: 21).
اشكر لأنك قدمت للسيد ذبيحة كاملة بلا عيب، ذبيحة طاهرة وتقدمة نقية. إنك قدمت اسحقا جديدا مثلما فعل إبراهيم قديما. إذا كان السيد المسيح قد اخذ الولد فلنسجد له، فإنه هو الخالق الذي خلقه، فليتنا لا نتذمر لان الخالق قد طلب خليقته. ليتنا لا نعاديه.
وإذا قدمت أخًا، اسجد للسيد المسيح الذي أخذه لأن المسيح القدوس نفسه قد صار لنا أخًا ومات لأجلنا. وهل سلمت طفلاً؟ اشكر المسيح الرب لأنه من أجلك صار طفلاً في مذود. هل دفنت ابنك الوحيد؟ مَجِد واسجد واعبد وتذكر أن الله بذل ابنه الوحيد الجنس للموت من أجلك. هل أعطيت ابنتك الشابة؟ اشكر الله لئلا وأنت ساخط يأخذ الموت الأخرى. هل ودعت زوجتك؟ احترس لئلا تقدم على تصرف مضادة لإرادة الله، وربما أنت نفسك ترحل الآن.
2 ـ نبكي ولكن كمؤمنين
ماذا يقول الضعفاء؟ يقولون كان هذا الذي انتقل ابني الوحيد وكان لطيفًا مهذبًا. كان امتدادًا لعائلته ووريثًا لثروتي، كان عزائي في حزني وسندًا لى في شيخوختي. كان الفرع الذي زرعته من صلبي... الخ. هذا هو الذي اختطف فجأة من بين يدي ورحل ولا أستطيع أن أراه. لقد هجر أبيه ورحل إلى الخالق الذي دعاه. انك لو أحضرت ألوف المعلمين ليتحدثوا مع الوالدين لكي لا يرثوا أولادهم فلن يقنعوهم لان الله هو الذي أشعل نار المحبة في قلب الوالدين نحو أبنائهم وبناتهم.
وأنا أجيب هؤلاء: فأنا لم أقل هذا أيها الإنسان. إننى لا أوصى بألا تبكي بتاتًا. أنا لا اعترض على الحزن، لأنني أنا أيضا إنسان قابل للموت ووُلِدت من أب وأم وأنا من نفس طبيعتك. إني أعرف رثاء الآباء وحسرة الأمهات. أعرف بحر أحزانهم.
وأيوب البار هذا رغم الدمار الذي طال أولاده وعبيده وعجوله وجماله وكل ثروته. إلاّ أنه لم ينزعج ولا جدف كما يفعل الكثيرون، لكنه سقط فى التو على الأرض التي جُبل منها وسجد للرب وقام وقال: " الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركًا" (أي21:1). أنا عبد وأطيع الله ولا أكون مضادًا لخالقي. حقًا مات الأولاد لكنهم لم يُفقدوا.
أتساءل: هل هناك راعي ليست له سلطة على رعيته؟ إن الراعي الصالح ـ أي الله ـ اختار خرافه وأخذها وبعد قليل سنرحل نحن.
لنتشبه نحن بأيوب. ليتنا نحزن ولكن باعتدال، فلنبك ولكن كمؤمنين. فلنبك ولكن كما بكى يسوع المسيح على لعازر. لقد ذرف المسيح القدوس دمعًا لكي يظهر مقاييس وحدود البكاء. لم تكن هناك ضرورة تجعل الرب يسوع يبكي على شخص سوف يقيمه بعد قليل. ولكنه فعل ذلك لكي تتعلم أنت إلى أي حد ينبغي أن تبكي عندما تعبر عن اشتياقك الطبيعي، ولكي يعلمك أن تتجنب التشبه بغير المؤمنين. وإنك يجب بعد ذلك أن تصلي ـ كما صلى الرب يسوع ـ لأجل المنتقلين ولكي يكون لنا نصيب في السماء مثل نصيب هؤلاء الذين نودعهم من هذه الحياة.
ماذا تفعل إذن أيها الإنسان ـ أترى أمامك المنتقل ولا تزال تجرؤ على التجديف؟ أتوجد أمام هذا السر الفريد وتعادي القادر على فصل النفس من الجسد؟ أتطلب نياحًا لروح المنتقل وأنت تسب الله؟ لماذا تقاوم الله؟ تعقل أيها الإنسان.
3ـ اذهب بتفكيرك إلى القيامة
لا تقف بتفكيرك عند حدود القبر بل اذهب به إلى القيامة. وافهم وصدق أن الإنسان المائت سيقوم ثانية، واللسان الصامت الآن سيتكلم ثانية. ذلك عندما يسجد لله كل ما في السماء وكل ما على الأرض وما تحت الأرض، وعندما يمجده كل لسان (راجع في2: 10ـ11).
وكما يقول دانيال النبي: " كنت أرى إنه قد وضعت عروش وجلس القديم الأيام، لباسه أبيض كالثلج، وشعر رأسه كالصوف النقي، وعرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة. نهر نار جرى وخرج من قدامه، ألوف ألوف تخدمه وربوات ربوات وقوف قدام فجلس الديان وفتحت الأسفار" (دانيال9:7ـ10).
عظة عن الصبر
و أنه لا ينبغي أن نحزن بمرارة على المنتقلين
القديس يوحنا ذهبي الفم - ترجمة د.جورج عوض
انتقال وليس فقدان
قد نتساءل: أين، وكيف، وفي أي مكان وبأية حال يكون هؤلاء الذين هبط عليهم الموت...
لا أحد على الإطلاق يستطيع أن يقول شيئا غير الذي نعرفه. إنهم ذهبوا إلى هناك.. حيث الله الوحيد الأزلي الوحيد الذي لا يموت.. هناك حيث الوحيد الصالح.. الوحيد محب البشر خالق النفوس والأجساد.
إننا نتحدث اليوم في موضوع أهم بكثير من موضوعات الأيام السابقة، فكثيرا ما ينجح الكلام في تعزية الإنسان المتألم، والتعليم المناسب يستطيع أن يزيل الحزن. حقيقة أن كثيرين كانوا بالأمس معنا والآن لا نراهم معنا. يحدث ذلك إما لأن الرب قد دعاهم بالقرب منه أو لأنهم يرقدون على فراش المرض متوقعين الموت. ولذلك أراكم تحزنون وهذا ما يسبب اضطرابًا عظيمًا في الكنيسة. أرى دموع الحزانى تنساب بلا انقطاع وأراهم يعبرون عن أنفسهم بكلمات لا يقبلها العقل كما أنهم يتخذون موقفًا غير متعقل. لقد حزنت إذ كان ينبغي أن يحتمل الإنسان انتقال الأبناء والأهل بالصبر والشكر ولا يحسب أنه فقد هؤلاء الذين انتقلوا إلى الله.
انتقال أحبائنا يقودنا للتوبة
ليتنا لا نضطرب بسبب الذين رحلوا بل علينا بالأولى أن نحزن على ذواتنا لأننا نعيش في الخطية. فإن لم نرجع إلى نفوسنا اليوم فمتى سنتوب إذن؟ وإن كان موت أخيك لا يعقلك فما الذي يجعلك ترجع إلى الله؟ وإن لم تصحح مسار حياتك وأنت تشاهد أمامك إنسانًا مائتًا فمتى إذن ستتوسل إلى الله وتسترحمه؟
عندما يأتي السيد المسيح فجأة ويظهر على عرشه السامي، وفي لمحة خاطفة تنطوي السماء كغلاف الكتاب، وسوف تتشتت النجوم وتسرع القوات الملائكية قدامه وتفتح القبور فتقام الأجساد وتفيض الينابيع وتتحرك مياه البحر وترتج الأرض كلها، ترى لأي فريق من الناس ستنتمي. لابد لنا في تلك الساعة أن نعطي جوابًا عن أعمالنا وأفكارنا وكلامنا وعن كل ما فعلناه في الليل أو النهار عن كل ما فعلناه بإرادتنا أو بغير إرادتنا. علينا أن نهتم بذلك وننشغل به ليلاً ونهارًا ونضعه نصب أعيننا.
الموت جسر الحياة الأبدية
واحد هو الطريق المؤدي إلى الموت، طريق الموت هو الكأس المشترك الذي يعطى للجميع. إن ساعة الموت فريدة، وهي شريرة. إن الموت هو الجسر الوحيد المؤدي إلى الحياة الأخرى ولا يوجد طريق سواه يوصل الإنسان إلى هناك.
الموت هو البداية الفريدة للحياة الأخرى
الموت هو البداية الفريدة للحياة الأخرى ونهاية لكل الحياة الحاضرة. الموت لا يخاف الملك ولا يرحم الوجوه الجميلة، لا يحزن على الشباب ولا يرحم الابن الوحيد، ولا تثنيه الدموع، ولا يخاف الطغاة ولا يستثني أحد.
هل نعتبر الرحيل من العالم شرًا؟
لا يمكن أن يعتبر الموت شرًا يا اخوتي ولكنه خيرًا. ولست أقول هذا من ذاتي بل أيوب الصديق يعلنه حين قال: " الموت راحة للإنسان" (أي 5:3). وبولس الرسول يعلن: " الذي مات قد تبرأ من الخطية" (رو7:6). الموت يعد تحرر من الهموم ومعونة للمعذبين. الموت يوقفنا عن فعل الخطية.
أرأيت محبة السيد الرب للبشر.. لقد جعل العقاب الذي نتج عن خطايانا ـ أي الموت ـ خلاصًا. لأنه إن لم يوجد الموت، لما كان لنا أن نتوقف عن فعل الشر، وإن كنا لا ننتظر الديان الآتي، ابتعدنا عن الفساد الذي لحق بطبيعتنا نتيجة الخطية،وإن كنا لا ننتظر الدينونة، لما أصبح لنا رجاء.
وهكذا فإن كان الذي انتقل إلى الله بارًا فعليك أن تفرح لأنه يسير بجرأة وراحة إلى السيد المسيح. وإن كان خاطئا فعليك ألاّ تحزن لأنه قد كسب لنفسه أن يبطل شرورًا كان ينوي فعلها.
كيف نواجه تجربة انتقال أحبائنا؟؟
لا يجب علينا نحن الذين نؤمن بقيامة الأموات أن نحزن كالباقين الذين لا رجاء لهم (1تس13:4). ربما يحق لمن لا يترجى القيامة أن يعتبر المنتقلين مفقودين، و لكن عيك أن تترك هذه الأمور التي يفعلها الذين يعبدون الأصنام والسامريون. أما نحن فإننا نسمع و نؤمن بالمسيح الذي يقول: " لأنه تأتى ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون" (يو25:5)
إذن فمادام الموتى سيقومون بكل تأكيد فإني أرجوكم ألا نفعل شيئًا من الأمور السيئة التي تحدث عند انتقال أحبائنا. ليتنا لا نتمادى ولا نتطرف في إظهار حزننا حتى لا نحرك غضب الله ولا نخجل المسيح الذي هو رأسنا. ليتنا لا ننتحب أياما كثيرة حتى لا نفقد إيماننا بقيامة الأموات. ليتنا لا ننطق بلساننا بأي تجديف حتى لا نلحق ضررًا بالمنتقل ولا بأنفسنا.
ولازال السؤال يطرح نفسه: كيف نواجه تجربة انتقال أحبائنا؟
1ـ اشكر لأنك قدمت تقدمة نقية
فإذا سلمت للمسيح ابنك بواسطة الموت، اسجد واشكر وسبح المسيح لأنه استرد الولد الذي أعطاه لك.. مَجِد المسيح الذي اختار الولد الذي خلقه وقَبِل إليه ثمرة بطنك قبل أن يخطئ. مَجِد المسيح الذي خلص الآتي من رحمك. اسجد كما فعل أيوب العظيم حينما سجد لله قائلا: " الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركًا" (أي1: 21).
اشكر لأنك قدمت للسيد ذبيحة كاملة بلا عيب، ذبيحة طاهرة وتقدمة نقية. إنك قدمت اسحقا جديدا مثلما فعل إبراهيم قديما. إذا كان السيد المسيح قد اخذ الولد فلنسجد له، فإنه هو الخالق الذي خلقه، فليتنا لا نتذمر لان الخالق قد طلب خليقته. ليتنا لا نعاديه.
وإذا قدمت أخًا، اسجد للسيد المسيح الذي أخذه لأن المسيح القدوس نفسه قد صار لنا أخًا ومات لأجلنا. وهل سلمت طفلاً؟ اشكر المسيح الرب لأنه من أجلك صار طفلاً في مذود. هل دفنت ابنك الوحيد؟ مَجِد واسجد واعبد وتذكر أن الله بذل ابنه الوحيد الجنس للموت من أجلك. هل أعطيت ابنتك الشابة؟ اشكر الله لئلا وأنت ساخط يأخذ الموت الأخرى. هل ودعت زوجتك؟ احترس لئلا تقدم على تصرف مضادة لإرادة الله، وربما أنت نفسك ترحل الآن.
2 ـ نبكي ولكن كمؤمنين
ماذا يقول الضعفاء؟ يقولون كان هذا الذي انتقل ابني الوحيد وكان لطيفًا مهذبًا. كان امتدادًا لعائلته ووريثًا لثروتي، كان عزائي في حزني وسندًا لى في شيخوختي. كان الفرع الذي زرعته من صلبي... الخ. هذا هو الذي اختطف فجأة من بين يدي ورحل ولا أستطيع أن أراه. لقد هجر أبيه ورحل إلى الخالق الذي دعاه. انك لو أحضرت ألوف المعلمين ليتحدثوا مع الوالدين لكي لا يرثوا أولادهم فلن يقنعوهم لان الله هو الذي أشعل نار المحبة في قلب الوالدين نحو أبنائهم وبناتهم.
وأنا أجيب هؤلاء: فأنا لم أقل هذا أيها الإنسان. إننى لا أوصى بألا تبكي بتاتًا. أنا لا اعترض على الحزن، لأنني أنا أيضا إنسان قابل للموت ووُلِدت من أب وأم وأنا من نفس طبيعتك. إني أعرف رثاء الآباء وحسرة الأمهات. أعرف بحر أحزانهم.
وأيوب البار هذا رغم الدمار الذي طال أولاده وعبيده وعجوله وجماله وكل ثروته. إلاّ أنه لم ينزعج ولا جدف كما يفعل الكثيرون، لكنه سقط فى التو على الأرض التي جُبل منها وسجد للرب وقام وقال: " الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركًا" (أي21:1). أنا عبد وأطيع الله ولا أكون مضادًا لخالقي. حقًا مات الأولاد لكنهم لم يُفقدوا.
أتساءل: هل هناك راعي ليست له سلطة على رعيته؟ إن الراعي الصالح ـ أي الله ـ اختار خرافه وأخذها وبعد قليل سنرحل نحن.
لنتشبه نحن بأيوب. ليتنا نحزن ولكن باعتدال، فلنبك ولكن كمؤمنين. فلنبك ولكن كما بكى يسوع المسيح على لعازر. لقد ذرف المسيح القدوس دمعًا لكي يظهر مقاييس وحدود البكاء. لم تكن هناك ضرورة تجعل الرب يسوع يبكي على شخص سوف يقيمه بعد قليل. ولكنه فعل ذلك لكي تتعلم أنت إلى أي حد ينبغي أن تبكي عندما تعبر عن اشتياقك الطبيعي، ولكي يعلمك أن تتجنب التشبه بغير المؤمنين. وإنك يجب بعد ذلك أن تصلي ـ كما صلى الرب يسوع ـ لأجل المنتقلين ولكي يكون لنا نصيب في السماء مثل نصيب هؤلاء الذين نودعهم من هذه الحياة.
ماذا تفعل إذن أيها الإنسان ـ أترى أمامك المنتقل ولا تزال تجرؤ على التجديف؟ أتوجد أمام هذا السر الفريد وتعادي القادر على فصل النفس من الجسد؟ أتطلب نياحًا لروح المنتقل وأنت تسب الله؟ لماذا تقاوم الله؟ تعقل أيها الإنسان.
3ـ اذهب بتفكيرك إلى القيامة
لا تقف بتفكيرك عند حدود القبر بل اذهب به إلى القيامة. وافهم وصدق أن الإنسان المائت سيقوم ثانية، واللسان الصامت الآن سيتكلم ثانية. ذلك عندما يسجد لله كل ما في السماء وكل ما على الأرض وما تحت الأرض، وعندما يمجده كل لسان (راجع في2: 10ـ11).
وكما يقول دانيال النبي: " كنت أرى إنه قد وضعت عروش وجلس القديم الأيام، لباسه أبيض كالثلج، وشعر رأسه كالصوف النقي، وعرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة. نهر نار جرى وخرج من قدامه، ألوف ألوف تخدمه وربوات ربوات وقوف قدام فجلس الديان وفتحت الأسفار" (دانيال9:7ـ10).