ما معنى قول المسيح " لم آتِ لأنقض الناموس بل لأُكمل"؟ القديس كيرلس عمود الدين
ما معنى قول المسيح " لم آتِ لأنقض الناموس بل لأُكمل"؟
القديس كيرلس عمود الدين – العبادة بالروح والحق – المقالة الأولى
ترجمة د. جورج عوض
بلاديوس: أخبرنى، طالما أُدخل الختان الروحى، وتغيرت الذبائح الناموسية ولن يكون لطريقة الحياة اليهودية أى مكان عندنا، ألا يبدو من المستحيل أن يقول المسيح " لم آتى لأنقض الناموس بل لأُكمل"؟. لو لم تكن الأمور هكذا، أعتقد أنه سوف لا يعطلنا عن أن نمجد إله الكل بذبائح الثيران والتبخيرات، ونُقدم له يمام وحمام أو أى شئ آخر نعتقد أن الأقدمين قد فعلوه، لكى نفعله نحن أيضًا.
كيرلس: لكنك يا صديقى، قد ابتعدت كثيرًا عما يليق. لأنك تعتقد أن الناموس قد تغير، لدرجة أنه لم يعد لدينا أى منفعة منه، وأنه على أية حال ليست هناك أى منفعة من الأمور التى وضعها. ألا تعتقد أن الناموس قد تحول بالأحرى إلى إشارة نحو الحقيقة، مع أنه بالتأكيد قد كتب الطوباوى بولس " أفنبطل الناموس بالإيمان حاشا. بل نثبت الناموس"[1]. لأن الناموس هو مُربى ويقود بطريقة حسنة إلى سر المسيح. ونقول إن كل ما شرّعه موسى للأقدمين، ما هو إلا أساسيات بداءة أقوال الله. لكن لو أهملنا المربى، فمَن سيقودنا عندئذ إلى سر المسيح؟. ولو رفضنا أن نتعلم أساسيات بداءة أقوال الله، فكيف سيمكننا الاستمرار؟ أو كيف سنصل إلى الغاية؟ أفليس المسيح هو الذى يُكمل الناموس والأنبياء كما تقول الكتب؟
بلاديوس: نعم
كيرلس: بالفعل. فإنه مكتوب أنه هو مكمل الناموس والأنبياء لأن كل كلمة نبوية وناموسية تخصه وتشير إليه.
لقد قال (المسيح) وهو يتوسل إلى اليهود لأجل عصيانهم: " لا تظنوا إنى أشكوكم إلى الآب. يوجد الذى يشكوكم وهو موسى الذى عليه رجاؤكم . لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقوننى لأنه قد كتب عنى. فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف تصدقون كلامى "[2].
إذن يقول إنه لم يأتِ إطلاقًا لكى يشكو الناموس، بل بالحرى لكى يُكَمله، فلا تُفكر أنه قد تمّ تغيير كامل للشرائع القديمة، بل على الأرجح قد تم تجديدها بطريقة ما. وأستطيع أن أقول هكذا، إنه حدث نقل لنماذج أو أمثلة (من العهد القديم) إلى الحقيقة أى من الظلال إلى الحقيقة .
بلاديوس: بالصواب تتكلم.
كيرلس: سأشرح لك ما كان يجب أن يصير بواسطة المسيح (بالمثال التالى). فأولئك الفنانين الذين يرسمون ويكتبون على الألواح، لا يكتبون مباشرًة بمجرد ما يبدأون الكتابة، بحيث يكون في شكل كامل وغير ناقص ومكتمل تمامًا. إنهم في البداية يخططون بشكل الرسم ولونه، بحيث يصبح ذا جودة فائقة، ويختارون المواضع التى تحتاج إلى ظلال معينة. وإلى أى الدرجات يجب أن تُبَين وتُوضَحْ حتى يصلوا إلى الشكل المطلوب، والأكثر مناسبة. وهكذا يصلون بنماذجهم إلى الشكل الذى نراه أخيرًا. وهو الأفضل بشكل لا يقارن عما كان في البداية. أليس كذلك؟
بلاديوس: نعم، إنه كذلك.
كيرلس: وهؤلاء أيضًا الذين يمارسون فن صنع التماثيل النحاسية، إن أرادوا صب النحاس السائل في قالب التمثال المعد لذلك، فإنهم يُصورون أولاً شكل التمثال على نموذج شمعى، ويصنع القالب على هذا النموذج، وبعد ذلك يُذيبون النحاس على النار ويسكبونه في القالب. وهكذا يضيفون لتحفتهم ـ بطريقة حسنة ـ كمالاً وجمالاً. وعندما يضيف الصانع الألوان المتنوعة فوق آثار الرسم، وأيضًا عند إحّلال النحاس محل النموذج الشمعى سيُظن في لحظة ما، أنه قد نُقِضَت وأُبطِلت الأشكال الأولى. لكن الأمر ليس كذلك. لأنه لو كان هذا الاعتقاد حقيقيًا، لقال الرسام والصانع إننا لم نلغِ آثار الكتابة، ولم نسئ إطلاقًا استخدام النماذج، لكن بالحرى قد أكملناها. أى أن ما كان يبدو غير واضح وبدون جمال في الظلال والنماذج الأولى صار الآن أكثر روعةً ووضوحًا.