المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

الفصل السادس: موقف الآباء من العقيدة

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب رأي في اللاطائفية: ثبِّت أساس الكنيسة - الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة


15- الفصل السادس: موقف الآباء من العقيدة


من هم الآباء؟
كرامة الآباء القديسين
شفاعة العذراء والقديسين
دور هؤلاء الآباء من جهة العقيدة
موقف الآباء من شرح العقيدة
أثناسيوس الرسولي
مجمع نقية
موقف الشعب في حفظ العقيدة
St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من هم الآباء؟

الآباء هم المعلمون الذين ساهموا في تحديد مضمون الإيمان، أو ساهموا في صياغته أو شرحه.. والإيمان هنا هو كل التقليد الرسولي.. "الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ" (يه 3).
لذلك يدخل تحت هذا التعريف القديسون:
أثناسيوس، وكيرلس الكبير، وديسقوروس، وذهبي الفم، وباسيليوس الكبير، وغريغوريوس الناطق بالإلهيات، وساويرس الأنطاكي، وبطرس خاتم الشهداء، وآباء مجمع نيقية، وآباء مجمع القسطنطينية، وآباء مجمع أفسس.. وآخرون كثيرون لا يمكن حصرهم، هؤلاء يتمتعون في الكنيسة بمكانة عالية، سواء أيام حياتهم على الأرض، أو بعد انتقالهم للسماء.
وهنا أجدها فرصة لكي أشرح... لماذا تهتم كنيستنا وتمجد القديسين؟
St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

كرامة الآباء القديسين:

كنيستنا القبطية تحب القديسين وتتشفع بهم، وبالأكثر القديسين الذين سبقونا إلى السماء، لأنهم صاروا لنا كأنوار كاشفة، وعلامات للطريق... "اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ" (أع 13: 7).
+ ونحن نكرمهم لان الله نفسه يكرمهم...
+ "فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي، وَالَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ" (1صم 2: 30).
+ وهم قد أكرموا الله بتنفيذ وصاياه..
+ "فَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ" (لا 11: 45).
+ "بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ»" (1 بط 1: 15، 16).
+ لذلك فنحن نسر بهم...
+ "الْقِدِّيسُونَ الَّذِينَ فِي الأَرْضِ وَالأَفَاضِلُ كُلُّ مَسَرَّتِي بِهِمْ" (مز16: 3).
+ "فَأَحَبَّ الشَّعْبَ. جَمِيعُ قِدِّيسِيهِ فِي يَدِكَ، وَهُمْ جَالِسُونَ عِنْدَ قَدَمِكَ يَتَقَبَّلُونَ مِنْ أَقْوَالِكَ" (تث 33: 3).
+ والله نفسه ممجد في قديسيه..
+ "مَتَى جَاءَ لِيَتَمَجَّدَ فِي قِدِّيسِيهِ وَيُتَعَجَّبَ مِنْهُ" (2 تس 1: 10).
+ لذلك فحينما نمجد القديسين فإنما نحن نمجد الله فيهم.
وسوف يأتي السيد المسيح في مجيئه الثاني مع جماعة القديسين...
+ "فِي مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِ قِدِّيسِيهِ" (1تس 3: 13).
+ "هُوَذَا قَدْ جَاءَ الرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ" (يه 14).
+ بل وسوف يشتركون في دينونة العالم...
+ "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْقِدِّيسِينَ سَيَدِينُونَ الْعَالَمَ" (1 كو 6: 2).
+ "مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ" (مت 19: 28).
+ والقديسون هم الذين عرفونا مشيئة الله...
+ "الَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا اللهُ بِفَمِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ" (أع 3: 21).
+ "كَمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ هُمْ مُنْذُ الدَّهْرِ" (لو 1: 70).
+ وهم الذين سوف نتشارك معهم في الجد الأبدي...
+ "شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ" (كو 1: 12).
+ "أَمَّا قِدِّيسُو الْعَلِيِّ فَيَأْخُذُونَ الْمَمْلَكَةَ وَيَمْتَلِكُونَ الْمَمْلَكَةَ إِلَى الأَبَدِ وَإِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ" (دا 7: 18).
+ وقد أعطاهم الله مجدًا يفوق الوصف...
+ "وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ" (يو 17: 22).
+ واعتبرهم نظيره... "مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي، وَمَنْ يَقْبَلُني يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي" (مت 10: 40).
St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

شفاعة العذراء والقديسين:

+ والقديسون معنا في شركة عضوية جسد المسيح، وهذه العضوية لا تنتهي بانفصال الروح عن الجسد بل بالعكس تستمر وتتأصل إلى الأبد...
+ فالقديسون في السماء أحياء... "أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ؟ لَيْسَ اللهُ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ" (مت 22: 32)، ومازالوا يصلون عنا حسب الوصية المتكررة بالإنجيل أن نصلى بعضنا لأجل بعض...
+ "أَيُّهَا الإِخْوَةُ صَلُّوا لأَجْلِنَا" (1تس 5: 25).
+ "وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ" (يع 5: 16).
وصلوات القديسين عنا هي ما نسميه (بشفاعة القديسين). فهل من يرفضون شفاعتهم، لا يؤمنون إن القديسين يصلون من اجلنا في السماء؟ وان قالوا ما قيمة صلواتهم عنا؟ وهل يحتاج الله وسيطا ليشفع فينا أمامه؟ نجيبهم: وما فائدة صلواتك أنت عن الآخرين بحسب وصية الإنجيل؟ وهل يحتاج الله أن تصلى أنت حتى يرحم الناس الآخرين؟ وان كانت هذه الصلوات بلا قوة ولا منفعة فلماذا أمر بها الإنجيل مرارا وتكرارا؟ ولماذا قيل: "إِنْ رَأَى أَحَدٌ أَخَاهُ يُخْطِئُ خَطِيَّةً لَيْسَتْ لِلْمَوْتِ، يَطْلُبُ، فَيُعْطِيهِ حَيَاةً لِلَّذِينَ يُخْطِئُونَ لَيْسَ لِلْمَوْتِ. تُوجَدُ خَطِيَّةٌ لِلْمَوْتِ. لَيْسَ لأَجْلِ هذِهِ أَقُولُ أَنْ يُطْلَبَ" (1 يو 5: 16).
إن الصلاة من اجل الآخرين هي برهان الحب، والشركة، والعضوية في الجسد الواحد. وهذا الحب وهذه الشركة في الجسد الواحد... لن ينقطعا بسبب انتقال أحدنا إلى السماء، بل بالعكس ستتأكد هذه الوحدة، وبالتالي ستزداد الصلوات... صلواتنا عنهم وصلواتهم عنا.
إن القديسين المنتقلين وعلى رأسهم العذراء الطاهرة مريم، يرفعون عنا في كل حين صلوات ليرحمنا الله، ويرفع عنا أتعاب هذا العمر بصلواتهم وشفاعاتهم.
وبالإضافة إلى أن كل المؤمنين يصلون بعضهم لأجل بعض، فان القديسين ورجال الله لهم دالة، وصلواتهم لها قوة إذ أن: "طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا" (يع 5: 16).
+ كما قيل عن إبراهيم أبى الآباء: "إِنَّهُ نَبِيٌّ، فَيُصَلِّيَ لأَجْلِكَ" (تك 20: 7).
+ وكما قال صموئيل لشعبه: فأصلى لأجلكم إلى الرب (1 صم 7:5)، "وَأَمَّا أَنَا فَحَاشَا لِي أَنْ أُخْطِئَ إِلَى الرَّبِّ فَأَكُفَّ عَنِ الصَّلاَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ، بَلْ أُعَلِّمُكُمُ الطَّرِيقَ الصَّالِحَ الْمُسْتَقِيمَ" (1 صم 12: 23)
+ وكما توقع نعمان السرياني أن يصلى عنه أليشع النبي... "وَيَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِهِ" (2 مـل 5: 11).
+ وكما طلب الله بنفسه من أصحاب أيوب: "وَعَبْدِي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ" (أي 42: 8).
+ وكما قيل عن صلاة الإيمان: "وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ، وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ" (يع 5: 15).
+ وعندما أعلن الله رفضه لشعبه أيام نبوة ارميا النبي، كانت علامة الرفض انه لن يقبل فيهم شفاعة القديسين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوتفي أقسام أخرى. «وَإِنْ وَقَفَ مُوسَى وَصَمُوئِيلُ أَمَامِي لاَ تَكُونُ نَفْسِي نَحْوَ هذَا الشَّعْبِ" (ار15: 1)، علمًا بأنه في عصر ارميا... كان موسى وصموئيل قد ماتا منذ زمان بعيد أي أن هذه الآية تؤكد حقيقة شفاعة القديسين المنتقلين بصلواتهم أمام الله عن الأحياء على الأرض.
نحن أغنياء بجماعة القديسين، وصلواتهم عنا في كل حين... أنهم سحابة الشهود... "لِذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْل، وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا" (عب 12: 1).
ونحن فخورون.. بهذه العائلة الضخمة المقدسة من آباءنا القديسين التي تضم: أطفالًا، وكبارًا، ورجالًا، ونساء، وشبابًا من شهداء، ورهبان، وقديسين، وكهنة، وعلمانيين. شفاعتهم المقدسة تكون معنا أمين.
St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

دور هؤلاء الآباء من جهة العقيدة:

أنهم أساسات الكنيسة المقدسة... وهم حاملو الإيمان وشارحوه... فالحقائق الإلهية أعطيت للإنسان بطريقة كشفية استعلامية متدرجة، فالثالوث والخلاص... حقائق أعلنت على مراحل: بالناموس، والأنبياء، والإنجيل، ويوم الخمسين، وعلى مدى تاريخ الكنيسة... والروح القدس لم ينته من الكشف والشرح والإعلان.
فالحقيقة الإلهة ثابتة لا تتغير، ولكن الروح يعلنها بطرق معاصرة للناس، وبشرح يفهمه الناس في كل جيل...
+ "وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" (يو14: 26).
+ "وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ" (يو16: 13).
فالآباء لم يطوروا الإعلان الإلهي، ولم يضيفوا إليه شيئًا، إنما قد أضافوا خبرتهم واختباراتهم وشرحهم.
إذًا فالآباء معتبرون أعمدة في الكنيسة... الكنيسة الجامعة شرقها وغربها، الجميع يعترف بفضل الآباء القديسين في حفظ ذخيرة الإيمان، ونقلها إلينا سالمة بدون تزوير، وأيضًا نعترف بفضلهم في حفظ الإيمان وصياغته وشرحه، والجميع يعتمدون على هذه الصياغات والشروحات لإعلان إيمانهم. فكل كنائس العالم تؤمن مثلًا بقانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني.
St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

موقف الآباء من شرح العقيدة:

لقد كان الموقف الثابت لآبائنا القديسين الأبطال هو شرح الإيمان، والاهتمام غاية الاهتمام بصياغته، ومحاربة كل فكر ينحرف عن الخط الأرثوذكسي للتفسير والشرح والنص.
St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت
St-Takla.org         Image: Pope Athanasius I of Egypt, stained glass window صورة: القديس أثناسيوس الرسولي البابا العشرون، نافذة زجاج معشق
St-Takla.org Image: Pope Athanasius I of Egypt, stained glass window
صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس أثناسيوس الرسولي البابا العشرون، نافذة زجاج معشق

أثناسيوس الرسولي:

لقد قضى القديس أثناسيوس الرسولي عمره المقدس في محاربة الآريوسية.. ولم يحسب هذا في تاريخ الكنيسة نوعًا من الإسراف الروحي أو الترف الفكري... لقد نُفِىَ القديس أثناسيوس خمس مرات، وقيل له: "العالم كله ضدك يا أثناسيوس"... فقال بكل قوة وشجاعة مسيحية حقيقية: "وأنا ضد العالم" حتى أنه يُعْرَف في الغرب بهذا اللقب ″Athanasius contra mundum" أو "أثناسيوس المضاد للعالم".
لم يكن أثناسيوس عنيدًا أو متكبرًا.. لكنه كان واعيًا لدوره كأسقف للكنيسة، يرعى الإيمان وصحته، كما يرعى الشعب وروحانيته بالضبط، حتى وان أدى الأمر أن يقف ضد الإمبراطور، أو ضد العالم كله، طالما انه سيؤدى شهادة صادقة حقيقية للإيمان المسيحي السليم، ولا مانع عنده من أن ينفى عن كرسيه ويعيش بضيق الحياة، ويفنى عمره دون كلل في جهاد عنيف.
لقد قال أريوس الهرطوقي عن المسيح: إنه خالق ومخلوق، خالق الكون ومخلوق من الله، ورد القديس أثناسيوس بغير تهاون: إن السيد المسيح مولود غير مخلوق.
وتكلم أريوس عن أن السيد المسيح اقل من الأب في الجوهر، أو مشابه له في الجوهر دون مساواة.. وأصر أثناسيوس على صيغة: "من نفس الجوهر الذي للآب ـ مساو للآب في الجوهر، وانه مولود قبل كل الدهور، وانه لم يمر وقت لم يكن فيه الابن".
St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

مجمع نقية:

لم يكن الأمر يخص مصر وحدها، ولم تكن المشكلة بين أثناسيوس وأريوس، بل هي الإيمان المسيحي. لذلك اجتمع الآباء الأساقفة من كل العالم (318 أسقفا) في مدينة نيقية بآسيا الصغرى... تركوا بلادهم ورعاياهم واهتماماتهم الأخرى... واجتمعوا باجتهاد ليبحثوا أمر العقيدة والإيمان...
ما كان آباء نيقية متهورين، ولم يكونوا مضيعين لوقتهم وجهدهم الغالي، ولكنهم كانوا يؤدون دورهم الأساسي في خدمتهم وهو حفظ الإيمان.
ولقد أسفر مجمع نيقية عن صياغة قانون الإيمان الأرثوذكسي.. الذي وضعته لجنة ثلاثية مكونة من: ألكسندروس بابا الإسكندرية، وأثناسيوس تلميذه، وليونتيوس أسقف قيصارية الكبادوك.
لم تكن قضية أريوس فقط هي التي شغلت الكنيسة والآباء.. ولكن برز مبتدعون آخرون أمثال: أبوليناريوس ونسطور وأوطاخى ومقدونيوس.
وفي المقابل لم نتعامل الكنيسة مع هذه الانحرافات بتكاسل ولامبالاة، ولكن شرحت ونبهت وحذرت، ثم عقدت مجامع سواء محلية أو مسكونية، وحرمت الهراطقة، وأبعدتهم عن شركة الكنيسة المقدسة.
وبرز في هذا المضمار آباء قديسون برهنوا على قداستهم بصحة إيمانهم وبرهنوا على صحة إيمانهم بنقاوة سيرتهم... فالقديس داماسوس أسقف رومية حرمابوليناريوس في مجمع بروما سنة (377/378)، ونفس الهرطوقي تم حرمانه في المجمع المسكوني الثاني بالقسطنطينية سنة(381م).
والبابا كيرلس الكبير السكندري قاوم نسطور بقوة، لان تعاليمه كانت فاسدة، وشرحه للإيمان كان هرطوقيًا، حيث فصل السيد المسيح إلى شخصين، مما جعل تداعيات هذا الفكر تهدد عقيدة الخلاص والفداء، وقيمة دم السيد المسيح.
كيف يسكت القديس كيرلس أمام هذه الآراء الفاسدة؟!!
ويعوزني الوقت لكي أتكلم عن القديس ديسقوروس ودفاعه ضد اوطاخي.
لقد كان الآباء على مستوى الوعي والمسئولية، ولم يستهينوا بمنطوق الإيمان أو بشرحه، ولم يحسب ذلك عليهم تفاهة فكرية، أو مضيعة للوقت بل حسب بطولة، وأمانة في أداء الواجب، وحفظ الوديعة، وتسليمها نقية من جيل إلى جيل، وكيف أدركوا أن دورهم الأول كأساقفة أن يحفظوا الوديعة، وينقلوها بنزاهة، ولم يثنهم إغراء أو تهكم أو ضغط، ولم يتحولوا عن رسالتهم قيد أنملة.. بل بالروح الساكن فيهم، أكملوا مسيرة الآباء الرسل، ولذلك استحقوا أن يدعوا الرسوليينكاثناسيوس الرسولي بحق.
ليتنا نسير مسيرة الآباء.. ولا نزدري بعقيدتنا المسيحية، ولا نستهين بخطورة الانحراف الفكري، الذي يتسلل إلى الكنيسة تسللًا بطيئًا.
وليت الصوت القائل بعدم أهمية العقيدة يخفت وينطفئ.. لئلا نرى أنفسنا نخدم إلهًا آخر غير الذي أعلن عن نفسه في الإنجيل.
St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

موقف الشعب في حفظ العقيدة:

لم يكن الآباء القادة فقط هم المهتمون بحفظ الإيمان، بل كانوا دائمًا مسنودين بشعب واع، يؤازرهم ضد انحرافات الإيمان.
فنحن -مثلًا- لا نستطيع أن ننكر الدور الايجابي الرائع، لام القديس أثناسيوس الرسولي في إعداده أثناء طفولته، للدور العظيم الذي قام به في تاريخ الكنيسة العقائدي، وهي التي قدمته للقديس الكسندروس ليكون له تلميذًا، ويتكرس لخدمة المسيح.
وكذلك لا يمكن أن نغفل دور الشعب التقوى، حيث كانت مواظبتهم على الكنيسة والإفخارستيا، أقوى معين لهم، للثبات في الإيمان وراء أثناسيوس والآباء البطاركة.. فبالرغم من نفى الأب البطريرك عن كرسيه، لكنه عند رجوعه كان يجد كل الشعب مازال متمسكًا بالإيمان المستقيم، فلم يكن غياب أبيهم ليهز إيمانهم، بل زاده متانة وصلابة، بل كانوا أحيانًا يتعرضون للألم والاضطهاد والاستشهاد من اجل حفظهم لهذا الإيمان، وما كانوا أطلاقًا يتزحزحون عنه.
وكان للشعب دور عظيم في اختيار الرعاة الأرثوذكسيين، ولقد قال في ذلك القديس غريغوريوس النزينزي: "إنه بأصوات الشعب كله وتشفعاته -وليس بالعنف وإراقة الدماء- بل في وقار رسولي وروحاني أقيم أثناسيوس على عرش مار مرقس".. لقد اختير أثناسيوس للبطريركية بوعي شعبي رائع، وإحساس بأنه جدير بهذه الدرجة بسبب نقاوة إيمانه.
وكانت رحلات القديس أثناسيوس الرعوية إلى صعيد مصر.. أعظم حافز له لاستكمال النضال ضد الهراطقة.. بسبب الاستقبال الحافل المليء بالفرح... الذي كان يلاقيه به الشعب القبطي في كل مكان.
وقد شارك الشعب القبطي أباه القديس أثناسيوس في جهاده ضد الأريوسية.. برفضهم لأريوس نفسه.. عندما عاد للإسكندرية (سنة 336) أثناء نفى البابا أثناسيوس، فأغلقوا الكنائس في وجهه وقاموا بثورة عارمة اضطرت الإمبراطور إن يستدعى أريوس من الإسكندرية على عجل.
ومثل هذه الثورات كانت وسيلة للضغط على الإمبراطور، من أجل البابا أثناسيوس، فقد ثاروا مرة أخرى ضد البطريرك الأجنبي الدخيل، الذي أرسله الإمبراطور، ليحل محل القديس أثناسيوس، وهو غريغوريوس الكبادوكي، وثورة أخرى (سنة 366) أرغمت الإمبراطور على إعادة القديس أثناسيوس من منفاه الخامس، كما كتب الشعب رسائل احتجاج وشكوى إلى الإمبراطور، لإعادة القديس من منفاه الأول.
لقد احتمل الشعب القبطي الكثير من المعاناة، في سبيل الحفاظ على الإيمان، حيث ذبحوا وضربوا وسجنوا ونفوا بيد غريغوريوس البطريرك الكبادوكي الدخيل، لأنهم رفضوا الصلاة معه، وتركوا له الكنائس خاوية، وصلوا في الصحراء.
لقد تمسك الشعب بأبيهم أثناسيوس، بسبب تمسكهم بالإيمان الأرثوذكسي، ممثلًا في أبيهم الحبيب، حتى أنه قد شهد أحد أعداء أثناسيوس بهذه الشهادة: كان أثناسيوس يحكم مصر كلها من المنفى، وخطابًا وراء خطاب، كتب أثناسيوس من منفاه، الذي كان محوط الكتمان، ولا يستطيع أحد أن يعرفه، وكانت الأيادي المخلصة والأمينة، تحمل رسائله بصورة سرية إلى أبعد حدود البلاد.
حقًا
كان الشعب القبطي الواعي، سندًا في ظهر الآباء القديسين، وهم يحافظون على نقاوة الإيمان.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;