المقدمة: لماذا هذا الكتاب؟
إنه كتاب يتكلَّم عن أهمية العقيدة لحياتنا الروحية، ولمستقبلنا الأبدي، ردًّا على فكر سلبي بدأ ينتشر بين الشباب، يُشيع إيحاء بعدم ضرورة إرهاق الذهن في معرفة العقيدة المسيحية، ويُطالب بالاكتفاء بالروحانية والفضائل، وكأن هناك انفصال كياني بين العقيدة والروح، أو أننا يُمكن أن نخلُص بدون أن نتمسك بعقيدتنا، ويعتبرون دراسة العقيدة ومعرفتها، نوعًا من الترف الفكري الذي لا لزوم له، وتعصبًا وتشددًا غير مرغوب فيه.
إننا في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية.. تتشعب خدمتنا الروحية وعبادتنا إلى: تسابيح وألحان وترانيم وقداسات، ثم عظات وخدمة واجتماعات.. وعادة ما نتطرق لكافة الموضوعات الروحية والاجتماعية.
كما أننا قد نجد في كنائسنا اجتماعات متخصصة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فهناك مثلًا: اجتماعات لدراسة الكتاب المقدس، وأخرى للحياة الكنسية، واجتماعات روحية، وأخرى للتربية الأسرية... وفي مختلف المجالات.
ومع ذلك، وبالرغم من كل هذا العمل الروحي الضخم، فإننا إن تطرقنا في أحد الاجتماعات لموضوع عقيدي واحد يتساءل البعض: لماذا تُضيعون وقت الناس في العقيدة واللاهوت والطقس، خصوصًا أن هذه الأمور تُسبب خلافات وعدم توافق؟! كما أن التاريخ يشهد أن الخلافات بين الكنائس كانت بسبب هذه الموضوعات العقيدية.
وقد يظُن البعض أن هذه المعلومات الجافة (هكذا) تُعطِّل خلاص الإنسان، وعلاقته مع المسيح، ويُطالبون بالاكتفاء بالتعليم الروحي عن التوبة والمحبة وسائر الفضائل.
دخل أحدهم اجتماعًا غير أرثوذكسي... وفوجئ بالمُتكلِّم يقول: "يا إخوة... يسوع واقف منتظر رجوعكم... ليس بأحد غيره الخلاص... ليس لنا إيليا ولا موسى ولكن لنا يسوع فقط... ليس لنا مرقس ولا بولس لنا يسوع فقط، لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح. الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع".
جمع الأخ شجاعته ووقف ليُناقش المُتكلِّم فيما يقول.. ولكن قبل أن يسترسل في سؤاله قاطعه المُتكلِّم قائلًا: "نحن لا نتكلَّم في الفروق العقيدية.. ولا نتعرض للعقيدة.. نحن اجتماع لا طائفي... ولا داع لأن تشغلنا بمناقشات عقيدية تضيع علينا زمن الفرح بيسوع، وفرصة الصلاة والتوبة" وأنهى الواعظ المناقشة.
سوف لا أناقش هنا قضية شفاعة القديسين، ولكنني أود أن أكشف الرأي الخاطئ في هذا الرد:
- هل فعلًا المُتكلِّم لا يتعرّض لقضايا عقيدية؟
- هل إغفال شركة القديسين، وإلغاء الشفاعة أمر يقبله الأرثوذكس؟
- لماذا نُسمى مثل هذا الاجتماع لا طائفي؟
وأذُكر سؤالًا سأله لي شاب في أحد المؤتمرات في العجمي قائلًا: لماذا تُركزون في هذا المؤتمر على العقيدة في كل كلامكم؟ أليست بساطة الإيمان أفضل من كل هذه الشروحات؟! هل سيُعقد لي امتحان في فهم العقيدة ليكون شرطًا لدخول السماء؟ وهل العاميون والبسطاء من المؤمنين ليس لهم نصيب في السماء بسبب عدم معرفتهم؟ ألا يُمكن أن نكتفي بمحبة المسيح، والصلاة والتمتع بشركته، دون الدخول في تفاصيل، خاصة وأن هذه التفاصيل سببت للكنيسة متاعب وانقسامات وحروبًا وتحزبات؟
وتركت صديقي الشاب يُعبِّر عما بداخله من الرفض للتعليم العقيدي، وتمسُكه بفكرة أن تكون الروحانية بسيطة.. قوامها التوبة، والصلاة، ومحبة الآخرين، وقبول الآخر(1) بالرغم من اختلافنا في العقائد والممارسات.. وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث حول... لماذا العقيدة؟!! وقد آثرت أن يكون حوارنا العقيدي هو موضوع هذا الكتاب.
فسوف نتطرق في دراستنا هذه لقانونية تدريس العقيدة من جهة الكتاب المقدس، وما فعله آباؤنا الرسل، وآباؤنا القديسون بطول التاريخ، وهل العقيدة والمعرفة يؤثران على خلاص الإنسان، أم هي مجرد سفسطة كلام؟! وهل تؤثر العقيدة في السلوك الروحي اليومي؟ بمعنى: هل تتأثر روحانية الإنسان بعقيدته؟
إن النموذج الأعلى لنا هو السيد المسيح، فما قام به السيد المسيح هو مرجع لنا، ونموذج أعلى.
فإذا وُجد في تعليم السيد المسيح البُعد العقيدي.
فكُن أنت كما السيد المسيح أيضًا.
الأنبا رافائيل
الأسقف العام
_____