المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

الأربعاء، 25 مارس 2015

الأنبا رافائيل : عوامل تشويش الفكر الأرثوذكسى

الأنبا رافائيل : عوامل تشويش الفكر الأرثوذكسى

1356997221y3774t-258x300عوامل عديدة تشابكت لتفسد الفكر الأرثوذكسى الآبائى من جهة حياتنا مع الله وعلاقتنا به، ولعل أبرز هذه العوامل (النزعة الفردية فى الخلاص) التى يتبناها المنهج البروتستانتى، وكذلك (النسكيات المتطرفة) التى كان يتبناها المنهج الكاثوليكى الغربى. ولعل أهم الموضوعات التى أحباها الغموض والإنحراف موضوع (توبتنا)، وأزعم أننى أستطيع تلخيص ما يدور بذهن الشباب من جهة التوبة فى هذه النقاط :
1- أن التوبة هى رجعة حاسمة عن الخطية يعقبها قداسة السيرة بدون سقطات.
2- أن الرجوع للخطية بعد الإعتراف معناه أن توبتى لم تكن حقيقية وهى غير مقبولة.
3- إن إرتباطى بالمسيح يستلزم قداسة السيرة… وهذه القداسة تحتاج مجهود عنيفاً واستمرارية فى عدم الخطأ.
4- بما أننى – عملياً – لا أستطيع ألا أخطئ، وليس لدى مقدرة على السلوك فى نسكيات عنيفة.. لذلك فإما أن :
أ- أعيش بقلبين أحدهما يليق بالكنيسة ويكون لى صورة التقوى بها دون قوتها. والآخر يليق بحياتى الخاصة وبالعالم وأوافقه على كل إنحرافاته.
ب- أو أنه لا فائدة ولنترك الكنيسة لمن يستطيع، أما أنا (فلنأكل ونشرب لأننا غداً نموت).
صديقى الشاب…
لعلك توافقنى فى هذا الزعم… ولكن دعنا الآن نتلمس مفهوم التوبة فى ضمير الكنيسة كما صاغته فى نصوص الليتورجيا (القداس)… ولنبحر معاً فى أعماق أنهار القداس الإلهى لعلنا نخرج منه بتحديدات تنير أمامنا الطريق فيسهل… إذ أن القداس فى الحقيقة – يحوى منهج توبة متكامل بفكر أرثوذكسى آبائى أصيل… لأول وهلة سنلاحظ أن :
1- التوبة هى عمل مستمر ومتكرر ومدى الحياة :
يبدأ الكاهن القداس بصلاة سرية يرددها أثناء فرش وتجهيز المذبح فيقول: “أيها الرب العارف قلب كل أحد القدوس لمستريح فى قديسيه. الذى بلا خطية وحدة، القادر على مغفرة الخطايا. أنت يا سيد تعلم أننى غير مستحق ولا مستعد، ولا مستوجب لهذه الخدمة المقدسة التى لك. وليس لى وجه أن اقترب وافتح فمى أمام مجدك المقدس، بل ككثرة رأفتك اغفر لى أنا الخاطئ وامنحنى أن أجد نعمة ورحمة فى هذه الساعة وارسل لى قوة من العلاء… الخ”.
تأمل كيف تنضج هذه الصلوه بالتوبة والانسحاق والشعور بالخزى بسبب كثرة الخطايا… ومن الذى يقدمها؟ أنه الكاهن المحسوب فى ضمير الكنيسة أنه شفيع فى المذنبين أمام الله…
ثم يستمر الكاهن فى تقديم توبة عميقة منسحقة طوال القداس حتى يختمه بهذه الصلوة قبل التناول: “… لا تدخلنا فى تجربة، ولا يتسلط علنا كل أثم، لكن نجنا من الأعمال غير النافعة، وأفكارها وحركاتها ومناظرها وملامسها، والمجرب أبطله، واطرده عنا، وانتهر أيضاً حركاته المفروسة فينا، واقطع عنا الأسباب التى تسوقنا إلى الخطية، ونجنا بقتك المقدسة… الخ” أنك تستطيع أن تلمس روح التوبة المتغلفة
ليست فى هذه الصلوة فقط بل فى كل صلوات القداس الإلهى، كأن القداس قد وضع فقط للتائبين…، ما يعنينى هنا أن:
1- استمرار صلوات التوبة طوال القداس إنما يشير إلى ضرورة استمرارية التوبة فى حياتنا.
2- أن يبدأ القداس وينتهى بالتوبة؟ معناه أن التوبة هى عمل يستمر مدى الحياة، منذ أن ادرك ذاتى وحتى الإنتقال إلى السماء.
3- تكرار القداس يومياً بنفس النمط ونفس الصلوات يدل على أن التوبة – فى ضمير الكنيسة – هى عمل متكرر يومياً فلو كانت التوبة هى مجرد مرحلة يعقبها قداسة بدون سقطات، لصار فى الكنيسة نوعان من القداسات أحدهما للمبتدئين التائبين ويكون مليئاً بعبارات التوبة والانسحاق، والآخر للمتقدمين (الذين لا يخطئون) ويكون مليئاً بالحب والتسبيح والفرح،
ولا مجال فيه للتوبة والانسحاق.
إننا نتطلع أحياناً إلى يوم نتحرر فيه تماماً من الضعفات والسقطات ونعيش القداسة فى ملئها وبهجتها… وعندما يتأخر هذا اليوم نصاب بالإحباط واليأس الفشل… غير عالمين أنه سيأتى ولكن فى الدهر الآتى… أما فى هذا الدهر فإننا زمان التوبة والنمو… لذلك فالكنيسة الملهمة رتبت لنا توبة فى كل يوم حاسبة فى ضميرها أننا ضعفاء ساقطون لأنه “ليس عبد بلا خطية، ولا سيد بلا غفران” مرد انجيل الصوم الكبير… فليست الكنيسة متحف قديسين ولكنها مستشفى تائبين.
إننا ندخلها خطاه فى كل يوم فتبررنا بدم المسيح الذى تستجلبه لنا بالتوبة والإعتراف والحل… لاحظ هذا الحوار الذى يدور بين الكاهن والشماس والشعب فى نهاية كل صلاة طقسية (خاصة القداس).
يقول الشماس : احنوا رؤوسكم للرب (وهى دعوة للتوبة والإعتراف السرى أمام المسيح فى حضور الكنيسة كلها)؟
يرد الشعب : أمامك يارب (أى ها نحن أمامك منحنين معترفين بذنوبنا وآثامنا وميولنا الرديئة).
ينبه الشماس : ننصت بخوف الله (مشيراً إلى قرار خطير يصدر بعد قليل يجب أن ننصت لنسمعه بمخافة).
يقول الكاهن : السلام للكل (أى أن هذا القرار الخطير سيحمل سلامة للكنيسة كلها).
يرد الشعب : ولروحك أيضاً.
ثم فى هدوء وصمت عميق يحنى كل مصلى رأسه ويقرع صدره ويعترف أمام الله بخطاياه… والكاهن كذلك يتوب عن نفسه وعن الشعب ثم يقرأ عليهم التحليل.
لاحظ أن : توبة + اعتراف + تحليل = غفران.
هذا يدفع الشماس لأن يصرخ (خلصنا ومع روحك أيضاً) شاهداً للكاهن والشعب أن خلاصنا قد حضر بسبب الغفران… فيفرح الشعب ويتهلل ويصرخ بنبع الفرح قائلاً أمين كيرياليصون كيرياليصون… وفى القداس خاصة يكمل الكاهن الحوار قائلاً: القدسات للقديسين (أى هذا الجسد والدم يأخذهما فقط القديسون التائبون الآن).
فتصرخ الكنيسة بإنكسار ووداعة: واحد هو الآب القدوس، واحد هو الإبن القدوس، واحد هو الروح القدس. (معترفة بذلك أن واحداً قدوس فى هو الله؟ وان كان قداسة فينا هى مجرد انعكاسات قدسته فى وجوهنا) وعلى هذا الرجاء وبهذه الثقة نتقدم للتناول من الأسرار المحيية… ونخرج من الكنيسة مبررين بدم المسيح … ولكن غير معصومين من الخطأ.. لذلك فنحن مدعوون للعودة للكنيسة مراراً وتكراراً… ندخل خطاه ونخرج متبررين… وبتكرار التوبة والعودة للمسيح تضمحل الخطية من أعضائنا ويزداد الاشتياق للمسيح وطهارته… ولكننا سنظل خطاة وسيظل المسيح (الذى بلا خطية وحده القادر على مغفرة الخطايا)، مهما ترقينا فى الفضيلة والحب والالتصاق بالمسيح فنحن “تراب ورماد”.
لكن بينما أنا خاطئ متعثر فى خطواتى، وميولى الرديئة تدفعن للسقوط، أجد الكنيسة تدعونى قديساً (القدسات للقديسين)، “أحباء الله مدعوين قديسين” (رو 7:1) فكيف يكون ذلك؟ الإجابة هى الركيزة الثانية فى مفاهيم التوبة بالفكر الأرثوذكسى :
2- التوبة هى عمل كل الكنيسة بكل أعضائها :
فلا يوجد فى الكنيسة فئتان : خطاة مبتدئون، وقديسون كاملون، بل الكل خطاة قديسون، لأن التوبة تجعل الزانى بتولاً والخاطئ قديساً.
لا تتخيل – صديقى الشاب – أنك وحدك تخطئ مع (جيل الشباب الخطاة)… أبدأ.. كلنا نخطئ وكلنا نحتاج التوبة… ونحن – الإكليروس – شركاؤك فى الضيقة وفى الضعف وتحت الآلام مثلك… اسمع الآب الكاهن – المحسوب أنه قائد وقدوة – يصل فى القداس قائلاً: “اذكر يارب ضعفى أنا المسكين، وأغفر لى خطاياى الكثيرة، وحيث كثر الأثم فلتكثر هناك نعمتك، ومن أجل خطاياى خاصة، ونجاسات قلبى  لا تمنع شعبك من نعمة روحك القدوس. حاللنا وحالل كل شعبك من كل خطية ومن كل لعنة ومن كل جحود ومن كل يمين كاذبة ومن كل ملاقات الهراطقة الوثنية. أنعم علينا يا سيدنا بعقل وقوة وفهم لنهرب إلى التمام من كل أمر ردىء للمضاد… الخ”.
لو كان الحال أن الحياة الروحية مفصولة إلى مرحلتين: التوبة والقداسة؟ لكان من البديهى أن يكون الكاهن قد انتهى من مرحلة التوبة، ولا حاجة له أن يصلى مثل هذه الصلوات المفعمة بالأنكسار والتذلل وليتركها للخطاة المبتدئين…  ولكن فكر الكنيسة هو أن التوبة والقداسة صنوان يسيران معاً، فأنا خاطئ لأننى إنسان ضعيف وأنا قديسى لأن المسيح يقدسنى بنعمته… “إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم” (1يو 8:1،9) نحن خطاه (هذا طبع) والمسيح يطهرنا (لأنه أمين وعادل)، ف تظن صديقى أن القداسة بعيدة المنال أو أنك غريب عن القديسين، بل أنت وأنا وأبى الكاهن وكل الكنيسة تائبون… ورجوعنا للخطية لا يلغى إنتمائنا للمسيح ونبوتنا له، فالأحرى أن ننتبه سريعاً ونقوم من سقطاتنا بدون يأس… متمثلين بذلك الراهب الحاذق الذى قال للشيطان “ألست أنت تضرب مرذبة وأنا أضرب مرذبة”… العبرة بالنهاية؟ والذى يصير إلى المنتهى فهذا يخلص… والصديق يسقط فى اليوم سبع مرات ويقوم.
والأكثر من هذا أنك تسمع الآب الكاهن يطلب عن خطاياه وعن جهالات الشعب “اعط يارب أن تكون ذبيحتنا مقبولة عن خطاياى وجهالات شعبك” حاسباً خطايا الشعب أنها جهالات أما الكاهن فليس له عذر فى خطية.
وعندما يتقدم الكاهن ليغسل يديه قبل تقدمه الحمل، وقبل البدء فى القداس لا يكون هدفه فقط نظافة اليدين وإنما نظافة القلب من الخطية والشهوات لأنه يصحب الغسيل بالصلاة “تنضح على بزوفاك فأطهر، تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج… اغسل يدى بالنقاوة…”.
لقد جاء المسيح لأجل الخطاة ليدعوهم للتوبة… والأبرار (فى أعين ذواتهم) ليس لهم نصيب فى عمل المسيح وعندما أدركت الكنيسة هذه الحقيقة سلمتنا – أولادها – سر التوبة مدى الحياة لنكون دائماً فى مجال عمل رب المجد… فإذا كنت خاطئاً مثلى فلا تيأس بل اعرف أنك من صميم عمل المسيح لأنه قال: “لم أت لأدعو ابراراً بل خطاة إلى التوبة… لأنه.. لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى”.
وإذا اعترضت بأن توبتك ضعيفة وأنك تميل – مثلى – إلى الخطية والسقوط فأعلم أن :
3- الغفران يعتمد على قوة السر وأمانة الله : 
لذلك قيل عن سر التناول (السر العظيم الذى للخلاص) صلاة الاستعداد، (السر العظيم الذى للتقوى)، والرشومات ويخاطب الكاهن الله قائلاً: “اللهم معطى النعمة، مرسل الخلاص، الذى يفعل كل شئ فى كل أحد”… فثق صديقى أن الله “رحمته قد ثبتت علينا” مرد اسباتير، وأن “الله يرفع هناك خطايا الشعب من قبل المحرقات (الجسد والدم) ورائحة البخور (الصلوات)” مرد الإبركسيس… وكل الكنيسة تصرخ بهذا المرد الرائع “كرحمتك يارب ولا كخطايانا” ولا نستطيع أن ننسى الإعلان المقدس عن الجسد والدم أنه “يعطى عنا خلاصاً وغفراناً للخطايا”…
وهناك حركة طقسية غاية فى الأبداع تطمئنك أن خطاياك قد ألقيت على دم المسيح… فالكاهن يغطى يديه بلفافتين الأولى على يده اليسرى تمثل الخطايا والضعفات والثانية على يده اليمنى تمثل بر المسيح (لأنه أخذها من فوق الحمل) وقبلما يرشم الكاهن الشعب بكلمة أجيوس (قدوس) يبدل اللفائف ويضع ما كانت بيده اليسرى على الكأس ويمسك ما كانت على الكأس بيده اليمنى ليرشم بها الشعب معلنا بذلك أن خطايانا جميعا قد ألقيت على الدم المقدس وأننا ننال البر بدم المسيح (اللفافة حتى على الكأس) راشما إيانا بكلمة قدوس ليقدسنا.
حقيقة أن توبتنا ضعيفة ومريضة ولكن لنا رجاء فى الله “الذى يحيى الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة” (رو 17:4) ونصرخ مع “أبو الولد” بدموع “أومن يا سيد فأعن عدم إيمانى” (مر 9:24) فلو كانت توبتى عدما، فأومن أنك ستعمل فيها عجبا وتخلصنى بنعمتك لأننى عاجز بجهدى ولكننى لن أيأس من رحمتك.
لذلك وبناء على ما تقدم فإن التوبة الأرثوذكسية فيها :
4- ينتفى الإحساس بالإنجاز والبر الذاتى :
لأنه ليس بمقدرتى ومهارتى، ولا بفرادتى بل بالكنيسة وبالكاهن وبالسر… لذلك يتكرر طوال القداس المرد الشهيد “كيرياليصون – يارب ارحم” عالمين أننا مهما تقدسنا أو تبررنا فنحن بحوجة شديدة لرحمة الرب… ودائماً تسمع التعبير “نحن عبيدك الخطاة غير المستحقين…”، “نحن الاذلاء غير المستحقين…”، “ضعفى أنا المسكين…” بينما نشكر الله فى انكسار أنه “جعلنا أهلاً الآن أن نقف فى هذه الموضع المقدس..” ولأنه “جعلنا مستحقين…” وبروح العشار التائب نصرخ “نسالك يا سيدنا لا تردنا إلى خلف… لأننا لا نتكل على برنا بل على رحمتك، هذه التى بها أحييت جنسنا…” صلاة الحجاب… وتستطيع أن تستشف هذه الروح المنسحقة طوال صلوات القداس لأن الكنيسة المقدسة قد أدركت بروح إله أن القلب المنكسر المتواضع لا يرذله الله.
إن التوبة الأرثوذكسية هى عملنا الوحيد المتكرر طوال الحياة واللازم لكل أعضاء الكنيسة وهى تستجلب لنا غفران خطايانا بدم المسيح ونعمته المجانية اعتماداً على أمانته وحبه لذلك فالتائب المسيحى لا ينتفخ ولا يفتخر بل يظل طوال عمره محتاجاً لرحمة الله وغفرانه.

ربى يسوع الغالى القدوس لن أيأس بعد اليوم ولن استهتر أيضاً… لن أتوانى عن القيام عقب السقوط وكذلك لن أتوانى عن دعوتك لحمايتى من السقوط إكراماً لجسدك واحتراماً لكنيستك… واثقاً أنه بكثرة غفرانك ستضمحل الخطية من أعضائى وسأترك فى الفضيلة حتماً… وسيجىء اليوم بنعمتك – الذى فيه يزداد لهيب حبك فى قلبى أعلى من لهيب الشهوة فى جسدى… “نفسى تنتظر الرب أكثر من المراقبين الصبح” (مز 6:130) لك المجد آمين.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ارسل الموضوع لأصدقائك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
;