القديس أغسطينوس وألوهية السيد المسيح
لقد ضُربت (أيها الموت)، لقد جُرحت، لقد سقطت طريحًا، لكن جُرح ذاك الذي خلقني. يا موت، يا موت، هوذا الذي أوجدني جُرح من أجلي وبموته غلبك. بنصرة سيقولون: “أين غلبتك يا موت؟ أين شوكتك يا موت؟[2]
الآن عندما يقول: “الذي يؤمن بي، ليس يؤمن بي، بل بالذي أرسلني”. ماذا نفهم سوى أنه ظهر كإنسانٍ للبشر بينما بقي غير منظور بكونه الله؟ ولكي لا يظن أحد أنه ليس بأكثر مما يروه فيه يشير إلى الإيمان به كمساوٍ للآب في الشخصية والرتبة… فمن يؤمن بالآب يلزمه أن يؤمن أنه أب، ومن يؤمن بالآب يؤمن أن له ابن، وبهذا فمن يؤمن بالآب يلزمه أن يؤمن بالابن[3].
أنتم تدعون الله أبًا، لتعرفوني إذن على الأقل كأخٍ لكم. وفي نفس الوقت أعطاهم حافزًا لقلوب الأذكياء بذكر ما اعتاد أن يقول: “لم آتِ من نفسي، هو أرسلني. أنا خرجت وأتيت من الله”… لقد جاء من عنده بكونه الله المساوي له، الابن الوحيد، كلمة الآب، جاء إلينا، لأن الكلمة صار جسدًا لكي يحل بيننا. مجيئه يشير إلى ناسوته، الذي هو سكناه، و إلى لاهوته. إنه بلاهوته ذاك الذي بناسوته يجعلنا نتقدم. لو لم يصر هكذا لكي ما نتقدم ما كنا قط نقتنيه ذاك الذي يبقى إلى الأبد[4].
بسبب الأمانة الزوجيّة اِستحق الاثنان أن يُلقبَّا “والديّ يسوع”، إذ كانا هكذا حسب الذهن والهدف وليس حسب الجسد. فإن كان أحدهما والده في الهدف لكن الآخر أي أُمّه كانت والدته بالجسد أيضًا، وقد دعي الاثنان أبواه حسب تواضعه لا سموُّه، حسب ضعفه (ناسوته) لا حسب لاهوته[5].
لكي تعرفوا أن العريس والعروس هما واحد حسب جسد المسيح، وليس حسب لاهوته… لكي تعرفوا أن هذا الكامل هو مسيح واحد، قال بإشعياء: “وضع عمامة عليّ كعريسٍ، وكساني بالزينة كعروس” (إش ٦١: ١٠LXX)[7].
مادمنا لا نستطيع بأية وسيلة أن يكون لنا هذا التطويب الذي به نؤمن ونحن لا نرى ما لم نتقبله من الروح القدس، فلسبب حسن قيل: “خير لكم أن أنطلق. فإنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، لكن إن انطلقت أرسله إليكم” [٧]. هو حاضر معنا على الدوام بلاهوته، ولكن إن لم ينطلق بالجسد عنا، فإننا نرى جسمه دومًا حسب الجسد ولا نؤمن من الجانب الروحاني[8].
إنه يحب الابن من جهة لاهوته، إذ ولده مساويًا لنفسه. يحبه أيضًا بكونه جسدًا لأن الابن الوحيد صار إنسانًا، وبكونه الكلمة فإن جسد الكلمة هو عزيز عليه. أما بالنسبة لنا فبكوننا أعضاء في ذاك الذي يحبه، ولكي ما نصير هكذا. لقد أحبنا لهذا السبب قبل أن يخلقنا[9].
كمن يقول له: “وأنت تحت ظل الخطية أنا اخترتك”، وإذ تذكر نثنائيل أنه كان تحت شجرة التين حين لم يكن أحد هناك عرف لاهوته وأجاب: “أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل”. ذاك الذي كان تحت شجرة التين لم يصر شجرة تين جافة، فقد عرف المسيح[10].
لكي نقتني (رؤيته) إن كنا لا نقدر بعد أن نرى الله الكلمة، لنسمع “الكلمة صار جسدًا”، ناظرين أننا نحن جسديون، فلنسمع الكلمة المتجسد. فإنه لهذا السبب جاء، ولهذا السبب حمل ضعفنا حتى يمكن أن نقبل كلمات الله القوية الحامل ضعفنا. بحق قد دُعي “اللبن”، إذ يهب لبنًا للرضع حتى يقدم وجبة الحكمة (اللحم) للناضجين[11].
من كان يستطيع أن يلمس الله الكلمة لو لم يكن الكلمة قد صار جسدًا وحلَّ بيننا؟! لقد أخذ الكلمة المتجسد بداية ناسوته من مريم العذراء، لكن ليست هذه هي بداية الكلمة، إذ يقول الرسول: “الذي كان من البدء”، شريك الآب في الأزلية[12].
قدم تشكرات للمسيح الذي صار ضعيفًا لأجلكم لأنكم ضعفاء، ولتكن رغباتكم معدة للاهوت المسيح لكي تشبع بها[13].
[2]Sermons on New Testament
Lessons, 78:10.
[3]St. Augustine: On the Gospel of
St. John, tractate, 54: 2.
[4]St. Augustine: On the Gospel of
St. John, tractate 42: 8.
[5]On Marriage& Concupiscence
12.
[6]Trinity 1:12.
[7]Sermon on N.T. Lessons, 41:7-8.
[8]Sermon on N.T. Lessons, 93:4.
[9]St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate, 110: 5.
[10]Sermon on N.T. Lessons, 39:5.
[11]Sermon on N.T. Lessons, 67:16.
[12]St. Augustine: 10 Homilies on 1st Epistle of St. John.
[13]Sermon on N.T. Lessons, 95:6.