كتاب رأي في اللاطائفية: ثبِّت أساس الكنيسة - الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة
12- الفصل الثالث: بولس الرسول والفكر العقيدي
(1) رسالة رومية والخلاص
الإيمان أم أعمال الناموس
كيف نموت مع المسيح؟
(2) رسالة العبرانيين والكهنوت
(3) رسالتا أفسس وكولوسي وسر الكنيسة
(4) رسالة كورنثوس الأولى
(5) رسالة غلاطية
(6) رسالتا تسالونيكي
وبنظرة إجماليةقيل عن معلمنا بولس الرسول أنه فيلسوف الفكر المسيحي، وقد اهتم هذا القديس الطوباوي بشرح العقيدة، ودافع عنها دفاعًا مستميتًا.تعالوا معي نبحر في فكر هذا القديس العظيم من خلال رسائله المقدسة، التي تعتبر كل رسالة منها بحثًا لاهوتيًا مستفيضًا في موضوع ما، وبعضها يعالج أكثر من موضوع في الرسالة الواحدة.(1) رسالة رومية والخلاص
لقد كتب معلمنا بولس الرسول هذه الرسالة الرائعة ليشرح فيها أن:أ ــ كل إنسان خاطئ ويحتاج لخلاص الله لذلك أرسل الله ابنه الوحيد يسوع المسيح، ليخلصنا من خطايانا.. "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ، مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ" (رو 3: 23- 25)ب ـ بالرغم من إن شعب إسرائيل قد رفضوا المسيح، ولكن الله الأمين سيرجع ويردهم إليه في المستقبل، ليخلصوا بالمسيح..+ "أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ، وَهكَذَا سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «سَيَخْرُجُ مِنْ صِهْيَوْنَ الْمُنْقِذُ وَيَرُدُّ الْفُجُورَ عَنْ يَعْقُوبَ" (رو 11: 25، 26).+ "مِنْ جِهَةِ الإِنْجِيلِ هُمْ أَعْدَاءٌ مِنْ أَجْلِكُمْ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الاخْتِيَارِ فَهُمْ أَحِبَّاءُ مِنْ أَجْلِ الآبَاءِ" (رو11: 28).ج -عندما نصبح أعضاء في جسد الله، يجب علينا أن نحيا حياة حرة مقدسة، وينبغي أن نطيعه لأننا نحبه... "لاَ تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لأَحَدٍ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، لأَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ فَقَدْ أَكْمَلَ النَّامُوسَ" (رو 13: 8).وفي سبيل شرح هذه العقائد، عرج معلمنا بولس إلى تقديم ربنا يسوع في صورة آدم الثاني. فآدم الأول تسبب في إدخال الخطية إلى العالم، وآدم الثاني (المسيح)قد صنع لنا غفران الخطية، وكل من يؤمن به ينال عطية الله...+ "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رو 5: 12).+ "فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ. لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا" (رو 5: 18، 19).الإيمان أم أعمال الناموس:
وكان معلمنا بولس حريصًا على أن يشرح: أن الإنسان يخلص بالإيمان لا بأعمال الناموس..+ "لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ" (رو 3: 20).+ "وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ... بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رو 3: 21، 22).وهذا ما أكده أيضًا في رسالته إلى أهل غلاطية:+ "لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ" (غل 5: 6).ولكن هذا التبرير بالإيمان لا يُبيح ارتكاب الخطية...! "نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ، كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟" (رو6: 2).كيف نموت مع المسيح؟
ولكن كيف متنا عن الخطية؟ هذه يشرحها معلمنا بولس قائلًا: "أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟ لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ. عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ. لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ. فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَالْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ" (رو 6: 3- 8).
هنا يشرح مُعلمنا بولس إن: الطريقة التي يعلنها الكتاب المقدس عن كيفية الموت مع المسيح وفيه.. هي المعمودية، فالمعمودية في فكر بولس الرسول(بالروح القدس)، هي موت وميلاد جديد.لماذا يهتم معلمنا بولس الرسول بشرح هذه القضايا؟ أليس من الأفضل اخذ الأمور بأكثر بساطة، وكل الطرق تصل بنا للمسيح... معمودية أو إيمان أو كلمة أو محبة أو بساطة؟!!لابد من طريق واضح المعالم يشرحه الإنجيل باستفاضة، ولابد من الالتزام بهذا الطريق وإلا سيضل الإنسان... "هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ" (هو 4: 6).وهذه كانت مشكلة اليهود... إذ كانت "لَهُمْ غَيْرَةً للهِ، وَلكِنْ لَيْسَ حَسَبَ الْمَعْرِفَةِ. لأَنَّهُمْ إِذْ كَانُوا يَجْهَلُونَ بِرَّ اللهِ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ يُثْبِتُوا بِرَّ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يُخْضَعُوا لِبِرِّ اللهِ" (رو 10: 2، 3).+ فهل لنا أن نُبَسِط الأمور، ونقول لليهود لا ضرر من أفكاركم، وسوف نقبلكم بالرغم من أن أفكارنا لا تلتقي مع أفكاركم؟ وبهذا نحذف الفكر الكتابي الخاص بالخلاص بالإيمان، وليس بأعمال الناموس.+ وهل نقبل فكر التهود والختان، والالتزام بذبائح العهد القديم؟ الأمر الذي رفضه الآباء الرسل في أورشليم، وذلك نقبله من اجل البساطة والحب وعدم الدخول في مشاكل عقيدية.+ وهل يقبل المسيحيون هذا الفكر؟ والمنادون باللاطائفية هل يقبلون دعاة التهود؟+ وهل يوافقون على الالتزام بذبائح العهد القديم والختان وحفظ السبت؟يجب أن تكون الأمور العقائدية واضحة ومحددة ويجب أن نتمسك بها.(2) رسالة العبرانيين والكهنوت
هدف (رسالة العبرانيين) هو إبراز حقائق إيمانية عقائدية وهي:+ بيان جلال الكهنوت المسيحي، وسموه على الكهنوت اللاوي، بقدر ما يسمو السيد المسيح له المجد عن موسى وهارون.+ وأن كهنوت السيد المسيح كهنوت دائم وباق إلى الأبد وهي الحقيقة التي تستند إليها جميع أسرار الكنيسة... "فَلَوْ كَانَ بِالْكَهَنُوتِ الّلاَوِيِّ كَمَالٌ... مَاذَا كَانَتِ الْحَاجَةُ بَعْدُ إِلَى أَنْ يَقُومَ كَاهِنٌ آخَرُ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ؟ وَلاَ يُقَالُ عَلَى رُتْبَةِ هَارُونَ. لأَنَّهُ إِنْ تَغَيَّرَ الْكَهَنُوتُ، فَبِالضَّرُورَةِ يَصِيرُ تَغَيُّرٌ لِلنَّامُوسِ أَيْضًا... عَلَى قَدْرِ ذلِكَ قَدْ صَارَ يَسُوعُ ضَامِنًا لِعَهْدٍ أَفْضَلَ... يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ، لَهُ كَهَنُوتٌ لاَ يَزُولُ" (عب 7: 11 ــ 24).فما الداعي لمعلمنا بولس الرسول أن يرهق نفسه في شرح موضوع عقيدي لا يهم عامة الشعب (كما يقولون)!! ويفرد له سفرًا خاصًا يتكلم عن الكهنوت، ويشرح تفاصيل في التمييز بين الكهنوت المسيحي وكهنوت اليهود... أليس اخذ الأمور ببساطة أفضل؟!نحن هنا لسنا بصدد الرسالة، أو الكلام عن الكهنوت، بل فقط نستدل من اهتمام معلمنا بولس الرسول في شرح الكهنوت، إن التكلم في العقيدة أمر كتابي يوافق عليه رسل ربنا يسوع المسيح.(3) رسالتا أفسس وكولوسي وسر الكنيسة
+ في (رسالة أفسس) يشرح معلمنا بولس الرسول: كيف أن المؤمنين هم أعضاء في جسد واحد.. هو جسد المسيح، وذلك بالمعمودية والإفخارستيا والإيمان الواحد.. "جَسَدٌ وَاحِدٌ (جسد المسيح)، وَرُوحٌ وَاحِدٌ (الروح القدس)، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضًا فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ(الإنجيل). رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ" (أف 4: 4، 5).+ وفي (رسالة كولوسى) يكتمل شرح الفكرة: بأن يُبرز المسيح كرأس للكنيسة "وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ" (كو 1: 18).وطبيعة الأمور أنه فيما يشرح معلمنا بولس الرسول الفكرة الرئيسية في رسالته، لابد له أن يعرج إلى بعض الأمور الأخرى، ويشرح أفكارًا أخرى تمتلئ بها رسائله المقدسة.فليس شرح الإيمان والتمسك به نوعًا من الترف الفكري، أو النافلة التي لا ضرورة لها، وليس هو مضيعة للوقت... بل بالعكس كان هذا هو النور الأول للأسقف في الكنيسة، كما شرح معلمنا بولس لتلميذيه تيموثاوس وتيطس.وهذا أيضًا يحتاج بحثًا خاصًا في تفسير رسائل بولس الرسول الرعوية عن دور الأسقف في الكنيسة.. وهذا موضوع الفصل القادم.(4) رسالة كورنثوس الأولى
وفي (الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس)، يوجد في كل إصحاح موضوع عقيدي يشرحه معلمنا بولس الرسول، ويثبت فيه الفكر المسيحي ضد الانحرافات الإيمانية، والعقيدية التي كانت منتشرة آنذاك.+ ففي الإصحاحات (1 ــ 4): يناقش فكرة الانقسام الحادث في كنيسة كورنثوس، ويعالج هذا الانقسام بالمبدأ الأرثوذكسي القائل: "كُونُوا كَامِلِينَ فِي فِكْرٍ وَاحِدٍ وَرَأْيٍ وَاحِدٍ" (1 كو 1: 10).وهذا ضد الفكر الغريب الذي ينادى بالتعددية.. في الآراء الإيمانية والأفكار العقيدية، بعضهم يفتقد الشباب قائلًا: اذهب إلى أي كنيسة تختارها في أي طائفة.. كلنا واحد في المسيح المهم تكون في كنيسة... أي كنيسة، ويظنون بهذا أنهم متسعو الفكر، وأنهم في مرونة فكرية تتوافق مع المسيح، غير مدركين أن هذا التساهل ضد روح الكتاب المقدس.فالإيمان يجب أن يكون واحدًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى... "فَتَمِّمُوا فَرَحِي حَتَّى تَفْتَكِرُوا فِكْرًا وَاحِدًا وَلَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، مُفْتَكِرِينَ شَيْئًا وَاحِدًا، لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" (في 2: 2، 3).لذلك قيل عن فم معلمنا بولس الرسول: "فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ وَرَأَيْتُكُمْ، أَوْ كُنْتُ غَائِبًا أَسْمَعُ أُمُورَكُمْ أَنَّكُمْ تَثْبُتُونَ فِي رُوحٍ وَاحِدٍ، مُجَاهِدِينَ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ لإِيمَانِ الإِنْجِيلِ" (في 1: 27).إذًا...+ "فَلْنَسْلُكْ بِحَسَبِ ذلِكَ الْقَانُونِ عَيْنِهِ" (في 3: 16).+ "أَطْلُبُ إِلَى أَفُودِيَةَ وَأَطْلُبُ إِلَى سِنْتِيخِي أَنْ تَفْتَكِرَا فِكْرًا وَاحِدًا فِي الرَّبِّ" (في 4: 2).+ "وَالنِّهَايَةُ، كُونُوا جَمِيعًا مُتَّحِدِي الرَّأْيِ بِحِسٍّ وَاحِدٍ" (1 بط 3: 8).لم يعالج معلمنا بولس الرسول مشكلة الانقسام في كورنثوس بان قال لهم: أحبوا بعضكم بعضًا، حتى ولو كنتم مختلفين في الآراء والأفكار بخصوص العقيدة، وعيشوا معًا بالحب، بالرغم من وجود الاختلاف في الإيمان، واقبلوا بعضكم بعضًا، بأفكاركم المتباينة من جهة الله، بل قال لهم: "كُونُوا كَامِلِينَ فِي فِكْرٍ وَاحِدٍ وَرَأْيٍ وَاحِدٍ" (1 كو 1: 10)، ليس من الحكمة أن نتبع في منهجنا المسيحي أفكار الناس بل فكر الإنجيل.قد نختلف في الآراء والأفكار بخصوص أمور الحياة الحاضرة، ونعتبر هذه الاختلافات ثراء، ولا تفسد للود قضية، ولكن حينما يكون الاختلاف بخصوص الإيمان، فالوضع يختلف، ويجب أن نكون "فكر واحد ورأى واحد" (1 كو 1: 10).+ وفي الإصحاح الخامس: يعالج معلمنا بولس الرسول مشكلة خاطئ كورنثوس الذي تزوج امرأة أبيه، وحكم عليه بالفرز، والقطع لحين توبته، وقد أعلن رده إلى الكنيسة مرة أخرى في الرسالة الثانية (راجع 2 كو 2: 6 ــ 11).+ وفي الإصحاح السادس: يوبخهم على ذهابهم للمحاكمة أمام غير المؤمنين، وفي شرحه بخصوص هذا الأمر، أعلن لنا حقائق عقائدية رائعة: "أَنَّ الْقِدِّيسِينَسَيَدِينُونَ الْعَالَمَ" (1 كو 6: 2)، "أَنَّنَا سَنَدِينُ مَلاَئِكَةً" (1 كو 6: 3)... (يقصد طبعًا الملائكة الساقطين أي الشياطين).+ وفي الصحاح السابع: يجيب الرسول عن أسئلتهم بخصوص الزواج والبتولية والترمل ويضع قواعد للمعاملات في هذه الأمور.+ وفي الإصحاح الثامن: يعالج قضية أكل ما ذُبح للأوثان.+ وفي الإصحاح التاسع: يُدافع الرسول عن رسوليته، ويُظهر جهاده الرسولي.+ وفي الإصحاح العاشر: يتكلم عن المعمودية والإفخارستيا، بشرح جميل عن بعض المعاني في العهد القديم من خلال عبور البحر الأحمر، وأكل المَنْ في البرية، وأكد على حقيقة الإفخارستيا: "كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ" (1 كو 10: 16، 17).وكذلك تكلم مرة ثانية عن أكل ما ذبح للأوثان، ووضع لنا هذه القاعد الذهبية: "فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ" (1 كو 10: 31).+ وفي الإصحاح الحادي عشر: تكلم الرسول عن بعض التنظيمات الكنسية أثناء الصلاة، وكذلك عن اجتماع ممارسة الافخارستيا، وعن التناول من جسد الرب ودمه باستحقاق: "إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هذَا الْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ، بِدُونِ اسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ" (1 كو 11: 27)، "لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاق يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ" (1 كو 11: 29). "وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُحِبُّ الْخِصَامَ (التشكيك وإثارة والانقسام)، فَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ عَادَةٌ مِثْلُ هذِهِ، وَلاَ لِكَنَائِسِ اللهِ" (1 كو 11: 16).+ وفي الإصحاح الثاني عشر، والرابع عشر: يتكلم عن مواهب الروح القدس، مفندًا الرأي المنحرف القائل بان العلامة الوحيدة لحلول الروح القدس هي التكلم بالسنة قائلًا: "إِذًا الأَلْسِنَةُ آيَةٌ، لاَ لِلْمُؤْمِنِينَ، بَلْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ" (1 كو14: 22).+ وفي الإصحاح الثالث عشر: يتكلم عن المحبة المسيحية، وقد وضع الرسول هذا الإصحاح بين كلامه عن التكلم بالسنة ليبرز لنا إن المحبة في المسيحية أهم وأقيم من كل المواهب الروحية، والتفلسف بالمعرفة والافتخار بالتكلم بالسنة.+ وفي الإصحاح الخامس عشر: يتكلم عن عقيدة قيامة الأموات مبرهنًا عليها بقيامة السيد المسيح من الأموات، ويشرح طبيعة جسد القيامة.(5) رسالة غلاطية
يعالج فيها الرسول بولس قضية التهود، واعتبر الذين يعلمون بضرورة التهود قبل الدخول في المسيحية أنهم يبشرون بإنجيل آخر:+ "إِنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هكَذَا سَرِيعًا عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ إِلَى إِنْجِيل آخَرَ! لَيْسَ هُوَ آخَرَ، غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ. وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا»! كَمَا سَبَقْنَا فَقُلْنَا أَقُولُ الآنَ أَيْضًا: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا» (أي محرومًا)! أَفَأَسْتَعْطِفُ الآنَ النَّاسَ أَمِ اللهَ؟ أَمْ أَطْلُبُ أَنْ أُرْضِيَ النَّاسَ؟ فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي النَّاسَ، لَمْ أَكُنْ عَبْدًا لِلْمَسِيحِ. (غل 1: 6 ــ 10).وهنا أرجو من القارئ العزيز أن يتمهل في قراءة هذه الآيات التي تحكم بالحزم، على كل من يغير في الإيمان الذي قبلناه.(6) رسالتا تسالونيكي
وفي هاتين الرسالتين يشرح معلمنا بولس الرسول حقيقة وعقيدة المجيء الثاني، وعندما فهم المؤمنون كلامه خطأ في الرسالة الأولى.. أرسل الثانية ليصحح مفاهيمهم، ولم يترك الأمر بدون شرح وتصحيح:+ "ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَاجْتِمَاعِنَا إِلَيْهِ، أَنْ لاَ تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعًا عَنْ ذِهْنِكُمْ، وَلاَ تَرْتَاعُوا، لاَ بِرُوحٍ وَلاَ بِكَلِمَةٍ وَلاَ بِرِسَالَةٍ كَأَنَّهَا مِنَّا: أَيْ أَنَّ يَوْمَ الْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ. لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ الارْتِدَادُ أَوَّلًا، وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ" (2 تس 2: 1 ـ3).وبنظرة إجمالية:
فان الرسول بولس الحكيم كان لا يتوانى عن شرح العقيدة في كل رسائله حتى عندما يتكلم كلامًا روحانيًا صافيًا، كان يجد نفسه ملزمًا أن يعرج إلى شرح حقائق لاهوتية وعقائدية، إذ أنه لا يمكن فصل الإيمان عن الروح، ولا الفكر عن السلوك.ويستطيع القارئ العزيز أن يقرا رسائل معلمنا بولس بتدقيق وبتأني، ويستخرج منها كمًا هائلًا من الأفكار العقائدية التي لا يمكن لكتابي هذا أن يستوعبها، وإلا وجدت نفسي أنقل إليك كل نصوص الرسائل.