المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الجمعة، 25 يوليو 2014

اختيار الراعي _ القديس غريغوريوس النيسي

اختيار الراعي _ القديس غريغوريوس النيسي




فلا بُدّ لكم جميعاً والحالة هذه من غيرة شديدة وحميّة متّقدة حتى يختار الروح القدس راعياً لا تتطلّع عيناه إلاّ إلى أمور الله، ولا يلتفت نظره إلى أي شيء ما يستهوي أبناء هذه الحياة. لهذا، في رأيي، كانت شريعة اللاويين تحرم اللاوي من الميراث الأرضي، حتى لا يكون له نصيب، على حدّ ما كتب، إلا الله، ويُحافظ على هذا النصيب أبداً، فلا تميل نفسه إلى أيّ شيء ماديّ. 

إذا كان هنالك غير مُبالين، أو كنا نحن كذلك، فلا يضطرب أحدٌ في سلوكه بسبب ذلك: ما يفعله البعض مما لا يليق لا يُتيح للآخرين ان يسلكوا سلوكاً غير لائق. عليكم أنتم بخلاف ذلك، أن تسلكوا سلوكاً يساعد الكنيسة على التطوُّر نحو الأفضل بعودة المشتتين إلى اتّساق الجسد الواحد، وعودة الروح القدس إلى التوهُّج في جمهورِ من يمجدون الله بتقوى. لأجل ذلك أرى من الجدير بكم أن تتوجّهوا إلى شخص يريد صالح الكنيسة، بحيث يكون المُنتخب قادراً على إدارتها. 

أن يُطلب ما بين صفات الأسقف الأصل، والغنى، والجاه، ليس ذلك ما يطلبه الرسول (1 تي 3). إذا كانت إحدى هذه الصفات تُلازم طبيعياً من يتولَّون مناصب الإدارة، وتكون كالظل الذي يُرافق الحقيقة، فلا مانع، ولكن إذا كان الأمر غير ذلك فان تقديرنا يكون لما هو أغلى قيمةً وان لم ترافقه الصفات السابقة. 

النبي عاموس كان راعي ماعز، وبطرس صياد سمك، وكذلك أندراوس أخوه، وكذلك يوحنا السامي القدر. بولس كان صانع خيام، ومتى عشّاراً، ولم يكن الباقون قناصل، ولا قُوَّاداً، ولا حكّاماً، أو أشخاصاً عُرفوا بالبلاغة أو الفلسفة، بل كانوا بؤساء، جهّالاً، ومن أصل وضيع. ومع ذلك "فقد ذاع صوتهم في جميع الأرض، وكلامهم إلى أقاصي المسكونة" (مز 18).

قال الرسول: "انظروا أيها الأخوة إلى المدعوين فيكم، فليس كثيرون حُكماء بحسب الجسد، ولا كثيرون أقوياء، ولا كثيرون شُرفاء، وإنما اختار الله ما هو جاهل". قد يكون اليوم أيضاً في نظر الناس من الجهل والحقارة أن يفقد الإنسان رصيدهُ وأن يكون الفقر وضعة الأصل في أساس بؤسه. ومن يدري، قد يكون هذا هو الذي تُفرغ عليه النعمة قرن الزيت المقدس، وإن كان دون العظماء والوجهاء قيمةً اجتماعيّة؟

ما كان الأفضل لمدينة روما في البدء؟ أن تتّخذ لادارتها أحد الأشراف والنُبلاء المتعجرفين من مجلس الشيوخ أو الصياد بطرس، الذي لم يكن له شيء من هذا العالم يجلب له الشهرة؟ ما كان مسكنه؟ من كان خدّامه؟ أيّ الأملاك كانت مداخيلُها في أساس ترفه ورفاهيته؟ وهذا الغريب المحروم من السقف والمائدة كان أشدّ غنَّى من الذين يملكون كل شيء، لانه بفقدانه كل شيء كان يملك الله بكامله.

وكما أن سكان ما بين النهرين، الذين كانوا جماعة بذخ وغنى، اختاروا توما لقيادتهم، والكريتيين تيطس، وسكان أورشليم يعقوب، ونحن سكان كبادوكية قائد المائة الذي اعترف في أثناء الآلام بألوهة الرب - يوم كان فيهم شرفاء كثيرون، وساسة خَيْل، ومتقدمون في مجلس الشيوخ. وقد نجد في كل كنيسة ان العظماء عند الله قد أُوثروا على البهارج العالمية. أرى انه يجب عليكم أنتم أيضاً في الحالة الحاضرة أن تنظروا إلى هذه الأمثلة، وذلك إذا كنتم ترغبون في إحياء ما كان لكنيستكم من مقام قديم ...

انه امن المُخجل، أيها الأخوة، ومما لا معنى له، أن يقود قبطان السفينة وهو لا يعرف فن القيادة، فكيف بالحري يمكن الإنسان أن يقبض على سكان الكنيسة وهو يجهل قيادة نفوس المبحرين معه إلى مرفأ الله. كم من كنيسة غرقت بأبنائها بسبب قصور رؤسائها! من يستطيع أن يُحصي النكبات التي نبصرها بعيوننا والتي كانت لتقع لو كان الرؤساء على شيء من الخبرة في القيادة!

مثلٌ آخر: لا يُسلّم الحديد إلى أناس تنقصهم الخبرة في صُنع الأدوات، بل إلى أولئك الذين يعرفون فنّ الحدادة. يجب إذن تسليم النفوس أيضاً إلى من يعرف تليينها بحرارة الروح القدس، وبأدوات تشكيل روحية يستطيع أن يصنع من كل واحد منكم "إناءً مختاراً" يَحسُن استعماله. 

إلى هذا التبصُّر بالأمور يدعونا الرسول، في رسالته إلى تيموثاوس، فيسنّ قوانين لجميع مستمعيه قائلاً إنَّ الأسقف يجب أن يكون بغير مُشتكى. هل تنحصر رغبة الرسول في ان يكون هكذا المنتدبُ للكهنوت دون سواه؟ أيّ فائدة لأن يكون الخير محصوراً في واحد؟ ولكن الرسول يعلم أن الأدنى يتشبه بالأعلى، وأن فضائل الرئيس تصبح فضائل جميع من يتبعونه، لأن المعلِّم يشكّل التلميذ على شكله. لا يمكن ان يكون من نشأ على فنّ الحدادة أن يمارس فنّ الحائك، ومن تدرّب على الحياكة أن يكون خطيباً أو مهندساً، ولكن من يراه التلميذ في معلمه ينتقل إليه. لهذا قيل: "كل تلميذ إذا اكتمل يكون مثل معلمه" (لو 6).

فماذا إذن أيها الأخوة؟ أمن الممكن أن يصير متواضعاً، ليّن الجانب، موزوناً، مترفِّعاً عن المكسب، حكيماً في الأمور الإلهية، أليفاً للفضيلة والدّعة في سلوكه، مَن لا يرى هذه الصفات عند مُعلِّمه؟!!!

لا، لا أدري كيف يصير روحانياً من كان تلميذاً لابن دُنيا: كيف لا يكون على صورته مَن تشكّل بشكله. 

أيّ فائدة للعطاش في عظمة البئر إذا خلت من الماء؟ حتى إذا ارتفع مدخلها على أعمدة متّسِقة الهندسة، في تنوّع أشكالها، فماذا يطلب العطشان ليروي عطشه: أن يُشاهد حجارة حسنة التنسيق، أو أن يجد ماءً، حتى إذا كان جارياً في مجرى خشبي ينسربُ منه سائل صالح للشرب؟ هكذا، أيها الأخوة، من نظر بعين الاعتبار إلى التقوى لم يهتمٌ بالظواهر الخارجية. حتى إذا كان أحدٌ فخوراً بأصدقائه، ومزهوًّا بقائمة مراتبه، وكان دَخلُه السنوي ضخماً، وكان يستعلى بسلالته، ويغرق من جميع النواحي في دُخان عجرفته،فيجب اهمالُ مثل هذا كما تُهمل البئر الجافة، إذ انه لا يملك الصفات الجوهرية في الحياة. 

يجب بالأحرى السعي، ما أمكن ذلك، وعلى ضوء مصباح الروح القدس، إلى اختيار من هو "جنةٌ مُقفلة وينبوع مختوم" على حد قول الكتاب. وهكذا إذ تصبح لنا أطايبُ الجنّة، بالرسامة، في مُتناولنا، يتمكن ماء الينبوع من الجري، وتصبح النعمة التي فيه الملك المشترك للكنيسة كلها. 

فليمنحكم الرب أن تجدوا سريعاً في ما بينكم مثل هذا الرجل فيكون "إناءً مختاراً"، "عمود الحق وقاعدته". ثقتنا في الرب أن الأمور ستجرى هكذا إذا اجتمعتم على توخّي الخير العام، مقدّمين إرادة سيدنا يسوع المسيح على إرادتكم الخاصة، "ما هو صالح، وما يرضيه، وما هو كامل"، حتى يتسنى لكم من النجاح ما يكون لنا سبب فخار، ولكم علّة الابتهاج، ولإله الجميع داعي التمجيد، هو الذي ينبغي له المجد إلى الأبد.



المرجع: رسائل غريغوريوس النيصي (335 - 394م)، منشورات المكتبة البولسية.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;