البخور
3- البخور
عندما كان رئيس الكهنة يدخل ليقدم البخور مرة واحدة في السنة داخل قدس الأقداس، كان يدور حول تابوت العهد بالشورية، وكذلك حينما كان يبخر عند مذبح البخور على مدار السنة، مثلما بخّر زكريا الكاهن أبو يوحنا المعمدان عندما أصابته القرعة فوجد الملاك واقفًا عن يمين مذبح البخور أثناء قيامه بالتبخير في القدس. وبالطبع كانت صور الملائكة وتابوت العهد بتمثاليّ الكروبين بالداخل... فهل يعتبر البخور الذي قدَّمه زكريا الكاهن هو عبادة للملائكة؟ بالطبع لا.. بل إن هذا البخور هو عبادة لله الساكن في هذا البيت.
لقد رفض آباؤنا الشهداء القديسون التبخير للأصنام، لكنهم لم يرفضوا التبخير داخل الكنيسة. لأن هذا التبخير يُقدَّم لله، كما كان يقدّم في الهيكل وفي خيمة الاجتماع.
كذلك أيضًا ذُكر في سفر الرؤيا أن الأربعة والعشرون قسيسًا الذين هم حول العرش يرفعون بخورًا هو صلوات القديسين!!
إن القديس يصلى وهو على الأرض أو في الفردوس، بينما عند العرش في الملكوت في سماء السماوات هناك بخور يرتفع حول العرش. فكيف تصبح صلاة الذين على الأرض بخورًا هناك عند العرش السماوي؟ كيف تكون هنا صلاة، وهناك تصير بخورًا هو صلوات القديسين، مع وجود مجامر حول العرش؟ وحتى إن قيل إن هذا المنظر يشير إلى معنى، لكن أيضًا معناه أنه يوجد شخص صلى في مكان، والآخر يرفع هذه الصلاة، وهذه طبعًا تعتبر شفاعة.. هذه نقطة، والنقطة الأخرى أن التبخير هو شركة صلاة.
للتبخير معنيان
الأول: التبيخر بمعنى العبادة وهذا نحن لا نستخدمه مطلقًا لا مع البشر الأحياء ولا مع أيقونات القديسين. إلا عند التبخير ناحية الشرق ونحن نقول أمام باب الهيكل: "نسجد لك أيها المسيح إلهنا مع أبيك الصالح والروح القدس..." والمقصود هنا أننا نعبد الله المثلث الأقانيم الذي مجده ملء كل الأرض وخاصة في هيكله المقدس.
الثاني: التبخير بمعنى شركة الصلاة.
إن الكاهن يبخر للشعب عند مروره في وسطهم فهل معنى ذلك أن الشعب صار آلهة؟! أم أنه يبخر وكأن لسان حاله يقول إن هذا البخور المتصاعد هو صلوات الشعب التي يرفعها الكاهن أمام الله، وأيضًا صلوات الكاهن من أجل الشعب، فهو شركة الصلاة. ففي سفر الرؤيا يحمل الأربعة وعشرون قسيسًا "جَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ" (رؤ5: 8).
كما يبخر الكاهن في الكنيسة للشعب، يبخر أيضًا للكاهن شريكة في الخدمة عن طريق المصافحة باليد ويقول له: {أسألك يا أبى القس أن تذكرني في صلاتك...} فيجيبه {الرب يحفظ كهنوتك مثل ملكي صادق وهارون وزكريا كهنة الله العلى}، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.ويبخّر للأب الأسقف مثل الشعب وليس مثل الكاهن شريكه، لأنه لا يوجد يمين شركة بينهم من جهة المساواة في الدرجة الكهنوتية، فيقول له {الرب يحفظ حياة وقيام أبينا الأسقف... حفظًا احفظه لنا سنين كثيرة.. أسألك يا أبى الأسقف أن تذكرني في صلواتك}، فيرد {الرب يحفظ كهنوتك مثل ملكي صادق وهارون وزكريا كهنة الله العلى}. إذًا التبخير هو عبارة عن شركة صلاة. كما قال المرنم في المزمور "لِتَسْتَقِمْ صَلاَتِي كَالْبَخُورِ قُدَّامَكَ. لِيَكُنْ رَفْعُ يَدَيَّ كَذَبِيحَةٍ مَسَائِيَّةٍ" (مز140 (141): 2).
إن التبخير للأيقونات ليس عبادة ولكنه شركة للصلاة بيننا وبين السيدة العذراء مريم، أو بيننا وبين القديس بولس الرسول وغيره... وشركة الصلاة التي بيننا هذه نعبّر عنها بهذا التبخير.
القديسون يُصلّون لنا في الفردوس وصلواتهم تصل إلى عند الأربعة والعشرين قسيسًا، الذين يرفعون البخور أمام عرش الله الآب، حيث الخروف قائم كأنه مذبوح في وسط العرش، وهذا البخور هو صلوات القديسين، هذا في سماء السموات وليس في الفردوس...
هذا يؤكد أن البخور ليس مهملًا في العهد الجديد. فيقول الكتاب "وَلَمَّا أَخَذَ السِّفْرَ خَرَّتِ الأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ قسيسًا أَمَامَ الْحَمَلِ وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ" (رؤ5: 8).
فبما أن الأيقونة لها مفعول نعمة خاصة إذ يقول الأب الأسقف عن الأيقونة وهو يدشنها بالميرون في صلاة التدشين: "لتكون ميناء خلاص لكل مَن يلجأ إليها بإيمان"، ولأن الصلوات تصل نتيجة التدشين بالميرون (مثل خط الموبيل كما قلنا)، هكذا، فإن البخور يُصعِد الصلوات أمام الأيقونة.. فهل هذه الصلاة تعتبر عبادة؟! بالطبع لا... الصلاة هنا هي مجرد طلب لصاحب الأيقونة أن يذكر المصلى، فما الخطأ في ذلك؟
إن معلمنا يعقوب الرسول يقول: "صَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ" (يع5: 16) فإذا كنا نحن الخطاة نصلى لأجل بعضنا البعض أفلا نطلب صلوات القديسين لأجلنا؟!
أما بخصوص تبخير العبادة فهذا كان يمارسه عبدة الأصنام، لكن ليس كل تبخير هو عبادة..