ما هو الدليل على أن هناك سجود ليس للعبادة؟
عندما أراد إبراهيم أبو الآباء -كما ورد في سفر التكوين- أن يشترى حقل المكفيلة لكي يدفن سارة امرأته بعدما توفت، تقابل مع بني حث وطلب منهم شراء الحقل لأنه كان غريبًا في أرضهم وآتٍ من بلاد ما بين النهرين (العراق)، وهذا الحقل كان في الأراضي المقدسة ناحية القدس. فرّحب بني حث ببيع الحقل لإبراهيم لكي يدفن سارة، وأعطوه ملكًا له لأنه لم يكن يملك شيئًا في هذه الأرض (وفي ذلك عظة خفيّة وهي أن أقصى شيء يمكن للإنسان امتلاكه على الأرض هو المساحة التي يُدفن فيها، وحتى هذه تعتبر ملكية مؤقتة. فإن كان أحد يقول أنه يمتلك خمسمائة فدان من أجود الأراضي أو يمتلك عقارات، فهو في الحقيقة لا يمتلك إلا أمتار قليلة. وقد تغنى قداسة البابا في أحد أشعاره عن هذا الموضوع. حتى هذه الأمتار القليلة هي ملكية مؤقتة والإنسان لا يشعر بها لأن روحه تكون قد انطلقت).
سمح بنو حث لإبراهيم أن يدفن ميتة، فيقول الكتاب "فقَامَ إِبْرَاهِيمُ وسَجَدَ لِشَعْبِ الأَرْضِ لِبَنِي حِثَّ" (تك 23: 7). فهل في هذا الموقف يكون قد قدّم العبادة لبنى حث؟! وهل إبراهيم أبو الآباء وأبو المؤمنين كان يعبد الأصنام أو يشرك بالله عندما فعل ذلك؟! لا أحد يستطيع أن يقول هذا الكلام سواء كان مسيحيًا أو غير مسيحي، بروتستانتيًا أو غير بروتستانتي... هذا السجود هو سجود للشكر.
وفي بركة اسحق لابنه يعقوب قال: "لِيُسْتَعْبَدْ لَكَ شُعُوبٌ وَتَسْجُدْ لَكَ قَبَائِلُ. كُنْ سَيِّدًا لإِخْوَتِكَ وَلْيَسْجُدْ لَكَ بَنُو أُمِّكَ" (تك 27: 29).
كذلك عندما هرب يعقوب من وجه عيسو أخيه لأنه أخذ البركة وكان عيسو يريد قتله، فأرسلته أمه إلى خاله لابان لكي يأخذ زوجة من هناك. وبالفعل ذهب إلى خاله وتزوج وصار له إحدى عشر من الأولاد وزوجته حبلى في بنيامين.. وعندما أراد الرجوع إلى أرض أبائه وكان معه عندئذ غنم وعبيد بكثرة، علم أن أخاه عيسو آتٍ لاستقباله، فصلى طوال الليل حتى ظهر له السيد المسيح وباركه وأعطاه اسمًا جديدًا فعبر مخاضة يبوق، ثم أبصر عيسو من بعيد "وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ سَبْعَ مَرَّاتٍ حَتَّى اقْتَرَبَ إِلَى أَخِيهِ" (انظر تك 33: 3). هذا سجود استرحام، كأنما يريد أن يطلب منه عدم وجود عداوة بينهما، وكان قد أرسل أمامه هدايا من جمال وبقر وحمير وماعز، مجموعات متتالية من الهدايا لكي يصرف غضب عيسو عنه إلى أن يصل هو بنفسه إليه، ثم حينما وصل سجد أمامه سبع مرات ولم يكن السجود للعبادة بل للاعتذار والاسترحام.
وفي قصة يوسف حينما أتى إخوته إلى مصر بسبب المجاعة ذكر الكتاب المقدس أكثر من مرة أنهم سجدوا له سجود الاحترام، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فيقول الكتاب "فَأَتَى إِخْوَةُ يُوسُفَ وَسَجَدُوا لَهُ بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ" (تك 42: 6)، وأيضًا "فَلَمَّا جَاءَ يُوسُفُ إِلَى الْبَيْتِ أَحْضَرُوا إِلَيْهِ الْهَدِيَّةَ الَّتِي فِي أَيَادِيهِمْ إِلَى الْبَيْتِ وَسَجَدُوا لَهُ إِلَى الأَرْضِ" (تك 43: 26)، وحينما سألهم عن أبيهم قالوا: "عَبْدُكَ أَبُونَا سَالِمٌ. هُوَ حَيٌّ بَعْدُ". وَخَرُّوا وَسَجَدُوا" (تك 43: 28).
وأبيجايل التي صارت زوجة لداود النبي، سجدت له، وقد كانت من أعظم النساء في العهد القديم. كان زوج أبيجايل هو نابال وهو رجل أناني جدًا ومعنى اسمه (أحمق) "لأَنَّ كَاسْمِهِ هَكَذَا هُوَ. نَابَالُ اسْمُهُ وَالْحَمَاقَةُ عِنْدَهُ" (1صم 25: 25) كما قالت هي عنه لداود. وكان داود قد ظل يحرس غنم نابال في الصيف والشتاء. وحينما جاء اليوم الذي كان نابال فيه يجز غنمه أرسل إليه داودقائلًا: "حَيِيتَ وَأَنْتَ سَالِمٌ وَبَيْتُكَ سَالِمٌ وَكُلُّ مَالِكَ سَالِمٌ. وَالآنَ قَدْ سَمِعْتُ أَنَّ عِنْدَكَ جَزَّازِينَ. حِينَ كَانَ رُعَاتُكَ مَعَنَا لَمْ نُؤْذِهِمْ وَلَمْ يُفْقَدْ لَهُمْ شَيْءٌ كُلَّ الأَيَّامِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا فِي الْكَرْمَلِ. اِسْأَلْ غِلْمَانَكَ فَيُخْبِرُوكَ. فَلْيَجِدِ الْغِلْمَانُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ لأَنَّنَا قَدْ جِئْنَا فِي يَوْمٍ طَيِّبٍ. فَأَعْطِ مَا وَجَدَتْهُ يَدُكَ لِعَبِيدِكَ وَلاِبْنِكَ دَاوُدَ (داود كان ملك إسرائيل لكنه كان هاربًا من شاول الذي كان يريد أن يقتله). فَأَجَابَ نَابَالُ عَبِيدَ دَاوُدَ: وَقَالَ مَنْ هُوَ دَاوُدُ وَمَنْ هُوَ ابْنُ يَسَّى (على الرغم من أن داود كان ممسوحًا بأمر إلهي بواسطة صموئيل النبي)؟ قَدْ كَثُرَ الْيَوْمَ الْعَبِيدُ الَّذِينَ يَهْرُبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَمَامِ سَيِّدِهِ! فَقَالَدَاوُدُ لِرِجَالِهِ لِيَتَقَلَّدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ سَيْفَهُ. فَتَقَلَّدَ كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ. وَتَقَلَّدَ دَاوُدُ أَيْضًا سَيْفَهُ. وَصَعِدَ وَرَاءَدَاوُدَ نَحْوُ أَرْبَعِ مِئَةِ رَجُلٍ، وَمَكَثَ مِئَتَانِ مَعَ الأَمْتِعَةِ. فَأَخْبَرَ أَبِيجَايِلَ امْرَأَةَ نَابَالَ غُلاَمٌ مِنَ الْغِلْمَانِ: هُوَذَا دَاوُدُ أَرْسَلَ رُسُلًا مِنَ الْبَرِّيَّةِ لِيُبَارِكُوا سَيِّدَنَا فَثَارَ عَلَيْهِمْ. وَالرِّجَالُ مُحْسِنُونَ إِلَيْنَا جِدًّا، فَلَمْ نُؤْذَ وَلاَ فُقِدَ مِنَّا شَيْءٌ كُلَّ أَيَّامِ تَرَدُّدِنَا مَعَهُمْ وَنَحْنُ فِي الْحَقْلِ. كَانُوا سُورًا لَنَا لَيْلًا وَنَهَارًا كُلَّ الأَيَّامِ الَّتِي كُنَّا فِيهَا مَعَهُمْ نَرْعَى الْغَنَمَ. وَالآنَ اعْلَمِي وَانْظُرِي مَاذَا تَعْمَلِينَ، لأَنَّ الشَّرَّ قَدْ أُعِدَّ عَلَى سَيِّدِنَا وَعَلَى بَيْتِهِ، وَهُوَ ابْنُ لَئِيمٍ لاَ يُمْكِنُ الْكَلاَمُ مَعَهُ. فَبَادَرَتْ أَبِيجَايِلُ وَأَخَذَتْ مِئَتَيْ رَغِيفِ خُبْزٍ وَزِقَّيْ خَمْرٍ وَخَمْسَةَ خِرْفَانٍ مُهَيَّأَةً وَخَمْسَ كَيْلاَتٍ مِنَ الْفَرِيكِ وَمِئَتَيْ عُنْقُودٍ مِنَ الزَّبِيبِ وَمِئَتَيْ قُرْصٍ مِنَ التِّينِ وَوَضَعَتْهَا عَلَى الْحَمِيرِ وَقَالَتْ لِغِلْمَانِهَا: اعْبُرُوا قُدَّامِي. هَئَنَذَا جَائِيَةٌ وَرَاءَكُمْ. وَلَمْ تُخْبِرْ رَجُلَهَا نَابَالَ. وَفِيمَا هِيَ رَاكِبَةٌ عَلَى الْحِمَارِ وَنَازِلَةٌ فِي سُتْرَةِ الْجَبَلِ إِذَا بِدَاوُدَ وَرِجَالِهُ مُنْحَدِرُونَ لاِسْتِقْبَالِهَا، فَصَادَفَتْهُمْ. وَقَالَ دَاوُدُ: إِنَّمَا بَاطِلًا حَفِظْتُ كُلَّ مَا لِهَذَا فِي الْبَرِّيَّةِ فَلَمْ يُفْقَدْ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ شَيْءٌ، فَكَافَأَنِي شَرًّا بَدَلَ خَيْرٍ. هَكَذَا يَصْنَعُ اللَّهُ لأَعْدَاءِ دَاوُدَ وَهَكَذَا يَزِيدُ إِنْ أَبْقَيْتُ ذَكَرًا مِنْ كُلِّ مَا لَهُ إِلَى ضُوءِ الصَّبَاحِ. وَلَمَّا رَأَتْ أَبِيجَايِلُ دَاوُدَ أَسْرَعَتْ وَنَزَلَتْ عَنِ الْحِمَارِ، وَسَقَطَتْ أَمَامَ دَاوُدَ عَلَى وَجْهِهَا وَسَجَدَتْ إِلَى الأَرْضِ، وَسَقَطَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ وَقَالَتْ: عَلَيَّ أَنَا يَا سَيِّدِي هَذَا الذَّنْبُ، وَدَعْ أَمَتَكَ تَتَكَلَّمُ فِي أُذُنَيْكَ وَاسْمَعْ كَلاَمَ أَمَتِكَ. لاَ يَضَعَنَّ سَيِّدِي قَلْبَهُ عَلَى الرَّجُلِ اللَّئِيمِ هَذَا، عَلَى نَابَالَ، لأَنَّ كَاسْمِهِ هَكَذَا هُوَ. نَابَالُ اسْمُهُ وَالْحَمَاقَةُ عِنْدَهُ. وَأَنَا أَمَتَكَ لَمْ أَرَ غِلْمَانَ سَيِّدِي الَّذِينَ أَرْسَلْتَهُمْ. وَالآنَ يَا سَيِّدِي حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ إِنَّ الرَّبَّ قَدْ مَنَعَكَ عَنْ إِتْيَانِ الدِّمَاءِ وَانْتِقَامِ يَدِكَ لِنَفْسِكَ. وَالآنَ فَلْيَكُنْ كَنَابَالَ أَعْدَاؤُكَ والَّذِينَ يَطْلُبُونَ الشَّرَّ لِسَيِّدِي. وَالآنَ هَذِهِ الْبَرَكَةُ الَّتِي أَتَتْ بِهَا جَارِيَتُكَ إِلَى سَيِّدِي فَلْتُعْطَ لِلْغِلْمَانِ السَّائِرِينَ وَرَاءَ سَيِّدِي. وَاصْفَحْ عَنْ ذَنْبِ أَمَتِكَ لأَنَّ الرَّبَّ يَصْنَعُ لِسَيِّدِي بَيْتًا أَمِينًا، لأَنَّ سَيِّدِي يُحَارِبُ حُرُوبَ الرَّبِّ, وَلَمْ يُوجَدْ فِيكَ شَرٌّ كُلَّ أَيَّامِكَ. وَقَدْ قَامَ رَجُلٌ لِيُطَارِدَكَ وَيَطْلُبَ نَفْسَكَ، وَلَكِنْ نَفْسُ سَيِّدِي لِتَكُنْ مَحْزُومَةً فِي حُزْمَةِ الْحَيَاةِ مَعَ الرَّبِّ إِلَهِكَ. وَأَمَّا نَفْسُ أَعْدَائِكَ فَلْيَرْمِ بِهَا كَمَا مِنْ وَسَطِ كَفَّةِ الْمِقْلاَعِ. وَيَكُونُ عِنْدَمَا يَصْنَعُ الرَّبُّ لِسَيِّدِي حَسَبَ كُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ مِنْ أَجْلِكَ، وَيُقِيمُكَ رَئِيسًا عَلَىإِسْرَائِيلَ. أَنَّهُ لاَ تَكُونُ لَكَ هَذِهِ مَصْدَمَةً وَمَعْثَرَةَ قَلْبٍ لِسَيِّدِي أَنَّكَ قَدْ سَفَكْتَ دَمًا عَفْوًا، أَوْ أَنَّ سَيِّدِي قَدِ انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ. وَإِذَا أَحْسَنَ الرَّبُّ إِلَى سَيِّدِي فَاذْكُرْ أَمَتَكَ. فَقَالَ دَاوُدُلأَبِيجَايِلَ: مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَرْسَلَكِ هَذَا الْيَوْمَ لاِسْتِقْبَالِي وَمُبَارَكٌ عَقْلُكِ وَمُبَارَكَةٌ أَنْتِ لأَنَّكِ مَنَعْتِنِي الْيَوْمَ مِنْ إِتْيَانِ الدِّمَاءِ" (1صم 25: 10-33).
فهل كان هذا السجود عبادة؟
لو كان هذا السجود للعبادة ما كان داود النبي قد قال لها: "مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَرْسَلَكِ هَذَا الْيَوْمَ لاِسْتِقْبَالِي".. هذا السجود كان سجود احترام للملك واسترحام ولتهدئة غضبه لأنه أُهين وأُعتبِر كشحاذ مرفوض.
كان لداود الحق أن يغضب لكن لم يكن له الحق في أن يقتل مَن لا ذنب لهم، فقامت أبيجايل بتهدئته وقَبِل داود وساطتها.
ثم عادت وقصّت على زوجها ما فعلته فاغتاظ عشرة أيام وضربه الرب في قلبه ومات. وسمع داود بموت نابال فأرسل ليطلب منها الزواج فقَبِلت وأصبحت زوجة له. (في ذلك الوقت كان يُسمح بتعدد الزوجات نتيجة لكثرة الحروب وموت كثير من الرجال مما يؤدى إلى نقص عدد الرجال بالنسبة إلى السيدات فكانت الأوضاع غير العهد الجديد).
سليمان الملك سجد لأمه وهو في أوج حكمته.. ففي بداية ملكه ظهر الرب له وسأله عما يريد إن كان الغنى، أم الانتصار على أعداءه إلخ.. لكن سليمان طلب الحكمة لكي يقود بها شعب الله فأعطاه الله الحكمة. كان سليمان قد قدّم ألف ذبيحة في جبعون فظهر له السيد المسيح وقال له: "مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ سَأَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تَسْأَلْ لِنَفْسِكَ أَيَّامًا كَثِيرَةً وَلاَ سَأَلْتَ لِنَفْسِكَ غِنًى وَلاَ سَأَلْتَ أَنْفُسَ أَعْدَائِكَ، بَلْ سَأَلْتَ لِنَفْسِكَ تَمْيِيزًا لِتَفْهَمَ الْحُكْمَ، هُوَذَا قَدْ فَعَلْتُ حَسَبَ كَلاَمِكَ. هُوَذَا أَعْطَيْتُكَ قَلْبًا حَكِيمًا وَمُمَيِّزًا حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُكَ قَبْلَكَ وَلاَ يَقُومُ بَعْدَكَ نَظِيرُكَ. وَقَدْ أَعْطَيْتُكَ أَيْضًا مَا لَمْ تَسْأَلْهُ، غِنًى وَكَرَامَةً حَتَّى إِنَّهُ لاَ يَكُونُ رَجُلٌ مِثْلَكَ فِي الْمُلُوكِ كُلَّ أَيَّامِكَ" (1مل3: 11-13).
ثم جاءته سيدتان يتنازعان على طفل وكانت كل منهما تدّعى أنه ابنها لأن أحداهما قتلت ابنها بغير عمد (في ذلك الوقت لم يكن هناك إمكانية عمل تحليل DNAأي الحامض النووي لمعرفة النسب، كما أن الطفل حديث الولادة فلا يمكن التمييز بالشبه). فطلب سليمان السيّاف وأمره أن يشطر الطفل نصفين ليعطى كل منهما نصف؛ فصاحت الأم الحقيقية طالبة ألا يشطروه بل يعطوه للأخرى فرد سليمان أعطوها الطفل ولا تشطروه لأنها أمه (انظر 1مل3: 16-28).
هذا مثال على حكمة سليمان الملك الذي كتب عدة أسفار مثل: سفر الجامعة وسفر نشيد الأناشيد وسفر الأمثال وسفر الحكمة. وعن حكمة سليمان قال السيد المسيح: "مَلِكَةُ التَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ هَذَا الْجِيلِ وَتَدِينُهُ لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ هَهُنَا (أي السيد المسيح)" (مت12: 42).
ففيما كان سليمان هذا جالسًا على العرش في بداية ملكه دخلت بثشبع أمه إلى ساحة القصر حيث العرش فقام من عرشه وسجد أمامها وأمسك بيدها وأجلسها عن يمينه وسألها عن طلبها قائلًا إنه لن يردها، فطلبت منه أبيشج الشونمية، التي كانت حاضنة داود في شيخوخته، لأدونيا أخيه حيث أن داود لم يتزوجها فعليًا وإنما كان زواجًا شرعيًا فقط، فغضب سليمان لطلب أخيه وأرسل فقتله.
ما يهمنا هو قول الكتاب "فَدَخَلَتْ بَثْشَبَعُ إِلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ لِتُكَلِّمَهُ عَنْ أَدُونِيَّا. فَقَامَ الْمَلِكُ لِلِقَائِهَا وَسَجَدَ لَهَا وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَوَضَعَ كُرْسِيًّا لأمِّ الْمَلِكِ فَجَلَسَتْ عَنْ يَمِينِهِ. وَقَالَتْ: إِنَّمَا أَسْأَلُكَ سُؤَالًا وَاحِدًا صَغِيرًا. لاَ تَرُدَّنِي. فَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ: اسْأَلِي يَا أُمِّي لأَنِّي لاَ أَرُدُّكِ فَقَالَتْ: لِتُعْطَ أَبِيشَجُ الشُّونَمِيَّةُ لأَدُونِيَّا أَخِيكَ امْرَأَةً. فَأَجَابَالْمَلِكُ سُلَيْمَانُ: وَلِمَاذَا أَنْتِ تَسْأَلِينَ أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ لأَدُونِيَّا؟ فَاسْأَلِي لَهُ الْمُلْكَ لأَنَّهُ أَخِي الأَكْبَرُ مِنِّي! لَهُ وَلأَبِيَاثَارَ الْكَاهِنِ وَلِيُوآبَ ابْنِ صَرُويَةَ. وَحَلَفَ سُلَيْمَانُ الْمَلِكُبِالرَّبِّ: هَكَذَا يَفْعَلُ لِيَ اللَّهُ وَهَكَذَا يَزِيدُ إِنَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ أَدُونِيَّا بِهَذَا الْكَلاَمِ ضِدَّ نَفْسِهِ. وَالآنَ حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي ثَبَّتَنِي وَأَجْلَسَنِي عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ أَبِي، والَّذِي صَنَعَ لِي بَيْتًا كَمَا تَكَلَّمَ، إِنَّهُ الْيَوْمَ يُقْتَلُ أَدُونِيَّا. فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ بِيَدِ بَنَايَاهُو بْنِ يَهُويَادَاعَ فَبَطَشَ بِهِ فَمَاتَ" (1مل 2: 19-25). كان أدونيا بن حجيث (اسم أمه) هذا يريد المملكة وداود أبيه على قيد الحياة، وعندما سمع داود بذلك دعا رئيس الكهنة ليمسح سليمان ملكًا في حياته خوفًا من أن يغتصب أدونيا منه العرش، فعندما لم يستطع أن يغتصب العرش أراد أن يتزوج إمرأة أبيه.
هل عندما سجد سليمان لبثشبع أمه كان يعبدها؟ وكيف كان يعبدها إذا كان قد رد طلبها وقطع رأس أدونيا.
ثم بعد أن سجد لأمه وقام ببناء الهيكل وتدشينه والصلاة فيه ظهر له السيد المسيح، فيقول الكتاب: "وَكَانَ لَمَّا أَكْمَلَ سُلَيْمَانُ بِنَاءَ بَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِ الْمَلِكِ وَكُلَّ مَرْغُوبِ سُلَيْمَانَ الَّذِي سُرَّ أَنْ يَعْمَلَ، أَنَّ الرَّبَّ تَرَاءَى لِسُلَيْمَانَ ثَانِيَةً (الظهور الثاني للسيد المسيح له) كَمَا تَرَاءَى لَهُ فِي جِبْعُونَ. وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ وَتَضَرُّعَكَ الَّذِي تَضَرَّعْتَ بِهِ أَمَامِي. قَدَّسْتُ هَذَا الْبَيْتَ الَّذِي بَنَيْتَهُ لأَجْلِ وَضْعِ اسْمِي فِيهِ إِلَى الأَبَدِ، وَتَكُونُ عَيْنَايَ وَقَلْبِي هُنَاكَ كُلَّ الأَيَّامِ" (1مل 9: 1-3).
إلى هذا الوقت لم يكن سليمان قد فعل شيئًا يُغضب الله، بينما كان قد سجد لأمه.. والسيد المسيح ظهر له وقال له أنه قدّس البيت الذي صلى فيه. إذن سجوده لأمه لم يُغضب الله، فهو سجود تكريم لأمه، وهو الملك، ولم يُغضِب الرب فِعله هذا.
أما في العهد الجديد فيرد ما يلي في سفر الرؤيا في الرسالة إلى ملاك كنيسة فيلادلفيا يقول: "هَئَنَذَا أَجْعَلُ الَّذِينَ مِنْ مَجْمَعِ الشَّيْطَانِ، مِنَ الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا، بَلْ يَكْذِبُونَ هَئَنَذَا أُصَيِّرُهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ، وَيَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا أَحْبَبْتُكَ" (رؤ 3: 9).