المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الأربعاء، 25 مارس 2015

الهوية الأرثوذكسية – لنيافة الأنبا روفائيل

الهوية الأرثوذكسية – لنيافة الأنبا روفائيل

1356997221y3774t 

“ها أنا آتي سريعًا. تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك” (رؤ3: 11)
هذه الوصية ترن عاليًا في أذان كنيستنا القبطية.. إننا حريصون كل الحرص على الإكليل المُعد لكلٍ منا في الأبدية.. لذلك تحافظ كنيستنا المجيدة على (ما عندها) من إيمان، وصلاة، وتسبيح، وجهاد روحي عميق.. لننال أكاليل النعمة غير المغلوبة في اليوم الأخير..
وقد يتساءل البعض.. أليست كل كنيسة أيضًا تتمسك بما عندها متخوفة من هذا التحذير الإلهي؟ فما الذي يُميّز كنيستنا القبطية عن غيرها؟ أليس الجميع مقبولين أمام الله؟ لماذا نتمسك بكنيستنا بكل هذا التمسك والافتخار؟

ما الذي يُميز الأرثوذكسية؟
إن الأرثوذكسية تتميز في فكرها عن جميع الطوائف بأنها كنيسة التسليم الرسولي، فهي كنيسة تقليدية – كهنوتية – طقسية – آبائية – كتابية، وهي مجمع قديسين في السماء وعلى الأرض.
دعنا الآن نناقش هذا التميز بندًا بندًا:
(1) التسليم الرسولي
ما هو التسليم؟
التسليم هو الطريقة التي فهم به الآباء معنى الإنجيل، وتفاصيل العقيدة. وقد سلّموها لنا كما استلموها من آبائهم، ومن السيد المسيح نفسه.
 إنه تسليم “ليس بحسب إنسان” (غل1: 11).. وليس من اختراع البشر، أو استحسان المفكرين واللاهوتيين..
 “فإنني سلَّمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضًا” (1كو15: 3)، “لأنني تسلَّمت من الرب ما سلَّمتكم أيضًا” (1كو11: 23).
وقد أمرنا الإنجيل أن نحفظ هذه التقليدات ونسلمها بأمانة للأجيال التالية.
 “فأمدحكم أيها الإخوة على أنكم تذكرونني في كل شىء، وتحفظون التعاليم (التقليدات) كما سلَّمتها إليكم” (1كو11: 2).
 “فاثبتوا إذًا أيها الإخوة وتمسكوا بالتعاليم (التقليدات) التي تعلمتموها، سواء كان بالكلام أم برسالتنا” (2تس2: 15).
الأسفار نفسها تشهد إذًا بأنها يجب أن تُفهم من خلال التسليم الرسولي “نوصيكم أيها الإخوة، باسم ربنا يسوع المسيح، أن تتجنبوا كل أخ يَسلُك بلا ترتيب، وليس حسب التعليم (التقليد) الذي أخذه منا” (2تس3: 6).
هذا التعليم الرسولي كان جزء منه كتابة في الرسائل، وجزء آخر شفاهي “لأني أرجو أن آتي إليكم وأتكلم فمًا لفم، لكي يكون فرحُنا كاملاً” (2يو12)، راجع أيضًا (3يو13،14)، وجزء منه كان ترتيبات عملية “وأما الأمور الباقية فعندما أجيء أرتبها” (1كو11: 34).
وقد أوصى الكتاب المقدس الكنيسة أن تحفظ هذا التسليم، وتسلِّمه بأمانة وكفاءة للأجيال المتعاقبة..
 “وما سمعته منى بشهود كثيرين، أَودِعه أُناسًا أُمناء، يكونون أكفاءً أن يُعلِّموا آخرين أيضًا” (2تي2: 2).
 “من أجل هذا تركتك في كريت لكي تُكمِّل ترتيب الأمور الناقصة، وتُقيم في كل مدينة قسوسًا” (تي1: 5).
 “تمسّك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته مني” (2تي1: 13).
لقد فهم الآباء الإنجيل بطريقة سليمة حسب قصد السيد المسيح. فكان إيمانهم نقيًا، وكذلك عاشوا بالإنجيل كما قصد السيد المسيح.. فكانت حياتهم تقوية. “وما تعلمتموه، وتسلمتموه، وسمعتموه، ورأيتموه فيَّ، فهذا افعلوا” (في4: 9).
ولولا هذا التسليم.. لتعددت مدارس التفسير إلى الدرجة التي تنشأ بسببها الهرطقات والبدع الخطيرة بسبب الاجتهاد الشخصي في التفسير، وتدخّل العوامل النفسية والشخصية في توجيه معنى الآيات.
يمكنك أن تتساءل.. كيف فهم الآباء معنى ومدلول الآيات التالية؟
 “أبي أعظم مني” (يو14: 28).
 “مَنْ أراد أن يُخلص نفسه يُهلكها” (مت 16: 25).
 “أحببت يعقوب وأبغضت عيسو” (رو 9: 13).
 “وإن أعثرتك عينك فاقلعها وألقها عنك” (مت 18: 9).
وغيرها.. كثير من الآيات التي إذا فُهمت بطريقة حرفية لضاع المعنى الذي يقصده السيد المسيح، وأخرى عسرة الفهم تحتاج شرحًا وتفسيرًا سليمًا، وأخرى لم يفهمها البعض فهمًا صحيحًا فأدت إلى ظهور الهرطقات والبدع الخطيرة.
إن العودة إلى التسليم الرسولي هي أضمن السُبل للاحتفاظ بالفهم السليم لنصوص الكتاب المقدس.
ما أخطر أن يعتمد الإنسان على نفسه وعلى فكره الخاص “وعلى فهمك لا تعتمد” (أم3: 5). “لا تكونوا حُكماء عند أنفسكم” (رو12: 16). “وأما أنت فاثبُت على ما تعلَّمت وأيقنت، عارفًا مِمَّنْ تعلَّمت” (2تي3: 14).
وقيل عن دور الأسقف أنه يكون:
 حافظًا للتفسير السليم للآيات بحسب قصد السيد المسيح نفسه.
 “ملازمًا للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم، لكي يكون قادرًا أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين” (تي1: 9).
 “أوصيك أمام الله… أن تحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم” (1تي6: 13-14).
 “إن كان أحد يُعلِّم تعليمًا آخر، ولا يُوافق كلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة، والتعليم الذي هو حسب التقوى، فقد تصلَّف، وهو لا يفهم شيئًا، بل هو مُتعلل بمباحثات ومماحكات الكلام” (1تي6: 3-4).
إذًا ليست الأهمية أن نقرأ الإنجيل فقط.. بل أيضًا أن نستنير بالكنيسة في فهم الإنجيل، والسلوك بالوصية. وهذا ما هو حادث بالفعل في كنيستنا القبطية.. إذ هي متمسكة بالكتاب المقدس، وأيضًا بالطريقة التي فهمه بها الآباء.
دعونا نتمسك بـ “الإيمان المُسلَّم مَرَّة للقديسين” (يه3).
“تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته مني، في الإيمان والمحبة التي في المسيح يسوع. احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا” (2تي1: 13-14).
وهذا يؤكد للمرة الثانية أن هذا الإيمان والتفسير السليم قد يكون مكتوبًا في الأسفار المقدسة، أو مشروحًا شفاهيًا، ومُسلَّم حياتيًا للكنيسة “سواء بالكلام أو برسالتنا” (2تس2: 15).
إذ أن الكتاب المقدس لم يتسع لشرح كل الحقائق الإلهية “فلست أظن أن العالم نفسه يَسَعُ الكتب المكتوبة” (يو21: 25). ودعونا نحترس مما حذرنا الكتاب المقدس منه “إن كان أحد يُبشركم بغير ما قبلتم، فليكن (أناثيما)!” (غل1: 9).
ما الذي يضمن عدم تزييف التسليم الرسولي؟
قد يتخوف البعض أيضًا من أن الكنيسة – مع طول الزمان – قد تدخل آباؤها بآرائهم الخاصة في التفسير والتسليم، مما يؤدي حتمًا إلى تزييف التسليم الرسولي الحقيقي والأصيل، ويصير بذلك ما بين أيدينا من تقليد بعيدًا روحًا وموضوعًا عما كان بين أيدي الرسل والآباء الأولين.
أود أن أطمئن صاحب هذا التخوّف المخلص أن الكنيسة منذ البداية لا تعتمد أي فكر، أو تفسير، أو إتجاه إلا عن طريق مجمع مقدس “وما سمعته مني بشهود كثيرين” (2تي2: 2).
فلو كان الأمر متروكًا لشخص واحد فقط (البابا مثلاً في أي عصر)، لكانت شبهة الانحراف والتزييف والتغيير ورادة، لأننا لا نؤمن بعصمة الأفراد. ولكن الذي يحكم التعليم في الكنيسة ليسوا أفرادًا بل المجمع المقدس. فكنيستنا القبطية كنيسة مجمعية وليست كنيسة بابوية.
وهناك قاعدة مستقرة في كنيستنا القبطية.. أننا لا نأخذ بأي تقليد إلا إذا كان متوافقًا مع الكتاب المقدس، ومع الإجماع الكنسي، والسياق العام لإيماننا القويم، ومصدره الآبائي الأصيل معروف.
 وليطمئن القارىء.. أن ما قد يتسلل إلى الكنيسة في أحد العصور من أفكار خاطئة، أو ممارسات ليست أصيلة (وهذا شيء نادر الحدوث)، فإن المجمع المقدس للكنيسة له سلطان أن ينقي تراثها من هذه الإضافات غير الأصيلة.
إن ما لدينا من تسليم رسولي وآبائي قد حافظت عليه كنيستنا القبطية بكل نقاوة وأمانة، وسلّمته إلينا بكل دقة وتقوى. وقد بذلت الكنيسة دمها وعرقها حبًا لفاديها وعريسها، وحفظاً لتراثها وسلامة إيمانها.
فإذا أردت أن تستند إلى شرح إلهي مستنير، وتفسير أمين غير منحرف وبدون شهوات خاصة.. تعالَ إذًا إلى كنيستك القبطية الأرثوذكسية لتغترف من كنوز معرفتها لتشبع وتفرح وتسعد بالمسيح إلهنا.
“لأن وعظنا ليس عن ضلال، ولا عن دنس، ولا بمكر، بل كما استُحسنا من الله أن نُؤتمن على الإنجيل، هكذا نتكلم، لا كأننا نُرضي الناس بل الله الذي يختبر قلوبنا. فإننا لم نكن قط في كلام تملق كما تعلمون، ولا في علة طمع. الله شاهد” (1تس2: 3-5).
(2) الكهنوت
أيضًا ما يُميز كنيستنا القبطية هو أنها كنيسة كهنوتية. فنحن نؤمن أن الكهنوت في العهد الجديد لم يُلغ.. بل تغير من طقس هارون إلى طقس ملكي صادق.
 “فلو كان بالكهنوت اللاوي كمال – إذ الشعب أخذ الناموس عليه – ماذا كانت الحاجة بعد إلى أن يقوم كاهن آخر على رتبة ملكي صادق؟ ولا يُقال على رتبة هارون” (عب7: 11).
 “لأنه إن تعيَّر الكهنوت، فبالضرورة يصير تغيُّر للناموس أيضًا” (عب7: 12).
وكما كان في العهد القديم.. كان هناك أناس مفروزين لعمل الكهنوت، وهم سبط لاوي، ونسل هرون.. كذلك في العهد الجديد أيضًا.. يوجد أناس مفروزين لعمل الكهنوت. “قال الروح القدس: أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلُّوا ووضعوا عليهما الأيادي، ثم أطلقوهما” (أع13: 2،3).
صحيح أن كل الشعب هو مملكة كهنة.. “كونوا أنتم أيضًا مبنيين – كحجارة حية – بيتًا روحيًا، كهنوتًا مقدسًا، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح” (1بط2: 5). “وأما أنتم فجنس مختار، وكهنوت ملوكي، أمة مقدسة، شعب اقتناء، لكي تُخبِروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب” (1بط2: 9). “وجعلنا ملوكًا وكهنة لله أبيه” (رؤ1: 6).
وهو نفس الأمر الذي كان بعينه في العهد القديم أيضًا.. “وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأُمة مقدسة” (خر19: 6). وهذا لم يمنع من وجود أناس متخصصين في عمل الكهنوت داخل الجماعة المقدسة (نسل هرون من سبط لاوي).
كذلك في العهد الجديد.. نحن مملكة كهنة، ولكن يوجد الكهنة المتخصصون في خدمة الكنيسة الكهنوتية. وإلا لماذا قال معلمنا بولس الرسول عن نفسه: “حتى أكون خادمًا ليسوع المسيح لأجل الأمم، مباشرًا لإنجيل الله ككاهن، ليكون قربان الأمم مقبولاً مقدسًا بالروح القدس” (رو15: 16). 
وكيف يكون المسيح (رئيس كهنة)؟
 “فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السماوات، يسوع ابن الله، فلنتمسك بالإقرار” (عب4: 14). 
 “كما يقول أيضًا في موضع آخر: أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق” (عب5: 6).
 “مدعوًّا من الله رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق” (عب5: 10).
كيف يكون المسيح رئيس كهنة، ويدّعي البعض أنه لا كهنوت في المسيحية؟!!
وضع اليد:
والكهنوت في كنيستنا يُؤخذ بوضع اليد، فيحل الروح القدس على الشخص المدعو للكهنوت ويملأه من النعمة ومواهب الخدمة. وهذا يؤيده الكتاب المقدس حيث قيل: “أنه بوضع أيدي الرسل يُعطى الروح القدس” (أع8: 18). وليس المقصود هو وضع اليد العمومي لكل الناس لنوال الروح القدس – الذي يتم الآن بالدهن بالميرون “ولما وضع بولس يديه عليهم حلَّ الروح القدس عليهم” (أع19: 6).. بل المقصود هو وضع اليد الخاص بالكهنوت “لا تهمل الموهبة التي فيك، المُعطاة لك بالنبوة مع وضع أيدي المشيخة” (1تي4: 14). “فلهذا السبب أُذكِّرُك أن تُضرم أيضًا موهبة الله التي فيك بوضع يديَّ” (2تي1: 6).
والكهنوت في كنيستنا منحدر إلينا من أبينا القديس مرقس الرسول الذي بشرنا بالمسيح، وسام أول أسقف لمصر، وهو القديس انيانوس.. واستمرت الخدمة الرسولية في كنيستنا، والتسلسل الكهنوتي حتى اليوم في بابانا المحبوب البابا شنوده الثالث، وكل الأحبار الأجلاء مطارنة وأساقفة الكنيسة، وكذلك في الآباء الكهنة المباركين القمامصة، والقسوس الأرثوذكسيين.
إنها موهبة عظيمة لا يتمتع بها كثيرون من الطوائف الأخرى.
مواهب خدمة الكهنوت:
والكهنوت في الكنيسة نعمة جبارة لا نستغني عنها.. لأن الكاهن:
 مُعلّم.. “لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة، ومن فمه يطلبون الشريعة، لأنه رسول رب الجنود” (ملا2: 7).
 والكاهن يغفر خطايا الناس التائبين، بسلطان من المسيح.. “مَنْ غفرتم خطاياه تُغفر له، ومَنْ أمسكتم خطاياه أُمسكت” (يو20: 23).
 والكاهن يُعمد بتفويض من السيد المسيح.. “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (مت28: 19).
 ويمارس كل الأسرار.. “كوكيل الله” (تي1: 7). “هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح، ووكلاء سرائر الله” (1كو4: 1).
 والكاهن أيضًا سفير عن المسيح، ومحسوب أنه ملاك الكنيسة، وراعي لها، وأب للشعب، ومرشد، ومدبر، وخادم لمذبح الله، وهو الذي يبارك الشعب، ويفتقده، ويرعاه، ويحنو عليه، وينبهه للذئاب الخاطفة..
وعندما يستدعي الأمر يُوبخ، وينتهر، بصفته أب يخاف على أبنائه من الانحراف “وبِّخ، انتهر، عظ بكل أناة وتعليم” (2تي4: 2)، “كذلك عِظ الأحداث أن يكونوا متعقِّلين” (تي2: 6). “تكلَّم بهذه، وعِظ، ووبِّخ بكل سلطان، لا يستَهِن بِكَ أحد” (تي2: 15).
مغبوط هو الإنسان الذي يجد أبًا يتعهده بالرعاية.. ومسكينة هي الجماعة التي ترفض الكهنوت، والأبوة الروحية.. ستحرم نفسها من الكثير من النعمة العظيمة..
(3) الطقس الكنسي
كنيستنا كنيسة طقسية.. والطقس كلمة يونانية تُعني الترتيب والنظام. وقد أمرنا الكتاب المقدس بتنظيم العبادة “ليكن كل شيء بلياقة وبحسب ترتيب” (1كو14: 40)، ونهانا عن العبادة غير المنظمة “ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب” (1تس5: 14)، “ثم نوصيكم أيها الإخوة، باسم ربنا يسوع المسيح، أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب، وليس حسب التعليم الذي أخذه منا” (2تس3: 6)، “لأننا لم نسلك بلا ترتيب بينكم” (2تس3: 7).
وكانت أحد وظائف الأسقف أن يُرتب الكنيسة (يُطقّسها) “من أجل هذا تركتك في كريت لكي تُكمِّل ترتيب الأمور الناقصة، وتُقيم في كل مدينة قسوسًا كما أوصيتك” (تي1: 5).
وفي العهد القديم أمر الله موسى النبي أن يُرتب العبادة، ويُنظمها حتى تكون في مجد. وطبعًا بالأولى جدًّا أن تكون خدمة العهد الجديد أكثر تنظيمًا وأكثر مجدًا “لأنه إن كانت خدمة الدينونة مجدًا، فبالأولى كثيرًا تزيد خدمة البر في مجد!” (2كو3: 9).
وكان معيار الخدمة في العهد القديم أنها على “ترتيب (طقس) داود مَلِك إسرائيل” (عز3: 10). أما في العهد الجديد فهي على نظام وترتيب المسيح نفسه.. وهذا ما مدحه القديس بولس الرسول في أهل كولوسي “فإني وإن كنت غائبًا في الجسد لكني معكم في الروح، فرحًا، وناظرًا ترتيبكم ومتانة إيمانكم في المسيح” (كو2: 5). لأنه سبق أن رتب هذه الأمور بنفسه في الكنائس التي أسسها “وأما الأمور الباقية فعندما أجيء أُرتِّبها” (1كو11: 34).
والطقس الكنسي يشمل:
 نظام الصلاة.. “فما هو إذًا أيها الإخوة؟ متى اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور، له تعليم، له لسان، له إعلان، له ترجمة. فليكن كل شيء للبنيان” (1كو14: 26).
 ونظام الصوم ومواعيده.. “ولما مضى زمان طويل، وصار السفر في البحر خطرًا، إذ كان الصوم أيضًا قد مضى” (أع27: 9).
 وكذلك يشمل الأعياد ومواعيدها.. “بل ودعهم قائلاً: ينبغي على كل حال أن أعمل العيد القادم في أورشليم” (أع18: 21). “إذًا لنُعيد، ليس بخميرة عتيقة، ولا بخميرة الشر والخبث، بل بفطير الإخلاص والحق” (1كو5: 8). ليس بالنظام اليهودي بل بالمسيحي “فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب، أو من جهة عيد أو هلال أو سبت” (كو2: 16).
 ويُحدد الطقس الكنسي أيضًا اللحن، والنغمة، والكلام الذي يقال في كل مناسبة.. لكي نعيش معًا حياة السيد المسيح بكل مراحلها على مدار السنة: (البشارة – الميلاد – الصوم – المعجزات – الصليب – القيامة – الصعود – حلول الروح القدس – كرازة التلاميذ.. إلخ).
 وكذلك يُبرز لنا الطقس حياة القديسين لنحتفل بهم ونتثمل بإيمانهم.
(4) القديسون
كنيستنا القبطية تُحب القديسين وتحترمهم.. وبالأكثر القديسين الذين سبقونا إلى السماء، لأنهم صاروا لنا كأنوار كاشفة، وعلامات للطريق.
“اذكروا مُرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله. انظروا إلى نهاية سيرتهم فتَمثَّلوا بإيمانهم” (عب13: 7).
ونحن نكرّمهم لأن الله نفسه يُكرمهم.. “فإني أُكرم الذين يُكرمونني، والذين يحتقرونني يصغُرون” (1صم2: 30).
وهم قد أكرموا الله بتنفيذ وصاياه.. “فتكونون قديسين لأني أنا قدوس” (لا11: 45)،  “بل نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة. لأنه مكتوب: كونوا قديسين لأني أنا قدوس” (1بط1: 15،16).
لذلك فنحن نُسَر بهم.. “القديسون الذين في الأرض والأفاضل كل مسرتي بهم” (مز16: 3). “فأحب الشعب. جميع قديسيه في يدك، وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك” (تث33: 3)
والله نفسه مُمجد في قديسيه.. “متى جاء ليتمجد في قديسيه ويُتعجب منه” (2تس1: 10). لذلك فحينما نُمجد القديسين فإنما نحن نُمجد الله فيهم. وسوف يأتي السيد المسيح في مجيئه الثاني مع جماعة القديسين “في مجيء ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه” (1تس3: 13)، “هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه” (يه14). بل وسوف يشتركون في دينونة العالم “ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم؟” (1كو6: 2)، “متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضًا على اثنى عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر” (مت19: 28). والقديسون هم الذين عرّفونا مشيئة الله “التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر” (أع3: 21)، “كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر” (لو1: 70).
وهم الذين سوف نتشارك معهم في المجد الأبدي.. “شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور” (كو1: 12).
“أما قديسو العلي فيأخذون المملكة ويمتلكون المملكة إلى الأبد وإلى أبد الآبدين” (دا 7: 18).
وقد أعطاهم الله مجدًا يفوق الوصف.. “وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني، ليكونوا واحدًا كما أننا نحن واحد” (يو17: 22). واعتبرهم نظيره “من يقبلكم يقبلني، ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني” (مت10: 40).
والقديسون معنا في شركة عضوية جسد المسيح، وهذه العضوية لا تنتهي بانفصال الروح عن الجسد، بل بالعكس تستمر وتتأصل إلى الأبد..
فالقديسون في السماء أحياء “أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب. ليس الله إله أموات بل إله أحياء” (مت22: 32)، ومازالوا يُصلّون عنا حسب الوصية المتكررة بالإنجيل أن نصلي بعضنا لأجل بعض “أيها الإخوة صلُّوا لأجلنا” (1تس5: 25)، “وصلُّوا بعضكم لأجل بعض” (يع5: 16)، “طلبة البار تقتدر كثيرًا في فعلها” (يع5: 16).
نحن أغنياء بجماعة القديسين، وصلواتهم عنا في كل حين.. إنهم سحابة الشهود “لذلك نحن أيضًا إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا، لنطرح كل ثقل، والخطية المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا” (عب12: 1).
ونحن فخورون بهذه العائلة الضخمة المقدسة من آبائنا القديسين التي تضم أطفالاً، وكبارًا، ورجالاً، ونساءً، وشباب من شهداء، ورهبان، وقديسين، وكهنة، وعلمانيين. شفاعتهم المقدسة تكون معنا آمين.
(5) الجهاد الروحي
كنيستنا القبطية تؤمن بقيمة الجهاد الروحي والأعمال الصالحة لأجل خلاص الإنسان “ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا” (عب12: 1).
إن كنيستنا تلتزم بالإنجيل في تعاليمه بخصوص الجهاد الروحي “لم تقاوموا بعد حتى الموت مجاهدين ضد الخطية” (عب12: 4). فالجهاد مطلوب بطول العمر “الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يَخلُص” (مت10: 22)، “قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرًا قد وُضِع لي إكليل البر، الذي يهبه لي في ذلك اليوم، الرب الديان العادل” (2تي4: 7،8)،  والجهاد مطلوب حتى في خدمة المسيح “الأمر الذي لأجله أتعب أيضًا مُجاهدًا، بحسب عمله الذي يعمل فيَّ بقوة” (كو1: 29)، “هكذا اركضوا لكي تنالوا. وكل من يُجاهد يضبط نفسه في كل شيء” (1كو9: 24،25).
والحياة الروحية موصوفة في الكتاب المقدس أنها حرب ضد الشيطان “فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات” (أف6: 12).
لذلك يجب أن نتسلح ونجاهد مستعينين ومتكلين على كلمة الله “من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير، وبعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا. فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق، ولابسين درع البر، وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام. حاملين فوق الكل ترس الإيمان، الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة. وخذوا خوذة الخلاص، وسيف الروح الذي هو كلمة الله. مصلين بكل صلاة وطلبة” (أف6: 13-18)، “اصحوا واسهروا. لأن إبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو. فقاوموه، راسخين في الإيمان” (1بط5: 8،9). ويجب أن نتدرب على حياة الفضيلة “لذلك أنا أيضًا أُدرب نفسي ليكون لي دائمًا ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس” (أع24: 16).
كل ذلك لا يلغي أننا نؤمن بنعمة الله العاملة فينا.. ولكن النعمة أيضًا لا تلغي الجهاد، كما أن الإيمان لا يجعلنا نستغنى عن الأعمال “هكذا الإيمان أيضًا، إن لم يكن له أعمال، ميت في ذاته” (يع2: 17).
(6) الأسرار المقدسة
وكنيستنا القبطية تؤمن بالأسرار المقدسة وضرورتها للخلاص، وتؤمن بفاعليتها في حياتنا:
(أ) سر المعمودية:
 لا يوجد خلاص بدون المعمودية.. “الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله” (يو3: 3)، “الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو3: 5)، “مَنْ آمن واعتمد خَلَص، ومَنْ لم يؤمن يُدَن” (مر16: 16)، “ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه – لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته – خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس” (تي3: 4،5).
 وقد مارس الآباء الرسل المعمودية منذ يوم حلول الروح القدس، ومازلنا نقتفي آثارهم.. “توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس” (أع2: 38).
 وهو نفس ما فعله فيلبس الرسول مع الخصي الحبشي.. “وفيما هما سائران في الطريق أقبلا على ماء، فقال الخصي: هوذا ماء. ماذا يمنع أن أعتمد؟” (أع8: 36).
 وكذلك معلمنا بولس الرسول وسيلا مع سجان فيلبي.. “اعتمد في الحال هو والذين له أجمعون” (أع16: 33).
 ومعلمنا بطرس الرسول مع كرنيليوس.. “أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قَبِلوا الروح القدس كما نحن أيضًا؟ وأمر أن يعتمدوا باسم الرب” (أع10: 47،48).
 وبولس الرسول مع ليديا.. “اعتمدت هي وأهل بيتها” (أع16: 15).
وللمعمودية فعل باطني سرائري في النفس “لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح” (غل3: 27)، وهي دفن مع المسيح “أم تجهلون أننا كلنا من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدُفنا معه بالمعمودية للموت” (رو6: 3،4)، والكنيسة تُعمد الأطفال لأن السيد المسيح أمرنا ألا نمنعهم “دعوا الأولاد يأتون إليَّ ولا تمنعوهم، لأن لمِثل هؤلاء ملكوت الله. الحق أقول لكم: مَنْ لا يقبل ملكوت الله مِثل ولد فلن يدخله” (لو18: 16،17). ولأننا نؤمن أن المعمودية هي نعمة غنية مجانية.. فلذلك نحن لا نمنع النعمة عن الأطفال.
(ب) سر الميرون المقدس:
تؤمن كنيستنا أن الروح القدس يحل علينا، ويسكن فينا عندما نُدهن بالميرون بعد المعمودية “وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس” (أع2: 38).
وبدون الروح القدس لا يمكن للإنسان أن يحيا حياة روحية، أو يكون له نصيب في السماء.. إذًا لابد من هذه المسحة المقدسة “وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء” (1يو2: 20)، “وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يُعلِّمكم أحد، بل كما تُعلِّمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء، وهي حق” (1يو2: 27).
وكان قبلاً يُؤخذ الروح القدس بوضع الأيادي “حينئذ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس” (أع8: 17). وقد رتب الآباء الرسل هذه المسحة لمنح الروح القدس بدلاً من وضع الأيادي.
(ج) سر الإفخارستيا:
لكي نُدرك أهمية التناول من جسد الرب ودمه.. علينا أن نتأمل هذه الآيات:
“الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم. مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير، لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق. مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه. كما أرسلني الآب الحي، وأنا حي بالآب، فمن يأكلني فهو يحيا بي. هذا هو الخبز الذي نزل من السماء. ليس كما أكل آباؤكم المَنَّ وماتوا. مَنْ يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد” (يو6: 53-58).
وكنيستنا تُعلِّمنا في القداس أن الجسد والدم “يُعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه” (القداس).. فلا توجد حياة أو خلاص أو غفران بدون التناول من جسد الرب ودمه الأقدسين.
وكنيستنا تؤمن أن الذي على المذبح هو جسد حقيقي ودم حقيقي “لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق” (يو6: 55).
أما موضوع “اصنعوا هذا لذكري” (لو22: 19).. فنحن نعرف أن الذكرى لا تُعني أن الجسد الحاضر على المذبح هو رمز.. بل هو حضور حقيقي وحي للسيد المسيح في القربانة.. فنذكر أعماله، وميلاده، وصليبه، وموته، وقيامته، وصعوده، وجلوسه عن يمين الآب، ومجيئه الثاني للدينونة.. “هوذا كائن معنا على هذه المائدة اليوم عمانوئيل إلهنا” (قسمة أعياد الملائكة).
“عمانوئيل في وسطنا الآن” (لحن ابؤرو). فليس المسيح إلهًا غائبًا أو ميتًا حتى نصنع له تذكارًا.. بل هو حي وحاضر كل يوم على المذبح في سر الإفخارستيا.
(د) سر التوبة والاعتراف:
لا يكون خلاص بدون توبة.. التوبة لازمة لكل إنسان في كل مراحل عمره، وفي كل أطوار علاقته مع المسيح “إن قلنا: إنه ليس لنا خطية نُضلُّ أنفسنا وليس الحق فينا” (1يو1: 8). ولا تُحسب التوبة توبة بدون اعتراف “إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل، حتى يغفر لنا خطايانا ويُطهرنا من كل إثم” (1يو1: 9).
والكتاب المقدس يتوافق مع فكر الكنيسة من جهة الاعتراف “مَنْ يكتم خطاياه لا ينجح، ومَنْ يُقر بها ويتركها يُرحم” (أم28: 13)، وكذلك في العهد الجديد “وكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون مُقرين ومُخبرين بأفعالهم” (أع19: 18). وهذا ما عمله الناس مع يوحنا المعمدان “واعتمدوا منه في الأردن، مُعترفين بخطاياهم” (مت3: 6). لذلك قيل “اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات” (يع5: 16). لذلك أعطى السيد المسيح كهنته سلطان الحِلْ والربط وغفران الخطايا “اقبلوا الروح القدس. مَنْ غفرتم خطاياه تُغفر له، ومَنْ أمسكتم خطاياه أُمسكت” (يو20: 22،23)، “كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء” (مت18: 18).
كيف إذن يخلص إنسان خارج الكنيسة بدون كل هذه الأسرار المقدسة؟
(هـ) سر مسحة المرضى:
كنيستنا تتميز بأنها تصلي عن المرضى، وتدهنهم بالزيت حسب أمر الرب “أمريض أحد بينكم؟ فليدع شيوخ الكنيسة فيُصلُّوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب، وصلاة الإيمان تشفي المريض والرب يُقيمه، وإن كان قد فعل خطية تُغفر له” (يع5: 14،15).
وهذا بعينه ما فعله آباؤنا الرسل حيث “دهنوا بزيت مرضى كثيرين فشفوهم” (مر6: 13).
وهناك طوائف أخرى تنتقدنا على استخدامنا للزيت في دهن المرضى ويتناسون أنه أمر كتابي مقدس، وتسليم رسولي طاهر، وممارسة قديمة في الكنيسة منذ الأجيال الأولى.
(و) سر الزيجة:
كنيستنا تنظر إلى الزواج على أنه سر مُقدس بحضور الثالوث القدوس، وليس مجرد عقد بين اثنين بتوقيع شهود كثيرين “فالذي جَمَعَهُ الله لا يفرقه إنسان” (مت19: 6).
إن الله في الأرثوذكسية هو الذي يُجمّع الزوجين ويحل فيهما، لذلك لا تسمح الأرثوذكسية بالطلاق إلا في حالة الزنا حسب تعليم المسيح نفسه “وأقول لكم: إن مَنْ طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني، والذي يتزوج بمُطلقة يزني” (مت19: 9).
وإننا نتعجب من كنائس أخرى مسيحية لا تلتزم بالإنجيل في هذا الأمر، ويسمحون بالطلاق، وبزواج المطلقة بدون شروط أو قيود ثم يدّعون أنهم إنجيليون!
(7) الكتاب المقدس
نعرف أن كل الطوائف تستند إلى الكتاب المقدس وتحترمه.. ولكن ما يُميز كنيستنا القبطية أنها:
(أ) تؤمن بكل الكتاب المقدس:
فلا يوجد عندنا أسفار محذوفة.. بل نؤمن أن “كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر” (2تي3: 16)، “لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس” (2بط1: 21).
ونحن ملتزمون بطاعة كل الكتاب المقدس.. وليس من سلطاننا أن نحذف أسفارًا لا تتمشى مع أهوائنا.. إن الكنيسة تخضع للكتاب المقدس وليس العكس.
وعقيدتنا مستمدة من الكتاب المقدس وخاضعة له، وليس الكتاب هو الذي يتعرض لحذف أجزاء منه لا تتوافق مع العقيدة.
(ب) تؤمن بالعهد القديم وتحترمه:
فالسيد المسيح نفسه كان يصادق على صحة العهد القديم “لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأُكمل” (مت5: 17)، وكان يستشهد بمواقف وآيات عديدة من العهد القديم.
ونحن نؤمن أن العهد القديم لم يُلغ بل تغيّر دون أن يُنقض..
هناك أجزاء تحققت في العهد الجديد وهي النبوات، ولا يُمكن فهم العهد الجديد بدون الرجوع إليها.. وهناك أجزاء تحولت من الرمز إلى الحقيقة مثل: الختان، والذبائح، وشرائع التطهير، والأمور الطقسية.. وأجزاء أخرى مثل الشريعة الأدبية ترقت إلى الوضع المسيحي (راجع الموعظة على الجبل “مت5،6،7″). ولكن مازال في نظر الكنيسة العهد القديم هو الأساس الذي بُني عليه العهد الجديد وربنا يسوع المسيح هو حجر الزاوية.
(ج) تلتزم بكل النصوص الكتابية:
المنحرفون يعتمدون على آية واحدة.. أما الكنيسة فترى أن الكتاب المقدس ليس آية واحدة أو عدة آيات.. إنما هو روح، وحياة تتمشى في الكتاب كله.
والآية الواحدة تُفهم في ضوء السياق العام للكتاب، وفي ضوء ظروف وملابسات كتابتها، وما قبلها وما بعدها من آيات، لأن بعض الآيات تُفهم بوضوح من تكملتها.. “لأن مَنْ مِنَ الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه؟ هكذا أيضًا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله. ونحن لم نأخذ روح العالم، بل الروح الذي من الله، لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله، التي نتكلم بها أيضًا، لا بأقوال تُعلِّمها حكمة إنسانية، بل بما يُعلِّمه الروح القدس، قارنين الروحيات بالروحيات” (1كو2: 11-13).
(د) التفسير:
والكنيسة تفهم الكتاب المقدس على ضوء ما قَبِله الآباء، وعلّموه، وسلّموه إلينا. وهذا ما تم شرحه في شرح مفهوم التسليم الآبائي. “ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم، فليكن أناثيما” (غل1: 8).

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;