المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الأحد، 2 نوفمبر 2014

نحن لا نعبد مخلوقاً _ القديس أثناسيوس









نحن لا نعبد مخلوقًا ، حاشا ! 

لأن مثل هذا الضلال إنما هو خاص بالوثنيين والآريوسيين . ولكننا نعبد رب الخليقة كلمة الله المتجسد. لأنه إن كان الجسد نفسه، في حد ذاته هو جزء من عالم المخلوقات، إلاّ أنه صار جسد الله. فنحن من ناحية، لا نفصل الجسد عن الكلمة، ونعبد مثل هذا الجسد في حد ذاته، ومن ناحية أخرى، فإننا لا نفصل الكلمة عن الجسد، ولكننا إذ نعرف أن "الكلمة صار جسدًا " فإننا نعرفه كإله أيضًا بعد أن صار في الجسد.

وتبعًا لذلك، فمن هو أحمق إلى هذه الدرجة حتى يقول للرب "انفصل عن الجسد لكى أعبدك "؟ أو من هو عديم التقوى لدرجة أن يقول له مع اليهود الحمقى " لماذا وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا " (يو33:10)؟

ولكن الأبرص لم يكن من هذا النوع ، فإنه عَبَدَ الله في الجسد ، وعرف أنه الله قائلاً "يارب، إن أردت تقدر أن تطهرنى " (مت3:8) ، فهو من ناحية لم يظن أن كلمة الله مخلوق، بسبب الجسد، ومن الناحية الأخرى لم يحتقر الجسد الذى كان يلبسه (الكلمة) بسبب أن الكلمة هو خالق الخليقة. ولكنه عَبَدَ خالق الكون كما في هيكل مخلوق، وهكذا تطهر.

وهكذا أيضا المرأة نازفة الدم لأنها آمنت، فقد اكتفت بلمس هدب ثوبه وشفيت (مت20:9ـ22).

والبحر المضطرب بأمواجه، سمع الكلمة المتجسد، فكفت العاصفة (مت11:8). 

والأعمى منذ ولادته قد شُفي بتفلة الجسد من الكلمة (يو6:9).

وما هو أعظم وأكثر غرابة، فإنه حينما عُلق الرب على الصليب فعلاً (لأن الجسد كان جسده، وكان الكلمة في الجسد)، فقد أظلمت الشمس والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، وانشق حجاب الهيكل (لو45:23)، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين (مت52،51:27).

إن هذه الأشياء قد حدثت ، ولم يجادل أحد من أولئك، فيما إذا كان يجب على الإنسان أن يؤمن بالكلمة المتجسد. بل عند رؤيتهم إياه إنسانًا عرفوا أنه هو الذى خلقهم. وحينما سمعوا صوتًا بشريًا، لم يكونوا يقولون إن الكلمة مخلوق بسبب بشريته. بل بالعكس كانوا يرتعدون، ولم يعرفوا شيئًا أقل من أنه كان ينطق به من هيكل مقدس. 

فكيف إذن لا يخاف عديمو التقوى، لئلا كما أنهم لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم، ربما يسلمهم إلى ذهن مرفوض ليفعلوا تلك الأشياء التى لا تليق (أنظر رو28:1)، لأن الخليقة لا تعبد المخلوق، وأيضًا هى لم ترفض أن تعبد ربها بسبب الجسد. ولكنها كانت ترى خالقها في الجسد، " وانحنت كل ركبة " باسم يسوع، حقًا، "وستنحنى (كل ركبة) ممن في السموات ومن على الأرض ومن تحت الأرض وسيعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب (في11،10:2)، لأن الجسد لم يقلّل من مجد الكلمة، حاشا : بل بالأحرى، فإن الجسد نفسه قد تمّجد بالكلمة.

والابن الكائن في صورة الله، أخذ صورة عبد، وهذا لم يُنقص من ألوهيته، بل هو بالأحرى قد صار بذلك مخلصًا لكل جسد ولكل خليقة .

وإن كان الله قد أرسل ابنه مولودًا من امرأة ، فإن هذا الأمر لا يسبب لنا عارًا بل على العكس مجدًا ونعمة عظمى. لأنه قد صار إنسانًا لكى يؤلهنا في ذاته.

وقد صار (جسدًا) من امرأة ووُلد من عذراء كى ينقل إلى نفسه جنسنا (نحن البشر) الذين ضُلِّلنا، ولكى نصبح بذلك جنسًا مقدسًا، ونصير شركاء الطبيعة الإلهية (2بط4:1) كما كتب بطرس المُطوب.

وما " كان الناموس عاجزًا عنه إذ أنه كان (الناموس) ضعيفًا بواسطة الجسد ، فإن الله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ، ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد " (رو3:8).

إذن، فالكلمة أخذ جسدًا، لأجل تحرير كل البشر، ولإقامة الجميع من بين الأموات، ولكى يصنع فداءً من الخطايا .

فأولئك الذين يستخفون بهذا الأمر (الجسد)، أو الذين بسبب الجسد يتهمون ابن الله بأنه مصنوع أو مخلوق، كيف لا يظهر أنهم جاحدون للنعمة ومستحقون لكل اشئمزاز ونفور؟ فكأنهم بذلك يصرخون قائلين لله : لا ترسل ابنك الوحيد الجنس في الجسد ، ولا تجعله يتخذ جسدًا من عذراء لكى لا يفتدينا من الموت ومن الخطيئة، ولا نريده أن يصير في الجسد لكى لا يقاسى الموت من أجلنا، ولا نرغب في أن يصير في الجسد لئلا يصير بهذا الجسد وسيطًا لنا للدخول إليك فنسكن في المنازل التى في السموات. فلتغلق أبواب السموات، لكيلا يكرّس لنا كلمتك الطريق في السموات بواسطة الحجاب الذى هو جسده. هذه هى الأقوال التى يتفوه بها أولئك الناس بجرأة شيطانية ... لأن الذين يرفضون أن يعبدوا الكلمة الصائر جسدًا، هم جاحدون لنعمة صيرورته إنسانًا .

والذين يفصلون الكلمة عن الجسد، لا يحسبون أنه قد حدث فداء واحد من الخطيئة، ولا يحسبون أنه قد تم اندحار للموت . 

ولكن على وجه العموم، أين سيجد الكافرون، الجسد الذى اتخذه المخلص، منفصلاً عنه ، حتى يتجاسروا أن يقولوا أيضًا : إننا لا نعبد الرب متحدًا بالجسد بل نفصل الجسد ونعبد الكلمة وحده ؟ 

لقد رأى اسطفانوس المغبوط ، الرب واقفًا في السموات ، عن يمين الله (أع55:7)، والملائكة قالوا للتلاميذ "سيأتى هكذا بنفس الطريقة التى رأيتموه بها منطلقًا إلى السماء" (أع11:1)، والرب نفسه يقول مخاطبًا الآب: " أريد أن يكونوا هم أيضًا معى على الدوام حيث أكون أنا" (قارن يو24:17). وفي الواقع، إن كان الجسد غير منفصل عن الكلمة ألاّ يكون من اللازم، أن يتخلى هؤلاء الناس عن ضلالهم ، ومن ثم يعبدون الآب باسم ربنا يسوع المسيح، أو ، إن كانوا لا يعبدون ويخدمون الكلمة الذى جاء في الجسد، فينبغى أن يُطرحوا خارجًا من كل ناحية، وأن لا يُحسبوا فيما بعد مسيحيين، بل بالأحرى يُعدوا بين اليهود .

هذا هو إذن ، هَوْس (جنون) أو جسارة أولئك الناس . أما إيماننا فمستقيم وهو نابع من تعليم الرسل وتقليد الآباء ويؤكده كل من العهد الجديد والعهد القديم، حيث يقول الأنبياء "أرسل كلمتك وحقك" (مز3:42) " هوذا العذراء ستحبل وتلد ابنًا وسيدعون اسمه عمانوئيل" (إش14:7) " الذى تفسيره الله معنا " (مت23:19)

ولكن ماذا يعنى هذا إن لم يكن أن الله قد جاء في الجسد ؟

فإن التقليد الرسولى يعلّم في قول المغبوط بطرس " إذا قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد" (1بط 1:4)، بينما يكتب بولس " متوقعين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح. الذى بذل نفسه لأجلنا لكى يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعبًا خاصًا غيورًا في أعمال حسنة " (تى14،13:2). فكيف إذن قد بذل نفسه لأجلنا، لكى ، بقبوله الموت في هذا الجسد، يبيد ذلك الذى له سلطان الموت أى إبليس (عب14:2).

ولذلك فإننا نقدم الشكر على الدوام باسم يسوع المسيح ، ولا نبطل النعمة التى صارت إلينا بواسطته. فإن مجئ المخلص متجسدًا قد صار فدية للموت وخلاصًا لكل الخليقة.



لذا أيها الحبيب والمشتاق إليه جدًا ، فليضع محبو الرب هذه الأقوال في عقولهم، أما أولئك الذين يتمثلون بسلوك يهوذا، ويتخلون عن الرب ليكونوا مع قيافا، فليتهم يتعلمون من هذه الأقوال ... وليعلموا ، أنه بعبادة الرب في الجسد، فإننا لا نعبد مخلوقاً، بل كما قلنا قبلاً، فإننا نعبد الخالق الذى لبس الجسد المخلوق ...

 


أما إن كانوا يريدون أن يتشبثوا بتجديفاتهم فليشبعوا بها وحدهم، وليصرّوا على أسنانهم مثل أبيهم الشيطان، لأن إيمان الكنيسة الجامعة يقر بأن كلمة الله هو خالق كل الأشياء، ومبدعها، ونحن نعرف أنه "في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله " (يو1:1) فإننا نعبد ذلك الذى صار هو نفسه أيضًا إنسانًا لأجل خلاصنا، لا كما لو كان هذا الذى صار جسدًا هو مساوٍ للجسد بالمثل، بل (نعبده) كسيد آخذًا صورة عبد، كصانع وخالق صائرًا في مخلوق أى (الجسد) لكى بعد أن يحرر به كل الأشياء ، يقرّب العالم إلى الآب، ويصنع سلامًا لكل المخلوقات سواء التى في السموات أو التى على الأرض .

ولذلك فنحن نعترف أيضًا بألوهيته التى من الآب .

ونعبد حضوره المتجسد ، حتى ولو مزق الآريوسيون المجانين أنفسهم. 




المرجع: المسيح في رسائل أثناسيوس، الرسالة إلى أدلفيوس، ترجمة د. صموئيل كامل، ود. نصحي عبد الشهيد، مركز دراسات الآباء بالقاهرة.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;