إذن ما معني عبارة " أبى أعظم مني " و في أية مناسبة قد قيلت ؟ و ما دلالة ذلك ؟
قال " أبي أعظم مني " في حالة إخلائه لذاته .
كما ورد في الكتاب " لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله . لكنه أخلي ذاته ، أخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس .." ( في 2 : 6، 7 ) . أي أ، كونه معادلاً أو مساوياً للآب ، لم يكن أمراً يحسب خلسة ، أي يأخذ شيئاً ليس له . بل و هو مساو للآب ، أخلي ذاته من هذا المجد ، في تجسده ، حينما أخذ صورة العبد . و في إتحاده بالطبيعة البشرية ، صار في شبه الناس ...
فهو علي الأرض في صورة تبدو غير ممجدة ، و غير عظمة الآب الممجد .
علي الأرض تعرض لانتقادات الناس و شتائمهم و اتهاماتهم . و لم يكن له موضع يسند فيه رأسه ( لو 9 : 58 ) . و قيل عنه في سفر أشعياء إنه كان " رجل أوجاع و مختبر الحزن " " محتقر و مخذول من الناس " " لا صورة له و لا جمال ، و لا منظر فنشتهيه " ( أش 53 : 2 ، 3 ) . و قيل عنه في الآمه إنه " ظلم ، أما هو فتذلل و لم يفتح فاه " ( أش 53 : 7 ) . هذه هي الحالة التي قال عنها " أبي أعظم مني ".
لأنه أخذ طبيعتنا التي يمكن أن تتعب و تتألم و تموت .
و لكنه أخذها بإرادته لأجل فدائنا ، أخذ هذه الطبيعة البشرية التي حجب فيها مجد لاهوته علي الناس ، لكي يتمكن من القيام بعمل الفداء .. علي أن احتجاب اللاهوت بالطبيعة البشرية ، كان عملاً مؤقتاً انتهي بصعوده إلي السماء و جلوسه عن يمين الآب .. و لذلك قبل أن يقول " ابي أعظم مني " قال مباشرة لتلاميذه :
" لو كنتم تحبونني ، لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلي الآب ، لأن أبي أعظم مني " ( يو 14 : 28 ) .
أي أنكم حزانى الآن لأني سأصلب و أموت . و لكنني بهذا الأسلوب : من جهة سأفدى العالم و أخلصه . و من جهة أخري ، سأترك إخلائي لذاتي ، و أعود للمجد الذي أخليت منه نفسي . فلو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون إني ماض للآب ... لأن أبي أعظم مني .
أي لأن حالة أبي في مجده ،أعظم من حالتي في تجسدي .
إذن هذه العظمة تختص بالمقارنة بين حالة التجسد و حالة ما قبل التجسد . و لا علاقة لها مطلقاً بالجوهر و الطبيعة و اللاهوت ، الأمور التي قال عنها " أنا و الآب واحد " ( يو 10 : 3 ) . فلو كنتم تحبونني ، لكنتم تفرحون أني راجع إلي تلك العظمة و ذلك المجد الذي كان لي عند الآب قبل كون العالم ( يو 17 : 5 ) .
لذلك قيل عنه في صعوده و جلوسه عن يمين الآب إنه " بعد ما صنع بنفسه تطهيراً عن خطايانا ، جلس في يمين العظمة في الأعالي " ( عب 1 : 3 ) .
و قيل عن مجيئه الثاني أنه سيأتي بذلك المجد الذي كان له .
قال إنه " سوف يأتي في مجد أبيه ، مع ملائكته . و حينئذ يجازي كل واحد حسب عمله " ( مت 16 : 27 ). و مادام سيأتي في مجد أبيه ، إذن ليس هو أقل من الآب ...
و قال ايضاً إنه سيأتي " بمجده و مجد الآب " ( لو 9 : 26 ) .
و يمكن أن تؤخذ عبارة " أبى أعظم مني " عن مجرد كرامة الأبوة .
مع كونهما طبيعة واحدة و لاهوت واحد . فأي ابن يمكن أني يعطي كرامة لأبيه و يقول " ابي أعظم مني " مع أنه من نفس طبيعته و جوهر . نفس الطبيعة البشرية ، و ربما نفس الشكل ، و نفس فصيلة الدم .. نفس الطبيعة ، و نفس الجنس و اللون ز مع أنه مساو لأبيه في الطبيعة ، إلا أنه يقول إكراماً للأبوة أبي أعظم مني .
أي أعظم من جهة الأبوة ، و ليس من جهة الطبيعة أو الجوهر .
أنا – في البنوة – في حالة من يطيع .
وهو – في الأبوة – في حالة من يشاء .
و في بنوتي أطلعت حتى الموت موت الصليب ( في 2 : 8 ) .