من أين أتت الوثنية علي الرغم من أن الإنسان كان
في الأصل يعرف الله ؟ و كيف تطورت الوثنية و تشكلت ؟
كان الإنسان منذ خلقه يعرف الله . و لكن بعدما تفرقت الشعوب في الأرض ، بعد برج بابل و تبلبلت
الألسنة ، بمضي الوقت نسوا الله ، أو بعدوا عنه ببعدهم عن التقليد السليم .
و لما كان الله غير منظور لهم ، بدأوا
يتخيلونه في قوي أخرى منظورة .
إما في قوي هي مصدر الخير لهم ، مثل الشمس مصدر
النور و الحرارة ، في علوها و جمالها و إشراقها ... أو
مثل النهر ، الذي يعطيهم الماء مصدر الحياة أو الري للإنسان و الحيوان و النبات ... أو صاروا
يعبدون ملوكهم ، مظهر القوة و العظمة و السيطرة و الإرادة أمامهم ، الذين كانوا
يستطيعون أن يحكموا عليهم بالموت ، أو يبقوهم في الحياة ، أو يمنحوهم من خيرات
الدولة و مناصبها . و صاروا أيضاً يعبدون كائنات يخافونها ، و يقدمون لها القرابين
استرضاء لها حتى لا تؤذيهم ، مثل النار ، أو الحية ، أو بعض الوحوش ، أو الأرواح ،
و ما إلي ذلك ...
v v v
و بعضهم كان يتخيل لكل معني هام إلهاً
...
فمثلاً هناك إله للجمال ، و إله للخصب ... و يعطون لكل من هذه الآلهة إسماً ، و يحيكون حوله أسطورة
يتداولها الناس ،و تصبح جزءاً من عقيدتهم يسلمها جيل إلي جيل ...
و لكي يثبت الأمر في حسهم ، يتخيلون
لهذا الإله صورة ، و ينحتون له تمثالاً .
ثم يقيمون له شعائر للعبادة ن تتفق مع الأسطورة
الخاصة به . أما ما يختص بهذه الشعائر من مذابح و
ذبائح ، و من صلاة و سجود ، و من بخور و تسبيح و ترتيل ، فكلها أمور تعلموها في
جوهرها من فترة ما قبل التشتت و التفرق ، مما كان يقدم للإله الحقيقي وحده من
عبادة قبل الطوفان و بعده ...
و هم في الواقع لم يعبدوا التماثيل
كأحجار ، و إنما لأنها تمثل اَلهة ...
و هذه الآلهة الوثنية ، ما كانوا فيها يعبدون
الحيوان أو الإنسان كحيوان أو إنسان ، و لكي لأنه مثال للإله الذي في ذهنهم بما
حوله من أساطير ...
v v v
و تمثال الإله الذي تقدم له العبادة
يسمي وثناً .
فليس كل تمثال من تماثيل القدماء كان وثناً . إنما الوثن هو التمثال الذي كان يعبد . و بعض هذه الأوثان كانت ضخمة تقام في
المعابد . بينما بعضها كان صغيراً يحتفظ به الناس في بيوتهم ، و يأخذونها معهم في
أسفارهم . و الآلهة ( بوتو ) أي الحية كان يضعها الفراعنة في تيجانهم ن كجزء من التاج ...
v v v
و في تلك الأساطير تخيلوا آلهتهم ، و
لهم قصص عائلية كما للبشر .
فمثلاً الإله أوزوريس تزوج الإلهة إيزيس ،و أنجب
منها إبنهما الإله حورس . و تخيلوا أيضاً قصص صراعات و حروب تدور
بين هذه الآلهة . و البعض منهم يموت ، ثم يوجد من ينتقم له . و هذه الآلهة
يوجد منها إله خير و آخر شرير ...
لقد اسبغوا علي آلهتهم صوراً من الحياة البشرية التي
يحيونها أو يرونها ...
و قصص الآلهة كانت تعبر أحياناً من
بلد إلي آخر ، و تأخذ أسماء أخري .
و هذه الحركة في التاريخ يسمونها Cencretism . فمثلاً قصة الإله أوزوريس تعبر من مصر إلي بلاد اليونان ،
ليأخذ هذا الإله إسم ديونسيوس ، في قصة شبيهة . و هذا الأمر له قصص تكاد تتشابه بين
اَلهة الهند و الصين و بلاد الشرق الأقصى ...
v v v
إننا نؤمن بإله واحد ن له كل صفات
المثالية .
أما العالم الوثني فتصور لكل صفة
إلهية إلهاً .
و هكذا عندهم تعدد الآلهة ، بحيث يمثل كل إله
صفة من صفات الإلوهية ، أو عملاً من أعمالها .. و في
التاريخ المصري القديم ن حاول اخناتون أن ينشر عقيدة التوحيد ، داخل نطاق عبادة
الشمس ، و لكنه لم ينجح طويلاً ، و عاد الآلهة يسيطر علي معتقدات الناس .
و طبعاً هناك فرق كبير بين الوثنية و
الإلحاد .
فالإلحاد معناه عدم الإيمان بوجود إله علي
الإطلاق ، كما يقول الوحي الإلهي في سفر المزامير " قال
الجاهل في قلبه ليس إله "
( مز 14
: 1 ) . أما الوثنيون فكانوا يؤمنون بفكرة الألوهية ز و
يعبدون إلهاً ، أو عدداً من الآلهة ، أو أسرة إلهية ، أو عدداً من الآلهة لهم كبير
. كما
نقول إن زيوس هو كبير آلهة اليونان ، و جوبتر هو كبير آلهة الرومان ، و رع هو كبير
آلهة المصريين ...
v v v
و الوثنية كانت تنتشر بالخلطة و
بالتزاوج .
و لذلك كان الله في العهد القديم يمنع الخلطة
بالأمم و التزاوج معهم ، حتى لا يعبد الشعب آلهتهم . و لعل
من أخطر الأمثلة في التاريخ لسوء الاختلاط بالأمميين ، هو تزوج سليمان الحكيم
بزوجات مواَبيات و عمونيات و صيدونيات ..
( 1 مل 11
: 1 ، 2 ) . و هكذا " بني سليمان
مرتفعة لكموش رجس المواَبيين علي الجبل الذي تجاه أورشليم ، و لمولك رجس بني عمون . و هكذا فعل لجميع
نسائه الغريبات اللواتي كن يوقدن و يذبحن لآلهتهن " ( 1 مل 11 : 7 ، 8 ) .
لكل ذلك أرسل الله الأنبياء ، ليثبتوا
الشعب في عبادة الإله الحقيقي .
و زود هؤلاء الأنبياء بالوحي ، و بالمعجزات . و كان سفر الشريعة يقرأ علي الناس في المجامع كل سبت . كما كانت الأعياد
و المراسم و الذبائح تذكرهم ايضاً بعبادة الرب حتى لا يضلوا ...
v v v
و مع كل ذلك نسمع عن وجود وثنية في
أيام الآباء و الأنبياء .
و مع كل ذلك نسمع أن راحيل زوجة أبي الآباء
يعقوب، و ابنة أخي رفقة التي تزوجها أبونا اسحق بن ابراهيم ، علي الرغم من أنها من
أسرة متدينة ن قيل عنها في مفارقتها لأبيها لابان " فسرقت
راحيل أصنام أبيها " ( تك 31 : 19
) .. و لما زحف لابان وراءهم ، كان مما قاله ليعقوب " لماذا سرقت
آلهتي ؟!" ( تك 31 : 30
) . و نسمع أن بني إسرائيل لما تأخر عليهم موسي النبي
علي الجبل مع الله ن اجتمعوا علي هرون و قالوا له " قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا " ( خر 32 ك 1 ) .
و نزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم ، و
صنعوا عجلاً مسبوكاً ، و بنوا له مذبحاً ، و أصعدوا محرقات و ذبائح سلامة . و قالوا "
هذه اَلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر " . ( خر 32 : 3 – 6 ) ... فماذا
تقول في ذلك ، بعد كل المعجزات التي حدثت أمامهم و فعلها الرب علي يد موسي النبي .
أهو جهل ؟ أم تأثير الأمم الوثنية ؟
أم حروب الشيطان و ضلالاته ؟ أم كل ذلك معاً ؟..
v v v
و لا ننسي أن الروح القدس لم يكن يعمل في قلوب
الناس كما في أيامنا .. كذلك لا ننسي أيضاً في تاريخ الوثنية
أمراً آخر يضاف إلي أساطيرها المتوارثة هو :
تأثير الفلسفة الوثنية و أفكارها علي
الناس .
و هؤلاء الفلاسفة كان تأثيرهم علي العالم الوثني
، لا يقل عن تأثير الأنبياء علي شعب الله . و
كانوا هم الذين يشكلون عقائد الشعب .
يضاف إلي هذا تأثير كهنة الوثنية و معلميها ، و تأثير
الأسرة علي أبنائها .
و أمر له خطورته في تاريخ الوثنية ، هو سلطة
الملوك الوثنيين .
و صدق ما قيل في المثل الشائع عن تلك العصور " الناس علي دين ملوكهم " . و قد شرحنا مثلاً كيف أن
اخناتون نشر ديانة جديدة استمرت في أيامه . و سجل الكتاب كيف كان داريوس ملك فارس
يصدر أوامره في ما يعبده الشعب ، حتى أن دانيال لما لم يشترك في تلك العبادة ألقي
في جب الأسود (دا6) . و تاريخ الإستشهاد
معروف كيف أن ديوقلديانوس مثلاً كان يقتل المسيحيين في وحشية إذا لم يعبدوا آلهته . و من قبله نيرون
في عصر الرسل و خلفائه طوال حوالي ثلاثة قرون ...
هل هناك تشابه بين الثالوث المسيحي و ( الثالوث ) الوثني ؟ وإلا فما هو الفرق بينهما ؟ وهل من أسباب انتشار
المسيحية في مصر ، التشابه بين عقيدة الثالوث فيها ، وعقيدة ( الثالوث ) فى قصة أوزوريس وإيزيس وحورس ؟
لو كان سبب انتشار المسيحية بسرعة في مصر ، هو
التشابه بين عقائدها والعقائد المصرية الفرعونية ....
فما سبب انتشار المسيحية في باقي بلاد
العالم ؟ هل هو تشابه أيضاً في العقائد ؟! وإن كان هناك تشابه ، فلماذا اضطهدت الوثنية المسيحية ؟
ولماذا قتل الوثنيون القديس مارمرقس الرسول
كاروز الديار المصرية ؟! و لماذا حدث صراع عنيف بين الوثنية و
المسيحية علي مدي أربعة قرون ، أنتهي بانقراض الوثنية ، فتركها عابدوها ، و تحطمت
الأوثان ..! لا شك أن المسيحية كشفت ما في الوثنية من زيف و خطأ ، و ليس ما بينها من
تشابه ! و إلا فما الداعي لدين جديد يحل محل الوثنية ؟و من جهة عقيدة الثالوث ،
فالواضح أن الوثنية لا تؤمن بها .
الوثنية تؤمن بتعدد الآلهة في نطاق
واسع ، و ليس بثالوث .
فمصر الفرعونية
كانت تؤمن بالإله ( رع ) ، الذي خلق الإله ( شو ) و الإلهة ( نفتوت ) . و باقترانهما أنجبا الإله جب ( إله الأرض ) ، و الإلهة نوت ( إلهة السماء ) ،
الذين تزوجا و أنجبا أوزوريس ، و إيزيس ، و ست ، و نفتيس ، و بزواج أوزوريس و
إيزيس أنجبا الإله حورس... إلي جوار آلهة اَخري كثيرة كان يعبدها المصريون ... فأين عقيدة (الثالوث) في كل هذه
الجمهرة من الآلهة ؟!
هل يمكن إنتقاء أية ثلاثة آلهة و
تسميتهم ثالوثاً ؟!
و في مثال قصة أوزوريس و إيزيس ، ذكرنا عشرة
آلهة مصرية ، لو أردنا أن نأخذ هذه القصة كمثال .. كما
أن في قصة تخليص إيزيس لزوجها المقتول أوزوريس ، و إعادته إلي الحياة ، ساعدها
تحوت إله الحكمة ، و أنوبيس إله التحنيط ،و أيضاً ساعدتها أختها نفتيس .. فليست القصة ( ثالوثاً ) . و ليست في
عقائد المصريين القدماء عقيدة تسمي التثليث علي الإطلاق .. و مع كل ذلك نقول :
إن المسيحية لا تؤمن بتثليث فقط ،
إنما بتثليث و توحيد .
و هذا التوحيد لا توافق عليه العبادات
المصرية التي تنادي بالتعدد .
ففي قانون الإيمان المسيحي نقول في أوله " بالحقيقة نؤمن بإله واحد " . و حينما نقول باسم الآب و الابن
و الروح القدس ، نقول بعدها "
إله واحد .
اَمين "
.و في الرسالة الأولي للقديس يوحنا الإنجيلي يقول " الذين
يشهدون في السماء هم ثلاثة : الآب و الكلمة و الروح القدس . و هؤلاء الثلاثة هم واحد " ( 1 يو 5 : 7 ) .
و وردت عبارة " الله واحد "
في مواضع كثيرة من الكتاب المقدس .
وردت في ( غلاطية
3 : 20 ) ،و في يعقوب (2 : 19 ) ، و في ( أفسس 4 : 5
). و في (1
تي 2
: 5 ) . و أيضاً في ( يو 5 : 44 ) ، ( رومية 3 :
30 ) ، ( مت 19 : 17 ) ، ( مر 12 : 29 ،30 ). كما أنها كانت تمثل الوصية الأولي من الوصايا العشر ( خر 20 : 3 ) . و ما
أوضح النص الذي يقول " الرب إلهنا رب واحد " ( تث 6 : 4 ). و عبارة الإله الواحد ترددت مرات
عديدة في سفر أشعياء النبي علي لسان الله نفسه ، كما في ( أش 43 : 10 ، 11 ) ، ( أش 45 : 6 ، 18 ،
21 ) ، ( أش 46 : 9 ) .
و المسيحية تنادي بأن الأقانيم
الثلاثة إله واحد .
كما وردت في ( 1 يو 5 : 7 ) . و كما
وردت في قول السيد المسيح "
و عمدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدس " ( مت 28 : 19 ) ، حيث قال باسم ، و لم يقل بأسماء و لعل
سائلاً يسأل كيف أن 1+1+1 + فنقول 1Ð1Ð1 =1 .
الثالوث يمثل الله الواحد ، بعقله و بروحه ، كما
نقول إن الإنسان بذاته ، و بعقله و بروحه كائن واحد ، و إن النار بنورها وحرارتها
كيان واحد ...
و لكن أوزوريس و حورس ليسوا إلهاً
واحداً بل ثلاثة .
و هذا هو أول خلاف بين هذه القصة و الثالوث
المسيحي .
و الخلاف الثاني إنها تمثل قصة زواج إله رجل ( هو أوزوريس )
، و إلهة
إمرأة ( هي إيزيس ) أنجبا إلهاً (
هو حورس )
.
و ليس في الثالوث المسيحي إمرأة ، و
لا زواج ، حاشا ..!
و لو كل أب و أم و إبن يكونون ثالوثاً .. لكان هذا الأمر في كل مكان ، و في كل بلد ، و في كل أسرة . و لكنه في كل ذلك
لا علاقة له بالثالوث المسيحي .
فالإبن في المسيحية ليس نتيجة تناسل
جسداني .
حاشا أن تنادي المسيحية بهذا ، فالله روح ( يو 4 : 24 )
. و هو منزه عن التناسل الجسدي . و الابن في المسيحية هو عقل الله
الناطق ، أو نطق الله العاقل ز و بنوة الابن من الآب في الثالوث المسيحي ، مثلما
نقول " العقل يلد فكراً "
و مع ذلك فالعقل و فكره كيان واحد . و لا علاقة لهما بالتناسل الجسداني ...الفكر يخرج من
العقل ، و يظل فيه ، غير منفصل عنه .
أما في التناسل الجسداني ، فالإبن له كيان مستقل قائم
بذاته منفصل عن أبيه و أمه . و كل من الأب و الأم له كيان قائم بذاته منفصل عن الآخر . و هنا نجد خلافاً
مع الثالوث المسيحي .
فالأقانيم المسيحية ،لا انفصال فيها
لأقنوم عن الآخر .
الإبن يقول " أنا
في الآب ، و الآب في " ( يو 14 : 11
) ، "أنا و الآب
واحد " (يو 10 : 30) . و لا يمكن أن حورس يقول أنا و أوزوريس كائن واحد !
أنا فيه وهو في ...
كذلك الأقانيم المسيحية متساوية في
الأزلية . لا تختلف في الزمن .
الله بعقله و بروحه منذ الأزل. أما في قصة أوزوريس و إيزيس ، فحدث أن ابنهما حورس لم يكن
موجوداً قبل ولادته ، و هو أقل منهما في الزمن . كذلك قد يوجد اختلاف في العمر بين
أوزوريس و ايزيس . و هما الإثنان لم يكونا موجودين قبل ولادتهما من جب و نوت ..
أما الله في الثالوث المسيحي فهو كائن منذ الأزل
، و عقله فيه منذ الأزل ، و روحه فيه منذ الأزل . لم يمر
وقت كان فيه أحد هذه الأقانيم غير موجود . لكل السباب السابقة لا يمكن أن نري
لوناً من التشابه بين الثالوث المسيحي ، و ما في الوثنية من تعدد الآلهة ،و اختلاف
في الجنس بين الآلهة ، هذا ذكر و تلك أنثي ، و ايضاً ما في الوثنية من تزاوج بين
الآلهة ، و إنجاب ...
الآية الخاصة بالتثليث (1 يو 5 : 7 ) التي تقول " الذين
يشهدون في السماء هم ثلاثة : الآب و الكلمة و الروح القدس . و هؤلاء الثلاثة " هم واحد " ... هذه الآية في إحدي الترجمات
العربية محاطة بقوسين ، و مكتوب في الحاشية أنها غير موجودة في بعض النسخ . فهل هذا يهدم
عقيدة التثليث؟
إن كانت هذه الآية لم توجد في بعض النسخ ، فلعل
هذا يرجع إلي خطأ من الناسخ ، بسبب وجود اَيتين متتاليتين ( 1 يو 5 : 7 ، 8 ) متشابهتين تقريباً في البداية و
النهاية هكذا :
الذي يشهدون في السماء ... و
هؤلاء الثلاثة هم واحد .
و الذين يشهدون علي الأرض ... و
الثلاثة هم في الواحد .
و مع ذلك هذه الآية موجودة في كل
النسخ الآخري ، و في النسخ الأثرية .
هذه نقطة . و
النقطة الأخري هي أن العقيدة المسيحية لا تعتمد علي اَية واحدة . إذ توجد عقيدة
التثليث في العهد الجديد . و من الآيات الواضحة قول السيد الرب لتلاميذه عن هم في التبشير
:"
و عمدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدس " ( مت 28 : 19 ) .
و هنا يقول " باسم
" و لم يقل ( باسماء ) مما يدل علي أن الثلاثة هم واحد ، و هذا يشابه نفس معني الآية ( 1 يو 5 : 7 ) . و يقول
الكتاب أيضاً " نعمة ربنا يسوع المسيح و محبة الله و شركة الروح القدس مع
جميعكم " ( 2 كو 13 : 4 )
. و هنا أيضاً يذكر الأقانيم الثلاثة معاً . و عن الوحدة بين
الأقانيم ، يقول السيد المسيح :
" أنا و الآب
واحد " ( يو 10 : 30
) .
أي واحد في الجوهر ، و في الطبيعة ...و من جهة الروح القدس ،هو روح الله نفسه ، و طبيعي أن الله و
روحه كيان واحد . فلا يمكن ان ينفصل الله عن روحه ، أو أن يكون الله غير روحه . هما إذن واحد . و في ( أع 5 : 3 ، 4 ) في توبيخ القديس بطرس لحنانيا يقول
له " لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب علي الروح القدس ... أنت لم تكذب علي الناس بل علي الله " . فهو يقول
إن الكذب علي الروح القدس هو الكذب علي الله . لأن الله و روحه لاهوت واحد . و ما أكثر الآيات
التي يمكن ان نوردها في هذا المجال .
و لكننا نجيب هنا في اختصار للتوضيح و لا داعي لأن يقول
البعض إن إحدى النسخ سقطت منها آية ، لأن نسخ الكتاب كانت بالآلاف و بعشرات الآلاف
في العصور الأولي ، و قبل اختراع الطباعة ...
إنها طريقة تشكيك ، لا تتفق مع روح
الكتاب .
و العقيدة المسيحية الراسخة منذ العصر الرسولي ،
ما كانت تخفي عليها آيات الكتاب المقدس ، بل هي مؤسسة علي آيات الكتاب .
ما معني الآية التي تقول "الله
لم يره أحد قط " ( يو 1 : 18 )
ألم يظهر الله لكثير من الأنبياء و يكلمهم ؟
المقصود بعبارة ( لم يره
أحد قط ) اللاهوت . لآن اللاهوت لا يري . و الله – من حيث لاهوته – لا يمكن رؤيته بعيوننا المادية التي لا
تري سوي الماديات ، و الله روح ...لذلك فإن الله ، عندما أردنا أن نراه ، ظهر في هيئة مرئية ، في
صورة إنسان ، في هيئة ملاك . وأخيراًَ ظهر في الجسد ، فرأيناه في إبنه يسوع المسيح ، الذي
قال " من راَني فقد رأي الآب "
.
و لهذا فإن يوحنا الإنجيلي ، بعد أن قال " الله لم يره أحد قط " استطرد بعدها " الإبن
الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر "
( أي قد خبراً عن الله ) .
كل الذين يصورون الآب في شكل مرئي ، إنما يخطئون
،و ترد عليهم هذه الآية بالذات .. كالذين
يصورون الآب في ايقونة للعماد ، يقول "
هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت " بينما الآب لم يره أحد قط .
طالما نحن في هذا الجسد المادي ، فإن ضبابه يمنع
رؤية الله ، إننا " ننظر كما في مراَه " كما يقول
بولس الرسول " أما في الأبدية ، عندما نخلع الجسد المادي ، و نلبس جسداً
روحانياً نورانياً ، يري ما لم تره عين " فحينئذ سنري الله .
قال الكتاب " دعا
يعقوب اسم المكان فنيئيل قائلاً :
لأني نظرت الله وجهاً لوجه " ( تك 32 : 30 ) فكيف يحدث هذا بينما الكتاب
يقول أن الرب قال لموسي في سفر الخروج "
لا تقدر أن تري وجهي . لأن الإنسان لا يراني و يعيش " ( خر 33 : 20 ) .
اللاهوت لا يمكن أن يراه أحد ، لأنه لا يدرك
بالحواس . و لذلك عندما أراد الله أم نراه ،
رأيناه في صورة إبنه متجسداً ، كما قيل " عظيم هو سر التقوي : الله ظهر في
الجسد " ( 1 تي 3 : 16 )
.
في العهد القديم كانوا يرون الله في ظهورات . إما علي هيئة ملاك كما ظهر لموسي النبي في العليقة ( خر3 : 2 – 6 ) . و
إما علي هيئة أحد الرجال كما ظهر لأبينا ابراهيم عند بلوطة ممرا ( تك 18 : 2 ، 16 ،
17 ) . أما بالنسبة إلي أبينا يعقوب فقد ظهر له في هيئة إنسان صارعه حتي طلوع
الفجر ( تك 32 : 24 ) . و قد عرف أنه الله ، لأنه لما باركه قال له " لأنك جاهدت
مع الله و الناس و غلبت "
( تك 32
: 28 ) .
هل إحساسي خطأ أم صواب ، حينما أشعر أن كل ما
يحدث لي هو من الله ؟ و أن الله يضع الناس في طريقي ، و يحركهم في اتجاهات معينة ؟
...
كل ما يحدث حولك أو لك من الخير هو من
الله .
روح الله القدوس يحرك الناس إلي الخير ، يرشدهم
إلي حياة البر . يضعهم في طريقك لفائدتك . و يقول الكتاب " كل الأشياء
تعمل معاً للخير للذين يحبون الله "
( رو 8
: 28 ) . و لكن ماذا عن الشر الذي يحدث لك ، أو يحدث من
حولك ؟
هل نجرؤ و نقول إن الله قد حرك الناس لفعله ؟! حاشا ...
إذن الشر الذي يحدث لك ، ليس هو من
الله . لأن الله لا يحرك الناس لفعل الشر ...
إنه - تبارك - إسمه – قد منح الناس
حرية إرادة . و قد تنحرف حرية إرادتهم نحو الشر . ليس لأن الله يحركهم إليه ، و إنما لأن
الشر الذي في قلوبهم هو السبب في ما يرتكبونه من أخطاء نحوك أو نحو غيرك .
و الله لا يريدهم أن يخطئوا . و لكنه يسمح أن يحدث هذا ، و يعاقب عليه .
فهو لا يشاء الشر ، و لا يحرك الناس إليه ، و
لكنه في نفس الوقت لا يسير الناس نحو الخير ،و لا يرغمهم عليه . بل يحثهم عليه ، و لكنه يترك لحرية إرادتهم أن تشترك مع
المشيئة الإلهية .و إن رفضت ذلك ، لا يرغمها . إلا في حالات الإنقاذ التي تتدخل فيها
إرادة الله لمنع شر عن احبائه ...
فلا تبالغ ، و لا تقل إن كل شئ يحدث
لي هو من الله .
بل قل : و أما
الشر فهو من الشيطان أو من الناس الأشرار
و مع ذلك ، فالله قادر أن يحول الشر
إلي خير .
كما حدث في قصة يوسف الصديق مع إخوته . " الشر الذي فعلوه به ن كان منهم هم ، من حسدهم و غيرتهم و قساوة
قلوبهم . و لكن الله حول الشر إلي خير .
و لذلك قال يوسف لأخوته " أنتم أردتم لي شراً . أما الله فأراد
به خيراً " ( تك 50 : 20
) . الله لم يحرك إخوة يوسف نحو الشر . ولكنه حول شرهم
إلي خير . و بنفس الأسلوب نقول إن الله لم يحرك يهوذا إلي خيانة معلمه . و لكنه حول نتيجة
هذه الخيانة إلي الخير .