كتاب اللاهوت المقارن (1) لقداسة البابا شنودة الثالث
5- فاعلية المعمودية
1- المعمودية يتم بها الخلاص:
حسب قول السيد المسيح: "من آمن واعتمد، خلص" (مر 16: 16). ولم يقل : "من آمن خلص"، وإنما اشترط المعمودية إلى جوار الإيمان.
وقال القديس بولس الرسول "... بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تى 3: 5). وقال القديس بطرس الرسول عن الفلك "الذي فيه خلص قليلون أي ثمانية أنفس بالماء، الذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية" (1بط 3: 20، 21).
2- بالمعمودية ننال الميلاد الثانى، من الماء والروح:
أ) وذلك حسب قول السيد المسيح لنيقوديموس: "إن كان أحد لا يولد من فوق، لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو 3: 3) ثم فسرها له بقوله "إن كان لا يولد من الماء والروح، لا يقدِر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3 : 5)... وأضاف: "المولود من الروح هو روح... هكذا كل من ولد من الروح". وهكذا اعتبر كل من ولد من الماء والروح، يكون قد ولد من فوق، أو يكون قد ولد من الروح، هذا هو الميلاد الثاني.
والعجيب أن بعض البروتستانت يريد الهروب من هذه الآية بقوله: لم يقل الرب كل من يعتمد من الماء والروح، بل قال كل من يولد...!
ولا شك طبعًا أنهما تعبير واحد، لأنه ما معنى "يولد من الماء" سوى أنه "يُعَمَد" لأن المُعَمَد يخرج من بطن المعمودية. كما أن كلام القديس بولس الرسول يؤكد نفس المعنى...
ب) يقول القديس بولس: "بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني" (تى 3: 5) وقال عن الكنيسة: "مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة" (أف 5: 26) واعتبر الرسول أن غسل الماء (بالمعمودية) هو غسل الميلاد الثاني، وهو غسل من الخطايا.
3- المعمودية هي غسل من الخطايا:
حسب الآيتين السابقتين.
وأيضًا حسب قول حنانيا الدمشقي لشاول الطرسوسي بعد أن دعاه الرب: "أيها الأخ شاول... لماذا نتوانى؟ قم اعتمد واغسل خطاياك" (أع 22: 16).
وهنا نرى أنه من نتائج المعمودية غسل الإنسان من خطاياه. وفي مثال شاول الطرسوسي هذا نرى عجبًا. لقد دعاه السيد المسيح بنفسه، ليكون رسولًا للأمم، وإناءً مختارًا يحمل اسمه (أع 9: 15، 16 ). ومع ذلك لم تغفر خطاياه بهذا اللقاء مع الرب، ولا بإيمانه ولا بصيرورته رسولًا، إنما ظل محتاجًا إلى المعمودية لكي يغسل خطاياه.
ولعل بولس الرسول كان يتذكر باستمرار هذا الغسل من الخطية بالمعمودية، فقال لأهل كورنثوس: "لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (1كو 6: 11) ذلك لأنهم اعتمدوا باسم يسوع المسيح، فنالوا المغفرة، كما قال القديس بطرس لليهود.
4- المعمودية بها مغفرة الخطايا:
وذلك أنه لما آمن اليهود يوم الخمسين ونخسوا في قلوبهم، قالوا ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة؟ أجابهم القديس بطرس الرسول قائلًا: "توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا..." (أع 2: 38).
ولو كان إيمان اليهود في ذلك اليوم كافيًا لمغفرة خطاياهم، ما كان الرسول العظيم يطلب منهم أن يعتمدوا لمغفرة الخطايا...! وبخاصة في ذلك اليوم التاريخي يوم تأسيس الكنيسة، وهو يوم ترسى فيه مبادئ هامة للخلاص.
ولعل البعض يسأل: كيف تُغفَر الخطايا في المعمودية؟ فنجيب:
5- المعمودية هي موت مع المسيح وقيامة معه:
يقول الكتاب: "أجرة الخطية هي موت" (رو 6: 23) وقد بدأ طريق الخلاص بالموت، إذ مات المسيح عنا (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وكان لابد أن نموت مع المسيح أو على الأقل نتشبه بموته حسب قول الرسول: "لأعرفه وقوة قيامته، وشركة آلامه، متشبهًا بموته" (فى 3: 10). ونحن نفعل ذلك في المعمودية. وكيف؟
يقول الرسول: "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح، اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت" (رو 6: 3، 4) . ويستمر في تأكيد هذا التعبير فيقول: "متنا معه... دفنا معه، قد صرنا متحدين معه بشبه موته... إنساننا العتيق قد صُلب معه...".
ويقول الرسول أيضًا في (كو2: 12): "مدفونين معه في المعمودية" مؤكدًا نفس المعنى...
ولماذا كل هذا؟ يقول الرسول: "فإن كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا معه" (رو 6: 3 8).
المعمودية إذن لازمة للخلاص، لأنها شركة في موت المسيح. لأنها إيمان بالموت كوسيلة للحياة، واعتراف بأن أجرة الخطية هى موت.
وفى هذا الفصل من (رو 6) تبدو لنا ملاحظتان هامتان:
أ- عبارة: "دُفنا في المعمودية" تعنى التغطيس، كوضع الإنسان داخل القبر.
ب- يبدو من نتائج المعمودية أيضًا "صلب إنساننا العتيق".
وفى هذا الفصل أيضًا نتيجة أخرى للمعمودية وهى:
6- في المعمودية عملية تجديد:
يقول الرسول: "فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أقيم المسيح... هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة" (رو 6: 4) أي في الحياة الجديدة... هذه التي تُمنح لنا بالمعمودية. طبيعتنا إذن تتجدد في المعمودية. وكيف ذلك؟
7- في المعمودية نلبس المسيح:
يقول الرسول: "لأنكم كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح، قد لبستم المسيح" (غل 3: 27) هل توجد عبارة أقوى من هذه تدل على عظم فاعلية المعمودية؟!
تلبس المسيح... تلبس ما فيه من بر، يهبه لك كنتيجة للمعمودية، تلبس الخلاص الذي وهبه لك في المعمودية بدمه... تلبس الصورة الإلهية (تك 1: 26) التي فقدناها بالخطية الأولى.
ورموز إلى المعمودية في العهد القديم تعطى نفس المعنى:
أ- فمن ضمن هذه الرموز كان الفلك. وفيه يقول القديس بطرس الرسول: "... إذ كان الفلك يبنى، الذي فيه خلص قليلون أي الثماني أنفس بالماء، الذي مثاله يخلصنا نحن أيضًا بالمعمودية" (1بط 3: 20، 21).
نشرح أن المعمودية فيها الخلاص، بالماء، كما حدث في الفلك مع الذين خلصوا من موت الطوفان بفلك نوح، مثال المعمودية.
وهذا يؤيد ما سبق أن قلناه عن الخلاص بالمعمودية حسب قول الرب (مر 16: 16).
ب- ومن الرموز إلى المعمودية الختان.
ج- ومن الرموز للمعمودية في العهد القديم أيضًا، عبور البحر الأحمر.
وعن هذا الرمز يقول القديس بولس الرسول :"فإني لست أريد أيها الأخوة أن تجهلوا أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة، وجميعهم اجتازوا في البحر، وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر".
والمعروف أن عبور البحر الأحمر كان خلاصًا للشعب من عبودية فرعون. وهو هنا يرمز إلى الخلاص الذي نناله في المعمودية من عبودية الخطية والموت، وعنصر الماء واضح في المثالين. وموسى يمثل هنا الكهنوت . كما كان نوح في مثال الفلك يمثل الكهنوت في عهد الآباء البطاركة (رؤساء الآباء)...
د- ومن رموز العهد القديم إلى المعمودية أيضًا ما ورد في (حز 16: 8، 9) حيث يقول الرب لأورشليم الخاطئة التي ترمز هنا إلى النفس البشرية في سقوطها: "ودخلت معك في عهد يقول السيد الرب فصرتِ لي. فحممتكِ بالماء، وغسلت عنكِ دماؤكِ، ومسحتك بالزيت" وهذا الماء والغسيل رمز للمعمودية، والزيت رمز لمسحة الروح القدس، وعبارة "صرتِ لى" تعنى انضمامها بهذا إلى جسد المسيح (عضويةالكنيسة).
المعمودية إذن فيها خلاص ومغفرة للخطايا، ليس حسب تعليم العهد الجديد فقط، إنما حسب رموزها في العهد القديم أيضًا في الختان، والفلك، والبحر الأحمر.
و-المغفرة التي ننالها في المعمودية يُعبر عنها قانون الإيمان تعبيرًا واضحًا جدًا في قوله: "نؤمن بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا".
8- في المعمودية انضمام لعضوية الكنيسة:
لا شك أن المعمودية كان يرمز لها الختان في العهد القديم. وفي ذلك يقول الرسول عن السيد المسيح: "وبه أيضًا ختنتم ختانًا غير مصنوع بيد، بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح، مدفونين معه بالمعمودية، الذي فيه أيضًا أقمتم بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات" (كو 2: 11، 12).
المعروف أنه في الختان يقطع جزء من الجسد، فيموت، إشارة في المعمودية إلى الموت الكامل. وكما أن الختان علامة لا تُمحى هكذا أيضًا في المعمودية.
وكما أن في الختان يسيل دم، كذلك الحياة الجديدة التي أتت بالمعمودية، كانت باستحقاق الدم الذي سفك عنا.
وكما أن المختون كان يعتبر بختانه عضوًا في شعب الله وفي جماعة المؤمنين (تك 17: 7) هكذا أيضًا المُعَمَد يصير عضوًا فى الكنيسة في شعب الله، عضوًا في جسد المسيح. وكما أن غير المختون كان يهلك ( تك 17: 14) هكذا أيضًا كل من لا يولد من الماء والروح (يو 3: 3، 5) لا يدخل ملكوت الله، لأنه لم يدخل في المعمودية ولم يدفن مع المسيح ولم يقم معه.
وكما أن الختان كان لازما وضروريًا وبأمر إلهي، هكذا أيضًا المعمودية لازمة للمغفرة ولعضوية جسد المسيح.
وكما أن الإنسان يموت مرة واحدة ويقوم، ويختن مرة واحدة، هكذا أيضًا المعمودية واحدة لا تتكرر لأن المُعَمَد لا يموت مع المسيح أكثر من مرة.
أما علاقة الختان والمعمودية بمغفرة الخطايا ، فيُعبر عنها الرسول في حديثه عن الختان الروحي، ختان المسيح، غير المصنوع بيد الذي فيه خلع جسم الخطايا، ويرمز للمعمودية، فيقول بعدها: "وإذ كنتم أمواتًا بالخطايا وغلف جسدكم، أحياكم معه مسامحًا لكم بجميع الخطايا" (كو 2: 11 13).