المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الأحد، 22 مايو 2016

مدخل كتاب نحو التوبة الراهب سارفيم البراموسى

مدخل كتاب نحو التوبة الراهب سارفيم البراموسى 
الحياة اليوم أصبحت وادي من القلق. وإنسان اليوم أصبح قَلِقًا أكثر من أيّ وقتٍ مضَى، فالتمدُّن والتحوُّل الذي طرأ على الحياة مُحوِّلاً إيّاها إلى مُجْتَمَع استهلاكيّ قد غيَّر من خصائص السلوك البشري بل وأثــَّر بشكلٍ مباشر على تفكيره وقراراته وقناعاته وأولوياته، ممّا جعل الإنسان مُمزَّقًا بين ما يراه وما يريده. حتّى إرادة الإنسان نفسها قد طالتها ثقافة المدنيَّة والاستهلاك فأصبحت إرادةً هشَّةً مُشوَّشةً مُغيَّبةً مُتلقيَّةً، وكلّ هذا قد آل في نهاية الأمر إلى التغرُّب الكياني الذي استوطن خرائِب قلب الإنسان. حتّى النهضة التي كانت تهدف إلى سعادة وراحة ورفاهيَّة الإنسان أصبحت شوكةً في كيانه لا يستطيع أن ينتزعها، وذلك لأن النهضة أعادت توزيع الأدوار الكونيَّة، فجعلت من الإنسان مركزًا للوجود، عليه أن يُحقِّق بنفسه الاستقرار للكون وللطبيعة ولِذاته، وهو ما يفوق قدراته ويتعدَّى اختصاصاته في هذه الحياة. فتنامَى القلق الوجداني وتسلَّل إلى الكيان وتحوَّل إلى قلق كياني لا يهدأ ولا يتوقَّف، يُحاصِر الإنسان ليل نهار، يُبْعِده عن هويته الذاتيَّة، ويُعمي بصيرته عن معرفة دوره في الحياة والوجود. والقلق بحسب تعريف كيركجارد (الفيلسوف الدانماركي) هو [ التحديد الدقيق للخطيئة ]. فالقلق هو نتيجة تجذُّر للخطيئة في كياننا الإنساني وما يَتْبَعه من تغرُّب الإنسان عن الله. فالخطيئة هي توتُّر إنساني ينشأ حينما ننحرف عن مسارنا، ونشوِّه خِلْقتنا بالتحالُف مع العالم والرضَى بمدار الحياة الزمني والتمتُّع الوقتي بلذَّات الحواس الماديَّة. وهذا التوتُّر يستمر طالما الإنسان قانع بمركزيَّته في الحياة رافضًا تسليم دفة القيادة لله مرّة أخرى. وهذا عينه ما وصفه القديس مكاريوس الكبير بأنه السقوط في [ فقر الخطيئة المُرعب ] .
إن مأساتنا المعاصرة هي أننا ابتعدنا عن كوننا صورة الله، محاولين أن نخلق أسطورتنا الشخصيَّة ونرسم لوحتنا الفرديَّة بمنأى عن الله. ولكن ما يغيب عن أذهاننا هو أنه لا مركزيَّة مطلقة للإنسان في الحياة!! إنها مركزيَّة الشيطان المُتخفي وراء تطلُّعات وطموح الإنسان. فحينما نُقصي الله عن مركزيَّة حياتنا فإننا ندعو الشيطان ليتسلَّم القيادة بدلاً منه، متوهمين أنه يمكننا ـ بمفردنا ـ امتلاك حق الاختيار والقرار في الحياة دون تدخـُّل إلهي!!

من هنا ندرك أن الحل الوحيد لنزع فتيل القلق من كياننا الإنساني هو أن نُسلِّم الله حق القيادة ونعيد تتويجه دُفْعَة أخرى على الحياة برُمتها. وهذا هو التعريف الشامل لمفهوم التوبة. وهذا سيكون مِحور حديثنا في الصفحات القادمة.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;