13- إن كانت المعمودية ضرورية، فهل كل أنبياء العهد القديم اعتمدوا؟!
ولكن أنبياء العهد القديم مارسوا من رموز المعمودية ما أمكنهم ممارسته في أيامهم كالختان وعبور البحر. ومارسوا الاحتفال بخروف الفصح الذي يرمز إلي دم المسيح.والإجابة هي: لو كانت وصية المعمودية موجودة في أيامهم لكان يلزمهم العماد، كلن هذه الوصية وضعت في المسيحية فلماذا؟ لأن المعمودية هي موت مع المسيح والمسيح لم يكن قد مات في العهد القديم.
ولا يجوز أن نطالب أشخاصًا بشريعة لم تكن موجودة في أيامهم.
14- هل الخلاص هو بالكلمة وليس بالماء؟
هل الخلاص بالكلمة وليس بالماء؟
وهل قول الرسول عن الكنيسة: (مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة) (أف26:5). تعني أن هذا الغسل كان بالكلمة؟ أي الخلاص بالكلمة.
وماذا عن باقي الآيات التي تدل علي لزوم الكلمة للخلاص مثل (مولودين ثانية لا من زرع يفني، بل مما لا يفني، بكلمة الله الحية الباقية إلي الأبد) (1بط23:1) وأيضًا (شاء فولدنا بكلمة الحق) (يع18:1) ولم يقل ولدنا بالمعمودية – أو خلصنا بالمعمودية!!
ما أهمية الماء للخلاص؟
مادام الرب قد قال (من آمن واعتمد خلص) إذن الخلاص يكون هكذا..ولكن عبارة من آمن، لابد أن يسبقها شيء آخر هو التعليم أو الكرازة لان الرسول يقول (كيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون بلا كارز؟) (رو14:10). من هنا جاءت أهمية الكلمة..
الكلمة أولًا، نتيجة لها يحدث الإيمان. ونتيجة للإيمان تتم المعمودية، ونتيجة للمعمودية الخلاص والولادة الجديدة.
ومع أن الخلاص والميلاد كلاهما بالمعمودية، إلا أنه لابد من الكلمة أولًا لأنها هي التي تقود إلي الإيمان، وبالإيمان المعمودية. لذلك قال الرسول (ولدنا بكلمة الحق) (مولودين بكلمة الله).. علي اعتبار أن الكلمة هي الأصل الذي قاد إلي كل هذا..
وقول الرسول عن الكنيسة: "مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة" (أف26:5). فمعناه أن هذا التطهير تم بالمعمودية (غسل الماء).. بالكلمة أي التبشير والكرازة وخدمة الكلمة التي من نتيجتها كان الإيمان ثم المعمودية.
نلاحظ هنا قوله (بغسل الماء بالكلمة) ولم يقل بغسل الماء الذي هو الكلمة. ولو كان غسل الماء يعنى الكلمة، ما كان هناك داع لهذا التكرار (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). إنما غسل الماء بالكلمة معناه غسل الماء التي تم نتيجة لعمل الكلمة، فلولا الكلمة ومفعولها ما أقبل الناس إلى غسل الماء أي المعمودية.
أما من جهة عبارة "مولودين بكلمة الله" (1بط 1: 23) وعبارة "شاء فولدنا بكلمة الحق" (يع1: 18)، فنلاحظ فيهما أنه لم يذكر الإيمان؟! إن هذا مستحيل. ولكنه لم يذكر الإيمان هنا لأنه مفهوم ضمنًا.
الأشياء المفهومة ضمنًا، لا داعي لتكرارها في كل مناسبة. لا نستطيع في كل مناسبة أن نكرر عبارات: الكلمة - الإيمان - المعمودية - الميلاد الثاني..
إن الكرازة لها أهميتها. ولا ينكر أحد أهمية خدمة الكلمة. ولكن لا نستطيع مطلقًا أن نقول إنه يمكن لأناس أن يكونوا "مولودين بكلمة الحق" سواء آمنوا أم لم يؤمنوا هكذا أيضًا في المعمودية.
أما عبارة "غسل الماء بالكلمة، فتعنى الأمرين معًا: الكلمة والمعمودية ونلاحظ فيهما أيضًا أنه لم يذكر (الإيمان الذي هو مفهوم ضمنًا).
البروتستانت يركزون باستمرار على الإيمان. فهل عدم ذكر عبارة الإيمان في (أف5: 26، يع1: 18؛ 1 بط 1: 23).
يعني عدم أهمية الإيمان ولزومه؟ طبعًا لا. ففي بعض الأحيان عدم ذكر شيء لا يعني بالضرورة عدم لزومه، إنما قد يعني أنه مفهوم ضمننًا، هكذا في المعمودية.
15- ما هو مركز الماء في الخلاص والميلاد الثاني؟
إذا ما هو مركز الماء في الخلاص والميلاد الثاني؟
أ- أن كان الماء لم يذكر في عبارة "ولدنا بكلمة الحق" وعبارة "مولودين بكلمة الله" إلا أنه قد ذكر صراحة في قول الرب: "أن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو5:3). هنا ولادة صريحة من الماء.
المقصود بالماء أن يكون ماءًا حقيقيًا وليس رمزًا..
ب- وهذا واضح في قبول إيمان كرنيليوس وأصحابه الأمميين وضمهم إلي عضوية الكنيسة.
هنا أشخاص أبرار. كان إيمانهم بدعوة من الله، وظهور ملاك لكرنيليوس ورؤيا لبطرس، وأمر إلهي. وقد بشرهم بطرس بالكلمة، وحل الروح القدس علي جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة (أع44:10). وتكلموا بألسنة.
أكان كل هذا يكفي لميلادهم الثاني؟ أكان يمكن لبطرس أن يقول لهم: مبارك لكم جميعًا هذا الميلاد الجديد؟ كلا بل أن القديس بطرس قال بعد كل هذا: (أتري يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمدوا باسم الرب) (أع10: 47،48).
ويعلق كاتب سفر أعمال الرسل علي هذا بقوله مباشرة: (إن الأمم قبلوا كلمة الله) (أع1:11). هنا إذن مكان الماء إلي جوار الكلمة. وهنا الماء لا يعني الكلمة، كما ظن البعض في ظن (أف26:5) (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).
ج- وهناك مثال آخر واضح للماء، في معمودية الخصي الحبشي؟:
لما آمن الخصي. يقول الكتاب: (وفيما هما سائران في الطريق أقبلا علي الماء. فقال الخصي: هوذا ماء. ماذا يمنع أن اعتمد. فقال فيلبس: إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز. فأجاب وقال: أنا أومن أن يسوع المسيح هو أبن الله.. فنزلا كلاهما إلي الماء،فيلبس والخصي الحبشي، فعمده) (أع8: 36-38).
هنا المعمودية ماء، تمامًا مثل معمودية كرنيليوس والذين معه، معمودية ماء حقيقي، كانت لازمة بعد الكلمة مباشرة، ولم يكن الماء فيها هو الكلمة.. فإن كان الخصي قد ولد بالكلمة، وغسل بالكلمة، ماذا كانت الحاجة إلي الماء..؟!
16- أهمية الماء ورموزه في المعمودية
وفي هذا المجال أود أن أتحدث عن موضوع هام هو:
أهمية الماء ورموزه:-
وذلك لنفهم لماذا اختير الماء للغسل والولادة الجديدة في سر المعمودية المقدس.. منذ البداية، في قصة الخليقة، والماء له علاقة بالحياة.
يقول الكتاب: (وروح الله يرف علي وجه المياه) (تك2:1). ويذكر أيضًا أن الله قال: (لتفض المياه زحافات ذات أنفس حية، وليطر طير..) (تك20:1). وهكذا خرجت الحياة من الماء، ونري ربطًا ما بين الماء وروح الله.
ونقرأ أيضًا أن الله يشبه ذاته بالماء. فيقول في تبكيته للشعب: (تركوني أنا ينبوع المياه الحي، لينقروا لأنفسهم آبارًا مشققة) (إر13:2). وكما ذكر هذا في العهد القديم ذكر نفس المعني في العهد الجديد في قوله السيد المسيح له المجد: (من آمن بي -كما قال الكتاب- تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه) (يو7: 38، 39).
ويشبه هذا قول السيد المسيح عن نفسه أنه المعطي الماء الحي في حديثه مع المرأة السامرية عن الماء الحي، إذا يقول: (بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلي حياة أبدية) (يو4 10-14). الماء إذا يرمز إلي الحياة، وأحيانًا إلي الروح القدس نفسه (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وما أجمل قول الوحي الإلهي في المزمور الأول عن الرجل البار إنه: (يكون كشجرة مغروسة علي مجاري المياه تعطي ثمرها في حينه) (مز3:1)أي ثمر الروح. ويعوزنا الوقت أن نربط بين الماء والحياة والروح القدس في الكتاب المقدس. الذي يستمر من أول سفر التكوين(تك 3:1). إلي آخر سفر الرؤيا (أنا أعطي العطشان ينبوع ماء الحياة مجانًا) (رؤ6:21) (وأراني نهرًا صافيًا من ماء حياة لامعًا كبلور، خارجًا من عرش الله والخروف) (رؤ1:22).
(من يعطش فليأت، ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجانًا) (رؤ17:22).
وفي عبور البحر الأحمر كان الماء يرمز للحياة والموت معًا. موت الإنسان العبد، وحياة الإنسان الحر، الخارج من الماء.
وفي لقان خميس العهد، كان الماء يرمز إلي التطهير. لذلك قال الرب بعد غسل أرجل تلاميذه قال لهم: (أنتم طاهرون..) (يو10:13). ويقول المرتل في المزمور: (أغسل يدي بالنقاوة).
لعل هذا هو غسل الميلاد بالكلمة، التطهير الذي نناله في حميم الميلاد الجديد. وينطبق عليه في المعمودية قول الرسول للعبرانيين: (مغتسلة أجسادنا بماء نقي) (عب22:10).
ولا أريد أن أترك الحديث عن الماء، دون أن اذكر معجزة عظيمة حدثت وقت صلب المسيح خاصة بالماء والدم.
17- الماء والدم
لما طعن الجندي جنب المسيح وهو علي الصليب، خرج من جنبه (دم وماء) (يو24:19).
فما الحكمة اللاهوتية من هذا؟
خرج من جنبه الدم الذي يعطي معني الفداء. ولكن كيف ننال نحن هذا الفداء نناله بالماء (المعمودية) لذلك حسن أن أجتمع علي الصليب الدم والماء، ليعطي الوسيلة للفداء.
إن دم المسيح الذي يطهرنا من الخطية نناله بالماء. ما أجمل -في سر الأفخارستيا- أن نمزج الدم بالماء.
ولعل موضوع الدم والماء يظهر واضحًا في قول القديس يوحنا الحبيب الذي شهد هذا الحادث (خروج الدم والماء) وهو إلي جوار الصليب:
(الذين يشهدون في الأرض هو ثلاثة: الروح والماء والدم. والثلاثة هم واحد (1يو8:5). إن الفداء الذي نناله توضحه هذه الآية.
الفداء قدمه لنا الدم (دم المسيح). ونحن ننال استحقاقات هذا الدم بالميلاد من الماء والروح.
إذن في المعمودية تجتمع هذه الثلاثة في الشخص الواحد المعمد: أعني الدم والروح والماء.
18- هل الماء في المعمودية له كل هذه الفاعلية؟
ولعل أحدًا يسأل: هل الماء له كل هذه الفاعلية؟
أ) إن هذا السؤال يذكرني بالاحتجاج الذي احتج به نعمان السرياني حينما طلب إليه إليشع أن يغتسل في الأردن لكي يطهر. فاستكثر هذا أن يكون الأمر مجرد غسل في الماء، وعندهم أنهار في دمشق أفضل من أنهار إسرائيل (2مل5: 10-12) ولكنه لما أطاع واغتسل، نال الطهارة بهذا الإيمان. وملاحظة بسيطة هنا. إن النبي أمره بالاغتسال في الأردن الذي صار فيما بعد نهر المعمودية أيام يوحنا المعمدان (مت6:3) فهل نستكثر علي الماء مفعوله، كما حدث مع نعمان السرياني؟!
إن الله يعطي النعمة بالطريقة التي يريدها. وهنا لم تكن النعمة في مجرد ماء الأردن، إنما السر في القوة التي وضعها الله في هذا الماء للتطهير.. ونفس الأمر نقوله إلي حد ما عن المعمودية كما سنشرح.
ب) مثال آخر: حينما شفي الرب الرجل المولود أعمي. وضع طينًا في عينيه وقال له:
(أذهب اغتسل في بركة سلوام. فمضي واغتسل وأتي بصيرًا) (يو9: 6، 7) كان يمكن بمجرد الإيمان أن ينال هذا الأعمى بصرًا. ولكن الله أراد أن يمنحه النور -والمعمودية استنارة- عن طريق الماء. فليكن مشيئة الرب فيما يريد. إننا لا نرسم له خططًا ينفذها تبارك اسمه..
ج- ومع كل ذلك نقول في الإجابة على هذا السؤال إن ماء المعمودية ليس مجرد ماء بسيط عادي. والإنسان المعمد لا يولد من الماء فقط، إنما من الماء والروح.
الروح القدس يقدس هذا الماء لكي تصبح له طبيعة خاصة يمكن بها لمن يغطس فيه أن يولد من الماء والروح (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وبهذا يأخذ استحقاقات دم المسيح في الفداء حينما -في هذا الماء- يدفن المعمد مع المسيح، ويشترك مع المسيح في موته، لكي يستحق أن يشترك معه في قيامته.
ولذلك فنحن أثناء تقديس ماء المعمودية، نسكب عليه من زيت الميرون المقدس الخاص بالمسحة المقدسة، مسحة الروح القدس، لكي يتقدس الماء بالروح. ومن يولد منه يولد من الماء والروح.
وفي تقديس هذا الماء يصلي الكاهن صلوات معينة خاصة بتقديس الماء وحلول الروح لتقديسه. وأيضًا يتلو تلاوات من كلمة الله. وهكذا فإن ماء المعمودية الذي نغتسل به يكون قد تقدس بالكلمة.